المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وجدير بنا أن نعرف أولا معنى (السلام). - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ رفع اليدين في الدعاء

- ‌ ساعة الإجابة يوم الجمعة

- ‌ أمرني والداي بأن أترك أصحابا طيبين

- ‌ شرب الدخان وبيعه والاتجار به

- ‌ الدخان محرم في شرع الله تعالى

- ‌ طريقة التيمم الصحيحة

- ‌ مس الحائض للقرآن الكريم

- ‌ صفة الحجاب الشرعي

- ‌ الطبيب يتطلب في بعض الأحيان رؤية عورة المريض أو مسها للفحص

- ‌ التداوي قبل وقوع الداء كالتطعيم

- ‌ مصافحة النساء

- ‌دفع الرشوة للموظفين

- ‌حكم إطالة الثوبسواء كان للخيلاء أو بحكم العادة

- ‌ من يقصر ثوبه ويطول سروآله

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ الاحتفاظ بشيء من ممتلكات الصالحين

- ‌ الصلاة بحمل المصحف الشريف بالنسبة للإمام

- ‌ صيام يوم السبت في النافلة

- ‌ كتابة معاني بعض الآيات على الفنائل باللغة الإنجليزية

- ‌ الضابط في التعامل مع المبتدع

- ‌ توابع المسجد كالفناء والساحة والمكتبة وبيوت الوضوء لها حكم المسجد

- ‌ حكم من حكم على علماء السنة كابن حجر رحمه الله بالضلال

- ‌ الردود على أهل البدع

- ‌ سفر الطالبة للعلم الشرعي وحدها

- ‌ إعداد الطعام وتوزيعه لوفاة شخص ما

- ‌ قراءة القرآن الكريم في آن واحد جماعة

- ‌ صلاة التروايح وراء إمام يقرأ القرآن الكريم بسرعة

- ‌ تدريس الرجل للبنات والبنين المختلط

- ‌ ما حكم شرب الدخان

- ‌ الحكم الشرعي في تارك الصلاة

- ‌ حكم زكاة عروض التجارة

- ‌ صبغ الشعر الأبيض للمرأة

- ‌ القول: شاءت الأقدار

- ‌ إقامة (مركز صحي) خاص بالرقية الشرعية

- ‌ قراءة القرآن على الماء ورشه

- ‌ قراءة القرآن الكريم على الماء وزيت الزيتون

- ‌ عدد ركعات صلاة التراويح

- ‌ الدعاء المرغوب عند الإفطار

- ‌ مقدار زكاة الفطر، وأين يخرجها

- ‌ حضور النساء لصلاة العيد

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ إكمال الوضوء وإحكامه

- ‌ إطالة الغرة في الوضوء إلى الركبتين والإبطين

- ‌ هل يسبق الوضوء قول أم النية تكفي

- ‌ التسمية عند الوضوء

- ‌ هل ثبت في الشرع دعاء أثناء الوضوء

- ‌ الدعاء أثناء الوضوء

- ‌ تخليل اللحية في الوضوء

- ‌ الوضوء إذا تمضمض الإنسان ولم يدخل إصبعه في فمه

- ‌ هل يجوز أن تتعمد المرأة وقت الوضوء وتغطي رأسها

- ‌ لم يعم رأسه بالمسح بالماء عند الوضوء

- ‌ عدد المسح على الرأس في الوضوء

- ‌ مسح الأذنين في الوضوء

- ‌ غسل الدبر من الريح

- ‌ حكم الماء المغصوب إذا توضأ به

- ‌ تراكم الدهانات " البوية " على أماكن الوضوء

- ‌ علاج الوسوسة في الطهارة

- ‌بيان من هيئة كبار العلماء

- ‌ القسم الثاني مما يتضمنه ما يسمى بالنصيحة فهو كذب وبهتان

- ‌ ما جاء في الكتاب والسنة من المكاييل والموازين والمقاييس:

- ‌ التطبيقات العملية في فقه العبادات والمعاملات على الموازين والمكاييل والمقاييس:

- ‌فصل: في الحديث عن كل معيار وزن، أو كيل وتحويله إلى المقادير المعاصرة:

- ‌ الإردب:

- ‌ الرطل:

- ‌ الصاع:

- ‌ المد:

- ‌ العرق:

- ‌ الفرق:

- ‌ القدح:

- ‌ القربة:

- ‌ القسط:

- ‌ القفيز:

- ‌ القلة:

- ‌ الوسق:

- ‌ الكر:

- ‌ المختوم:

- ‌المدي

- ‌ المكوك:

- ‌ الويبة:

- ‌ المثقال:

- ‌ القنطار:

- ‌ الأوقية:

- ‌ الإستار:

- ‌ النش:

- ‌ المن:

- ‌ القيراط:

- ‌ النواة:

- ‌ الحبة:

- ‌ خلاصة التقدير والتحويل:

- ‌القول الحق في نسك الحج الذي أحرم به خير الخلق صلى الله عليه وسلم

- ‌المقدمة:

- ‌تمهيد في تعريف الحج، وحكمه، وفضله، وشروط وجوبه:

- ‌المبحث الأول: أنواع نسك الحج:

- ‌المبحث الثاني: حكم التخيير بين الأنساك الثلاثة:

- ‌المبحث الثالث: فسخ الحج إلى عمرة:

- ‌المبحث الرابع: تحقيق النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السادس: أفضل الأنساك:

- ‌الخاتمة:

- ‌حكم صيام عشر ذي الحجة

- ‌أولا: المقدمة:

- ‌ثانيا: التمهيد:

- ‌المطلب الأول: فضل عشر ذي الحجة:

- ‌المطلب الثاني: الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة:

- ‌ثالثا: حكم صيام عشر ذي الحجة:

- ‌المبحث الأول: صيام يوم عرفة:

- ‌المطلب الأول: صيام يوم عرفة لغير الحاج:

- ‌المطلب الثاني: صيام يوم عرفة للحاج:

- ‌المبحث الثاني: صيام الأيام الثمانية الأول من ذي الحجة:

- ‌المطلب الثالث: ما جاء في الاختلاف في صيام النبي صلى الله عليه وسلم للعشر:

- ‌المطلب الرابع: شبهات حول صيام العشر والجواب عنها:

- ‌الخاتمة:

- ‌السلام وأهميته في السنة النبوية

- ‌معنى السلام:

- ‌الخاتمة:

- ‌قواعد الاختصار المنهجي في التأليف

- ‌طرق التصنيف ومقاصده:

- ‌ أهم أنواع التأليف

- ‌ المتن:

- ‌ الشرح:

- ‌ الحاشية:

- ‌ التهميش:

- ‌ التذييل:

- ‌ الاختصار:

- ‌من صور الاختصار:

- ‌ اختصار السجود:

- ‌ الاختصار في الصلاة:

- ‌ اختصار الكلمات والألفاظ

- ‌الاختصار عند المحدثين

- ‌الفرق بين المختصر والمتن:

- ‌الفرق بين المختصر والتلخيص:

- ‌الفرق بين التهذيب والاختصار:

- ‌الفرق بين الاختصار والانتقاء:

- ‌القائلون بالاختصار:

- ‌المانعون من الاختصار:

- ‌أنواع الاختصار في التأليف:

- ‌أصناف المختصرين:

- ‌أغراض الاختصار وفوائده:

- ‌عيوب الاختصار:

- ‌ضوابط الاختصار:

- ‌حديث شريف

الفصل: وجدير بنا أن نعرف أولا معنى (السلام).

وجدير بنا أن نعرف أولا معنى (السلام).

ص: 310

‌معنى السلام:

قال ابن الأثير في النهاية: (والسلام في الأصل السلامة، يقال: سلم يسلم سلامة وسلاما، ومنه قيل للجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة من الآفات)(1).

والسلام: يطلق على عدة معان، منها: أنه اسم من أسماء الله تعالى، ومنها: التحية، ومنها: التسليم، ومنها: السلامة والبراءة من العيوب، ومنها: الأمان، ومنها: الصلح (2).

مر بنا قبل قليل أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء (3)، ومعنى سلام المؤمن على أخيه المؤمن: الأمان، أو معناه: عليك عناية الله وحفظه، وقيل غير ذلك (4).

وهذه التحية التي يتداولها المسلمون اليوم هي تحية أبيهم آدم عليه السلام:

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فلما خلقه -أي آدم عليه السلام قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك

(1) النهاية في غريب الحديث: 2/ 392.

(2)

انظر فتح الباري: 11/ 13، ولسان العرب: 12/ 289 وما بعدها.

(3)

انظر النهاية: 2/ 392، والاعتقاد للبيهقي، ص55.

(4)

انظر فتح الباري: 11/ 13.

ص: 310

وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله (1)» الحديث.

وليس المراد من قوله: (فسلم) الوجوب، لأنها واقعة حال لا عموم لها.

فابتداء السلام سنة، ورده واجب، فإذا كان المسلم جماعة فيكون سنة كفاية في حقهم، فمن سلم منهم حصلت سنة السلام.

وإذا كان المسلم عليه أكثر من واحد كان الرد عليهم فرض كفاية، فإذا رد واحد عنهم سقط الرد عن الآخرين.

فالمبتدئ يكفيه أن يقول: السلام عليكم، وأكمله أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما المجيب فلو اقتصر في الرد على قوله: وعليك، جاز، لكن الأفضل أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} (2)(3).

مر بنا قبل قليل أن المجيب إذا اقتصر في الرد على قوله: وعليك، أجزأه، لكنه في هذا الجواب قد غرر بأخيه المسلم:

2 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(1) أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب الاستئذان، باب بدء السلام، 11/ 3 حديث رقم (6227).

(2)

سورة النساء الآية 86

(3)

انظر: شرح السنة للبغوي: 12/ 255 وما بعدها، وشرح مسلم للنووي 14/ 140.

ص: 311

«لا غرار في صلاة ولا تسليم (1)» واختلف العلماء في تفسير (ولا تسليم)، فمن نصبه جعله معطوفا على (غرار)، وحينئذ يكون المعنى: لا نقص ولا تسليم في صلاة ومن جره جعله معطوفا على (صلاة)، ويكون معناه، كما قال الخطابي -كما في شرح السنة-:(أصل الغرار: نقصان لبن الناقة، فقوله: (لا غرار) أي لا نقصان في التسليم، ومعناه: أن ترد كما يسلم عليك وافيا لا نقص فيه، مثل أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، فتقول: وعليكم السلام ورحمة الله، ولا تقتصر على أن تقول: عليكم السلام أو عليكم) (2).

أما ما يقوله بعض المسلمين في عصرنا عندما يسلم عليه فيجيب بقوله: هلا، أو حياك الله، أو مرحبتين، ونحو ذلك، فليس هذا جوابا كافيا في الرد، ويكون بهذا الجواب آثما، لأمرين:

الأمر الأول: لأنه لم يرد بالجواب المشروع الذي شرعه الإسلام.

الأمر الثاني: لأنه ابتدع قولا لم يعهد في السنة النبوية.

وهذا السلام الذي أكرم الله به هذه الأمة، وجعله من

(1) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة 2/ 244 حديث 298. قلت: وإسناده صحيح.

(2)

شرح السنة: 12/ 258، وانظر فيه معنى: الغرار في الصلاة.

ص: 312

مميزاتها ومناقبها، فإن اليهود حسدوا المسلمين عليه:

3 -

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين (1)» وهذا الحديث لا يتعارض مع الحديث الأول الذي مر بنا؛ لأن المراد بالذرية البعض وهم المسلمون، أو أن من جاء بعد آدم عليه السلام تركوا هذه التحية، وعندما جاء الإسلام أحياها.

وكان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا سلم سلم ثلاث مرات:

4 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي: «أنه كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا (2)» .

وتكرار السلام يكون عند الاستئذان، أما إذا كان مارا أو داخلا فلا يكرر بل السنة أن يسلم مرة واحدة، إلا إذا كان الجمع كبيرا وأراد أن يسمع الجمع فحينئذ يشرع له التكرار (3) وكان الصحابة رضي الله عنهم يكررون السلام في الاستئذان، لأن بيوتهم كانت مكشوفة ليست لها أسوار، فالذي يأتي منهم يقف بجانب الباب فيسلم، فإن أذن له دخل وسلم أيضا، وإن

(1) أخرجه ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الجهر بآمين 1/ 278 حديث رقم (856). قال المحقق نقلا عن الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات احتج مسلم بجميع رواته.

(2)

أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب العلم، باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه 1/ 188 حديث (94 و95).

(3)

انظر الفتح: 1/ 189 و 11/ 27.

ص: 313

لم يؤذن له سلم ثانية، فإن أذن له دخل وسلم، وإلا سلم ثالثة فإن أذن له دخل وسلم، وإلا رجع (1).

وقد بينت لنا السنة النبوية صيغ السلام وما لكل صيغة من ثواب:

5 -

فعن عمران بن حصين رضي الله عنه «أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثون (2)» قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه -كما في الفتح-: انتهى السلام إلى (وبركاته)(3)، وذهب إلى ذلك أيضا ابن

(1) انظر الفتح: 11/ 29 وما بعدها، وانظر: سنن الترمذي، باب ما جاء في الاستئذان ثلاثا 5/ 53.

(2)

أخرجه الترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما ذكر في فضل السلام، 5/ 52 حديث (2685) وقال عنه: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وفي الباب عن علي وأبي سعيد وسهل بن حنيف. وأبو داود، كتاب الأدب، باب كيف السلام، 4/ 350 ح (5195) وأخرجه أيضا عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه ح (5196) بمعناه، وزاد:((ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: أربعون، قال: هكذا تكون الفضائل)). قلت: وهذه الزيادة ضعيفة إذ في السند أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون وسهل بن معاذ، قال المنذري:((لا يحتج بهما)) مختصر سنن أبي داود: 8/ 69. قلت: أي إذا خالفا.

(3)

فتح الباري: 11/ 6 قال الحافظ ابن حجر: ورجاله ثقات.

ص: 314

عباس.

6 -

قال محمد بن عمرو بن عطاء: (كنت جالسا عند عبد الله بن عباس، فدخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم زاد شيئا في ذلك، قال ابن عباس -وهو يومئذ قد ذهب بصره-: من هذا؟ قالوا: هذا اليماني الذي يغشاك، فعرفوه إياه، قال: فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن السلام انتهى إلى البركة)(1) أما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقد كان يرى جواز الزيادة والأولى أن لا يزيد المسلم، ويتمسك بالسنة كما جاءت من غير زيادة ولا نقصان فهو أفضل وأسلم.

أما تغيير صفة السلام المشروعة، كأن يقول: عليك السلام، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك:

7 -

قال جابر بن سليم: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال:«لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى (2)»

(1) الموطأ كتاب السلام، باب العمل في السلام، 2/ 259 ح (2).

(2)

أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب كراهية أن يقول: عليك السلام. 4/ 353 ح (5209). والترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في كراهية أن يقول: عليك السلام، مبتدئا. 5/ 72 ح (2772) وقال عنه: حسن صحيح.

ص: 315

وليس المراد من هذا أن السنة في تحية الموتى أن يقال: عليكم السلام، بل هذا إشارة إلى ما جرت به العادة في تحية الأموات، بتقديم الاسم على الدعاء، كما قال الشماخ:

عليك سلام من أمير وباركت

يد الله في ذلك الأديم الممزق (1)

فتحية الأحياء والأموات سواء لا تختلف كما سيأتي معنا إن شاء الله (2).

أما إذا كان الدعاء في الشر فيقدم اسم المدعو عليه، فيقال: عليه لعنة الله.

قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (3)، ويجوز في (السلام) لغتان، فيجوز أن نقول: سلام عليكم، ويجوز أن نقول: السلام عليكم، وتكون الألف واللام للتفخيم (4) وإذا سلم المسلم على أخيه المسلم فلا مانع أن يصافحه، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة:

8 -

قال كعب بن مالك: (دخلت المسجد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني)

(1) انظر شرح السنة للبغوي: 5/ 469 وما بعدها.

(2)

انظر: جامع الأصول: 6/ 606.

(3)

سورة ص الآية 78

(4)

انظر جامع الأصول: 6/ 606.

ص: 316

9 -

وقال قتادة: قلت لأنس (أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم) وهذه المصافحة أصلها من أهل اليمن:

10 -

قال أنس لما جاء أهل اليمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة (1)» .

فمن سلم على أخيه المسلم وصافحه فإن الله تعالى يغفر له ذنوبه:

11 -

فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا (2)» وزاد أبو داود: «وحمدا الله واستغفراه (3)» وقد استحب

(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الاستئذان، باب المصافحة، 11/ 54، ذكر الإمام البخاري هذا الحديث معلقا مختصرا، وأخرجه متصلا مطولا في كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، 8/ 113 حديث (4418).

(2)

أخرجه الترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في المصافحة 5/ 74 وما بعدها حديث (2727) وحسنه. وأبو داود، كتاب الأدب، باب ما جاء في المصافحة 4/ 354 حديث:(5211 و 5212).

(3)

سنن أبو داود الأدب (5211).

ص: 317

المصافحة غير واحد من أهل العلم.

قال الإمام النووي -كما في الفتح-: (المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي)(1) وقال ابن بطال: (الأخذ باليد هو مبالغة المصافحة، وذلك مستحب عند العلماء، وإنما اختلفوا في تقبيل اليد، فأنكره مالك، وأنكر ما روي فيه)(2).

أما المصافحة بعد الصلوات فهي من البدع المحدثة، وإن قال قائل: إن هذا العمل أصله سنة، فلا يخرج هذا العمل عن السنة.

فالجواب: أن صلاة النفل مشروعة في كل وقمت ما عدا الأوقات المنهي عنها، لكن لو خصص المصلي وقتا يصلي فيه فهو مكروه، وكذلك صلاة الرغائب فهي من البدع المحرمة، ولا يقال: إن أصلها سنة، فما من شيء إلا وله أصل في الشرع (3)

(1) فتح الباري: 11/ 55.

(2)

المرجع السابق: 11/ 56.

(3)

انظر فتح الباري: 11/ 55.

ص: 318

تنبيه:

أما المعانقة فلم يثبت فيها حديث مرفوع صحيح، وإنما

ص: 318

ثبتت المعانقة عن بعض الصحابة:

12 -

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلي، فسرت، فقال: ابن عبد الله، قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الناس يوم القيامة -أو قال:

ص: 319

العباد- عراة غرلا بهما (1)» الحديث.

فهذا يدل على جواز المعانقة للقادم من سفر، وكذلك لا مانع من المعانقة في العيد أو في تهنئة مثلا، ونحو ذلك.

والمسلم الذي يبدأ صاحبه أولا بالسلام فهو السابق إلى الخير والفضل:

13 -

عن أبي أمامة أنه قال: «قيل: يا رسول الله، الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ فقال: أولاهما بالله (2)» وعن أبي داود: «إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام (3)» ومعنى: «أولاهما بالله (4)» أي أحق الناس بمغفرة الله ورحمته أو أقرب الناس بالله.

وقد حث الإسلام على إلقاء السلام بين المسلمين سواء كانت هناك معرفة أم لا:

14 -

عن عبد الله بن عمرو بن العاص «أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من

(1) أخرجه أحمد في المسند 3/ 495، وأخرجه الخطيب في كتابه:(الرحلة في طلب الحديث) من عدة طرق، انظر ص 109 وما بعدها. قال محققه، بعد أن تكلم على عبد الله بن محمد بن عقيل، المذكور في إسناد الإمام أحمد: إلا أن هذا الحديث لا ينزل عن رتبة الصحة لما تقوى به من المتابعة.

(2)

أخرجه الترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في فضل الذي يبدأ بالسلام، 5/ 56 ح (2694) وحسنه.

(3)

كتاب الأدب، باب في فضل من بدأ بالسلام، 4/ 351 ح (5197).

(4)

سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2694)، سنن أبو داود الأدب (5197)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 269).

ص: 320

عرفت وعلى من لم تعرف (1)»

والمراد أن يسلم المسلم على كل من لقيه من إخوانه المسلمين، ولا يخص أحدا دون أحد من أجل المعرفة أو غيرها.

قال الإمام النووي - كما في الفتح-: (وفي ذلك إخلاص العمل لله تعالى، واستعمال التواضع، وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة)(2) قال أبو حاتم السجستاني -كما في الفتح- تقول: (اقرأ عليه السلام، ولا تقول: أقرئه السلام، فإذا كان مكتوبا، قلت: أقرئه السلام، أي: اجعله يقرأه)(3) وقد كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يخرج إلى السوق من أجل أن يسلم على الناس، ويطبق هذه السنة النبوية:

15 -

كان الطفيل بن أبي بن كعب يأتي عبد الله بن عمر، فيغدو معه إلى السوق، قال: (فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه، قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوما، فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق؟ فاجلس بنا هاهنا نتحدث.

(1) انظر: بذل المجهود، 20/ 135.

(2)

فتح الباري: 11/ 21.

(3)

فتح الباري: 1/ 56.

ص: 321

قال: فقال لي عبد الله بن عمر: يا أبا بطن -وكان الطفيل ذا بطن- إنما نغدو من أجل السلام، نسلم على من لقينا).

وإن حصل خصام بين مسلمين فلا يجوز الهجر فوق ثلاث بدون عذر شرعي، وجعل الإسلام خيارهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام:

16 -

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام (1)» .

ومن آداب الإسلام أن المسلم إذا أراد الانصراف من المجلس فيسن له أن يسلم:

17 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة (2)»

(1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الهجرة، 10/ 492 ح (6077). ومسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي، 4/ 1984 حديث (25). فإن كان عذر شرعي فيجوز الهجر كالمبتدعة والفساق.

(2)

أخرجه الترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في التسليم عند القيام وعند القعود، 5/ 62 وما بعدها حديث (2706) وحسنه. وأبو داود، كتاب الأدب، باب في السلام إذا قام من المجلس، 4/ 353 ح (5208).

ص: 322

وقد جعل الإسلام رد السلام واجبا، وجعله من حقوق المسلم على أخيه المسلم:

18 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس (1)» والمراد من قوله: «حق المسلم على المسلم (2)» الوجوب، وقيل: المراد به حق الحرمة والصحبة.

والمراد من الوجوب هنا وجوب الكفاية، وهو إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين (3).

وجاء في صحيح مسلم أن من حق المسلم على المسلم أن يبدأه بالسلام إذا لاقاه:

19 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه (4)» وليس المراد في هذا الوجوب؛ لأن السلام سنة باتفاق

(1) أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، 3/ 112 ح (1240). ومسلم، كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام، 4/ 1704 ح (4) بلفظ:((خمس تجب للمسلم على أخيه المسلم)) ثم ذكر الحقوق مع تقديم وتأخير.

(2)

أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، 3/ 112 ح (1240). ومسلم، كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام، 4/ 1704 ح (4) بلفظ:((خمس تجب للمسلم على أخيه المسلم)) ثم ذكر الحقوق مع تقديم وتأخير.

(3)

انظر فتح الباري: 3/ 113.

(4)

كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم 4/ 1704 ح (5).

ص: 323

أهل العلم (1).

ولإفشاء السلام فوائد عظيمة تعود على أفراد المجتمع بالخير الجزيل في الدنيا والآخرة، فمنها ما أخرجه الإمام مسلم:

20 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم (2)» قال ابن العربي - كما في الفتح-: (فيه أن من فوائد إفشاء السلام حصول المحبة بين المتسالمين، وكان ذلك لما فيه من ائتلاف الكلمة، لتتم المصلحة بوقوع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين، وهي كلمة إذا سمعت أخلصت القلب الواعي لها عن النفور إلى الإقبال على قائلها)(3).

وعندما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم في الجلوس في الطرقات، فلم يرخص لهم إلا إذا قاموا بحق الجلوس، ومن حقه رد السلام:

21 -

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس في الطرقات. فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها، فقال: فإذ أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض

(1) انظر شرح السنة: 12/ 255.

(2)

كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون 1/ 74 ح (54).

(3)

فتح الباري: 11/ 18 وما بعدها.

ص: 324

البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)». والسبب في النهي عن الجلوس في الطرقات، لأن الجالس يتعرض للفتن بالنظر إلى النساء الشواب عندما يمررن في الطرقات، كما يعرض الجالس نفسه للقيام ببعض الأمور المحذورة، وقد لا يقوى على القيام بها، فندبهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ترك الجلوس حسما للمادة، لكن الصحابة بينوا للرسول ضرورتهم إلى تلك المجالس، فأذن لهم، وأرشدهم إلى ما يزيل تلك المفاسد (2).

كما أن السلام ليس مقتصرا على الرجال بل يشمل النساء، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسلم على النساء وهن في المسجد:

22 -

قالت أسماء بنت يزيد: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما، وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم (3)» ، وأشار عبد الحميد بيده، وقد اختلف العلماء في تسليم الرجال على

(1) أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب الاستئذان، باب قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا الآية، 11/ 8 ح (6229). ومسلم، كتاب السلام، باب حق الجلوس على الطريق العام 4/ 1704 ح (3).

(2)

انظر فتح الباري: 11/ 11 و 12.

(3)

أخرجه الترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في التسليم على النساء 5/ 58 ح (2697) وحسنه. وأبو داود، كتاب الأدب، باب في السلام على النساء، 4/ 352 ح (5204) بلفظ:((مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا)). والدارمي، كتاب الاستئذان، باب في التسليم على النساء، 2/ 277. ثلاثتهم من طريق ((شهر بن حوشب)) وقد اختلف العلماء في الاحتجاج به، والصحيح أنه من رجال الحسن، ولا يسلم ما قاله الحافظ ابن حجر بحقه، انظر ميزان الاعتدال: 2/ 283 وما بعدها، وسير أعلام النبلاء: 4/ 372 والتقريب ص 269

ص: 325

النساء على عدة أقوال، والصحيح أنه يشرع السلام على العجوز، أما الشابة فلا يشرع من باب سد الذرائع كما قال المالكية (1).

كما يشرع السلام على الصبيان:

23 -

مر أنس بن مالك رضي الله عنه على صبيان فسلم عليهم، وقال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله (2)» وجاء عند مسلم بلفظ:

(1) انظر هذه الأقوال في فتح الباري: 11/ 33 و34 وبذل المجهود: 20/ 140.

(2)

أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب الاستئذان، باب التسليم على الصبيان، 11/ 32 حديث (6247).

ص: 326

24 -

عن أنس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان فسلم عليهم (1)» . قال ابن بطال - كما في الفتح-: (في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة، وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب)(2)

25 -

وأخرج النسائي في السنن الكبرى -كما في تحفة الأشراف- عن قتيبة بن سعيد عن جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت بن أسلم عن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، فيسلم على صبيانهم، ويمسح على رؤوسهم

(1) كتاب السلام، باب استحباب السلام على الصبيان، 4/ 1708 ح (14).

(2)

فتح الباري: 11/ 33.

ص: 326

ويدعو لهم (1)».

وقد راعى الإسلام في السلام آدابا ينبغي مراعاتها والأخذ بها:

26 -

فعن أبي هريرة رضي عنه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير (2)» والمراد بقوله " يسلم " ليسلم، كما جاء في المسند (3)، وهو على سبيل الاستحباب (4)، والحكمة من هذا -كما قال المهلب -: تسليم الصغير؛ لأجل حق الكبير؛ لأنه أمر بتوقيره والتواضع له، وتسليم القليل، لأجل حق الكثير، لأن حقهم أعظم، وتسليم المار؛ لشبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب؛ لئلا يتكبر بركوبه، فيرجع إلى التواضع (5).

ومن آداب الإسلام أن لا تلقى هذه التحية على من كان يقضي حاجته، فلو سلم المسلم على أخيه المسلم وهو يقضي حاجته فلا يرد عليه السلام:

(1) تحفة الأشراف: 1/ 108 حديث (280) قلت: وإسناده حسن؛ لأن الضبعي صدوق. انظر التقريب ص 140 وانظر فتح الباري: 11/ 33.

(2)

أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب الاستئذان، باب تسليم القليل على الكثير، 11/ 14 حديث (6231). ومسلم، كتاب السلام، باب يسلم الراكب على الماشي والقليل على الكثير، 4/ 1703 حديث (1).

(3)

مسند الإمام أحمد: 2/ 314.

(4)

انظر فتح الباري: 11/ 17.

(5)

فتح الباري: 11/ 17.

ص: 327

27 -

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رجلا مر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبول، فسلم، فلم يرد عليه السلام (1)» .

قال الإمام النووي: (إن المسلم في هذا الحال لا يستحق جوابا، وهذا متفق عليه).

وقال أصحابنا: (ويكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط، فإن سلم عليه كره له رد السلام)(2) وجاء أيضا: أن الإنسان إذا كان على غير طهارة فلا يرد السلام:

28 -

قال عمير مولى ابن عباس: (أقبلت أنا وعبد الله بن يسار، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم: «أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام (3)» لكن

(1) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب التيمم، 1/ 281 حديث (115). وأبو داود، كتاب الطهارة، باب في كراهة رد السلام وهو يبول، 1/ 5 ح (16 و 330 و 331). والترمذي، كتاب الطهارة، باب كراهة رد السلام غير متوضئ، 1/ 150 ح (90).

(2)

شرح صحيح مسلم: 4/ 65.

(3)

أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب التيمم، باب التيمم في الحضر إذا. . 1/ 441 ح (337). ومسلم باب التيمم حديث رقم عام (369) 1/ 281. وعنده وهمان: الأول: ذكر عبد الرحمن بن يسار والصواب عبد الله، كما جاء عند البخاري. الثاني: قال: أبو الجهم، والصواب أبو الجهيم بالتصغير، انظر الفتح 1/ 442، وشرح صحيح مسلم: 4/ 63 وما بعدها.

ص: 328

هذا محمول عند قضاء الحاجة. قال الإمام الترمذي: (وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول، وقد فسر أهل العلم ذلك)(1) أما سبب تيمم الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه أراد أن يتشبه بالمتطهرين، كمن أبيح له الفطر، لكن يشرع له الإمساك تشبها بالصائمين (2).

ومن الأمور التي يشرع عندها السلام، السلام على أهله إذا دخل بيته:

29 -

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك (3)»

(1) الجامع الصحيح للترمذي: 1/ 150.

(2)

انظر فتح الباري: 1/ 443 وقارن.

(3)

أخرجه الترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في التسليم. . . 5/ 59، وقال عنه: حسن غريب. قلت: وفي سند هذا الحديث علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف كما في التقريب ص 401، لكن الإمام الترمذي حسن متنه، لشواهده الصحيحة.

ص: 329

وإذا سلم المسلم على أخيه المسلم وهو يصلي، شرع له أن يرد التحية بالإشارة:

30 -

قال صهيب رضي الله عنه: «مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه، فرد إلي إشارة (1)» .

31 -

وقال ابن عمر: قلت لبلال: «كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد

(1) أخرجه الترمذي، كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة، 2/ 203 حديث (367) قال الترمذي: وفي الباب عن بلال وأبي هريرة وأنس وعائشة. قلت: الحديث حسن لغيره لشواهده.

ص: 329

عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده (1)» لكن جاء أيضا أن الصحابة سلموا على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة ولم يرد السلام، لا بإشارة ولا بغيرها:

32 -

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة شغلا (2)» .

ويجمع بين هذه الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم مرة أشار بيده ومرة لم يفعل، فالمصلي مخير بين الأمرين (3) وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل من أجل المعرفة فقط، وهذا يخالف منهج الإسلام في إفشاء السلام كما مر بنا:

33 -

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل، لا يسلم عليه إلا للمعرفة (4)»

(1) المصدر السابق حديث (368) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وانظر الفتح 11/ 19.

(2)

صحيح البخاري مع الفتح، كتاب العمل في الصلاة، باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، 3/ 72. حديث (1199).

(3)

انظر فتح الباري: 11/ 19.

(4)

المسند: 1/ 405. قلت: والحديث إسناده حسن؛ لأن فيه شريك بن عبد الله، وهو ممن اختلف في الاحتجاج به، لكن الصحيح أنه من رجال الحسن، ولا يسلم لمن قال: إنه ضعيف يتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد. وعلى فرض ضعفه فهذا الحديث له شواهد في المسند، انظر: 1/ 407 و 419 و 3/ 439.

ص: 330

كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام:

34 -

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق، فاضطروه إلى أضيقه (1)» .

فدل هذا الحديث على عدم جواز ابتداء المشركين بالسلام، وهو نهي صريح في المنع.

وذهبت طائفة إلى الجواز، مستدلين بأدلة عامة، كقوله تعالى:{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} (2)، لكن لا يسلم لهم ما ذهبوا إليه؛ للأحاديث المتقدمة، وهي صريحة في المنع، فلا تترك لأدلة عامة (3) قال الحافظ ابن حجر:(وحديث أبي هريرة في النهي عن ابتدائهم أولى)(4) وأجاب القاضي عياض عن الآية -كما في الفتح- وكذا عن قول إبراهيم عليه السلام لأبيه (بأن القصد بذلك،

(1) أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام. . .، 4/ 1707 ح (13).

(2)

سورة الزخرف الآية 89

(3)

انظر فتح الباري: 11/ 39.

(4)

فتح الباري: 11/ 39.

ص: 331

المتاركة والمباعدة وليس القصد فيهما التحية) (1) أما إذا سلم عليهم بلفظ يقتضي خروجهم، كأن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، فجائز.

وكذلك يجوز أن يقول: السلام على من اتبع الهدى (2) أما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه (3)» فهو كما قال القرطبي: (لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكراما لهم واحتراما، وليس المعنى: إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم، لأن ذلك أذى لهم، وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب)(4).

وقد استثنى عبد الله بن مسعود ما إذا كانت هناك حاجة دينية أو دنيوية كحق الرفقة مثلا:

35 -

قال الحافظ ابن حجر: أخرج الطبري بسند صحيح عن علقمة قال: (كنت ردفا لابن مسعود، فصحبنا دهقان، فلما انشعبت له الطريق أخذ فيها، فأتبعه عبد الله بصره، فقال: السلام عليكم، فقلت: ألست تكره أن يبدءوا بالسلام؟ قال: نعم، ولكن

(1) المرجع السابق، وهناك أجوبة أخرى انظرها فيه.

(2)

انظر فتح الباري: 11/ 40.

(3)

صحيح مسلم السلام (2167)، سنن الترمذي السير (1602)، سنن أبو داود الأدب (5205)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 444).

(4)

المرجع السابق، وانظر فيه حكم السلام على أهل البدع والفساق.

ص: 332

حق الصحبة) ثم قال الحافظ: وبه قال الطبري (1).

قلت: ومثله حق الجوار وحق التعلم.

وإذا مر بمجلس فيه مسلمون ومشركون فإنه يسلم ويقصد بسلامه المسلمين؛ لحديث:

36 -

عروة بن الزبير قال: (أخبرني أسامة بن زيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا، عليه إكاف، تحته قطيفة فدكية، وأردف وراءه أسامة بن زيد، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج - وذلك قبل وقعة بدر - حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبي ابن سلول، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن (2)» الحديث بطوله.

قال ابن العربي -كما في الفتح-: (ومثله إذا مر بمجلس يجمع أهل السنة والبدعة، بمجلس فيه عدول وظلمة، وبمجلس فيه محب ومبغض)(3).

وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقلد اليهود أو غيرهم في السلام الذي جعل من شعار هذه الأمة:

37 -

فعن جابر بن عبد الله مرفوعا «لا تسلموا تسليم

(1) المرجع السابق: 11/ 41.

(2)

صحيح البخاري الاستئذان (6254)، صحيح مسلم الجهاد والسير (1798)، سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2702)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 203).

(3)

فتح الباري: 11/ 39.

ص: 333

اليهود، فإن تسليمهم بالرءوس والأكف (1)» أما من كان بعيدا ولا يسمع السلام فلا مانع من أن يشير بيده متلفظا بالسلام (2)

ويشرع للمسلم أن يرسل سلاما مع شخص لغائب أو يكتب ذلك في رسالة وحينئذ يجب الرد من حين وصوله السلام.

وقد جاء في هذا أكثر من حديث:

38 -

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب (3)» وجاء ردها عند النسائي فقالت: (إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته).

وبهذا الجواب يتبين سعة فقهها وفهمها؛ لأنها لم تقل: وعليه السلام؛ لأن السلام اسم من أسمائه تعالى، وهو دعاء أيضا بالسلامة، وكلاهما لا يصلح أن يرد بهما على الله تعالى، فجعلت الثناء عليه مكان رد

(1) ذكره في الفتح: 11/ 19 وعزاه للنسائي، وقال الحافظ ابن حجر:((سنده جيد)). وبحثت عنه في السنن فلم أجده، ثم بحثت عنه في تحفة الأشراف فوجدته فيها 2/ 742 وعزاه للنسائي في ((اليوم والليلة)) وبحثت عنه في كتاب اليوم والليلة بتحقيق عبد القادر عطا فلم أجده.

(2)

انظر الفتح: 11/ 19.

(3)

صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها، 7/ 133 وما بعدها حديث (3820).

ص: 334

السلام (1).

قال الحافظ ابن حجر: (ويستفاد منه رد السلام على من أرسل السلام وعلى من بلغه)(2)، أي المبلغ.

39 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: «يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام. فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته (3)» .

40 -

وعن أنس رضي الله عنه أن فتى من أسلم قال: «يا رسول الله، إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز. قال: ائت فلانا فإنه قد تجهز فمرض، فأتاه فقال: إن رسول الله يقرئك السلام، ويقول: أعطني الذي تجهزت به، قال: يا فلانة، أعطيه الذي تجهزت به، ولا تحبسي عنه شيئا، فوالله لا تحبسي منه شيئا فيبارك لك فيه (4)» .

فمن خلال هذه الأحاديث يتبين لنا مشروعية إرسال السلام إلى الغائب، وعلى الغائب عندما يبلغ السلام أن يرده.

(1) انظر فتح الباري: 7/ 139.

(2)

المرجع السابق.

(3)

صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة، 7/ 106 حديث (3768).

(4)

صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، 3/ 1506 حديث (33).

ص: 335