الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة يس
ما معنى هذه الآيات، ومن هم هؤلاء القوم الذين لم ينذروا مع أن الله يقول:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ؟
الجواب: قوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم:{يس} : الصحيح أن هذا من الحروف المقطعة في أوائل السور، والله جل وعلا أعلم بمراده بها.
{وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} هذا قسم من الله سبحانه وتعالى بالقرآن الذي هو كلامه وآياته التي أنزلها، وهو يدل على عظمة هذا القرآن؛ لأن الله أقسم به.
{الْحَكِيمِ} معناه: المحكم الذي لا يعتريه نقص ولا يعتريه تناقض، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} هذا هو المقسم عليه، أقسم الله سبحانه وتعالى بالقرآن الحكيم على أن محمدًا من المرسلين، ففي هذا إثبات الرسالة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل، وأنه أثبتها وأقسم عليها جل وعلا.
{عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: إنك أيها الرسول على طريق واضح، وطريق صحيح، هو صراط الله سبحانه وتعالى.
{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} أي: أن هذه الرسالة وهذا القرآن من الله عز وجل، فهو الذي أرسل هذا الرسول، وهو الذي أنزل هذا الكتاب، وهو العزيز، يعني القوي الذي لا يغالب، الرحيم بعباده جل وعلا.
والحكمة في ذلك، في إنزال هذا القرآن وفي بعث هذا الرسول، {لِتُنْذِرَ قَوْمًا} : يعني: لتبين لهم وتخوفهم بالله عز وجل، وتنبههم على طريق الصواب وطريق الهدى، وتحذرهم وتنذرهم من طريق الشرك وطريق النار. والمراد بهؤلاء القوم: العرب.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث فيهم أصالة وغيرهم تبعًا، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم بعث لجميع الثقلين الجن والإنس كما قال تعالى:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] ، فرسالته عامة، وإن كان قد بعث في العرب، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث لجميع الجن والإنس، فرسالته عامة عليه الصلاة والسلام، ولكنه بدأ بإنذار العرب وهذا من التدرج في الإبلاغ، والتدرج في تبليغ الرسالة، فهو يبلغ العرب، ويبلغ غيرهم، ولهذا كتب صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، إلى كسرى وقيصر، يدعوهم إلى الإسلام؛ لأنه رسول إليهم.
{مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} : لا منافاة بين هذا وبين ما ذكره السائل من أن الله قد بعث في كل أمة رسولًا {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} [النحل: 36] ؛ لأن العرب لم يأتهم بعد إسماعيل عليه السلام رسول منهم، إلى أن جاء
محمد صلى الله عليه وسلم فلم يبعث في العرب رسول بعد إسماعيل إلا ابنه محمد صلى الله عليه وسلم.
سؤال: المقصود نذير هنا: من بينهم أو منهم؟
الجواب: نعم، وإن كانت بلغتهم دعوة إبراهيم عليه السلام ودعوات الأنبياء، لكن [رسول منهم] ، لم يبعث منهم إلا محمد صلى الله عليه وسلم، {مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} .
{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} : يعني وجب عليهم العذاب بكفرهم وعنادهم لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم استجابتهم لدعوته، وبذلك حقت عليهم كلمة العذاب فهم لا يؤمنون.
{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس: 8 - 11] هذه الآيات كلها إلى قوله: {إِنَّمَا تُنْذِرُ} كلها في حق المعاندين الذين عرفوا الحق وبلغتهم الرسالة، فاستكبروا وعاندوا واستمروا على عبادة الأصنام، ودين الآباء والأجداد، وزهدوا بالحق الذي جاء به هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله جل وعلا ختم على قلوبهم عقوبة لهم، وحق عليهم العذاب فلا مناص لهم من ذلك، وعميت بصائرهم، فمثلهم مثل الذي غلت يداه إلى عنقه، وارتفع رأسه ونظره، وصار يمشي بين سدين، إن تقدم تعثر بالسد الذي أمامه، وإن تأخر تعثر بالسد الذي خلفه فاجتمع عليه عدة أمور:
أولًا: أنه مقمح، بمعنى أنه مرتفع الرأس بسبب الغل الذي في عنقه، فلا ينظر إلى ما تحته.
وثانيًا: أن أمامه سد ومن خلفه سد، وأن الله أغشى بصره، فلا يبصر ما حوله، وهذا بسبب أنهم أعرضوا عن آيات الله ولم تصل إلى شغاف قلوبهم، ولم يصل نورها إلى أفئدتهم، فهم صاروا في ظلمات وفي تردد وفي زيغ والعياذ بالله، وهذا يحصل لكل من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم واستكبر عن دعوته إلى يوم القيامة، نسأل الله العافية والسلامة.
***
سؤال: يقول الله تعالى في سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] ، ما معنى هذه الآية؟
الجواب: معنى هذه الآية ذكر جحد الكافر للبعث، وقبلها قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 77 - 79] ، فهذا الكافر يجحد البعث ويكفر به ويستبعد أن يعيد الله العظام بعدما تفتتت وضاعت في الأرض وصارت ترابًا، يستبعد قدرة الله على إعادتها مرة ثانية، وهذا من جهله، والدليل على قدرة الله تعالى مرتكز فيه هو؛ في هذا الإنسان لو تأمل، فإن الذي قدر على خلقه أول مرة من نطفة وهو من ماء مهين، أي الماء الضعيف، الذي قدر على أن يخلق من هذا الماء الضعيف إنسانًا قويًّا، قادر على إعادته من باب أولى، فإن من قدر على البداءة، فهو قادر على الإعادة من باب أولى، فهو يجحد آية فيه وينكر قدرة الله سبحانه وتعالى على إعادة
العظام وهي رميم وإحيائها مرة ثانية، ولهذا قال الله تعالى:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] ، فإذا كان أنشأها أول مرة، بعد أن لم تكن، فهو قادر على إعادتها من باب أولى.
***
تفسير سورة الزمر
الجواب: هذه الآيات تصور أحوال الناس يوم القيامة، أحوال الكافرين، وأحوال المؤمنين؛ لأن الكافرين يساقون إلى جهنم وهي النار - والعياذ بالله - فإذا وصلوا إليها فتحت أبوابها لدخولهم فيها، وعند ذلك توبخهم الملائكة، وتهددهم وتسألهم سؤال توبيخ؛ لأنهم هم الذين تسببوا لأنفسهم في هذا الموقف الرهيب، والوقوع في هذا المأزق الحرج، حيث لم يستجيبوا لرسل الله في الدنيا؛ لأن الله سبحانه وتعالى أرسل إليهم
الرسل لهدايتهم، ونجاتهم من هذا العذاب، وهذا الموقف لو أنهم استجابوا للرسل، فالملائكة تسألهم سؤال توبيخ، {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} ، فيعترفون بذلك ويقرون على أنفسهم بأن الذنب ذنبهم، وأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم حيث لم يستجيبوا للرسل ولم يمتثلوا ما في الكتب المنزلة، وفي هذا زيادة تعذيب لهم وتوبيخ لهم، وأنها تنقطع معذرتهم حين ذاك، وأما المؤمنون فإنهم يساقون إلى الجنة لأنهم أطاعوا الرسل وعملوا بالكتب المنزلة فأنجاهم الله سبحانه وتعالى مما وقع فيه هؤلاء الكفار، وتستقبلهم الملائكة بالبشارة وتسلم عليهم، وتهنئهم بما نالوا من كرامة الله سبحانه وتعالى، وأن السبب في ذلك أنهم طيبون، طيبة أعمالهم، طيبة نفوسهم {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ، باقين أبد الآبدين في نعيم وفي سرور، ثم ختم الله سبحانه وتعالى هذا المشهد العظيم في أن الملائكة الكرام يحفون بعرشه سبحانه وتعالى، وأنهم يسبحون الله وينزهونه عن النقائص والعيوب، وأن جزاءه للفريقين: الكفار والمؤمنين، جزاء عادل، وأنه يحمد عليه سبحانه وتعالى، وفي النهاية يكون الحمد لله رب العالمين على ما قضى ودبر وحكم وعدل، وأعطى كل ذي حق حقه، ووفى كل عامل حسابه اللائق به، فهو يحمد سبحانه وتعالى على ذلك، وله الحمد في الأولى والآخرة وهو الحكيم الخبير.
سؤال: في قول الله تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} ، ما معنى قوله (زمرًا) ؟
الجواب: الزمر الجماعات.
سؤال: وما معنى قوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} ؟
الجواب: القضاء والقدر؛ لأن هؤلاء قدر الله عليهم هذا الجزاء لكفرهم وعنادهم بسبب من قبلهم، فالله قدر عليهم ذلك بسبب من قبل أنفسهم؛ لأنهم لم يستجيبوا لرسل الله، ولم يمتثلوا ما جاء في كتبه السماوية، فهو قدر عليهم هذا القدر لأعمالهم السيئة.
سؤال: وما معنى قوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} ؟
الجواب: أن الله سبحانه وتعالى يورث المؤمنين الجنة كما قال تعالى {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 10، 11]، وقيل في معنى الآية: إن الله سبحانه وتعالى يورث المؤمنين منازل الكفار في الجنة، فإن الكفار لو آمنوا لكان لهم منازل في الجنة، ولكنهم بكفرهم حرموا من ذلك فورثها المؤمنون.
سؤال: ما معنى "نتبوأ " يعني: نحتل؟
الجواب: نتبوأ، يعني نختار ونتوسع فيها.
سؤال: هل هناك سر في وجود الواو من عدمها في قوله في الآية الأولى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ، وفي الآية الأخرى في وصف حال المتقين:{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ؟
الجواب: قال بعض المفسرين: الواو هذه تدل على أن أبواب الجنة ثمانية، وتسمى هذه الواو واو الثمانية كما قوله تعالى:{وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22] ، فالواو هذه تدل على أن أبواب الجنة ثمانية، ولعله مأخوذ من حروف الجمل.
وابن القيم له رأي في هذا، يقول: إن الجنة غالية ولا يدخلها المؤمنون إلا بعد أن تستفتح، وأول من يستفتح باب الجنة هو محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخلها من الأمم أمته، فهم لا يدخلونها من أول ما يصلون، بل لا بد من استفتاح؛ لأنها غالية وثمينة، أما النار - والعياذ بالله - فإنهم من حين يصلون إليها وهي مفتوحة، ويدخلونها رغمًا عن إرادتهم ورغبتهم.
***
تفسير سورة الشورى
سؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 27] ؟
الجواب: يبين الله سبحانه وتعالى أنه لو وسع الرزق على عباده لبغوا في الأرض.
والبغي: هو التعدي والطغيان؛ لأن الإنسان إذا استغنى حمله ذلك على الأشر والبطر، كما قال تعالى:{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7] ، فالله جل وعلا بحكمته يرزق من يشاء ويوسع عليه في الرزق؛ لأن ذلك أصلح له، ويضيق الرزق على آخرين؛ لأن ذلك أصلح لهم، فمن الناس من لا يصلحه إلا الغنى، ولو افتقر لأفسد ذلك عليه دينه، ومن الناس من لا يصلحه إلا الفقر، ولو استغنى لأفسد ذلك عليه دينه، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه، فالله جل وعلا حكيم عليم، يرزق عباده بحسب حكمته وعلمه بما يصلحهم وما تنتظم به مصالحهم.
***