الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر للعمرة. ومن كان هذه حاله فينبغي له أن يتمتع، فالتمتع كان متعينا في حق الصحابة إذا أرادوا أن يفعلوا الأفضل لهم، وكان أولا قد أذن لهم في الفسخ ولم يأمرهم " (1).
(1) مجموع الفتاوى 26/ 51، 52.
المبحث الثالث: فسخ الحج إلى عمرة:
لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز فسخ الحج إلى عمرة مفردة لا يأتي بعدها بالحج، كما أنه لا خلاف بينهم في أنه لا يجوز لمن ساق الهدي أن يفسخ ما أحرم به إلى عمرة. وإنما الذي فيه الخلاف هو بالنسبة لمن كان مفردا أو قارنا ولم يسق الهدي، هل له أن يفسخ حجه إلى عمرة ليكون متمتعا أم لا؟ كما أن أهل العلم قد اتفقوا على صحة الأحاديث الواردة في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر كل من لم يسق الهدي من أصحابه أن يفسخ حجه ويجعله عمرة.
قال ابن عبد البر: " تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجته من لم يكن معه منهم هدي ولم يسقه وكان قد أحرم بالحج أن يجعلها عمرة.
وقد أجمع العلماء على تصحيح الآثار بذلك عنه صلى الله عليه وسلم، ولم يدفعوا شيئا منها، إلا أنهم اختلفوا في القول بها والعمل " (1).
(1) التمهيد 8/ 355، 356.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لم يختلف أحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه إذا طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، وهذا مما تواترت به الأحاديث "(1).
وبعدما اتفق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عام حجه بفسخ الحج إلى العمرة بقوله صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة (2)» . وأمره من لم يسق الهدي من أصحابه أن يفسخ حجه إلى عمرة، اختلفوا هل كان ذلك خاصا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن خاصا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل هو واجب أو مستحب؟ اختلفوا إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن فسخ الحج إلى العمرة لا يجوز، سواء ساق الهدي أم لم يسقه، وأن ذلك كان خاصا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 -
ما روي من طريق الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت: «يا رسول الله، أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل لكم خاصة (3)» . رواه أحمد وأبو داود
(1) مجموع الفتاوى 26/ 61، 62.
(2)
البخاري مع الفتح 3/ 606.
(3)
مسند الإمام أحمد 3/ 469، وسنن أبي داود 2/ 161 حديث رقم 1808، وسنن النسائي 5/ 179.
والنسائي وابن ماجه
2 -
عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن سليمان بن الأسود، أن أبا ذر رضي الله عنه كان يقول- فيمن حج ثم فسخها بعمرة-:"لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". رواه أبو داود (1).
3 -
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: "كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة". رواه مسلم (2) وفي رواية عند مسلم عن أبي ذر، قال: لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة: متعة النساء ومتعة الحج. (3) قالوا: والمراد. بمتعة الحج هنا فسخ الحج إلى عمرة (4).
4 -
إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفسخ؛ ليحرموا بالعمرة في أشهر الحج، ويخالفوا ما كانا الجاهلية عليه من تحريم العمرة في أشهر الحج، وقولهم: إنها من أفجر الفجور (5).
ونوقشت هذه الأدلة بما يلي:
حديث الحارث بن بلال لا يصح، وحديثه لا يكتب، ولا
(1) في سننه 2/ 161 حديث رقم 1807.
(2)
مسلم بشرح النووي 8/ 203.
(3)
مسلم بشرح النووي 8/ 203.
(4)
المجموع 7/ 169.
(5)
التمهيد 8/ 356، والمجموع 7/ 168.
يعارض. بمثله الأحاديث الصحيحة. وقالوا: وهو حديث ساقط بالمرة باطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفرد به ربيعة عن الحارث بن بلال المجهول الذي لا يعرف؛ فهو من افترائه أو من غلطه ووهمه، فإن الحديث المقطوع بصحته قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا، وأن ذلك إلى الأبد، مما هو قاطع بكذب هذا الحديث وبطلانه.
وأما المروي عن أبي ذر رضي الله عنه أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا إن أريد به أصل المتعة فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، بل المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة، وإن أريد به متعة الفسخ فهذا رأي رآه أبو ذر رضي الله عنه، وقد قال ابن عباس وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما: إن ذلك عام للأمة، فرأي أبي ذر رضي الله عنه معارض برأيهما، وسلمت النصوص الصحيحة الصريحة.
ثم من المعلوم أن دعوى الاختصاص باطلة، بنص النبي صلى الله عليه وسلم أن تلك العمرة التي وقع السؤال عنها، وكانت عمرة فسخ لأبد الأبد، لا تختص بقرن دون قرن، وهذا أصح سندا من المروي عن أبي ذر رضي الله عنه، وأولى أن يؤخذ به منه لو صح عنه.
وأيضا فإذا رأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا في أمر قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعله وأمر به، فمال بعضهم: إنه منسوخ
أو خاص، وقال بعضهم: هو باق إلى الأبد، فقول من ادعى نسخه أو اختصاصه مخالف للأصل، فلا يقبل إلا ببرهان، وإن أقل ما في الباب معارضته بقول من ادعى بقاءه وعمومه، والحجة تفصل بين المتنازعين، والواجب عند التنازع الرد إلى الله ورسوله؛ فإن قال أبو ذر: إن الفسخ منسوخ أو خاص، وقال أبو موسى وابن عباس: إنه باق وحكمه عام، فعلى من ادعى النسخ والاختصاص الدليل.
على أن المروي عن أبي ذر يحتمل ثلاثة أمور:
أحدها: اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حرم الفسخ.
والثاني: اختصاص وجوبه بالصحابة، وهو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة.
والاحتمال الثالث: أنه ليس لأحد من بعد الصحابة أن يبتدئ حجا قارنا أو مفردا بلا هدي، بل هذا يحتاج معه إلى الفسخ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في آخر الأمر، من التمتع لمن لم يسق الهدي، والقران لمن ساق الهدي، كما صح عنه ذلك.
وأما أن يحرم بحج مفردا ثم يفسخه عند الطواف إلى عمرة مفردة ويجعله متعة، فليس له ذلك، بل هذا إنما كان للصحابة، فإنهم ابتدأوا الإحرام بالحج المفرد قبل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتمتع والفسخ إليه، فلما استقر أمره بالتمتع والفسخ إليه لم يكن لأحد أن يخالفه ويفرد ثم يفسخه.
وإذا تأملت هذين الاحتمالين الأخيرين، رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأول أو مساويين له، وتسقط معارضة الأحاديث
الصريحة به جملة (1).
وأما المروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقول- فيمن حج ثم فسخها بعمرة-: "لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". رواه أبو داود (2).
فقد قال النووي: " إسناد هذا لا يحتج به؛ لأن محمد بن إسحاق مدلس، وقد قال " عن "، واتفقوا على أن المدلس إذا قال " عن " لا يحتج به "(3).
قلت: وعلى فرض صحته فقد تقدم الجواب عن ذلك. وأما القول بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالفسخ؛ ليبين الجواز، وليخالف ما كانت الجاهلية تعتقده من عدم جواز العمرة في أشهر الحج.
فالجواب عنه:
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ذلك عمره الثلاث في أشهر الحج في ذي القعدة، فكيف يظن أن الصحابة رضي الله عنهم لم يعلموا جواز الاعتمار في أشهر الحج إلا بعد أمرهم بفسخ الحج إلى عمرة؟
2 -
أنه ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قد قال لهم عند الميقات: «من شاء أن يهل بعمرة فليفعل، ومن شاء أن يهل بحجة فليفعل، ومن شاء أن يهل بحج وعمرة فليفعل (4)» ، فبين لهم جواز الاعتمار في أشهر الحج عند الميقات وعامة
(1) انظر: زاد المعاد 2/ 191 - 194 بتصرف يسير.
(2)
تقدم تخريجه ص 217.
(3)
المجموع 7/ 169.
(4)
صحيح البخاري الحج (1786)، صحيح مسلم الحج (1211)، سنن النسائي مناسك الحج (2763)، سنن أبو داود المناسك (1782)، سنن ابن ماجه المناسك (2963).
المسلمين معه، فكيف لم يعلموا جوازها إلا بالفسخ؟
3 -
أنه أمر من لم يسق الهدي أن يتحلل، وأمر من ساق الهدي أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، ففرق بين محرم ومحرم. وهذا يدل على أن سوق الهدي هو المانع من التحلل لا مجرد الإحرام الأول، والعلة التي ذكروها لا تختص بمحرم دون محرم فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل التأثير في الحل وعدمه للهدي وجودا وعدما لا لغيره (1).
4 -
وأيضا فالذين حجوا معه متمتعين كان في حجهم ما يبين الجواز، فلا يجوز أن يأمر جميع من حج معه بالتحلل من إحرامه وأن يجعلوا ذلك تمتعا لمجرد بيان جواز ذلك، ولا ينقلهم عن الأفضل إلى المفضول؛ فعلم أنه إنما نقلهم إلى الأفضل. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ فقال: «بل للأبد، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (2)» .
5 -
وأيضا فإذا كان الكفار غير متمتعين ولا معتمرين في أشهر الحج، والنبي صلى الله عليه وسلم قصد مخالفة الكفار، كان هذا من سنن الحج، كما فعل في وقوفه بعرفة ومزدلفة؛ فإن المشركين كانوا يعجلون الإفاضة من عرفة قبل الغروب، ويؤخرون الإفاضة من جمع (3)
(1) زاد المعاد 2/ 213.
(2)
صحيح مسلم الحج (1241)، سنن الترمذي الحج (932)، سنن أبو داود المناسك (1790).
(3)
اسم من أسماء مزدلفة.
إلى أن تطلع الشمس، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأخر الإفاضة من عرفة إلى أن غربت الشمس، وعجل الإفاضة من جمع قبل طلوع الشمس. وهذا هو السنة باتفاق المسلمين.
فهكذا ما فعله من التمتع والفسخ، إن كان قصد به مخالفة المشركين فهذا هو السنة، وإن فعله لأنه أفضل وهو سنة، فعلى كلا التقديرين يكون الفسخ أفضل، اتباعا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- والله أعلم-.
القول الثاني: أن الفسخ جائز بل مستحب. وهو قول الإمام أحمد والحسن ومجاهد وداود، وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
القول الثالث: وجوب فسخ الحج إلى عمرة لمن لم يسق الهدي. وبه قال ابن عباس رضي الله عنه، وهو قول ابن حزم ومال
إليه ابن القيم.
والأدلة لهذين القولين هي:
1 -
الأحاديث الصحيحة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من لم يسق الهدي أن يفسخ حجه إلى عمرة، وهي متواترة كما تقدم، ولم يختلف أهل العلم في صحتها.
قال الإمام أحمد في رده على سلمة بن شبيب: " عندي أحد عشر حديثا في فسخ الحج، أتركها لقولك؟ "(1).
وقال ابن القيم: " روى عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بفسخه الحج إلى العمرة أربعة عشر من أصحابه ". ثم ذكرهم، ثم ذكر أحاديثهم التي رووها (2)، ومنها:
حديث جابر في الصحيحين- وفيه-: فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة، وفيه:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي فحلوا، فحللنا وسمعنا وأطعنا، وفيه - أي في الحديث- فقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله، لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: للأبد. . . (3)» الحديث.
(1) المغني 5/ 254، ومجموع الفتاوى 26/ 54، وزاد المعاد 2/ 183.
(2)
زاد المعاد 2/ 178.
(3)
تقدم تخريجه ص 213.
قال ابن القيم: " وهذا اللفظ الأخير صريح في إبطال قول من قال إن ذلك كان خاصا بهم، فإنه حينئذ يكون لعامهم ذلك وحده، لا للأبد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه للأبد "(1).
2 -
ما ثبت عن أبي موسى رضي الله عنه أنه أفتى الناس بالفسخ الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي، ثم زمن أبي بكر، ثم زمن عمر رضي الله عنهما (2).
3 -
أن ابن عباس رضي الله عنه كان يأمر بالفسخ كل من لم يسق الهدي ويجعله عمرة، بل كان يرى أن كل من طاف بالبيت وسعى فقد حل، شاء أم أبى (3).
إلا أن أصحاب القول الثاني يحملون هذه الأدلة على الاستحباب، وأصحاب القول الثالث يحملونها على الوجوب (4).
يقول ابن القيم رحمه الله: " ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحجج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة؛ تفاديا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعا لأمره، فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه، ولا خص به أصحابه دون من
(1) زاد المعاد 2/ 179، 180.
(2)
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 200، 201.
(3)
انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8/ 229، 230، وصحيح البخاري مع فتح الباري 3/ 534.
(4)
انظر: المصادر المتقدمة ص 222، 223.
بعدهم، بل أجرى الله سبحانه على لسان سراقة أن يسأله هل ذلك مختص بهم؟ فأجاب بأن ذلك كائن لأبد الأبد. فما ندري ما نقدم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه. . . ".
مناقشة أصحاب القول الأول للقولين الثاني والثالث، والجواب عن هذه المناقشة:
1 -
أن حديث سراقة بن مالك المقصود به إبطال ما كان يعتقده أهل الجاهلية من امتناع العمرة في أشهر الحج (1).
قلت: قد تقدم الجواب عن هذا.
2 -
أن حديث الحارث بن بلال، قال عنه النووي: لم أر في الحارث جرحا ولا تعديلا، وقد رواه أبو داود ولم يضعفه، وقد ذكرنا أن ما لم يضعفه أبو داود فهو حديث حسن عنده إلا أن يوجد ما يقتضي ضعفه (2).
قلت: قد تقدم الجواب عن سبب تضعيف العلماء لحديث الحارث بن بلال، ثم كون الحديث لم يضعفه أبو داود لا يلزم
(1) المجموع 7/ 168، وشرح النووي لمسلم 8/ 166.
(2)
المجموع 7/ 169.
منه أن لا يكون ضعيفا، فقد أورد أبو داود حديث أبي ذر برقم 1807، وحديث الحارث برقم 1808، ولم يضعف حديث أبي ذر، وقد قال النووي:" حديث أبي ذر إسناده لا يحتج به؛ لأن محمد بن إسحاق مدلس وقد قال " عن "، والمدلس إذا قال " عن " لا يحتج به ". اهـ.
فلم يكتف النووي بعدم تضعيف أبي داود لهذا الحديث، فكذلك حديث الحارث. ذكر أهل العلم أن الحارث مجهول، وحديثه يخالف الحديث الصحيح، مما يدل على بطلان حديث الحارث، ولم يروا عدم تضعيف أبي داود له دليلا على صحته.
3 -
قالوا: إن حديث سراقة بن مالك قد اختلف العلماء في معناه، على أقوال:
قال النووي: " أصحها - وبه قال جمهورهم- معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة. والمقصود به إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج.
والثاني: معناه جواز القران. وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة.
والثالث: تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة؛ قالوا: معناه سقوط العمرة. قالوا: ودخولها في الحج معناه: سقوط وجوبها، وهذا ضعيف أو باطل.
والرابع: تأويل بعض أهل الظاهر أن معناه جواز فسخ الحج
إلى العمرة، وهذا أيضا ضعيف ". اهـ (1).
وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله- بعدما أورد كلام النووي -: " وتعقب بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل، بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ، والجواب وقع عما هو أعم من ذلك، حتى يتناول التأويلات المذكورة إلا الثالث. والله أعلم "(2).
قلت - بعد إيراد الأدلة والمناقشات-: فالذي يترجح عندي هو القول باستحباب الفسخ، وليس القول بالوجوب أو التحريم، وأن الوجوب كان خاصا بالصحابة، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، أما الاستحباب فباق إلى يوم القيامة؛ وبه تجتمع الأدلة، فقول من قال من الصحابة بأنه خاص بهم، أي وجوب الفسخ، وقول من قال من الصحابة بعموم الفسخ يحمل على جواز ذلك واستحبابه (3).
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: " والذي يظهر لنا صوابه في حديث «بل للأبد (4)» ، وحديث الخصوصية بذلك الركب، هو ما اختاره العلامة الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وهو الجمع المذكور بين الأحاديث بحمل الخصوصية المذكورة على الوجوب والتحتم، وحمل التأبيد المذكور على المشروعية والجواز أو السنة، ولا شك أن هذا
(1) شرح النووي لمسلم 8/ 166.
(2)
فتح الباري 3/ 609.
(3)
انظر: مجموع الفتاوى 26/ 51، 52، 95، 96، وزاد المعاد 2/ 193، 194.
(4)
صحيح مسلم الحج (1241)، سنن الترمذي الحج (932)، سنن أبو داود المناسك (1790).