الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معقب لحكمه، ولا راد لفضله) (1).
وهذا النص محمول على غير الحاج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج وقف بعرفة مفطرا (2)، وأما الحاج فسنتكلم عنه في المطلب الثاني إن شاء الله.
(1) التمهيد 19/ 26.
(2)
ينظر: فتح الباري 4/ 279.
المطلب الثاني: صيام يوم عرفة للحاج:
عرفنا فضل صوم يوم عرفة، واستحباب صيامه لغير الحاج، أما الحاج فقد اختلف الفقهاء فيه، هل يصوم يوم عرفة أو لا؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يستحب للحاج أن يصوم يوم عرفة، إذا كان ذلك لا يضعفه عن أعمال عرفة، فإن كان يؤثر عليه كره في حقه، وهو مذهب الحنفية (1)، وقديم قولي الشافعي (2)، وبه قال قتادة (3)، وعطاء (4) دليل هذا القول: استدل أصحاب هذا القول على استحبابه للقوي الذي لا يضعفه الصوم عن أعمال عرفة بحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم عرفة فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية (5)» حيث حملوا ذلك على
(1) ينظر: الفتاوى الهندية 1/ 201.
(2)
ينظر: المجموع 6/ 380.
(3)
ينظر: مصنف عبد الرزاق 4/ 284، وفتح الباري 4/ 280.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 472، والمغني 4/ 444.
(5)
سبق تخريجه.
من لم يضعفه صيامه عن الذكر، والدعاء المطلوب للحاج، أما من يضعفه فلا يسن الصوم في حقه، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف مفطرا (1)، ولأن كراهية صومه معللة بالضعف عن الدعاء ونحوه، فإذا زالت العلة رجع الحكم الأصلي للمسألة (2).
واعترض عليه: بأن المراد بحديث أبي قتادة غير الحاج، أما الحاج فلا يشرع في حقه الصيام، استدلالا بوقوف النبي صلى الله عليه وسلم مفطرا (3)، وسيأتي ذلك إن شاء الله.
القول الثاني: يستحب صيامه للحاج كغيره، وهو قول عائشة، وابن الزبير رضي الله عنهما (4)، وإسحاق (5)، والظاهرية (6).
الأدلة: استدل أصحاب هذا القول على مشروعية صيام يوم عرفة بعرفة. بما يأتي:
الدليل الأول: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم عرفة، فقال:«يكفر السنة الماضية والباقية (7)» .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حض على صيام
(1) ينظر: فتح الباري 4/ 279.
(2)
ينظر: المغني 4/ 444.
(3)
ينظر: المجموع 6/ 379.
(4)
ينظر: المغني 4/ 444
(5)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 472.
(6)
ينظر: المحلى 7/ 17.
(7)
سبق تخريجه.
يوم عرفة، ولم يفرق بين من كان بعرفة، وبين غيره، فدل على مشروعية الصيام في حق الجميع.
ويمكن أن يعترض عليه: بأن النبي صلى الله عليه وسلم حض على صيامه لغير الحاج، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج وقف مفطرا، (1)، كما سيأتي إن شاء الله.
الدليل الثاني: عن الحسن البصري أنه سئل عن صوم يوم عرفة، فقال:(صامه عثمان بن عفان في يوم حار يظلل عليه)(2)
ويمكن أن يعترض عليه بأمرين:
الأمر الأول: أن النص لم يدل على أن عثمان رضي الله عنه كان حاجا، إذ قد يصومه في يوم حار وهو في المدينة، سيما وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عثمان رضي الله عنه لم يصمه (3).
الأمر الثاني: إذا سلم صيام عثمان رضي الله عنه له بعرفة، فهو اجتهاد منه، ولا عبرة في اجتهاده في مقابلة فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثالث: عن محمد بن أبي بكر الصديق أن عائشة أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة بالحج (4).
ويمكن أن يعترض عليه: بأن صيام عائشة رضي الله عنها لعرفة بعرفة اجتهاد منها، يقابله ترك النبي صلى الله عليه وسلم لصيامه في عرفة،
(1) كما سيأتي في الدليل الأول والثاني من أدلة القول الثالث.
(2)
أخرجه ابن حزم في المحلى 7/ 19.
(3)
كما سيأتي في الدليل الخامس من أدلة القول الثالث.
(4)
أخرجه ابن حزم في المحلى 7/ 19.
واتباع طريقة النبي صلى الله عليه وسلم أولى من متابعة عائشة رضي الله عنها في اجتهادها.
القول الثالث: لا يستحب صيامه للحاج، وهو مذهب المالكية (1)، والمعتمد من مذهب الشافعية (2)، ومذهب الحنابلة (3)، وهو قول أكثر العلماء (4).
الأدلة: استدل أصحاب هذا القول على أنه لا يستحب صيامه للحاج. مما يأتي:
الدليل الأول: عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها.
الدليل الثاني: عن ميمونة رضي الله عنها: «أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلاب، وهو واقف في الموقف، فشرب منه، والناس ينظرون (7)» .
(1) ينظر: بلغة السالك 1/ 227.
(2)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 472، والمجموع 3/ 379، 380.
(3)
ينظر المغني 4/ 444، وشرح منتهى الإرادات 1/ 459.
(4)
ينظر: المغني 4/ 444.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب الوقوف على الدابة بعرفة 1/ 509.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المحصر، باب صوم يوم عرفة (6/ 56).
(7)
الحلاب: الإناء الذي يحلب فيه اللبن. (النهاية في غريب الحديث 1/ 421). (6)
وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم عرفة بعرفة مفطرا، وهذا دليل على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة (1).
الدليل الثالث: عن أبي - هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة (2)» .
وجه الدلالة: أن الحديث نهى الحاج أن يصوم في عرفة، وذلك كي لا يضعف عن القيام بالشعائر في ذلك اليوم (3).
واعترض عليه: بأن في سنده مهدي بن حرب؛ قال يحيى بن معين: (لا نعرفه)(4). وبنحوه قال أبو حاتم (5) وقال ابن حزم: (مجهول)(6) ولذا قال ابن حزم بعد
(1) فتح الباري 4/ 280.
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصوم، باب في صوم يوم عرفة بعرفة (2/ 816)، وابن ماجه في كتاب الصيام، باب صيام يوم عرفة (1/ 551)، وأحمد في المسند (2/ 304)، والحاكم في كتاب الصوم (1/ 434)، والبيهقي في السنن، كتاب الصيام، باب الاختيار للحاج في ترك صوم يوم عرفة (4/ 283).
(3)
ينظر: معالم السنن 2/ 131.
(4)
الجرح والتعديل 8/ 337.
(5)
ميزان الاعتدال 4/ 195.
(6)
المحلى 7/ 18.
ذكره للحديث (1): (ومثل هذا لا يحتج به). وقال النووي (2): (إسناده فيه مجهول). وقال ابن القيم (3): (وفي إسناده نظر).
ويمكن أن يجاب عنه: بأن بعض العلماء قد وثقه، فذكره ابن حبان في الثقات (4)، وقال الحافظ في التقريب (5):(مقبول)، ولذا صححه ابن خزيمة (6)، وقال الحاكم (7):(هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي (8).
الدليل الرابع: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب (9)» .
(1) المصدر السابق الجزء والصفحة.
(2)
المجموع 6/ 380.
(3)
زاد المعاد 1/ 61.
(4)
7/ 501 / 7/ 501.
(5)
2/ 279 / 2/ 279.
(6)
صحيح ابن خزيمة 3/ 292.
(7)
المستدرك على الصحيحين 1/ 434.
(8)
ينظر: التلخيص 1/ 434.
(9)
أخرجه أبو داود في كتاب الصوم، باب صيام أيام التشريق (3/ 143)، والترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق (3/ 143)، وأحمد في المسند (4/ 152)، والحاكم في كتاب الصوم (1/ 434)، والبيهقي في السنن، كتاب الصيام، باب الأيام التي نهي عن صومها (4/ 298). قال الترمذي بعد ذكره الحديث:((وحديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح))، وقال الحاكم:((هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)). ووافقه الذهبي.
وجه الدلالة: أن الحديث نص في أن يوم عرفة يوم عيد، وأكل وشرب، وذلك في حق أهل عرفه. قال ابن القيم (1):(قال شيخنا: وإنما يكون يوم عرفة عيدا في حق أهل عرفة، لاجتماعهم فيه، بخلاف أهل الأمصار، فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم). وإذا كان يوم عرفة في حقهم يوم عيد فلا يشرع صومه.
الدليل الخامس: عن أبي نجيح قال: (سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن يوم عرفة، قال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه).
وجه الدلالة: أن هذا النص دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وثلاثة من الخلفاء الراشدين كلهم وقفوا بعرفة مفطرين، ويبعد أن يستحب صيامه - مع ما جاء من عظيم الفضل فيه - ويقفون مفطرين، فدل على أنه لا يشرع صيامه لمن كان واقفا بعرفة.
الراجح: يظهر أن الراجح هو القول الثالث المتضمن عدم
(1) زاد المعاد 1/ 62.