الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترمذي (1): (وهذا حديث ضعيف). وهناك أدلة أخرى كثيرة، أعرضنا عن ذكرها لضعفها. (2).
(1) تحفة الأحوذي 3/ 465.
(2)
ينظر: لطائفة المعارف ص 460.
المطلب الثالث: ما جاء في الاختلاف في صيام النبي صلى الله عليه وسلم للعشر:
اختلف النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم هل صام عشر ذي الحجة أو لا؟ فقد تقدم ما جاء عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أو عن حفصة، ونصه:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة. . . (1)» .
وهذا ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذه الأيام، لكن يعارض هذا ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت:«ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط (2)» .
وفي رواية: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر قط (3)» .
وظاهر هذا الحديث نفي صيام النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأيام، وقد حاول الأئمة والعلماء الجمع بين هذين الحديثين، أو الترجيح بينهما، وذلك كالتالي:
أولا: الجمع بين الحديثين:
سلك بعض الفقهاء مسلك الجمع بين الحديثين بأحد الوجوه التالية:
1 -
أن حديث عائشة أرادت به أنه لم يصم العشر كاملا، وحديث
(1) سنن النسائي الصيام (2372)، سنن أبو داود الصوم (2437)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 288).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الاعتكاف، باب صوم عشر ذي الحجة (2/ 833).
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الاعتكاف، باب صوم عشر ذي الحجة (2/ 833).
حفصة أرادت أنه كان يصوم غالبه، وهذا أحد جوابي الإمام أحمد (1).
2 -
أن حديث عائشة متأول بأنها لم تره صائما، ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر؟ لأنه يكون عندها في يوم من تسعة أيام، والباقي عند أمهات المؤمنين (2).
3 -
ويحتمل أن يكون المراد أنه يصوم بعضها في بعض الأوقات، وكلها في بعض الأوقات، ويتركها في بعض الأوقات لعارض (3).
ثانيا: مسلك ترجيح أحد الحديثين:
ذهب بعض العلماء إلى ترجيح أحد الحديثين، سواء حديث عائشة، أو حفصة.
ومن ذلك ما جاء عن الإمام أحمد في جوابه عن حديث عائشة النافي بأن هذا - يعني: حديث عائشة - قد روي خلافه، وذكر حديث حفصة، وأشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث عائشة، فأسنده الأعمش،
(1) ينظر: لطائف المعارف ص 461.
(2)
ينظر: المجموع 6/ 387، والمفهم شرح صحيح مسلم 4/ 1972.
(3)
ينظر: المجموع 6/ 388.
ورواه منصور عن إبراهيم مرسلا (1).
وقال البيهقي بعد ذكره الحديثين (2): (والمثبت أولى من النافي، مع ما مضى من حديث ابن عباس)(3).
وقال ابن القيم (4): (والمثبت مقدم على النافي إن صح).
قلت: وقد اختلف العلماء في الحديث المثبت بين مصحح ومضعف.
ولذا تعقب ابن التركماني البيهقي بقوله (5): (قلت: وإنما
(1) ينظر: لطائف المعارف ص 461.
(2)
السنن الكبرى 4/ 285.
(3)
يريد حديث ابن عباس (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلي الله
…
)
(4)
زاد المعاد 2/ 65.
(5)
الجوهر النقي 8/ 285.
يقدم على النافي إذا تساويا في الصحة، وحديث هنيدة - يعني المثبت - اختلف عليه في إسناده، فروي عنه كما تقدم، وروي عنه عن حفصة، كذا أخرجه النسائي، وروي عن أمه، عن أم سلمة، كذا أخرجه أبو داود، والنسائي).
ولعلك تلاحظ أن محاولة الجمع، أو الترجيح تصلح إذا سلم بصحة حديث حفصة، وقد عرفت الاختلاف في تصحيحه لكن على التسليم جدلا بعدم صحة حديث حفصة، فإن حديث عائشة النافي لصيام النبي صلى الله عليه وسلم للعشر لا يدل ذلك على عدم مشروعية الصيام، لدخوله في عموم حديث ابن عباس:«ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر (1)» ، وترك النبي صلى الله عليه وسلم صيامها - إن سلم - فهو لا يمنع المشروعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يحث على عمل ويتركه لعارض، ومما يدل على ذلك ما جاء في فضل صيام شهر الله المحرم، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مكثرا الصيام فيه (2)، ولا يمكن أن يقال بعدم مشروعية صيامه مع ما جاء في فضله.
وعليه فيمكن تأويل حديث عائشة رضي الله عنها بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر لأحد الأسباب التالية:
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض
(1) سبق تخريجه.
(2)
ينظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 37.