الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استحباب صوم عرفة للحاج، وذلك كي يتفرغ الحاج لأعمال الوقوف بعرفة والدعاء (1)، وهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، والخير كل الخير في السير على نهجهم، واتباع طريقهم. والله أعلم.
(1) ولأنه في حكم المسافر أو هو مسافر فعلا.
المبحث الثاني: صيام الأيام الثمانية الأول من ذي الحجة:
تقدم فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج، وخلاف الفقهاء في استحبابه لمن كان حاجا، وأما صيام الأيام الثمانية الأول من ذي الحجة فسنتكلم عنها في المطالب التالية:
المطلب الأول: كلام الفقهاء في المسألة:
اتفق فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وغيرهم، على استحباب صوم الأيام الأول من ذي الحجة.
قال في المبسوط (1).
وقال في الفتاوى الهندية (2): (ويستحب صوم تسعة أيام من أول ذي الحجة).
وقال في مواهب الجليل (3): (يستحب - يعني صيامها - استحبابا شديدا، لا سيما التاسع منها، وهو يوم عرفة).
وقال في إحياء علوم الدين (4): (اعلم أن استحباب الصوم
(1) 3/ 92.: ((الصوم في هذه الأيام مندوب إليه))
(2)
1/ 201.
(3)
2/ 402
(4)
1/ 392.
يتأكد قي الأيام الفاضلة. . . - وذكر - والعشر الأول من ذي الحجة).
وقال في روضة الطالبين (1): (ومن المسنون صوم عشر ذي الحجة، غير العيد).
وقال في المقنع (2): (ويستحب صوم عشر ذي الحجة).
وقال ابن حزم (3): (ونستحب صيام أيام العشر من ذي الحجة قبل النحر).
وقال القرطبي (4): (وصومها مستحب استحبابا شديدا، لا سيما التاسع، وهو يوم عرفة).
وقال النووي (5): (فليس في صوم هذه التسعة كراهية، بل هي مستحبة استحبابا شديدا، لا سيما التاسع منها، وهو يوم عرفة).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة قولهم (6): (أفضل الأيام لصيام التطوع الاثنين والخميس، وأيام البيض، وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر، وعشر ذي الحجة).
وجاء في فتوى أخرى قولهم (7): (فإذا أردت أن تصوم فإنك
(1) 2/ 388.
(2)
ص 66.
(3)
المحلى 7/ 19.
(4)
المفهم شرح صحيح مسلم 4/ 1972.
(5)
صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 71.
(6)
10/ 385 رقم الفتوى: (12128).
(7)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية 10/ 393 رقم الفتوى: (4052).
تصوم هذا اليوم - يعني يوم عرفة - وإن صمت يوما قبله فلا بأس، وإن صمت الأيام التسعة من أول ذي الحجة فحسن؛ لأنها أيام شريفة يستحب صومها).
وقال في الشرح الممتع وهو يتكلم عن قول المصنف في صيام أيام التطوع: (وتسع ذي الحجة)(1): (وتسع ذي الحجة تبدأ من أول يوم من ذي الحجة، وتنتهي باليوم التاسع، وهو يوم عرفة، وقد رجح الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومها (2)، فإن ثبت هذا فهو المطلوب، وإن لم يثبت فإن صيامها داخل في عموم الأعمال الصالحة).
وبذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما (3)، وابن سيرين، وقتادة (4)، والحسن (5)، ومجاهد (6) وغيرهم.
(1) 6/ 471، 472.
(2)
سيأتي الكلام مفصلا عن الخلاف في صحة ما جاء في ذلك في المطلب الثاني إن شاء الله.
(3)
ينظر: لطائف المعارف ص 461.
(4)
ينظر: المصدر السابق ص 460.
(5)
ينظر: مصنف عبد الرزاق 4/ 378.
(6)
ينظر: مصنف ابن أبي شيبة 3/ 41.
المطلب الثاني: الأدلة المثبتة لاستحباب صيامها:
استدل العلماء على القول باستحباب صيام الأيام الثمانية الأول من ذي الحجة بما يأتي:
الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير تعمله في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه، وماله فلم يرجع من ذلك بشيء (2)» .
وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن أفضل العمل الصالح عند الله تعالى العمل في عشر ذي الحجة، والعمل الصالح عام يشمل الصيام، لذا ينبغي أن يكون مستحبا، كسائر العمل الصالح (3).
قال ابن حزم (4): (ونستحب صيام أيام العشر من ذي الحجة قبل النحر، لما حدثنا. . . -، وذكر الحديث، ثم قال -: قال أبو محمد: وهو عشر ذي الحجة، والصوم عمل بر، فصوم عرفة يدخل فيه أيضا).
(1) سبق تخريجه
(2)
سبق تخريجه
(3)
ينظر: نيل الأوطار 5/ 247.
(4)
المحلى 7/ 19.
وقال ابن رجب (1): (وقد دل حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في الحشر من غير استثناء شيء منها). وقال ابن حجر (2): (واستدل به - يعني بحديث ابن عباس - على فضل صيام عشر ذي الحجة، لاندراج الصوم في العمل).
الدليل الثالث: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر (3)» .
وجه الدلالة: أن الحديث صريح في إثبات صيام النبي صلى الله عليه وسلم لتسع ذي الحجة، وهذا دليل على استحبابها.
وهذا الحديث لو ثبت لكان نصا في المسألة، إلا أنهم قد اختلفوا في تصحيحه، حيث أخرجه أبو داود (4)، والنسائي (5) وأحمد في مسنده (6)، والبيهقي في سننه (7)، كلهم من طريق أبي عوانة عن الحر بن
(1) لطائفة المعارف ص 460.
(2)
فتح الباري 2/ 534.
(3)
سنن النسائي الصيام (2372)، سنن أبو داود الصوم (2437)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 288).
(4)
في كتاب الصوم، باب في صوم العشر 2/ 815.
(5)
في كتاب الصيام، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك (4/ 220).
(6)
5/ 271.
(7)
في كتاب الصيام، باب العمل الصالح في العشر من ذي الحجة (4/ 285).
الصباح عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة. . . (1)» الحديث.
وأخرجه أيضا النسائي (2)، وأحمد في مسنده (3)، وابن حبان (4)، من طريق أبي إسحاق الأشجعي الكوفي، وقال حدثنا عمر بن قيس الملائي عن الحر بن الصباح، عن هنيدة بن خالد
(1) سنن النسائي الصيام (2372)، سنن أبو داود الصوم (2437)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 288).
(2)
في كتاب الصيام، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك 4/ 220.
(3)
6/ 287.
(4)
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، كتاب التاريخ، باب من صفته صلى الله عليه وسلم وأخباره (8/ 112).
الخزاعي، عن حفصة قالت:«أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام يوم عاشوراء والعشر. . . (1)» الحديث. وهذا الطريق ضعيف؛ لأن أبا إسحاق مجهول (2). وجاء عن النسائي عن هنيدة عن أمه، عن أم سلمة (3). ولذلك كله فقد اختلفوا في صحته.
فقال المنذري (4): اختلف فيه على هنيدة، فروي عنه كما أوردناه - يعني: عنه، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وروي عنه، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنه عن أمه، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مختصرا.
وقال الزيلعي (5): (ضعيف)، وقال ابن التركماني (6):(وحديث هنيدة اختلف عليه في إسناده). وبنحو كلام المنذري ذكر الشوكاني في نيل الأوطار (7)، (وأيضا اختلف الرواة على الحر بن الصباح اختلافا كثيرا في إسناده ومتنه، زيادة ونقصا)(8).
وهذا يدل على أن في الحديث اضطرابا كبيرا، ومع ذلك فقد صححه بعض العلماء، فالإمام أحمد يرجح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان
(1) سنن النسائي الصيام (2416).
(2)
ينظر: إرواء الغليل 4/ 111.
(3)
في كتاب الصيام، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (4/ 221).
(4)
مختصر سنن أبي داود 3/ 320.
(5)
نصب الراية 2/ 157.
(6)
الجوهر النقي 4/ 285.
(7)
5/ 247.
(8)
إرواء الغليل 4/ 111.
يصومها (1)، وقد حسن السيوطي الحديث عن حفصة (2)، وحسنه من المتأخرين عبد القادر الأرناؤوط (3)، وضعفه الألباني من طريق هنيدة عن حفصة، وصححه من طريق هنيدة، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (4).
الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر (5)» .
وجه الدلالة: أن الحديث نص على أن صيام كل يوم من أيام عشر ذي الحجة يعدل سنة، وهذا حث على صيامها والعمل فيها.
لكن في صحة هذا الحديث نظر؛ لأن في سنده رجلين متكلم فيهما.
الأول: مسعود بن واصل ضعفه أبو داود الطيالسي، وقال
(1) ينظر: الشرح الممتع 6/ 471.
(2)
ينظر: الجامع الصغير 5/ 277.
(3)
ينظر: حاشية الروضة الندية 1/ 556.
(4)
ينظر: صحيح سنن أبي داود 2/ 462، وضعيف سنن النسائي ص 82.
(5)
أخرجه الترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في العمل في أيام العشر (3/ 131) وابن ماجه في كتاب الصيام، باب صيام العشر (1/ 551).
أبو داود (1): (ليس بذاك) وقال الحافظ ابن حجر (2): (لين الحديث).
الثاني: النهاس بن قهم (3)، قال أحمد (4):(نهاس بن قهم كان قاصا). وقال يحيى بن سعيد (5): (نهاس بن قهم ضعيف).
وقال ابن معين (6): (نهاس بن قهم ليس بشيء، كان قاصا).
وقال ابن حبان (7): (كان ممن يروي المناكير عن المشاهير ويخالف الثقات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به). وقال في الميزان (8): (تركه يحيى القطان، وضعفه ابن معين، وقال أبو أحمد الحاكم: لين). ولهذا قال الترمذي (9): (هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس. قال: وسألت محمدا - يعني: البخاري - عن هذا الحديث، فلم يعرفه من غير هذا الوجه).
وأشار ابن رجب إلى ضعف الحديث، بسبب النهاس، عند ذكره له في لطائف المعارف (10) وقال المباركفوري في شرحه لجامع
(1) ميزان الاعتدال 4/ 100.
(2)
التقريب 2/ 244.
(3)
الكامل في ضعفاء الرجال 7/ 59.
(4)
المجروحين 3/ 56.
(5)
الجرح والتعديل 8/ 511.
(6)
المصدر السابق، الجزء والصفحة.
(7)
المجروحين 3/ 56.
(8)
4/ 274.
(9)
سنن الترمذي 3/ 131.
(10)
ينظر: ص 459.