الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقتصر على أفعال الحج، وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحج، أما عند الحنفية فالقارن يلزمه أن يطوف طوافين ويسعى سعيين، ولا تدخل أفعال العمرة في الحج عندهم، بل يقدم العمرة ثم يتبعها أفعال الحج، وإنما يشتركان في الإحرام خاصة (1).
(1) شرح النووي لمسلم 8/ 141، والأسرار لأبي زيد: كتاب المناسك 278، والإفصاح1/ 263.
المبحث الثاني: حكم التخيير بين الأنساك الثلاثة:
ذكر غير واحد من أهل العلم الإجماع على أنه يجوز الحج بكل نسك من الأنساك الثلاثة لكل مكلف على الإطلاق.
فقد قال ابن هبيرة: " وأجمعوا على أنه يصح الحج بكل نسك من أنساك ثلاثة: التمتع، والإفراد، والقران، لكل مكلف على الإطلاق "(1).
وقال النووي: " مذهبنا جواز الثلاثة وبه قال العلماء وكافة الصحابة والتابعين ومن بعدهم "(2).
وقال ابن عبد البر: " وفي حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة من الفقه:
- أن التمتع جائز وأن الإفراد جائز وأن القران جائز وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم " (3).
(1) الإفصاح 2/ 263.
(2)
المجموع 7/ 151.
(3)
التمهيد 8/ 205.
وقال ابن قدامة: " وأجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء، واختلفوا في الأفضل "(1).
وقال الماوردي: " لا اختلاف بين الفقهاء في جواز الإفراد، والتمتع، والقران، وإنما اختلفوا في الأفضل "(2).
وقال ابن مفلح - بعد ما ذكر جواز الإحرام بأي نسك من الأنساك الثلاثة- قال: " ذكره جماعة إجماعا "(3).
قلت: هذا الذي ذكره جماعة من أهل العلم، وهو الإجماع على جواز الإحرام بأي نسك من الأنساك الثلاثة، ليس محل إجماع ولا اتفاق على الصحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ثبت عن ابن عباس وطائفة من السلف أن التمتع واجب، وأن كل من طاف بالبيت وسعى ولم يكن معه هدي، فإنه يحل من إحرامه، سواء قصد التحلل أم لم يقصده، وليس عند هؤلاء لأحد أن يحج إلا متمتعا. وهذا مذهب ابن حزم وغيره من أهل الظاهر ".
قلت: إذا فيكون في المسألة قولان:
الأول: جواز الإحرام بأي نسك من الأنساك الثلاثة، وهو قول أكثر أهل العلم، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو قول
(1) المغني 5/ 82، وانظر: كتاب المناسك من كتاب الأسرار 60، ومختصر اختلاف العلماء 2/ 103.
(2)
الحاوي 4/ 44.
(3)
الفروع 3/ 297.
الأئمة الأربعة.
والقول الثاني: أن من لم يسق الهدي فليس بمخير بين الأنساك الثلاثة، بل يتعين عليه أن يحج متمتعا، وهو قول ابن عباس وأصحابه وأهل الظاهر، ومال إليه ابن القيم.
والحجة للقول الأول:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل (1)» .
2 -
وعنها رضي الله عنها، قالت:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج؛ فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر (2)» . متفق عليه.
قال النووي - بعدما أورد الحديثين-: " فيه دليل لجواز الأنواع الثلاثة، وقد أجمع المسلمون على ذلك، وإنما اختلفوا في الأفضل (3).
(1) مسلم بشرح النووي 8/ 143.
(2)
البخاري مع الفتح 3/ 421، ومسلم بشرح النووي 8/ 141.
(3)
شرح النووي لمسلم 8/ 143، 144.
أما الحجة للقول الثاني:
فاحتجوا بالأحاديث الصحيحة التي أمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يحلوا من حجهم ويجعلوه عمرة، ومنها:
1 -
حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج، فلما قدمنا تطوفنا بالبيت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، فحل من لم يكن ساق الهدي، ونساؤه لم يسقن فأحللن (1)» .
2 -
وفي مسلم عن جابر، قال: «أهللنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالحج
(1) البخاري مع الفتح 3/ 421، ومسلم بشرح النووي 8/ 141.
(2)
البخاري مع الفتح 3/ 606.
خالصا وحده. قال عطاء: قال جابر: فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة فأمرنا أن نحل. قال عطاء: قال صلى الله عليه وسلم: "حلوا وأصيبوا النساء" قال عطاء: ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم فقلنا: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني، قال: يقول جابر بيده كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها، قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم فينا فقال: "قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديي لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا" فحللنا وسمعنا وأطعنا، قال عطاء: قال جابر: فقدم علي من سعايته، فقال:" بم أهللت "؟ قال: بما أهل به النبي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فأهد وامكث حراما " قال: وأهدى له علي هديا. فقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: لأبد. . . (1)».
ورأى أصحاب هذا القول أن التخيير إنما كان في أول الأمر (2) قلت:
الراجح هو القول بجواز التخيير بين الأنساك الثلاثة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما أمره أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي، فلأنه أراد أن يجمعوا بين الحج والعمرة وأن لا يعتمروا عمرة مكية (3) وإن سافروا سفرا
(1) مسلم بشرح النووي 8/ 163 - 165.
(2)
المحلى 7/ 99، وزاد المعاد 2/ 178.
(3)
عمرة مكية أي يحرموا بالعمرة من مكة.