المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: تحقيق النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ رفع اليدين في الدعاء

- ‌ ساعة الإجابة يوم الجمعة

- ‌ أمرني والداي بأن أترك أصحابا طيبين

- ‌ شرب الدخان وبيعه والاتجار به

- ‌ الدخان محرم في شرع الله تعالى

- ‌ طريقة التيمم الصحيحة

- ‌ مس الحائض للقرآن الكريم

- ‌ صفة الحجاب الشرعي

- ‌ الطبيب يتطلب في بعض الأحيان رؤية عورة المريض أو مسها للفحص

- ‌ التداوي قبل وقوع الداء كالتطعيم

- ‌ مصافحة النساء

- ‌دفع الرشوة للموظفين

- ‌حكم إطالة الثوبسواء كان للخيلاء أو بحكم العادة

- ‌ من يقصر ثوبه ويطول سروآله

- ‌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ الاحتفاظ بشيء من ممتلكات الصالحين

- ‌ الصلاة بحمل المصحف الشريف بالنسبة للإمام

- ‌ صيام يوم السبت في النافلة

- ‌ كتابة معاني بعض الآيات على الفنائل باللغة الإنجليزية

- ‌ الضابط في التعامل مع المبتدع

- ‌ توابع المسجد كالفناء والساحة والمكتبة وبيوت الوضوء لها حكم المسجد

- ‌ حكم من حكم على علماء السنة كابن حجر رحمه الله بالضلال

- ‌ الردود على أهل البدع

- ‌ سفر الطالبة للعلم الشرعي وحدها

- ‌ إعداد الطعام وتوزيعه لوفاة شخص ما

- ‌ قراءة القرآن الكريم في آن واحد جماعة

- ‌ صلاة التروايح وراء إمام يقرأ القرآن الكريم بسرعة

- ‌ تدريس الرجل للبنات والبنين المختلط

- ‌ ما حكم شرب الدخان

- ‌ الحكم الشرعي في تارك الصلاة

- ‌ حكم زكاة عروض التجارة

- ‌ صبغ الشعر الأبيض للمرأة

- ‌ القول: شاءت الأقدار

- ‌ إقامة (مركز صحي) خاص بالرقية الشرعية

- ‌ قراءة القرآن على الماء ورشه

- ‌ قراءة القرآن الكريم على الماء وزيت الزيتون

- ‌ عدد ركعات صلاة التراويح

- ‌ الدعاء المرغوب عند الإفطار

- ‌ مقدار زكاة الفطر، وأين يخرجها

- ‌ حضور النساء لصلاة العيد

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ إكمال الوضوء وإحكامه

- ‌ إطالة الغرة في الوضوء إلى الركبتين والإبطين

- ‌ هل يسبق الوضوء قول أم النية تكفي

- ‌ التسمية عند الوضوء

- ‌ هل ثبت في الشرع دعاء أثناء الوضوء

- ‌ الدعاء أثناء الوضوء

- ‌ تخليل اللحية في الوضوء

- ‌ الوضوء إذا تمضمض الإنسان ولم يدخل إصبعه في فمه

- ‌ هل يجوز أن تتعمد المرأة وقت الوضوء وتغطي رأسها

- ‌ لم يعم رأسه بالمسح بالماء عند الوضوء

- ‌ عدد المسح على الرأس في الوضوء

- ‌ مسح الأذنين في الوضوء

- ‌ غسل الدبر من الريح

- ‌ حكم الماء المغصوب إذا توضأ به

- ‌ تراكم الدهانات " البوية " على أماكن الوضوء

- ‌ علاج الوسوسة في الطهارة

- ‌بيان من هيئة كبار العلماء

- ‌ القسم الثاني مما يتضمنه ما يسمى بالنصيحة فهو كذب وبهتان

- ‌ ما جاء في الكتاب والسنة من المكاييل والموازين والمقاييس:

- ‌ التطبيقات العملية في فقه العبادات والمعاملات على الموازين والمكاييل والمقاييس:

- ‌فصل: في الحديث عن كل معيار وزن، أو كيل وتحويله إلى المقادير المعاصرة:

- ‌ الإردب:

- ‌ الرطل:

- ‌ الصاع:

- ‌ المد:

- ‌ العرق:

- ‌ الفرق:

- ‌ القدح:

- ‌ القربة:

- ‌ القسط:

- ‌ القفيز:

- ‌ القلة:

- ‌ الوسق:

- ‌ الكر:

- ‌ المختوم:

- ‌المدي

- ‌ المكوك:

- ‌ الويبة:

- ‌ المثقال:

- ‌ القنطار:

- ‌ الأوقية:

- ‌ الإستار:

- ‌ النش:

- ‌ المن:

- ‌ القيراط:

- ‌ النواة:

- ‌ الحبة:

- ‌ خلاصة التقدير والتحويل:

- ‌القول الحق في نسك الحج الذي أحرم به خير الخلق صلى الله عليه وسلم

- ‌المقدمة:

- ‌تمهيد في تعريف الحج، وحكمه، وفضله، وشروط وجوبه:

- ‌المبحث الأول: أنواع نسك الحج:

- ‌المبحث الثاني: حكم التخيير بين الأنساك الثلاثة:

- ‌المبحث الثالث: فسخ الحج إلى عمرة:

- ‌المبحث الرابع: تحقيق النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السادس: أفضل الأنساك:

- ‌الخاتمة:

- ‌حكم صيام عشر ذي الحجة

- ‌أولا: المقدمة:

- ‌ثانيا: التمهيد:

- ‌المطلب الأول: فضل عشر ذي الحجة:

- ‌المطلب الثاني: الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجة:

- ‌ثالثا: حكم صيام عشر ذي الحجة:

- ‌المبحث الأول: صيام يوم عرفة:

- ‌المطلب الأول: صيام يوم عرفة لغير الحاج:

- ‌المطلب الثاني: صيام يوم عرفة للحاج:

- ‌المبحث الثاني: صيام الأيام الثمانية الأول من ذي الحجة:

- ‌المطلب الثالث: ما جاء في الاختلاف في صيام النبي صلى الله عليه وسلم للعشر:

- ‌المطلب الرابع: شبهات حول صيام العشر والجواب عنها:

- ‌الخاتمة:

- ‌السلام وأهميته في السنة النبوية

- ‌معنى السلام:

- ‌الخاتمة:

- ‌قواعد الاختصار المنهجي في التأليف

- ‌طرق التصنيف ومقاصده:

- ‌ أهم أنواع التأليف

- ‌ المتن:

- ‌ الشرح:

- ‌ الحاشية:

- ‌ التهميش:

- ‌ التذييل:

- ‌ الاختصار:

- ‌من صور الاختصار:

- ‌ اختصار السجود:

- ‌ الاختصار في الصلاة:

- ‌ اختصار الكلمات والألفاظ

- ‌الاختصار عند المحدثين

- ‌الفرق بين المختصر والمتن:

- ‌الفرق بين المختصر والتلخيص:

- ‌الفرق بين التهذيب والاختصار:

- ‌الفرق بين الاختصار والانتقاء:

- ‌القائلون بالاختصار:

- ‌المانعون من الاختصار:

- ‌أنواع الاختصار في التأليف:

- ‌أصناف المختصرين:

- ‌أغراض الاختصار وفوائده:

- ‌عيوب الاختصار:

- ‌ضوابط الاختصار:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الرابع: تحقيق النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم:

هو مقتضى الصناعة الأصولية والمصطلحية كما لا يخفى " (1).

(1) أضواء البيان 5/ 151.

ص: 228

‌المبحث الرابع: تحقيق النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم:

اختلف العلماء في النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم، وسبب الخلاف أنه روي عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا، وروي أنه كان متمتعا، وروي أنه كان قارنا (1).

والأقوال في هذه المسألة ثلاثة:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا، وبه قال الإمام مالك، والشافعي في قول من أقواله.

الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا، وهو قول للشافعي، وبه قال بعض أصحاب الإمام أحمد، وبعض أصحاب الشافعي (2).

وأصحاب هذا القول منهم من رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع تمتعا حل فيه من إحرامه، ومنهم من رأى أنه لم يحل من إحرامه من أجل سوق الهدي (3).

(1) بداية المجتهد مع الهداية 5/ 336.

(2)

الحاوي 4/ 43، 44، ومجموع الفتاوى 26/ 62 - 65، والمغني 5/ 85، والإنصاف 3/ 445، والفروع 3/ 301.

(3)

مجموع الفتاوى 26/ 63.

ص: 228

الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وهو قول أبي حنيفة (1)، وأحمد في المنصوص عنه، حيث قال:" لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا "(2)، وهو قول أئمة الحديث، كإسحاق بن راهويه وغيره (3)، وبه قال ابن حزم (4)، والشافعي في قول (5)، ورجح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم (6).

أدلة القول الأول:

1 -

عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج (7)» . متفق عليه. قالوا: وهذا التقسيم والتنويع صريح في إهلاله بالحج وحده (8).

2 -

عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج (9)»

(1) المبسوط 4/ 25، 26، ورؤوس المسائل 253، والبناية 3/ 607.

(2)

مجموع الفتاوى 26/ 62، والفروع 3/ 301، والإنصاف 3/ 435، والروض المربع مع حاشيته 3/ 558.

(3)

المصادر السابقة.

(4)

المحلى 7/ 102.

(5)

الحاوي 4/ 43، 44.

(6)

مجموع الفتاوى 26/ 62، وزاد المعاد 2/ 107.

(7)

تقدم تخريجه ص 212.

(8)

المنتقى 2/ 212، وزاد المعاد 2/ 127.

(9)

صحيح مسلم 4/ 31.

ص: 229

مفردا. رواه مسلم.

3 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:«أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا (1)» . وفي رواية: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا (2)» ، رواهما مسلم.

4 -

عن جابر رضي الله عنه، قال في حجة النبي صلى الله عليه وسلم:«لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة (3)» رواه مسلم.

5 -

عن جابر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج (4)» .

6 -

عن عطاء قال: «حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه، وقد أهلوا بالحج مفردا. . . الحديث (5)» .

7 -

عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي، أنه سأل عروة بن الزبير، فقال: «قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة رضي الله عنها، أنه أول شيء بدأ به حين قدم، أنه توضأ ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه، فكان أول شيء بدأ به حين قدم، أنه توضأ ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة ثم عمر رضي الله عنه مثل ذلك، ثم حج عثمان رضي الله

(1) صحيح مسلم 4/ 52.

(2)

صحيح مسلم 4/ 52.

(3)

صحيح مسلم 4/ 39 - 43.

(4)

سنن ابن ماجه 2/ 988.

(5)

البخاري مع الفتح 3/ 422.

ص: 230

عنه، فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية وعبد الله بن عمر (1)». . . إلخ.

ونوقشت أدلتهم بما يلي:

أن هؤلاء الذين رووا الإفراد - وهم عائشة وجابر وابن عمر - رووا أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارنا - كما سيأتي في أدلة من رأى القران - ويعترض عليها بالأحاديث الأخرى الصحيحة، التي رواها غير هؤلاء، التي نقل رواتها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حج قارنا، وفي بعضها أنه حج متمتعا، فهي متعارضة في الظاهر ومحتملة إفراد الحج، أو أن مرادهم إفراد عمل الحج، كما أن من روى أنه أفرد الحج لم يقل أحد منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني أفردت بالحج، ولا أتاني من ربي آت يأمرني بالإفراد، ولا قال أحد: سمعته يقول: لبيك بعمرة مفردة البتة، ولا بحج مفرد (2).

شيخ الإسلام ابن قال تيمية: (. . . وأما الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج فهم ثلاثة: عائشة وابن عمر وجابر، والثلاثة نقل عنهم التمتع، وحديث عائشة وابن عمر أنه تمتع بالعمرة إلى الحج أصح من حديثهما أنه أفرد الحج، وما صح عنهما من ذلك فمعناه إفراد أعمال الحج)(3).

وقال ابن القيم - بعدما ذكر الأحاديث السابقة التي ذكرناها

(1) البخاري مع الفتح 3/ 496

(2)

انظر: مجموع الفتاوى 26/ 70، 71.

(3)

مجموع الفتاوى 26/ 72، 73.

ص: 231

استدلالا للقول الأول - قال: (فأرباب هذا القول عذرهم ظاهر كما ترى، ولكن ما عذرهم في حكمه وخبره الذي حكم به على نفسه، وأخبر عنها بقوله: «سقت الهدي وقرنت (1)»، (2)، وخبر من هو تحت بطن ناقته وأقرب إليه حينئذ من غيره، فهو من أصدق الناس، يسمعه يقول:«لبيك بحجة وعمرة (3)» ، وخبر من هو من أعلم الناس عنه صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين يخبر أنه أهل بهما جميعا، ولبى بهما جميعا، وخبر زوجته حفصة في تقريره لها على أنه معتمر بعمرة لم يحل منها، فلم ينكر ذلك عليها بل صدقها، وأجابها بأنه مع ذلك حاج. وهو صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل يسمعه أصلا بل ينكره. وما عذرهم عن خبره صلى الله عليه وسلم عن نفسه بالوحي الذي جاءه من ربه يأمره فيه أن يهل بحجة في عمرة. . .، إلى أن قال: وليس مع من قال: إنه أفرد الحج، شيء من ذلك البتة، فلم يقل أحد منهم عنه إني أفردت، ولا أتاني من ربي آت يأمرني بالإفراد، ولا قال أحد: ما بال الناس حلوا ولم تحل من حجتك كما حلوا هم بعمرة، ولا قال أحد: سمعته يقول: لبيك بعمرة مفردة البتة، ولا بحج مفرد، ولا قال أحد: إنه اعتمر أربع عمر، الرابعة بعد حجته، وقد شهد عليه أربعة من الصحابة أنهم سمعوه يخبر عن نفسه بأنه قارن، ولا سبيل إلى دفع ذلك إلا بأن يقال: لم يسمعوه. ومعلوم قطعا أن تطرق الوهم والغلط إلى من أخبر عما فهمه هو من فعله يظنه كذلك أولى

(1) سنن النسائي مناسك الحج (2725)، سنن أبو داود المناسك (1797).

(2)

هذه الأحاديث التي ساقها ابن القيم هنا سيأتي تخريجها عند الكلام على أدلة القول الثالث.

(3)

صحيح البخاري الحج (1569)، صحيح مسلم الحج (1223)، سنن النسائي مناسك الحج (2723)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 136)، سنن الدارمي المناسك (1923).

ص: 232

من تطرق التكذيب إلى من قال: سمعته يقول: كذا وكذا، وإنه لم يسمعه، فإن هذا لا يتطرق إليه إلا التكذيب، بخلاف خبر من أخبر عما ظنه من فعله وكان واهما، فإنه لا ينسب إليه الكذب، وقد نزه الله عليا، وأنسا، والبراء، وحفصة عن أن يقولوا: سمعناه يقول: كذا، ولم يسمعوه، ونزهه ربه تبارك وتعالى أن يرسل إليه: أن افعل كذا وكذا، ولم يفعله، هذا من أمحل المحال، وأبطل الباطل. فكيف والذين ذكروا الإفراد عنه لم يخالفوا هؤلاء في مقصودهم ولا ناقضوهم، وإنما أرادوا إفراد الأعمال، واقتصاره على عمل المفرد، فإنه ليس في عمله زيادة على عمل المفرد.

ومن روى عنهم ما يوهم خلاف هذا، فإنه عبر بحسب ما فهمه، كما سمع بكر بن عبد الله بن عمر يقول: أفرد الحج، فقال: لبى بالحج وحده، حمله على المعنى، وقال سالم ابنه عنه ونافع مولاه: إنه تمتع فبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، فهذا سالم يخبر بخلاف ما أخبر به بكر، ولا يصح تأويل هذا عنه بأنه أمر به، فإنه فسره بقوله: وبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وكذا الذين رووا الإفراد عن عائشة رضي الله عنها، فهما عروة والقاسم، وروى القران عنها عروة ومجاهد، وأبو الأسود يروي عن عروة الإفراد، والزهري يروي عنه القران، فإن قدرنا تساقط الروايتين سلمت رواية مجاهد، وإن حملت رواية الإفراد على أنه أفرد أعمال الحج تصادقت الروايات وصدق بعضها بعضا، ولا ريب أن قول عائشة وابن عمر:

أفرد بالحج، محتمل لثلاثة معان:

أحدها: الإهلال به مفردا.

والثاني: إفراد أعمال الحج.

ص: 233

والثالث: أنه حج حجة واحدة لم يحج معها غيرها، بخلاف العمرة فإنها كانت أربع مرات.

وأما قولهما: تمتع بالعمرة إلى الحج، وبدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، فحكيا فعله، فهذا صريح لا يحتمل غير معنى واحد، فلا يجوز رده بالمجمل، وليس في رواية الأسود بن يزيد وعمرة عن عائشة أنه أهل بالحج، ما يناقض رواية مجاهد وعروة عنها أنه قرن، فإن القارن حاج مهل بالحج قطعا، وعمرته جزء من حجته، فمن أخبر عنها أنه أهل بالحج فهو غير صادق.

فإن ضمت رواية مجاهد إلى رواية عمرة والأسود، ثم ضمتا إلى رواية عروة، تبين من مجموع الروايات أنه كان قارنا، وصدق بعضها بعضا، حتى لو لم يحتمل قول عائشة وابن عمر إلا معنى الإهلال به مفردا، لوجب قطعا. أن يكون سبيله سبيل قول ابن عمر: اعتمر في رجب، وقول عائشة أو عروة: إنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في شوال. إلا أن تلك الأحاديث الصحيحة الصريحة (1) لا سبيل أصلا إلى تكذيب رواتها، ولا تأويلها وحملها على غير ما دلت عليه، ولا سبيل إلى تقديم هذه الرواية المجملة التي قد اضطربت على رواتها، واختلف عنهم فيها وعارضهم من هو أوثق منهم أو مثلهم عليها.

وأما قول جابر: إنه أفرد الحج، فالصريح من حديثه ليس فيه شيء من هذا، وإنما فيه إخباره عنهم أنفسهم أنهم لا ينوون إلا الحج، فأين في هذا ما يدل على أن رسول صلى الله عليه وسلم لبى بالحج مفردا؟

(1) أي الأحاديث الواردة في أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا.

ص: 234

وأما حديثه الآخر الذي رواه ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، فله ثلاث طرق. أجودها: طريق الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه. وهذا يقينا مختصر من حديثه الطويل في حجة الوداع مروي بالمعنى، والناس خالفوا الدراوردي في ذلك، فقالوا: أهل بالحج وأهل بالتوحيد. . .

ثم ذكر ابن القيم الطريقين الأخريين، إلى أن قال: وبكل حال فلو صح هذا عن جابر لكان حكمه حكم المروي عن عائشة وابن عمر. وسائر الرواة الثقات إنما قالوا: أهل بالحج، فلعل هؤلاء حملوه على المعنى، وقالوا: أفرد الحج. ومعلوم أن العمرة إذا دخلت في الحج، فمن قال أهل بالحج لا يناقض من قال أهل بهما، بل هذا فصل، وذاك أجمل، ومن قال: أفرد الحج، يحتمل ما ذكرنا من الوجوه الثلاثة. . .) (1).

أدلة القول الثاني، الذي يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم حج متمتعا:

1 -

عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال:«تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل فيه القرآن، قال رجل برأيه ما شاء. . . (2)» متفق عليه.

2 -

عن عمران بن حصين، قال:«تمتع نبي الله وتمتعنا معه (3)» رواه مسلم.

(1) نقلته بلفظه من زاد المعاد 2/ 129 - 133 لأهميته.

(2)

البخاري مع الفتح 3/ 432، ومسلم 4/ 38.

(3)

مسلم 4/ 48.

ص: 235

3 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:«تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى، وساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلما قدموا مكة قال للناس: (من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وليقصر وليتحلل ثم ليهل بالحج وليهد. . . (1)» الحديث.

ونوقشت هذه الأدلة:

بأنه ليس فيها دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حج متمتعا، حل فيه من إحرامه، بدليل الأحاديث الصحيحة الصريحة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه (2).

على أن التمتع المذكور في هذه الأحاديث المراد به القران، فالصحابة يطلقون التمتع ويعنون به القران (3)، يدل لذلك ما في الصحيحين عن مروان بن الحكم، قال: شهدت عثمان وعليا رضي الله عنهما، وعثمان ينهى عن المتعة، وأن يجمع بينهما، فلما رأى عليا أهل بهما: لبيك بعمرة وحجة، قال: ما كنت لأدع سنة النبي

(1) البخاري مع الفتح 3/ 539، ومسلم 4/ 49.

(2)

كما ستأتي في أدلة القول الثالث.

(3)

انظر: مجموع الفتاوى 26/ 67.

ص: 236

صلى الله عليه وسلم قال لقول أحد.

وفي رواية عن سعيد بن المسيب، قال: اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعا (1).

أدلة القول الثالث، الذي يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا:

ورد في ذلك أحاديث كثيرة صحيحة وهي صريحة في ذلك، ومنها:

1 -

ما رواه ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قال: «تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج. . . (2)» متفق عليه. وقد تقدم في أدلة القول السابق - والمراد بالتمتع هنا القران، كما تقدم.

2 -

وفي الصحيحين أيضا عن عروة عن عائشة، أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج، فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه (3).

3 -

عن نافع عن ابن عمر: «أنه قرن الحج إلى العمرة، وطاف لهما

(1) البخاري مع الفتح 3/ 423.

(2)

صحيح البخاري الحج (1692)، صحيح مسلم الحج (1227)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2732)، سنن أبو داود كتاب المناسك (1805).

(3)

البخاري مع الفتح 3/ 539، 540، ومسلم 4.

ص: 237

طوافا واحدا، ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . (1)» رواه مسلم.

4 -

عن ابن عباس: «اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، والثانية حين تواطئوا على عمرة من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي قرن مع حجته (2)» .

5 -

عن مجاهد، قال:«سئل ابن عمر: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: مرتين. فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع (3)» .

6 -

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتاني الليلة آت من ربي عز وجل، فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة (4)» قال ابن حجر: وهذا دال أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا (5).

7 -

ما «روى البراء بن عازب، قال: كنت مع علي رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن، فأصبت معه أواقي، فلما قدم علي من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وجدت فاطمة

(1) ورد بعدة ألفاظ، مسلم 4/ 50 - 52.

(2)

رواه أبو داود في سننه 2/ 205، 206 حديث رقم 1993، وقد أورده ابن القيم ضمن الأحاديث التي ذكر أنها صحيحة. زاد المعاد 2/ 109.

(3)

أبو داود 2/ 205 حديث رقم 1993.

(4)

رواه البخاري كما في البخاري مع الفتح 3/ 392.

(5)

فتح الباري 3/ 395.

ص: 238

رضي الله عنها قد لبست ثيابا صبيغا وقد نضحت البيت بنضوح، فقالت: ما لك؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا، فقلت لها: إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: كيف صنعت؟ قال: قلت: أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فإني قد سقت الهدي وقرنت. . . (1)» الحديث.

8 -

عن علي بن الحسين «عن مروان بن الحكم، قال: كنت جالسا عند عثمان، فسمع عليا رضي الله عنه يلبي بعمرة وحجة، فقال: ألم نكن ننهى عن هذا؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا، فلم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك (2)» .

9 -

عن حميد بن هلال، قال: سمعت مطرفا، قال: قال لي عمران بن حصين: أحدثك حديثا ينفعك الله به: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل قرآن يحرمه (3)» . رواه مسلم

(1) رواه أبو داود 2/ 158، والنسائي 5/ 149، وقد أورده ابن القيم في الزاد 2/ 109 ضمن الأحاديث التي ذكر أنها صحيحة وتدل على القران.

(2)

رواه النسائي 5/ 148، وقد تقدم أنه في الصحيحين لكن بلفظ يختلف عن هذا، وقد أورده ابن القيم في الزاد 2/ 110 ضمن الأحاديث التي ذكر أنها صحيحة وتدل على القران.

(3)

صحيح مسلم 4/ 48.

ص: 239

قلت: وهذا الحديث صحيح وصريح في أنه كان قارنا.

10 -

عن سراقة بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، قال: وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (1)» .

قال ابن القيم: (إسناده ثقات)(2).

11 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة فطاف لهما طوافا واحدا (3)» .

قال ابن القيم: (رواه الإمام أحمد (4)، والترمذي (5)، وفيه الحجاج بن أرطأة، وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن ما لم ينفرد بشيء أو يخالف الثقات) (6).

قلت: قال الترمذي: حديث جابر حسن، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم (7).

12 -

عن حفصة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: «ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك؟ قال: إني قلدت هديي ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أحل من الحج (8)» ، متفق عليه،

(1) رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 175.

(2)

زاد المعاد 2/ 110.

(3)

صحيح مسلم الحج (1215)، سنن الترمذي الحج (947)، سنن النسائي مناسك الحج (2986)، سنن أبو داود المناسك (1895)، سنن ابن ماجه المناسك (2972).

(4)

مسند الإمام أحمد 3/ 388.

(5)

الترمذي 3/ 283 حديث رقم 947.

(6)

زاد المعاد 2/ 111.

(7)

سنن الترمذي 3/ 283.

(8)

البخاري مع الفتح 3/ 422، ومسلم 4.

ص: 240

واللفظ لمسلم.

قال ابن القيم: (وهذا يدل على أنه كان في عمرة معها حج، فإنه لا يحل من العمرة حتى يحل من الحج، وهذا على أصل مالك والشافعي ألزم، لأن المعتمر عمرة مفردة لا يمنعه عندهما الهدي من التحلل، وإنما يمنعه عمرة القران، فالحديث على أصلهما نص)(1).

وقال ابن حجر: (قول حفصة: «ولم تحل من عمرتك (2)» وقوله هو: «حتى أحل من الحج (3)» ، ظاهر في أنه كان قارنا. وأجاب من قال: كان مفردا على قولها: «ولم تحل من عمرتك (4)» بأجوبة: أحدها: قاله الشافعي: معناه: ولم تحل أنت من إحرامك الذي ابتدأته معهم بنية واحدة، بدليل قوله:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة (5)» . وقيل: معناه: ولم تحل من حجك بعمرة كما أمرت أصحابك. قالوا: وقد تأتي (من) بمعنى الباء، كقوله تعالى:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (6) أي بأمر الله، والتقدير: ولم تحل أنت بعمرة من إحرامك، وقيل: ظنت أنه فسخ حجه بعمرة كما فعل أصحابه بأمره، فقالت:«لم لم تحل أنت أيضا من عمرتك؟ (7)» ولا يخفى ما في بعض هذه التأويلات من

(1) زاد المعاد 2/ 111.

(2)

صحيح البخاري المغازي (4398)، صحيح مسلم الحج (1229)، سنن النسائي مناسك الحج (2682)، سنن أبو داود المناسك (1806)، سنن ابن ماجه المناسك (3046)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 285)، موطأ مالك الحج (897).

(3)

صحيح البخاري الحج (1697)، صحيح مسلم الحج (1229)، سنن النسائي مناسك الحج (2682)، سنن أبو داود المناسك (1806)، سنن ابن ماجه المناسك (3046)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 283)، موطأ مالك الحج (897).

(4)

صحيح البخاري المغازي (4398)، صحيح مسلم الحج (1229)، سنن النسائي مناسك الحج (2682)، سنن أبو داود المناسك (1806)، سنن ابن ماجه المناسك (3046)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 285)، موطأ مالك الحج (897).

(5)

صحيح البخاري الحج (1651)، صحيح مسلم الحج (1240)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2805)، سنن أبو داود المناسك (1787)، سنن ابن ماجه المناسك (2980)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 366).

(6)

سورة الرعد الآية 11

(7)

صحيح البخاري الحج (1566)، صحيح مسلم الحج (1229)، سنن النسائي مناسك الحج (2682)، سنن أبو داود المناسك (1806)، سنن ابن ماجه المناسك (3046)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 284)، موطأ مالك الحج (897).

ص: 241

التعسف، والذي تجتمع به الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا) اهـ (1) وقال ابن حجر أيضا: وأجاب بعض المالكية والشافعية عن ذلك أي - عدم تحلله من العمرة - بأن السبب في عدم تحلله من العمرة كونه أدخلها على الحج وهو مشكل عليه؛ لأنه يقول: إن حجه كان مفردا. وقال بعض العلماء: ليس لمن قال: كان مفردا عن هذا الحديث انفصال (2).

، (3). 13 - عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، قال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك، قال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه. رواه مالك والنسائي والترمذي (4). قال الترمذي: حديث حسن صحيح (5)

(1) فتح الباري 3/ 427.

(2)

أي أن هذا الحديث ملزم لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مفردا وإنما كان قارنا.

(3)

فتح الباري 3/ 427.

(4)

موطأ الإمام مالك 1/ 344، وسنن النسائي 5/ 152، 153، وسنن الترمذي 3/ 184، 185.

(5)

سنن الترمذي 3/ 185.

ص: 242

قال ابن القيم: (ومراده بالتمتع هنا بالعمرة إلى الحج: أحد نوعيه، وهو تمتع القران، فإنه لغة القرآن، والصحابة الذين شهدوا التنزيل والتأويل شهدوا بذلك، ولهذا قال ابن عمر: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وكذلك قالت عائشة (1)، وأيضا فإن الذي صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو متعة القران بلا شك، كما قطع به الإمام أحمد).

ثم ذكر ابن القيم حديث عمران بن حصين في المتعة وكذلك حديث سعيد بن المسيب في اختلاف علي وعثمان في المتعة، ثم قال:(فهذا يبين أن من جمع بينهما كان متمتعا عندهم، وأن هذا هو الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وافقه عثمان - أي وافق عليا - على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فإنه لما قال له: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه، لم يقل له: لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا أنه وافقه على ذلك لأنكره، ثم قصد علي إلى موافقة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في ذلك، وبيان أن فعله لم ينسخ، وأهل بهما جميعا؛ تقريرا للاقتداء به ومتابعته في القران، وإظهارا لسنة نهى عنها عثمان متأولا، وحينئذ فهذا دليل مستقل)(2).

14 -

عن أنس رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(1) تقدم تخريج الحديثين.

(2)

زاد المعاد 2/ 112 - 114.

ص: 243

«لبيك عمرة وحجا (1)» رواه مسلم. وفي رواية عن أنس رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بينهما، بين الحج والعمرة (2)» .

15 -

عن قتادة عن أنس: «اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر - فذكرها - وقال: وعمرة مع حجته (3)» ، رواه البخاري.

وقد أورد العلامة ابن القيم اثنين وعشرين حديثا، قال عنها بأنها صحيحة صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا (4).

وقال ابن القيم - بعد ما أورد حديث أنس المتقدم -: (فهؤلاء ستة عشر نفسا من الثقات، كلهم متفقون عن أنس أن لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كان إهلالا بحج وعمرة معا - ثم ذكر هؤلاء الستة عشر، إلى أن قال -: فهذه أخبار أنس عن لفظ إهلاله صلى الله عليه وسلم الذي سمعه منه، وهذا علي والبراء يخبران عن إخباره صلى الله عليه وسلم عن نفسه بالقران، وهذا علي أيضا يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ربه أمره بأن يفعله، وعلمه اللفظ الذي يقوله عند الإحرام، وهذا علي أيضا يخبر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا، وهؤلاء بقية من ذكرنا يخبرون عنه بأنه فعله، وهذا هو صلى الله عليه وسلم يأمر

(1) صحيح مسلم 4/ 52، 53.

(2)

صحيح مسلم 4/ 52، 53.

(3)

البخاري مع الفتح 3/ 600.

(4)

البخاري مع الفتح 3/ 600.

ص: 244

به آله، ويأمر به من ساق الهدي. وهؤلاء الذين رووا القران بغاية البيان: عائشة أم المؤمنين، وعبد الله بن عمر، وجابر، وعبد الله بن عباس، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان بإقراره لعلي وتقرير علي له، وعمران بن الحصين، والبراء بن عازب، وحفصة أم المؤمنين، وأبو قتادة، وابن أبي أوفى، وأبو طلحة، والهرماس بن زياد، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، فهؤلاء سبعة عشر صحابيا رضي الله عنهم، منهم من روى فعله، ومنهم من روى لفظ إحرامه، ومنهم من روى خبره عن نفسه، ومنهم من روى أمره به. . .) (1).

ثم قال ابن القيم: (فإن قيل: كيف تجعلون منهم ابن عمر وجابرا وعائشة وابن عباس؟ وهذه عائشة تقول: «أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج (2)»، وفي لفظ:«أفرد الحج (3)» ، والأول في الصحيحين، والثاني في مسلم، وهذا ابن عمر يقول:«لبى بالحج وحده (4)» ذكره البخاري، وهذا ابن عباس يقول:«وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج وحده (5)» رواه مسلم، وهذا جابر يقول:«أفرد الحج (6)» رواه ابن ماجه؟

قيل؟ إن كانت الأحاديث عن هؤلاء تعارضت وتساقطت فإن أحاديث الباقين لم تتعارض. فهب أن أحاديث من ذكرتم

(1) زاد المعاد 2/ 116، 117

(2)

صحيح البخاري الحج (1562).

(3)

صحيح مسلم الحج (1211)، سنن الترمذي الحج (820)، سنن النسائي مناسك الحج (2715)، سنن أبو داود المناسك (1777)، سنن ابن ماجه المناسك (2964)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 104)، موطأ مالك الحج (747)، سنن الدارمي المناسك (1812).

(4)

سنن النسائي مناسك الحج (2731)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 114).

(5)

سنن النسائي مناسك الحج (2731)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 53).

(6)

صحيح مسلم الحج (1211)، سنن الترمذي الحج (820)، سنن النسائي مناسك الحج (2715)، سنن أبو داود المناسك (1777)، سنن ابن ماجه المناسك (2964)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 104)، موطأ مالك الحج (747)، سنن الدارمي المناسك (1812).

ص: 245

لا حجة فيها على القران، ولا على الإفراد؛ لتعارضها، فما الموجب للعدول عن أحاديث الباقين مع صراحتها وصحتها؟ فكيف وأحاديثهم يصدق بعضها بعضا، ولا تعارض بينها، وإنما ظن من ظن التعارض لعدم إحاطته بمراد الصحابة من ألفاظهم، وحملها على الاصطلاح الحادث بعدهم) اهـ.

الراجح:

بعد أن سقنا أدلة من رأى أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا، ومن رأى أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا، ومن رأى أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا، وذكرنا المناقشات، والاعتراضات، والإجابات، فالراجح من هذه الأقوال، بل الصحيح منها وهو الحق - إن شاء الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان قارنا ولم يكن مفردا ولا متمتعا، وهو قول أبي حنيفة وأحمد وأهل الحديث وقول للشافعي.

وهذا القول رجحه العلماء المحققون، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والنووي وابن حجر وغيرهم.

قال الإمام أحمد: (لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، والتمتع أحب إلي؛ لأنه آخر الأمرين)(1).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (أما حج النبي صلى الله عليه وسلم فالصحيح أنه كان قارنا، قرن بين الحج والعمرة وساق الهدي. . .، وهذا الذي ذكرناه هو الصواب المحقق عند أهل المعرفة بالأحاديث الذين جمعوا

(1) مجموع الفتاوى 26/ 80.

ص: 246

طرقها، وعرفوا مقصدها. وقد جمع أبو محمد بن حزم في حجة الوداع كتابا جيدا في هذا الباب) (1).

وقال ابن القيم: (وإنما قلنا: إنه أحرم قارنا، لبضعة وعشرين حديثا صحيحة صريحة في ذلك)(2).

وقال النووي: (والصواب الذي نعتقده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا)(3).

وقال ابن حجر: (والذي تجتمع به الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا)(4).

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: (ولا شك عند من جمع بين العلم والإنصاف، أن أحاديث القران أرجح من جهات متعددة، ثم ذكر رحمه الله هذه الجهات. . .)(5).

وقد ذكر العلامة ابن القيم في زاد المعاد أن أحاديث القران أرجح، من خمسة عشر وجها، ثم ذكرها (6).

قلت: ومن أهم هذه المرجحات ما يلي:

1 -

أنهم أكثر من غيرهم كما تقدم.

2 -

أن طرق الإخبار بذلك تنوعت.

(1) مجموع الفتاوى 26/ 80.

(2)

زاد المعاد 2/ 107.

(3)

المجموع 7/ 159.

(4)

فتح الباري 3/ 427.

(5)

أضواء البيان 5/ 168

(6)

زاد المعاد 2/ 123، 124.

ص: 247

3 -

أن فيهم من أخبر عن سماعه ولفظه صريحا وفيهم من أخبر عن إخباره عن نفسه بأنه فعل ذلك، وفيهم من أخبر عن أمر ربه له بذلك، ولم يجئ شيء من ذلك في الإفراد.

4 -

تصديق روايات من روى أنه اعتمر أربع عمر لها.

5 -

أنها صريحة لا تحتمل التأويل، بخلاف روايات الإفراد.

6 -

أنها متضمنة زيادة سكت عنها أهل الإفراد، أو نفوها، والذاكر الزائد مقدم على الساكت، والمثبت مقدم على النافي.

7 -

أن رواة الإفراد أربعة: عائشة وابن عمر وجابر وابن عباس، والأربعة رووا القرآن، فإن صرنا إلى تساقط رواياتهم، سلمت رواية من عداهم للقران عن معارض، وإن صرنا إلى الترجيح، وجب الأخذ برواية من لم تضطرب الرواية عنه ولا اختلفت، كالبراء، وأنس، وعمر بن الخطاب، وعمران بن حصين، وحفصة، ومن معهم.

8 -

أنه النسك الذي أمر به من ربه، فلم يكن ليعدل عنه.

9 -

أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدي، فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدي، ثم يسوق هو الهدي ويخالفه (1).

وقد ذكر الحافظ ابن حجر أجوبة من رجح الإفراد على القران، ومنهم البيهقي، وقال: ولا يخفى ما في هذه الأجوبة من تعسف (2).

(1) زاد المعاد 2/ 123، 124.

(2)

فتح الباري 3/ 427، 428.

ص: 248

المبحث الخامس: طريق الجمع بين الأحاديث الصحيحة المروية في نسك الحج الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم:

قد سبق أن ذكرنا أن من الصحابة من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع مفردا، ومنهم من روى أنه كان متمتعا، ومنهم من روى أنه كان قارنا؛ وهذه الروايات صحيحة في قصة واحدة، فكيف يمكن الجمع بينها؟ والعلماء كما اختلفوا في النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم، اختلفوا في كيفية الجمع بين ما روي في ذلك.

قال النووي: (والصواب الذي نعتقده أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج مفردا، ثم أدخل عليه العمرة، فصار قارنا، وإدخال العمرة على الحج جائز على أحد القولين عندنا، وعلى الأصح لا يجوز لنا، وجاز للنبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة، وأمر به في قوله: «لبيك عمرة في حجة (1)».

فإذا عرفت ما قلناه سهل الجمع بين الأحاديث. فمن روى أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا - وهم الأكثرون كما سبق - أراد أنه اعتمر في أول الإحرام ومن روى أنه كان قارنا، أراد أنه اعتمر آخره وما بعد إحرامه ومن روى أنه كان متمتعا، أراد التمتع اللغوي، وهو الانتفاع والالتذاذ، وقد انتفع بأن كفاه عن النسكين فعل واحد ولم يحتج إلى إفراد كل واحد بعمل. ويؤيد هذا الذي ذكرته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر تلك السنة عمرة مفردة لا. قبل الحج ولا بعده) (2).

قلت: وهذا الذي ذكره النووي رحمه الله يعترض عليه بأن

(1) صحيح البخاري الحج (1534)، سنن أبو داود المناسك (1800)، سنن ابن ماجه المناسك (2976)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 24).

(2)

المجموع 7/ 159، 160.

ص: 249

رواة الإفراد ليسوا هم الأكثرين، وأن الأحاديث الصحيحة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالنسكين معا، كما تقدم.

وذكر الخطابي في كيفية الجمع: (أن كلا أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر به اتساعا، ثم رجح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا (1). وكذا قال عياض، وزاد: وأما إحرامه هو فقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا، وأما رواية من روى أنه كان متمتعا، فمعناه أمر به؛ لأنه صريح بقوله:«ولولا أن معي الهدي لأحللت (2)» ، فصح أنه لم يتحلل، وأما رواية من روى القران، فهو إخبار عن آخر أحواله، لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي، وقيل له:«قل عمرة في حجة (3)» اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: (وهذا الجمع هو المعتمد، وقد سبق إليه قديما، ابن المنذر، وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا، ومهد له المحب الطبري تمهيدا بالغا، يطول ذكره، ومحصله: أن كل من روى عنه الإفراد حمل على ما أهل به في أول الحال، وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روى عنه القران أراد ما استقر عليه أمره، ويترجح رواية من روى القران بأمور. . .) ثم ذكرها الحافظ ابن حجر (4).

قلت: هذا الذي ذكروه يعترض عليه بأمور:

منها: أن الأحاديث الصحيحة قد تضافرت على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا وليس مفردا كما ذكروه، وقد تقدم بيان ذلك.

(1) معالم السنن 2/ 161

(2)

صحيح البخاري الحج (1651)، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2805)، سنن أبو داود المناسك (1787)، سنن ابن ماجه المناسك (2980)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 366).

(3)

صحيح البخاري الحج (1534)، سنن أبو داود المناسك (1800)، سنن ابن ماجه المناسك (2976)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 24).

(4)

فتح الباري3/ 429

ص: 250

ومنها: أن الأحاديث الصحيحة قد دلت على أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالنسكين معا، وأنه جمع بينهما، لا أنه أحرم مفردا ثم أدخل العمرة على الحج. ثم إن المالكية والشافعية يرجحون أنه كان مفردا، فكيف يستقيم هذا مع الجمع بأنه كان قارنا آخر الأمر؟

أما القول بأن كل من روى عنه صلى الله عليه وسلم التمتع أراد به ما أمر به أصحابه، فيعترض عليه أن هناك أحاديث صحيحة دلت على أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا (1)، غير الأحاديث التي أمر بها أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة. والله أعلم.

ومن أحسن ما جاء في الجمع بين الأحاديث المروية في النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الجمع - ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال:(والصواب أن الأحاديث متفقة ليست مختلفة إلا اختلافا يسيرا يقع مثله في غير ذلك، فإن الصحابة ثبت عنهم أنه تمتع، والتمتع عندهم يتناول القران، والذين روي عنهم أنه أفرد روي عنهم أنه تمتع).

ثم ذكر رحمه الله المروي في ذلك، وجمع بين ذلك بما محصله: (أن التمتع عند الصحابة يتناول القران، فتحمل عليه رواية من روى أنه. حج متمتعا، وكل من روى الإفراد، قد روى أنه صلى الله عليه وسلم حج تمتعا وقرانا، فيتعين الحمل على القران، وأنه أفرد أعمال

(1) والمراد به القران.

ص: 251

الحج).

وقد نقل ابن القيم ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وارتضاه، إلى أن قال ابن القيم:(قال (1): وأما الذين نقل عنهم إفراد الحج فهم ثلاثة: عائشة وابن عمر وجابر، والثلاثة نقل عنهم التمتع، وحديث عائشة وابن عمر أنه تمتع بالعمرة إلى الحج، أصح من حديثهما (أنه أفرد الحج)(2)، وما صح في ذلك عنهما فمعناه: إفراد أعمال الحج، أو أن يكون وقع منه غلط كنظائره، فإن أحاديث التمتع متواترة، رواها أكابر الصحابة، كعمر وعثمان وعلي وعمران بن حصين، ورواها أيضا عائشة وابن عمر وجابر، بل رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر من الصحابة.

قلت - القائل ابن القيم -: وقد اتفق أنس وعائشة وابن عمر وابن عباس، على أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، وإنما وهم ابن عمر في كون إحداهن في رجب، وكلهم قالوا: وعمرة مع حجته، وهم - سوى ابن عباس - قالوا: إنه أفرد الحج، وهم - سوى أنس - قالوا: تمتع، فقالوا: هذا وهذا وهذا، ولا تناقض بين أقوالهم، فإنه تمتع تمتع

(1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.

(2)

هذه الجملة من مجموع الفتاوى 26/ 73، ولا يستقيم الكلام بدونها وليست موجودة في الزاد.

ص: 252

قران، وأفرد أعمال الحج، وقرن بين النسكين، وكان قارنا باعتبار جمعه بين النسكين، ومفردا باعتبار اقتصاره على أحد الطوافين والسعيين، ومتمتعا باعتبار ترفهه بترك أحد السفرين.

ومن تأمل ألفاظ الصحابة، وجمع الأحاديث بعضها إلى بعض، واعتبر بعضها ببعض، وفهم لغة الصحابة، أسفر له صبح الصواب، وانقشعت عنه ظلمة الاختلاف والاضطراب. والله الهادي لسبيل الرشاد، والموفق لطريق السداد.

فمن قال: إنه أفرد الحج، وأراد به أنه أتى بالحج مفردا، ثم فرغ منه وأتى بالعمرة بعده من التنعيم أو غيره - كما يظن كثير من الناس -، فهذا غلط لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا الأئمة الأربعة، ولا أحد من أئمة الحديث. وإن أراد به أنه حج حجا مفردا لم يعتمر معه - كما قاله طائفة من السلف والخلف - فوهم أيضا، والأحاديث الصحيحة ترده كما تبين. وإن أراد به أنه اقتصر على أعمال الحج وحده، ولم يفرد للعمرة أعمالا فقد أصاب، وعلى قوله تدل جميع الأحاديث.

ومن قال: إنه قرن، فإن أراد به أنه طاف للحج طوافا على حدة، وللعمرة طوافا على حدة، وسعى للحج سعيا والعمرة سعيا، فالأحاديث الثابتة ترد قوله. وإن أراد أنه قرن بين النسكين، وطاف لهما طوافا واحدا، وسعى لهما سعيا واحدا، فالأحاديث الصحيحة تشهد لقوله، وقوله هو الصواب.

ومن قال: إنه تمتع، فإن أراد أنه تمتع تمتعا حل منه ثم أحرم بالحج إحراما مستأنفا، فالأحاديث ترد قوله، وهو غلط. وإن أراد أنه

ص: 253