الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتخاذ مشايخ الطرق شفعاء
عند الله تعالى
سؤال: كلنا نعرف الحديث الشريف: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» .
فبماذا تنصحوننا نحو مشكلة انتشرت في عالمنا تتمثل في البدع والخرافات، فمن ذلك طائفة يسمون أنفسهم المشايخ، ويدعون أن لهم ولاية لمحبيهم من الناس في الدنيا والآخرة، فيجمعونهم ويخطبون فيهم، كل واحد منهم يقول لمجتمعه: أنا الشيخ الفلاني، عاهدوني أن أكون وليكم وشفيعكم في الدنيا والآخرة!!
فما الحكم في مثل عملهم هذا؟ وما الحكم في مصدقيهم من الناس؟ وما هو واجبنا نحوهم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب: أولًا: نشكر السائل على غيرته على دينه، واهتمامه بعقيدته، وهذا واجب كل مسلم.
أما ما ذكره من حالة هؤلاء الذين يدعون الناس، ويخطبون فيهم، يحثونهم على تعظيمهم وعلى عبادتهم من دون الله باتخاذهم شفعاء وأولياء في الدنيا والآخرة، فهذا منكر عظيم، وكفر شنيع؛ لأن من دعا الناس إلى عبادة نفسه فهو طاغوت، كما صرح بذلك أهل العلم؛ لأن العبادة حق لله سبحانه وتعالى، ليس لأحد فيها أي استحقاق، والشفاعة ملك لله سبحانه وتعالى، {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44] ، {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] ،
{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] ، والشفاعة ملك لله سبحانه وتعالى وحده، يأذن بها لمن شاء من رسله وأنبيائه والصالحين من عباده، يشفع فيمن رضي عنه من المؤمنين.
فلا تكون إلا بعد إذن الله، ولا تكون إلا إذا رضي الله عن المشفوع له قوله وعمله، بأن يكون من أهل الإيمان، فالنبيون والملائكة والصالحون ليس لهم استحقاق في الشفاعة حتى يقول هذا الدعي عاهدوني على أن أكون لكم شفيعًا ووليًا في الدنيا والآخرة، فإن الله هو الشفيع وحده وهو الولي وحده، كما قال تعالى:{لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51]، وكما قال تعالى:{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: 62] ، ففي الآخرة لا تملك نفس لنفس شيئًا، والأمر يومئذ لله، ليس لأحد استحقاق في الشفاعة ولا في الولاية من دون الله سبحانه وتعالى، فالله تعالى يقول في حق النبيين:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 79، 80] .
فالنبيون والملائكة والصالحون كلهم عبيد لله محتاجون إليه، كما قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57] ، فالأولياء ليس لهم استحقاق في الشفاعة، وليس لهم حق بأن يتولوا عباد الله في الآخرة، وإنما هذا ملك لله سبحانه وتعالى، والولاية أيضًا لا تختص بأحد دون أحد، فكل المؤمنين أولياء لله سبحانه وتعالى، قال تعالى:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] ، فكل من آمن بالله واتقاه فهو ولي لله، وهذه الولاية تعظم وتخف بحسب حال صاحبها، في الإيمان والتقوى، وكلما عظم الإيمان والتقوى قويت الولاية، وكلما ضعف الإيمان والتقوى ضعفت الولاية. ولا يختص بها أحد دون أحد.
ثم أيضًا نحن لا نحكم لأحد أنه ولي الله، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولاية، وأما من لم يشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن لا نجزم له بالولاية، ولكننا نرجو للمؤمنين المتقين ونخاف على العصاة والمذنبين، وحتى الذي شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالولاية، كالخلفاء الراشدين، والعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من الصحابة ومن سادات المهاجرين والأنصار، ما أحد منهم ادعى هذه الدعوى التي ادعاها هذا المبطل، ما أحد من الخلفاء الراشدين ولا من الصحابة والقرون المفضلة، قال للناس: عاهدوني على أن أكون وليكم وشفيعكم في الدنيا والآخرة، هذه لم يقلها أحد من أهل الإيمان، ولا يقولها إلا الطواغيت الذين يريدون أن يفسدوا عقائد المسلمين، ويريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، فالواجب الأخذ على أيديهم، إما أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى عن هذه الخرافات، وهذه النزعات والنزغات الشيطانية، وإما أن يقتلوا ويراح المجتمع الإسلامي منهم.
سؤال: طبعًا هذا الحكم يشمل المدعين ويشمل من صدقهم أيضًا في دعواهم؟
الجواب: نعم، فمن ادعى هذه الدعوى ودعا الناس إلى أن يعاهدوه على أنه شفيعهم، وأنه وليهم في الدنيا والآخرة فهذا طاغوت كافر بالله سبحانه وتعالى، ومن صدقه فهو مثله أيضًا، من صدقة فهو كافر بعد معرفته للحجة والنصوص الشرعية، أما إذا كان جاهلًا فهذا يبين له الحكم ويبين له بطلان هذه الدعوى بالنصوص الشرعية، فإن أصر على تصديق هؤلاء الطواغيت صار مثلهم في الكفر والضلال والإلحاد.
سؤال: هل الولاية مقصورة على زمن النبي صلى الله عليه وسلم أم هي صفات وضوابط، إذا التزم بها أي شخص أو توفرت فيه كان له حق هذه الولاية؟
الجواب: كل مؤمن ولي لله بحسب إيمانه وتقواه، وقلنا: إن هذه الولاية تقوى وتضعف بحسب قوة الإيمان وضعفه، ولكننا لا نجزم لأحد بأنه ولي لله، إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم.
سؤال: قولنا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، ألا يقتصر على زمن النبي صلى الله عليه وسلم أم أن المقصود الصفات؟
الجواب: الأشخاص المعنيون، يقتصر على من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة للوصف العام، بأن يقال: كل مؤمن فهو ولي لله، فهذا مستمر إلى يوم القيامة، أما أن نعين شخصًا أو أشخاصًا ونقول لهؤلاء أولياء، فهذا لا يجوز، إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأننا لا نعلم ما في القلوب ولا نعلم ماذا يكون عليه حال الشخص فيما بينه وبين الله عز وجل، وإنما نحكم بالظواهر فقط.
سؤال: كما تفضلتم فإن بعض الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو كلهم، في الحقيقة لم يسبق أن أحدًا منهم ادعى أنه ولي، أو زعم لنفسه هذا الزعم، بل
يشعرون دائمًا بالتقصير وأنهم مقصرون في حقوق الله رغم أنهم على درجة كبيرة من التقوى والورع والزهد؟
الجواب: نعم، حالة الصالحين من سلف هذه الأئمة، ومن اقتدى بهم ممن جاء بعدهم أنهم لا يدعون لأنفسهم الولاية، وأنهم يشعرون بالتقصير والنقص، كما قال الله:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60] ، وكما قال عن المسيح وأمه، وعزير عليه الصلاة والسلام:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57]، وقال عن الأنبياء عمومًا:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] .
***
التوسل بالأموات والغائبين
سؤال: هناك من يقع في التوسل بغير الله، ويطلب المدد من الأولياء والصالحين، رغم أنه يوحد الله بالقول ويصلي ويصوم، وإذا نهيناه عن ذلك كابر وجادل، وحاول أن يحرف معاني القرآن، ويقول: إنني لا أطلب من هؤلاء مباشرة النفع أو دفع الضر، ولكنني أطلب من الله ببركتهم وصلاحهم وتقواهم، فهل هناك فرق بين من يطلبهم مباشرة أو يطلب من الله بواسطتهم، وهل هذا القائل على حق أم لا؟
الجواب: التوسل بالأموات والغائبين أمر محرم لا يجوز؛ لأن الميت والغائب لا يقدر على أن يعمل شيئًا مما طلب منه، ثم إن هذا يختلف
حكمه باختلاف نوع التوسل، فإن كان المتوسل بالغائب والميت، يتقرب إليه بشيء من أنواع العبادة كالذبح له، والنذر له، ودعائه وطلب المدد منه، وقضاء الحاجات، فهذا شرك أكبر، ينقل من الملة - والعياذ بالله - لأنه صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله، ومن عبد غير الله بأي نوع من أنواع العبادة فقد أشرك وارتد عن دين الإسلام، وإن كان يصلي ويصوم ويحج ويعمل ما يعمل لأنه أبطل إسلامه بالنواقض التي ارتكبها والعياذ بالله، فهو كالذي يتوضأ ويحدث؛ لأن الحدث ينقض الوضوء، كذلك الشرك ينقض الإسلام، ولا ينفعه كونه يصوم ويصلي ما دام أنه يتقرب إلى الأموات والغائبين من الجن أو الملائكة، أو الشياطين بشيء من أنواع العبادة، بأن يذبح لهم، أو ينذر لهم، أو يهتف بأسمائهم أو يطلب منهم المدد، هذا شرك أكبر.
أما إذا كان التوسل للغائب والميت بمعنى أنه يدعو الله سبحانه وتعالى، ويجعل هذا واسطة، فيقول: أسألك بحق فلان، أو بجاه فلان، فهذا بدعة لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، لكنه بدعة محرمة وهو وسيلة إلى الشرك، وباب إلى الشرك، يوصل إلى الشرك، فالحاصل أنه لا يجوز التوسل بالأموات ولا بالغائبين بأي نوع من أنواع التوسل، فإن كان يطلب منهم الحاجة، ويذبح لهم وينذر لهم، هذا شرك أكبر، وإن كان مجرد أنه يتوسل بهم، يسأل بجاههم أو بحقهم، هذا بدعة محرمة، ووسيلة من وسائل الشرك.
أما قول السائل عن هذا المكابر، أنه يقول: أنا لا أدعوهم، وإنما أدعو الله سبحانه وتعالى بصلاحهم وتقواهم، فهذا هو عين قول المشركين
الأولين، كما قال تعالى عنهم:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، وكما قال الله تعالى عنهم:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ، المشركون الأولون يعلمون أن هؤلاء الأموات والمدعوين من دون الله لا يقدرون على الخلق والرزق والإحياء والإماتة، يعترفون أن هذا لله سبحانه وتعالى، وإنما يريدون من هؤلاء مجرد الشفاعة، ومجرد الوساطة، وما أشبه ذلك، مما يتعلل به إخوانهم من المشركين اليوم.
***
التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
سؤال: هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: التوسل فيه إجمال ينبغي تفصيله:
التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره، إذا كان المقصود منه طلب الدعاء من الشخص في حياته، بأن يأتي إلى رجل صالح ويقول: ادع الله لي بكذا وكذا، فهذا لا بأس به.
فقد توسل الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالعباس، بالاستسقاء، وقال عمر رضي الله عنه: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، ثم أمر العباس فدعا الله عز وجل.
فالتوسل الذي من هذا القبيل، الذي معناه: طلب الدعاء من الشخص في حياته هذا لا بأس به.
أما التوسل بمعنى: التوسط بالأموات والغائبين، وسؤال الله عز وجل بهم فهذا أمر مبتدع ولا يجوز؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن ندعوه من غير أن نجعل بيننا وبينه وسائط في الدعاء، وإنما جاز طلب الدعاء من الحي لورود الدليل بذلك، أما الأموات والغائبون فإنه لم يرد ما يدل على أنه يتوسل بهم، فالذي يفعل هذا يكون قد فعل بدعة محدثة في الدين، وإذا أضيف إلى هذا أنه يتقرب إلى هذه الواسطة في شيء من أنواع العبادة فهذا شرك أكبر، وهو الذي كان المشركون يفعلونه، قال الله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ، فإذا كان معنى التوسل: أنه يطلب من الشخص الميت أو الغائب أن يقضي حاجته، أو يتقرب إليه بشيء من أنواع العبادة، كالذبح له، والنذر له، وغير ذلك، فهذا شرك أكبر.
أما إذا كان المراد بالتوسل هو أن يقول: اللهم إني أسألك بحق فلان، وأتوسل إليك بفلان، ونحو ذلك، فهذا من البدع والمحدثات في الدعاء، والله تعالى أعلم.
***
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لكشف الضر
سؤال: هناك بعض الناس يدعون بدعاء يعتقدون أن يشفي من السكر، وهو كما يلي: الصلاة والسلام عليك، وعلى آلك يا سيدي يا رسول الله، أنت وسيلتي خذ بيدي، قلت حيلتي فأدركني، ويقولون هذا القول: يا
رسول الله اشفع لي. وبمعنى آخر: ادع الله يا رسول الله بالشفاء، فهل يجوز أن يردد هذا الدعاء، وهل فيه فائدة كما يزعمون؟ أرشدونا بارك الله فيكم.
الجواب: هذا الدعاء من الشرك الأكبر؛ لأنه دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب لكشف الضر والمرض من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فطلبه من غير الله شرك أكبر، وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم، هذا من الشرك الأكبر؛ لأن المشركين الأولين كانوا يعبدون الأولياء، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فالله سبحانه وتعالى عاب ذلك عليهم، ونهاهم عن ذلك، {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] ، {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] .
وكل هذا من الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى منه والتزام التوحيد وعقيدة الإسلام، فهو دعاء شركي لا يجوز للمسلم أن يتلفظ به، ولا أن يدعو به، ولا أن يستعمله، ويجب على المسلم أن ينهى عنه، وأن يحذر منه، والأدعية المشروعة التي يدعى بها للمريض، ويرقى بها المريض أدعية ثابتة ومعلومة، يرجع إليها في مظانها من دواوين الإسلام الصحيحة، كصحيح البخاري، وصحيح مسلم، كذلك قراءة القرآن على المريض مرض السكر، أو غير مرض السكر، وبالذات قراءة سورة الفاتحة على المريض، هذا فيه شفاء، وفيه أجر، وفيه خير كثير، والله سبحانه وتعالى قد أغنانا بذلك عن الأمور الشركية.
والمسلم لا يجوز له أن يتعاطى شيئًا من الشركيات، ولا أن يقدم على عمل من الأعمال، أو على دعاء من الأدعية إلا إذا ثبت لديه وتحقق أنه
من شريعة الله، وشريعة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بسؤال أهل العلم وبالرجوع إلى مصادر الإسلام الصحيحة.
الذي أنصحك به ترك هذا الدعاء، والابتعاد عنه، والنهي عنه، والتحذير منه.
***
ضرب الرمل والتنجيم
سؤال: ما مدى صحة الحديثين، عن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال:«كذب المنجمون ولو صدقوا» . وحديث آخر وهو: «كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك» .
وما حكم الشرع في ضرب الرمل والتنجيم؟ وهل هناك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحرم هذه الأعمال؟
الجواب: أما قضية التنجيم، التنجيم إذا أريد به الاستدلال بالنجوم على الحوادث المستقبلة، وأن النجوم لها تأثير في الكائنات، وفي نزول الأمطار، أو نزول الأمراض أو غير ذلك، فهذا شرك أكبر، وهو من اعتقاد الجاهلية، والتنجيم على هذا النحو محرم أشد التحريم، وأما الحديث الذي سألت عنه:«كذب المنجمون ولو صدقوا» ، فلا أعرف له أصلًا من ناحية السند، ولم أقف عليه، وأما معناه فهو صحيح، فإن المنجمين يتخرصون ويكذبون على الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا علاقة للنجوم بتدبير الكون، إنما المدبر هو الله سبحانه وتعالى، هو الذي خلق النجوم، وخلق
غيرها، والنجوم خلقها الله لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، هذا ما دل عليه القرآن الكريم، فمن طلب منها غير ذلك، فقد أخطأ وأضاع نصيبه، هذا ما يتعلق بالتنجيم والنجوم.
وكذلك بقية الأمور التي هي من الخرافات والشعوذة كالرمل، خطف الرمل، وغير ذلك من الأمور التي تستعمل لادعاء علم الغيب، والإخبار عما يحدث، أو لشفاء الأمراض، أو غير ذلك، كل هذا يدخل في حكم التنجيم ويدخل في الكهانة ويدخل في الأمور الشركية؛ لأن القلوب يجب أن تتعلق بالله وخالقها ومدبرها، الذي يملك الضر والنفع، والخير والشر، وبيده الخير وهو على كل شيء قدير، أما هذه الكائنات وهذه المخلوقات فإنها مدبرة مربوبة، ليس لها من الأمر شيء، {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] ، {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] ، فكلها كائنات مخلوقة مدبرة، لها مصالح ربطها الله سبحانه وتعالى بها، وهي تؤدي وظائفها طاعة الله، وتسخيرًا من الله سبحانه وتعالى.
أما أن يتعلق بها ويطلب منها دفع الضرر أو جلب الخير، فهذا شرك أكبر واعتقاد جاهلي.
أما حديث: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك» ، فهذا حديث صحيح، رواه الإمام مسلم والإمام أحمد وغيرهما.
قال العلماء: ومعناه أن هذا من اختصاص ذلك النبي عليه السلام، ومن معجزاته، وأن أحدًا لا يمكن أن يوافقه؛ لأن هذا من خصائصه ومن معجزاته، فالمراد بهذا نفي أن يكون الخط في الرمل يتعلق به أمر من الأمور؛ لأن هذا من خصائص ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وخصائص الأنبياء ومعجزاتهم لا يشاركهم فيها غيرهم عليهم الصلاة والسلام، فالمراد بهذا نفي أن يكون للخطاطين أو الرمالين شيء من الحقائق التي يدعونها، وإنما هي أكاذيب؛ لأنه لا يمكن أن يوافق ذلك النبي في خطه أحد، والله تعالى أعلم.
سؤال: مثل الخط في الرمل أو قراءة الفنجان أو الكف، كما يحدث عند بعض المخرفين اليوم، فالإثم في هذا لا يقتصر على نفس مرتكبي هذه الأعمال، بل يلحق حتى من ذهب إليهم أو صدقهم؟
الجواب: لا شك أن هذه من الخرافات ومن الأوهام الجاهلية والأعمال الشركية، كلها من أعمال الشيطان، وكلها من طرق الشرك وأعمال الشرك، ولا يجوز للمسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر أن يذهب إلى هؤلاء، ولا أن يصدقهم، قال صلى الله عليه وسلم:«من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» ، فلا يجوز الذهاب إليهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم، وعلى المؤمن أن يعتمد على الله وأن يتوكل على الله، وأن يرتبط بالله سبحانه وتعالى وأن يحذر مما يفسد دينه أو يخلخل عقيدته، أو يضله عن الصراط المستقيم.