الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أمته (1).
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك صيامها لعارض سفر، أو مرض، أو نحوهما (2).
ومما يدل على ذلك، أن من ضمن أيام العشر التي نفت عائشة صيام النبي صلى الله عليه وسلم لها يوم عرفة، وقد ثبت فضله بالنص، والاتفاق، فدل ذلك على أن النص مؤول على ما ذكر (3).
3 -
يجوز أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمها، لأنه إذا صام فيها ضعف عما هو أعظم منزلة من الصوم وأفضل، وهو الصلاة، وذكر الله، وقراءة القرآن، كما روي عن ابن مسعود في ذلك، مما كان يختاره لنفسه (4)
(1) ينظر: فتح الباري 2/ 534.
(2)
ينظر: نيل الأوطار 5/ 247.
(3)
ينظر: المفهم شرح صحيح مسلم 4/ 6472.
(4)
ينظر: مشكل الآثار 4/ 115.
المطلب الرابع: شبهات حول صيام العشر والجواب عنها:
رغم البحث والتنقيب لم أجد أحدا من العلماء قال بعدم مشروعية صيام عشر ذي الحجة، لعل ذلك من قصوري أو تقصيري، إلا أن كلام ابن القيم رحمه الله قد يفهم منه وقوع الخلاف في ذلك حيث قال (1):(وأما صيام عشر ذي الحجة فقد اختلف فيه، فقالت عائشة - وذكر حديثها النافي- وقالت حفصة - وذكر حديثها المثبت -).
(1) زاد المعاد 1/ 65.
إلا أن الظاهر من مراده الخلاف في نقل صيامه صلى الله عليه وسلم لا في مشروعية الصيام، لأنه قال بعد ذلك (1):(والمثبت مقدم على النافي إن صح)، فدل على أن مراده الاختلاف في النقل لا في المشروعية.
على أنه جاء في كلام ابن رجب رحمه الله ما يفهم منه أن القول باستحباب صيامها ليس محل اتفاق، حيث قال (2):(وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد تقدم عن الحسن، وابن سيرين، وقتادة، ذكر فضل صيامها، وهو قول أكثر العلماء، أو كثير منهم).
وقوله: (أكثر) أو (كثير) يفهم منه أن هناك من يخالف في ذلك.
وعلى كل حال فلا أعرف أحدا- حسب ما اطلعت عليه من كتب الفقه، والحديث، والخلاف- باسمه يخالف في ذلك، ولعل هذا يدل على أنه إن وجد من يقول بعدم مشروعية صيامها فهو قول غير مشهور؛ ولذا يعرض العلماء عن نقله وتداوله، إلا أنني اطلعت على رسالة بعنوان (من أخطائنا في العشر) ألفها أحد الأساتذة الفضلاء، وعد من ضمن الأخطاء صيام العامة لعشر ذي الحجة، وبالغ في ذلك حتى اعتبر صيامها
(1) المصدر السابق 1/ 66.
(2)
لطائف المعارف ص 461.
بدعة أو كاد، ولعلنا نستعرض شبهه في ذلك ونجيب عنها.
الشبهة الأولى: قوله: (الخطأ الخامس (1): صوم أكثر العامة العشر كلها، وهذا خطأ؛ لما روته عائشة رضي الله عنها قالت:«ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط (2)» .
الجواب عنها: وهذا الحديث تقدم الكلام عليه في المطلب الثالث، وأنه مؤول على أنها لا تعلم ذلك، أو أنه تركه لعارض سفر، أو مرض، أو نحو ذلك، كما ذكر ذلك النووي (3)، والقرطبي (4)، وابن حجر (5) والشوكاني (6) وغيرهم.
الشبهة الثانية: قوله (7): (ولا تعارض بين هذا- يعني حديث عائشة - ومما ورد عن امرأة هنيدة بن خالد، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء (8)»؛ لأن تسع ذي الحجة المقصود به اليوم التاسع فقط، وليس المقصود به الأيام التسعة، كما يفهم من ظاهر اللفظ.
يبينه حديث أبي قتادة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن
(1) من أخطائنا في العشر ص 12.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
ينظر: المجموع 6/ 387، 388.
(4)
ينظر: المفهم شرح صحيح مسلم 4/ 1972.
(5)
ينظر: فتح الباري 2/ 534.
(6)
ينظر: نيل الأوطار 5/ 247.
(7)
من أخطائنا في العشر ص 13.
(8)
سنن النسائي الصيام (2372)، سنن أبو داود الصوم (2437)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 288).
يكفر السنة التي قبله والتي بعده (1)».
الجواب عنها من وجهين:
الوجه الأول: أن نفي التعارض بين حديث عائشة النافي، وحديث بعض أزواجه المثبت، غير صحيح، فإن التعارض قائم بلا شك، إذا حكمنا بصحة حديث بعض أزواجه المثبت، كما هو ظاهر كلام البيهقي (2)، وابن القيم (3) وغيرهما.
الوجه الثاني: تأويل قولها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة (4)» بأن المراد به اليوم التاسع فقط وهذا غير صحيح، سيما وقد جاء الحديث عند النسائي (5) بلفظ:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم العشر (6)» .
وليس لصرف حديث أبي قتادة المذكور عن ظاهره أي وجه، قال في بذل المجهود عند قولها:«يصوم تسع ذي الحجة (7)» : (أي من أول ذي الحجة إلى التاسع منها، فإن العاشر يوم العيد).
الشبهة الثالثة: قوله (8): (إن صيام العشر كلها لا يدخل تحت العمل الصالح المراد منه في الحديث الصحيح السابق- يعني حديث ابن عباس: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه العشر (9)» - لأنه ليس بفرض، ولا نفل عاما ولا خاصا؛
(1) سبق تخريجه.
(2)
ينظر: السنن الكبرى 4/ 295.
(3)
ينظر: زاد المعاد 2/ 66.
(4)
سنن النسائي الصيام (2372)، سنن أبو داود الصوم (2437)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 288).
(5)
في كتاب الصيام، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (4/ 221).
(6)
سنن النسائي الصيام (2418).
(7)
سنن النسائي الصيام (2372)، سنن أبو داود الصوم (2437)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 288).
(8)
من أخطائنا في العشر ص 27.
(9)
صحيح البخاري الجمعة (969)، سنن الترمذي الصوم (757)، سنن أبو داود الصوم (2438)، سنن ابن ماجه الصيام (1727)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 224)، سنن الدارمي الصوم (1773).
يؤيد هذا كله أن الأئمة الذين استحبوا صيام العشر لم يستدلوا بهذا الحديث؛ لأنهم عرفوا مسبقا أن صيام العشر لا يدخل تحت هذا النص، والله أعلم بالصواب).
والجواب عنها من وجهين:
الوجه الأول: أن دعوى إخراج الصيام من عموم قوله: (العمل الصالح) تحكم بلا دليل، بل الأصل أنه داخل في هذا العموم، ولذا قال ابن رجب (1):(وقد دل حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء شيء منها).
وقال ابن حجر (2): (واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل).
وقال الشوكاني (3): (وقد تقدم في كتاب العيدين أحاديث تدل على فضيلة العمل في عشر ذي الحجة على العموم، والصوم مندرج تحتها).
فهذه نصوص العلماء في عموم (العمل الصالح) وعدم تخصص شيء منه.
الوجه الثاني: أن ما ذكر من عدم استدلال الأئمة القائلين باستحباب صيام العشر بحديث ابن عباس، لمعرفتهم مسبقا بأن الصيام لا يدخل تحت هذا العموم- ليس هذا صحيحا؛ لأمرين:
(1) لطائف المعارف ص 460.
(2)
فتح الباري 2/ 534.
(3)
نيل الأوطار 5/ 347.
الأمر الأول: أن العلماء قد نصوا على عموم هذا اللفظ ودخول الصيام في هذا العموم، كما سبق في الوجه الأول.
الأمر الثاني: أن الأئمة استدلوا بعموم هذا الحديث على استحباب الصيام، ومنهم الطحاوي (1)، وابن حزم (2)، وابن رجب (3)، والنووي (4)، وابن حجر (5)، والشوكاني (6)، وغيرهم؛ بل بوب عليه أبو داود في سننه بقوله (7):(باب في صوم العشر)، فكيف مع كل هذا يمكن القول بأن الأئمة لم يستدلوا بهذا الحديث على صيام العشر؟
الشبهة الرابعة: قوله (8): (ومن جهة أخرى لا أعلم أن هناك دليلا على صيام عشر ذي الحجة، يؤيده قول سماحة العلامة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء رحمه الله لما سئل عن صيام محرم، وشعبان، وعشر ذي الحجة؟ فقال رحمه الله: (وأما صيام عشر ذي الحجة، فليس هناك دليل عليه).
(1) ينظر: مشكل الآثار 4/ 114، 115.
(2)
ينظر: المحلى 7/ 19.
(3)
ينظر: لطائف المعارف ص 461.
(4)
ينظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 71.
(5)
ينظر: فتح الباري 2/ 534.
(6)
ينظر: نيل الأوطار 5/ 247.
(7)
2/ 815.
(8)
من أخطائنا في العشر ص 24.