الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والواجب المحافظة على الأصل، ونسبته إلى مصنفه لا إلى من اختصره.
وأكتفي بضرب مثال واحد على هذا الدمج بذكر كتاب مشهور متداول، وهو كتاب (سبل السلام شرح بلوغ المرام) حيث إن أصل هذا الكتاب ليس للصنعاني، وإنما هو للقاضي شرف الدين الحسين بن محمد المغربي اليماني، والصنعاني قام باختصار هذا الأصل الذي هو (البدر التمام شرح بلوغ المرام)، فهل من الإنصاف أن يقال:(سبل السلام شرح بلوغ المرام) أو يقال: (سبل السلام في اختصار البدر التمام شرح بلوغ المرام).
إن جل طلبة العلم الذين يدرسون هذا الكتاب لم يسمعوا بأصله، ولا بمؤلف الأصل، أليس هذا نكرانا لحقه؟
ضوابط الاختصار:
إن المقصود الأول بهذا البحث هو بيان ضوابط الاختصار في التأليف المنهجي، والتنبيه على قواعده.
إن كتب العلماء ومؤلفاتهم حمى، وعملهم حق محفوظ لهم، فليس لأحد أن يعتدي على هذا الحق، أو يصادره لنفسه، أو يعتسف في استغلاله، وإن الأمانة العلمية -وهي جزء من الأمانة الواجبة- تقتضي رد الحق إلى أهله، والاعتراف للفاضل بفضله، ونسبة العمل إلى عامله.
وهناك فئة من المختصرين لكتب العلماء هجموا على ما لا يحسنون، وتكلفوا ما لا يتقنون، يريد أحدهم أن يضرب بسيف غيره، ويستدفئ بثوبي زور، فيصدق عليهم القول: أراد أن يصل إلى داره فتسلق جدار جاره، والمثل: طار قبل أن يحوصل، أو تزبب وهو حصرم.
وأمثال هؤلاء لا يسمى عملهم اختصارا، ولا يعد من العلم في
قبيل ولا دبير، بل هو تشويه وتمويه، فإن أحدهم يتصرف في مصنف غيره تصرف الجزار في أضحيته، فهم يضعفون الأقوال الراجحة، ويطمسون الحقائق الواضحة، ويدسون في المختصرات ما لا نسب بينه وبين الأصل، ونرى أحدهم يجعل كتاب غيره ميدانا للانتصار لرأيه، والانتقام لنفسه، فيستبدل عقيدة السلف بالتعطيل، وربما ضعف الصحيح، وصحح الضعيف، ولم يرع للمؤلف حرمة، ولم يحفظ له حقا، ولم يقم للأمانة العلمية وزنا، فهل هذا اختصار؟
إن ثمة ضوابط وأسسا منهجية للاختصار دون مراعاتها، فإنه يفقد قيمته، وتضيع فائدته، ويصبح ضرره أكبر من نفعه.
وهذه هي أهم القواعد التي توصلت إليها بعد البحث والنظر:
1 -
تحري حسن القصد، وسلامة النية في عمله، ورجاء نفع الأمة.
2 -
الاستقصاء لمسائل الكتاب (الأصل) وفوائده، والاقتصار على حذف ما يغني مذكوره عن محذوفه، من التكرار، وتوضيح الواضح الجلي.
3 -
المحافظة على المعاني التي قصدها المصنف، وصبها في قالب لغوي سهل، وحذف عويص اللغة وتعقيداتها إن وجدت.
4 -
توضيح الأمور المشكلة والوجوه المحتملة، بإرجاع الضمائر إلى مراجعها، وإزالة الإشكال والإبهام بالمجاز بين، كأن تكون الكلمة اسما لأكثر من موضع، أو يكون الاسم يشترك فيه أكثر من راو. . . إلخ.
5 -
عدم الإخلال بأدلة الكتاب (الأصل) وأفكاره الأساسية، مع حذف ما يبعد أو يندر وقوعه من الافتراضات البعيدة.
6 -
حذف الأقوال الشاذة البين شذوذها، والآراء المبتدعة الواضح خطرها، وهذا ليس من العبث بالكتاب، بل من الإصلاح فيه، ومن تغيير المنكر، والنصح للمسلمين.
7 -
عدم التحريف في أقوال المصنف، أو نسبة رأي أو مذهب إليه لم يقل به، ولو كان المذهب الحق، والرأي الصواب؛ فإن العدل يقتضي أن لا يقول قولا لم يقله، أو ينسب إليه مذهب لم يذهب إليه، إذ قد يذهب إلى ذلك بعض المختصرين، لتكثير سواد أهل الحق، وتأييد مذهبهم، غير أن هذه الغاية النبيلة لا تسوغ مثل هذا العمل القبيح الذي لا يعدو أن يكون كذبا، ولا يجوز أن نداوي الحمى بالطاعون.
وليطمئن المشفقون على الحق وأهله فإن الله تعالى جاعل قلتهم كثرة، ولله الحجة البالغة.
8 -
عدم المبالغة في الإيجاز بحيث ينتهي إلى الإغلاق والغموض، فينافي الغرض الذي قصده، فيفر من بشاعة التطويل إلي شناعة التعقيد.
9 -
قصد الكتب المهمة بالاختصار التي تعظم الفائدة باختصارها، ويعم النفع بها، فليس كل كتاب حريا ببذل الوقت في تقريبه للناس، وتيسير انتشاره بينهم.
10 -
مراعاة نوعية الكتاب الذي يروم اختصاره، ليحدد ما هو من مباحثه الأصلية، ومقاصده الأساسية، وما ليس كذلك، حتى لا يقع في المحذور، وهو حذف الضروري؛ فيخل بقصد المؤلف الأول، وغايته الأساسية من تأليفه، ويخلط بين فضول الكتاب وأصوله.
فإذا كان الكتاب من كتب الحديث المسندة مثلا، فإنه لا
يحسن أن يحذف أسانيده، ويبقي على المتون فقط، إذا لم يكن الكتاب مشتهرا ونسخه كثيرة منتشرة.
وإذا كان الكتاب في الرجال، الرواة فلا يحسن أن يبقي شيئا من سيرة الراوي الذاتية، ونسبه، وصنعته، ولقبه، ويحذف الحكم عليه وبيان حاله في الرواية.
وهكذا ينبغي أن يكون نظره دقيقا للكتاب الذي يتصدى لاختصاره، فليس المقصود من الاختصار تقليل الصفحات، والتخلص من المجلدات.
11 -
نسبة الكتاب إلى مصنفه، والتنويه به في عنوان المختصر، أو في مقدمته، أو فيهما؛ حتى لا يؤدي عدم التنويه به إلى طمس ذكره ونسيان أمره، في حين أن الجهد الأساسي هو له، لا للمختصر.
12 -
عدم التغيير في ترتيب الكتاب الأصلي، وفي سياقه دون الحاجة إلى ذلك، لأن هذا وسيلة بل حيلة تؤدي إلى انتحال تأليف غيره، ونسبته إلى نفسه، وليس له فيه إلا تقديم المتأخر، أو تأخير المتقدم، أو العبث في سياقه، وهذا التغيير لا مسوغ له، فإن رام التسهيل، وتيسير الوصول إلى مسائله ومباحثه، فليجعل ذلك في فهارس مفصلة في آخر الكتاب.
13 -
أن يبين عمله في الكتاب بيانا واضحا، وطريقته في الاختصار، ومنهجه في ذلك، حتى يمكن الحكم على عمله بالصواب أو بالخطأ، ليبرأ صاحب الأصل من خطئه، ويخرج من عهدته، وكذلك ينبغي أن يبين مسوغات عمله واختصاره لهذا الكتاب.
14 -
مراعاة الإيجاز والتحقيق في تكميل نقص الأصل،
وتتميم مباحثه: من ذكر الساقط، وملء البياض، وإكمال العبارات الناقصة، وغير ذلك.
15 -
المحافظة على مزايا الكتاب الأصلي التي تميز بها عن المؤلفات الأخرى، وما يعد من خصائصه، فإن الاختصار إذا طمس هذه المزايا والخصائص فإنه يكون قد سلب الكتاب أكرم نفائسه.
16 -
عدم التصدي لهذا العمل إن لم يكن قد تأهل له، فإن التأليف ليس تسويد الصحائف، وصرم الأوقات، وما كل رامي غرض يصيبه، وما كل دام جبينه عابد.
17 -
عدم الوقيعة بالمصنف، أو الغض من قدره، أو غمزه، أو غمز كتابه، أو عيب طريقته، والاستخفاف بمنهجه، فإنه لا يعيب إلا معيب، ولا يغتاب إلا عاجز.
وأجرأ من رأيت بظهر غيب
…
على عيب الرجال ذوو العيوب
وكل اغتياب جهد من لا له جهد.
إن من حق المصنف الدعاء له، والترحم عليه، وبيان خصائص كتابه، والتماس العذر له إن وقع له تقصير، مع الإنصاف وعدم الاعتساف.
18 -
دراسة منهج المصنف دراسة عميقة؛ للتوصل إلى معرفة المقاصد الأساسية من تأليفه.
19 -
تحقيق الأصل عند اختصاره، سواء أكان مخطوطا أم مطبوعا، ومقابلة نسخه إن كان له أكثر من نسخة، وذلك أن الاختصار لا يعني الإيجاز والحذف من الكتاب وحسب، به من تمامه إكمال الكتاب، وتتميم النقص فيه.
بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بشأن تحريم الغناء والموسيقى
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على مقال نشر في الملحق لجريدة المدينة الصادر يوم الأربعاء الموافق 30/ 9 / 1420 هـ بعنوان: (ونحن نرد على جرمان) بقلم: أحمد المهندس رئيس تحرير العقارية، يتضمن إباحة الغناء والموسيقى والرد على من يرى تحريم ذلك، ويحث على إعادة بث أصوات المغنين والمطربين الميتين، تخليدا لذكراهم وإبقاء للفن الذي قاموا بعمله في حياتهم، ولئلا يحرم الأحياء من الاستمتاع بسماع ذلك الفن ورؤيته.
وقال: ليس في القرآن الكريم نص على تحريم الغناء والموسيقى.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان يستمع إلى الغناء والموسيقى ويأمر بهما في الأعياد والمناسبات، كالزواج والأفراح.
ثم قال: وهناك أحاديث ضعيفة يستند إليها البعض في منع الغناء والموسيقى لا يصح أن تنسب للصادق الأمين لتغليب رأي أو منع أمر لا يوافق عليه البعض.
ثم ذكر آراء لبعض العلماء كابن حزم في إباحة الغناء.
وللرد على هذه الشبهات تقرر اللجنة ما يلي:
أولا: الأمور الشرعية لا يجوز الخوض فيها إلا من علماء الشريعة المختصين المؤهلين علميا للبحث والتحقيق، والكاتب
المدعو أحمد المهندس ليس من طلاب العلم الشرعي، فلا يجوز له الخوض فيما ليس من اختصاصه، ولهذا وقع في كثير من الجهالات، والقول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم، وهذا كسب للإثم، وتضليل للقراء، كما لا يجوز لوسائل الإعلام من الصحف والمجلات وغيرها أن تفسح المجال لمن ليس من أهل العلم الشرعي أن يخوض في الأحكام الشرعية ويكتب في غير اختصاصه؛ حماية للمسلمين في عقائدهم وأخلاقهم.
ثانيا: الميت لا ينفعه بعد موته إلا ما دل عليه دليل شرعي، ومن ذلك ما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1)» .
وأما المعاصي التي عملها في حياته ومات وهو غير تائب منها -ومنها الأغاني- فإنه يعذب بها إلا أن يعفو الله عنه بمنه وكرمه.
فلا يجوز بعثها وإحياؤها بعد موته، لئلا يلحقه إثمها زيادة على إثم فعلها في حياته، لأن ضررها يتعدى إلى غيره، كما قال عليه الصلاة والسلام:«ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة (2)» وقد أحسن أقاربه في منع إحياء هذه الشرور بعد موت قرييهم.
ثالثا: وأما قوله: (ليس في القرآن الكريم نص على تحريم الغناء والموسيقى) فهذا من جهله بالقرآن؛ فإن الله تعالى قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (3)
قال أكثر المفسرين: معنى (لهو الحديث) في الآية الغناء.
وقال جماعة آخرون: كل صوت من أصوات الملاهي فهو داخل في ذلك، كالمزمار والربابة
(1) صحيح مسلم الوصية (1631)، سنن الترمذي الأحكام (1376)، سنن النسائي الوصايا (3651)، سنن أبو داود الوصايا (2880)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 372)، سنن الدارمي المقدمة (559).
(2)
صحيح مسلم الزكاة (1017)، سنن الترمذي العلم (2675)، سنن النسائي الزكاة (2554)، سنن ابن ماجه المقدمة (203)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 359)، سنن الدارمي المقدمة (514).
(3)
سورة لقمان الآية 6
والعود والكمان وما أشبه ذلك، وهذا كله يصد عن سبيل الله ويسبب الضلال والإضلال.
وثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل أحد علماء الصحابة رضي الله عنهم أنه قال في تفسير الآية: إنه والله والغناء، وقال: إنه ينبت النفاق قي القلب كما ينبت الماء البقل.
وجاء في المعنى أحاديث كثيرة كلها تدل على تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب، وأنها وسيلة إلى شرور كثيرة وعواقب وخيمة.
وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه (إغاثة اللهفان) الكلام في حكم الأغاني وآلات اللهو.
رابعا: قد كذب الكاتب على النبي صلى الله عليه وسلم حيت نسب إليه أنه كان يستمع إلى الغناء والموسيقى ويأمر بهما في الأعياد والمناسبات كالزواج والأفراح.
فإن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص للنساء خاصة فيما بينهن بضرب الدف والإنشاد المجرد من التطريب وذكر العشق والغرام والموسيقى وآلات اللهو مما تشتمل عليه الأغاني الماجنة المعروفة الآن، وإنما رخص بالإنشاد المجرد عن هذه الأوصاف القبيحة مع ضرب الدف خاصة دون الطبول وآلات المعازف لإعلان النكاح، بل صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري أنه حرم المعازف بجميع أنواعها وتوعد عليها بأشد الوعيد، كما في صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم -يعني الفقير- لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة (1)» والمعازف الغناء
(1) سنن أبو داود اللباس (4039).
وجميع آلاته.
فذم رسول الله صلى الله عليه وسلم من يستحلون الحر وهو الزنا ويستحلون لبس الحرير للرجال وشرب الخمور ويستحلون الغناء وآلات اللهو، وقرن ذلك مع الزنا والخمر ولبس الرجال للحرير مما يدل على شدة تحريم الغناء وتحريم آلات اللهو.
خامسا: وأما قوله: وهناك أحاديث ضعيفة يستند إليها من منع الغناء والموسيقى ولا يصح أن تنسب للصادق الأمين لتغليب رأي أو منع أمر لا يوافق عليه البعض - فهذا من جهله بالسنة، فالأدلة التي تحرم الغناء بعضها في القرآن وبعضها في صحيح البخاري كما سبق ذكره وبعضها في غيره من كتب السنة، وقد اعتمدها العلماء السابقون، واستدلوا بها على تحريم الغناء والموسيقى.
سادسا: ما ذكره عن بعض العلماء من رأي في إباحة الغناء فإنه رأي مردود بالأدلة التي تحرم ذلك، والعبرة بما قام عليه الدليل لا بما خالفه، فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالواجب على هذا الكاتب أحمد المهندس أن يتوب إلى الله تعالى مما كتب، ولا يقول على الله وعلى رسوله بغير علم، فإن القول على الله بغير علم قرين الشرك في كتاب الله.
وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
عضو
…
الرئيس
عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
…
بكر بن عبد الله أبو زيد
…
صالح بن فوزان الفوزان
…
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ