الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكة وأدى العمرة فإنه يقصر من شعره؛ لأن هذا نسك ولا حرج عليه في هذه الحال، فإذا كان يوم العيد وغلب على ظنه أن أهله ذبحوا أضحيته فإنه في هذه الحال يأخذ مما شاء من ظفره وشعره
وبشرته.
س132: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله: هل يلزم الوكيل ما يلزم الموكل (صاحب الأضحية) من تجنب الأخذ من الشعر والظفر والبشرة
؟
فأجاب- رحمه الله بقوله: أحكام الأضحية تتعلق بالموكِّل بمعنى أن الإنسان إذا وكل شخصا يذبح أضحيته فإن أحكام الضحية تكون متعلقة بالموكل لا بالوكيل، فلا يلزم الوكيل تجنب الأخذ من الشعر والظفر والبشرة.
س133: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله: عن الأخطاء التي يقع فيها الحجاج بالنسبة للهدي
؟
فأجاب بقوله: يرتكب بعض الحجاج أخطاءً في الهدي.
منها: أن بعض الحجاج يذبح هديًا لا يجزئ؛ كأن يذبح هديًا صغيرا لم يبلغ السن المعتبر شرعًا للإجزاء، وهو في الإبل خمس
سنوات، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تذبحوا إلا مُسنَّة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"(1)، ومن العجب أن بعضهم يفعل ذلك مستدلاً بقوله تعالى:(فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)(2) ويقول: إن ما تيسر من الهدي فهو كاف.
فنقول له: إن الله قال: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) و ((أل)) هذه لبيان الجنس، فيكون المراد بالهدي: الهدي المشروع ذبحه، وهو الذي بلغ السن المعتبر شرعًا، وسَلِمَ من العيوب المانعة من الإجزاء
شرعًا، ويكون معنى قوله:(فَمَا اسْتَيْسَرَ) أي: بالنسبة لوجود الإنسان ثمنه مثلاً، ولهذا قال:(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)(3) . فتجده يذبح الصغير الذي لم يبلغ السن،
ويقول: هذا ما استيسر من الهدي، ثم يرمي به، أو يأكله، أو يتصدق به، وهذا لا يجزئ، للحديث الذي أشرنا إليه.
ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الهدي: أنه يذبح هديًا مَعيبًا بعيب يمنع من الإجزاء، والعيوب المانعة من الإجزاء
(1) أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب سن الأضحية (1963) .
(2)
سورة البقرة، الآية:196.
(3)
سورة البقرة، الآية:196.
ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام حين تحدث عن الأضحية وسُئل: ماذا يُتقى من الضحايا؟ فقال: "أربع" وأشار بيده عليه الصلاة والسلام: "العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء
البيِّن ظلعها، والهزيل- أو العجفاء- التي لا تُنقى" (1)، أي: التي ليس فيها نِقيٌ، أي: مخّ.
فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء، فأي بهيمة يكون فيها شيء من هذه العيوب، أو ما كان مثلها أو أولى منها، فإنها لا تجزئ في الأضحية، ولا في الهدي الواجب؟ كهدي التمتع والقِران والجُبران.
ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في الهدي: أن بعضهم يذبح الهدي ثم يرمي به، ولا يقوم بالواجب الذي أوجب الله عليه في قوله:(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(2)، فقوله تعالى:(وَأَطْعِمُوا) أمر لابد من تنفيذه؛ لأنه حق للغير، أما قوله:(فَكُلُوا مِنْهَا) فالصحيح أن الأمر فيه ليس للوجوب، وأن للإنسان أن يأكل من هديه، وله ألا يأكل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بالهدي من المدينة إلى مكة (3) ولا يأكل منه، فيذبح في مكة ويوزع ولا يأكل منه؟ لكن
(1) أخرجه مالك في الموطأ برقم (1) .
(2)
سورة الحج، الآية:28.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب فتل القلائد للبدن برقم (1697) .
قوله: (وَأَطْعِمُوا) هذا أمر يتعلق به حق الغير، فلا بد من إيصال هذا الحق إلى مستحقه.
وبعض الناس- كما قلت يذبحه ويدعه؛ فيكون بذلك مخالفًا لأمر الله تبارك وتعالى، بالإضافة إلى أن ذبحه وتركه إضاعة للمال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال (1)، وإضاعة المال من السفه؛ ولهذا قال الله تعالى:(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَاماً)(2) .
وهذا الخطأ الذي يقع في هذه المسألة يتعلل بعض الناس بأنه لا يجد فقراء يعطيهم، وأنه يشق عليه حمله؟ لكثرة الناس والزحام والدماء واللحوم في المجازر، وهذا التعليل- وإن كان قد يصح في
زمن مضى- لكنه الآن قد تيسر؛ لأن المجازر هُذبتَ وأصُلحت، ولأن هناك مشروعًا افتتح في السنوات الخيرة، وهو أن الحاج يعطي اللجنة المكونة لاستقبال دراهم الحجاج، لتشتري لهم بذلك الهدي وتذبحه وتوزعه على مستحقه، فبإمكان الحاج أن يتصل بمكاتب
(1) أخرجه البخاري، كتاب الاستقراض، باب ما ينهى عن إضاعة المال (408) ، ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، والنهي عن منع وهات
…
(13)(593) .
(2)
سورة النساء، الآية:5.
هذه اللجنة من أجل أن يسلم قيمة الهدي، ويوكلهم في ذبحه، وتفريق لحمه.
ومن الأخطاء أيضًا: أن بعض الحجاج يذبح الهدي قبل وقت الذبح، فيذبحه قبل يوم العيد، وهذا- وإن كان قال به بعض أهل العلم في هدي التمتع والقِران- فإنه قول ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذبح هديه قبل يوم العيد، مع أن الحاجة كانت داعية إلى ذبحه، فإنه حين أمر أصحابه- رضي الله عنهم أن يحلوا من إحرامهم بالحج ليجعلوا عمرةً ويكونوا متمتعين، وحصل منهم شيء من التأخر، قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديتُ، ولولا أن معي
الهدي لأحللت" (1) ، فلو كان ذبح الهدي جائزًا قبل يوم النحر، لذبحه النبي عليه الصلاة والسلام، وحل من إحرامه معهم تطييبًا لقلوبهم، واطمئنانًا لهم في ذلك، فلما لم يكن هذا منه صلى الله عليه وسلم، عُلم أن ذبح الهدي قبل يوم العيد لا يصح ولا يجزئ.
ومن العجب: أنني سمعت من بعض المرافقين لبعض الحملات التي تأتي من بلاد نائية عن مكة أنه قيل لهم- أي لهذه الحملات-: لكم أن تذبحوا هديكم من حين أن تسافروا من بلدكم إلى يوم العيد، واقترح عليهم هذا أن يذبحوا من الهدي بقدر ما
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218) .
يكفيهم من اللحم لكل يوم، وهذا جرأة عظيمة على شرع الله، وعلى حق عباد الله، وكأن هذا الذي أفتاهم بهذه الفتوى يريد أن يوفر على صاحب الحملة الذي تكفل بالقيام بهذه الحملة، أن يوفر عليه نفقات هذه الحملة؛ لأنمهم إذا ذبحوا لكل يوم ما يكفيهم من هداياهم وفروا عليه اللحم، فعلى المرء أن يتوب إلى الله عز وجل، وألا يتلاعب بأحكام الله، وأن يعلم أن هذه الأحكام أحكام شرعية، أراد الله تعالى من عباده أن يتقربوا بها إليه على الوجه الذي سنه لهم وشرعه لهم، فلا يحل لهم أن يتعدوه إلى ما تمليه عليه أهواؤهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
تنبيهات فيما يتعلق بالأضحية والمضحي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
1-
يتوهم بعض العامة أن من أراد الأضحية ثم أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته شيئًا في أيام العشر لم تقبل أضحيته، وهذا خطأ بيِّن فلا علاقة بين قبول الأضحية والأخذ مما ذكر، ولكن من أخذ بدون عذر فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإمساك، ووقع فيما نهى عنه من
الأخذ (1) ، فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ولا يعود، وأما أضحيته فلا يمنع قبولها أخذه من ذلك.
2-
من احتاج إلى أخذ الشعر والظفر والبشرة فأخذها فلا حرج عليه مثل أن يكون به جرح فيحتاج إلى قص الشعر عنه، أو ينكسر ظفره فيؤذيه فيقص ما يتأذى به، أو تتدلى قشرة من جلده فتؤذيه فيقصها فلا حرج عليه في ذلك كله.
3-
أن نهي المضحي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة يشمل ما إذا نوى الأضحية عن نفسه، أو تبرع بها عن غيره، وأما من ضحى عن غيره بوكالة أو وصية فلا يشمله النهي بلا ريب، وكذلك من يضحي
(1) أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي برقم (1977) .
عنه فلا يحرم عليه أخذ شيء من ذلك.
4-
يذكر بعض الموصين في وصيته قدرًا معينًا للموصى به مثل أن يقول: يضحي عته ولو بلغت الأضحية ريالاً يقصد المغالاة في ثمنها؛ لأنها في وقت وصيته بربع ريال أو نحوه فيقوم بعض من لا
يخشى الله من الأوصياء فيعطل الوصية بحجة أن الريال لا يمكن أن يبلغ ثمن الأضحية الآن، وهذا حرام عليه، وهو آثم بذلك، ويجب عليه تنفيذ الوصية بالأضحية وإن بلغت الألف الريالات، ما دام المبلغ يكفي لذلك؛ لأن مقصود الموصي معلوم، وهو المبالغة في قيمة الأضحية مهما زادت، وذكره الريال على سبيل التمثيل لا على سبيل التحديد.
5-
يحرم أن يبيع شيئَا من الأضحية من لحم، أو شحم، أو دهن أو جلد، أو غيره؛ لأنها مال أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة، ولا يعطي الجازر منها في مقابلة أجرته، أو بعضها؛ لأن ذلك بمعنى البيع، فأما من أهدي له شيء منها أو تصدق به عليه فله أن يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره.
6-
إذا ذبحها ونوى من هي له بدون تسميته أجزأت النية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(1)
(1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال
…
" (1907) .
والتسمية المشروعة أن يقول عند الذبح: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن أهلي ونحو ذلك، وأما ما يفعله بعض العامة من مسح ظهر الأضحية مرددين اسم من هي له، فلا أعلم لذلك أصلاً، ولا ينبغي فعله؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم، هذه التنبيهات الستة من كلامي، ولا مانع من نشرها، قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين.
11/25/1412هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
تنبيهات على أحكام الأضحية والذكاة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى اَله وصحبه أجمعين.
* إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئًا من شعره، وأظفاره، أو جلده حتى يذبح أضحيته، وإن أخذ شيئًا من ذلك ناسيًا، أو جاهلَا، أو سقط الشعر
بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فله ذلك ولا شيء عليه، مثل: أن ينزل الشعر في عينيه فيزيله.
صلى الله عليه وسلم شروط الذكاة:
للذكاة شروط تسعة وهي:
1-
أن يكون المذكي عاقلاً مميزًا.
2-
أن يكون المذكي مسلمًا، أو كتابيًّا "وهو من ينتسب إلى دين اليهود أو النصارى".
3-
أن يقصد التذكية.
4-
ألا يذبح لغير الله.
5-
ألا يسمى عليها غير اسم الله، مثل أن يقول: باسم النبي، أو غيره.
6-
أن يذكر اسم الله تعالى عليها فيقول عند الذبح: باسم الله.
7-
أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم.
8-
إنهار الدم (إي إجراؤه بالتذكية) .
9-
أن يكون المذكي مأذونا في ذكاته شرعًا.
*آداب الذكاة:
1-
الإحسان في تذكيتها، بحيث تكون بآلة حادة.
2-
أن تكون الذكاة في الإبل نحرًا، وفي غيرها ذبحًا، فينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فإن صعب عليه ذلك نحرها باركة، ويذبح غيرها على جنبها الأيسر.
3-
قطع الحلقوم والمريء زيادة على الودجين.
4-
أن يستر السكين عن البهيمة عند حدها فلا تراها إلا عند الذبح.
5-
أن يكبر الله تعالى بعد التسمية.
6-
أن يسمي عند ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له بعد التسمية والتكبير ويسأل الله قبولها فيقول: بسم الله، الله أكبر، اللهم هذا منك ولك عني، اللهم تقبل مني (إن كانت له) أو عن فلان، اللهم تقبل من فلان (إن كانت لغيره) .
*شروط الأضحية:
1-
أن تبلغ السن المقدر شرعًا وهو ستة أشهر في الضأن، وسنة في المعز، وسنتان في البقر، وخمس سنين في الإبل.
2-
أن تكون خالية من العيوب المانعة الإجزاء وهي: العور البين، والمرض البين، والعرج البين، والهزال المزيل للمخ.
وكذلك العمياء التي لا تبصر، والمبشومة حتى تثلط ويزول عنها الخطر، والمتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر، والمصابة بما يميتها من خنق وغيره، والزمنى وهي العاجزة عن المشي
لعاهة، ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين.
بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر في أحكام الأضحية والذكاة
*الأضحية
أولاً- تعريفها:
ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد تقربًا إلى الله عز وجل.
ثانيًا- حكمها:
وهي من العبادات المشروعة في كتاب الله وسنة رسوله عغغ وإجماع المسلمين (وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى وجوبها) .
ثالثًا- وقتها:
أوله- من بعد صلاة عيد يوم النحر.
آخره- إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، ويذبح في النهار والليل علي القول الصحيح.
رابعًا- من يضحي عنه:
1-
عن الأحياء (وهو الأصل) .
2-
وتجوز عن الأموات:
أ- بسبب وصية.
ب- أو تبرع (ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي به) .
خامسًا- ما يضحي به وشروطه:
1-
يضحي ببهيمة الأنعام:
أ- الإبل: عن سبعة
ب- البقر: عن سبعة
ج- الغنم: عن واحد وله أن يشرك من شاء في الثواب.
2-
شروط ما يضحي به:
أ- أن تكون ملكًا للمضحي.
ب- أن تكون في وقتها.
ج- أن تكون من الأجناس الثلاثة (الإبل والبقر والغنم ضأنًا أو معزاً) .
د- أن تبلغ السن المعتبرة:
1-
الإبل: خمس سنين.
2-
البقر: سنتان.
3-
الغنم: (المعز: سنة، والضأن: نصف سنة) .
هـ- السلامة من العيوب.
1-
عيوب مانعة من الإجزاء:
أ- العوراء البين عورها.
ب- المريضة مرضًا شديدًا.
ج- العرجاء البين ظلعها.
د- الضعيفة (الهزيلة) التي لا مخ فيها.
هـ- البتراء من الضان (ما قطعت أليتها) .
2-
عيوب مكروهة:
أ- مقطوعة القرن والأذن.
ب- مشقوقة الأذن.
ج- البتراء من الإبل والبقر والمعز.
د- ما قطع ذكره، وأما الخصي فيجوز.
سادسًا- ما يجتنبه من أراد أن يضحي:
يحرم على المضحي في العشر الأولى من شهر ذي الحجة:
1-
إزالة الشعر.
2-
إزالة البشرة أي الجلد.
3-
تقليم الأظافر.
(إلا لضرورة) وأما من ضحى عن غيره بوكالة أو وصية فلا يلزمه ذلك.
سابعًا-آدابها:
1-
أن يتولى ذبحها بنفسه سواء أكان ذكرًا أو أنثى.
2-
أن يأكل الثلث وجهدي الثلث ويتصدق بالثلث.
الذكاة وشروطها
أولاً- تعر يفها:
نحر الحيوان البري الحلال أو ذبحه أو جرحه في أي موضع من بدنه إذا لم يقدر عليه.
ثانيًا- أنواعها:
أ- النحر للإبل.
ب- الذبح لبقية بهيمة الأنعام.
ج- الجرح
(1- للصيد. 2- ما لم يقدر عليه) .
ثالثًا- شروطها:
أ- شروط الذابح:
1-
أن يكون مسلمَا أو كتابيًّا.
2-
أن يكون عاقلاً مميزًا ذكرًا أو أنثى.
3-
أن يذكر اسم الله عليها.
4-
ألا يذبحها لغير الله.
ب- شروط الآلة:
1-
أن تكون آلة حادة تنهر الدم.
2-
ألا تكون سنًا أو ظفرًا.
ج- شروط المذبوح:
1-
أن يكون حلالاً.
2-
أن يقطع منها ما يلي (الودجين وتمام ذلك قطع الحلقوم والمريء أيضًا) .
رابعًا-آدبها:
1-
استقبال القبلة.
2-
الإحسان إلى الذبيحة (باَلة حادة، وإمرارها على محل الذكاة بقوة وسرعة) .
3-
أن ينحر الإبل قائمة.
4-
أن يذبح غير الإبل مضجعة على جنبها.
5-
أن يواري عنها السكين.
6-
استكمال قطع الودجين والحلقوم والمريء
7-
زيادة التكبير بعد التسمية.
8-
أن يسمي من هي له إن كانت أضحية.
9-
أن يدعو عند الذبح بالقبول.
خامسَا- مكروهاتها:
1-
أن يذبحها بآلة غير حادة.
2-
أن يحد السكين والبهيمة تنظر.
3-
أن يذكيها والأخرى تنظر.
4-
أن يفعل ما يؤلمها قبل زهوق نفسها.
تم اختصار هذه المسائل من كتاب (أحكام الأضحية والذكاة) بإذن من المؤلف الشيخ العلامة/ محمد بن صالح العثيمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل في أحكام الأضاحي
قال فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد، فهذا اليوم هو يوم الخميس الرابع من شهر ذي الحجة عام خمسة عشر وأربع مئة وألف، نتكلم فيه عن
الأضحية، فالأضحية مشروعة بإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)(1)، وقال تعالى:(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)(2)، وقد قال بعض العلماء: إنها واجبة، وأن من كان قادرًا ولم يضح فهو آثم، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله.
والأضحية مشروعة عن الأحياء، إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن الصحابة- رضي الله عنهم أنهم ضحوا عن الأموات استقلالَا، وإنما كان الرجل يضحي عنه وعن
أهل بيته.
(1) سورة الكوثر، الآية:1.
(2)
سورة الحج، الآية:34.
وهي تكون من: الإبل والبقر والغنم.
ولهذا نقول: إن شروط ما يضحي به أربعة:
الشرط الأول: أن يكون من الجنس الذي ثبت بالشرع أنه يضحي به وهو الإبل، والبقر، والغنم، فلو ضحى بفرس مثلاً فإنه لا يقبل منه؛ لأنه ليس من الجنس الذي يضحي به، حتى وإن كان أغلى من الإبل والبقر والغنم، ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(1) أي مردود عليه.
الشرط الثاني: أن يبلغ السن المعتبر شرعًا وهو في الضأن نصف سنة، وفي المعز سنة، وفي البقر سنتان، وفي الإبل خمس سنوات لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان" (2) .
الشرط الثالث: السلامة من العيوب التي تمنع الإجزاء وهي المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم:) (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقى" (3) ومعنى العجفاء: أي الهزيلة.
(1) أخرجه مسلم، كتاب الأقضية برقم (1718) .
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب سن الأضحية برقم (1963) .
(3)
أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الضحايا برقم (1) .
ومعنى: (ولا تنقى) أي: ليس فيها مخ.
فهذه العيوب الأربعة تمنع من الإجزاء، فلو ضحى الإنسان بشاة عوراء بيئ عورها فإنها لا تقبل، ولو ضحى بشاة عرجاء بيِّن ضلعها لم تقبل، ولو ضحى بشاة مريضة بيِّن مرضها لم تقبل، ولو
ضحى بهزيلة ليس فيها مخ فإنها لا تقبل، وكذلك ما كان في معنى هذه العيوب أو أولى منها، كالعمياء مثلَا، فإنه لو ضحى بعمياء لم تقبل منها كما لو ضحى بعوراء بين عورها، وكذلك مقطوعة اليد أو الرجل؛ لأنه إذا كان لا تجزئ التضحية بالعرجاء، فمقطوعة اليد والرجل من باب أولى، ولا تجزئ التضحية بما أصابها سبب الموت كالتي في الطلق المتعسر حتى تنجو، وكذلك المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، كل هذه لا تجزئ، لأنها أولى بعدم الإجزاء من المريضة.
وأما العيوب التي دون هذه فإنها تجزئ الأضحية ولو كان فيه شيءٌ من هذه العيوب صلى الله عليه وسلم لكن كلما كانت أكمل فهي أفضل. فالتي قطع من أذنها، أو من قرنها، أو من ذيلها شيء فإنها تجزئ، لكن الأكمل أولى، ولا فرق بين أن يكون القطع قليلاً أو كثيرًا حتى لو قطع القرن كله، أو الأذن كلها، أو الذيل كله، فإنها تجزئ، لكن كلما كانت أكمل فهي أفضل.
الشرط الرابع: أن تكون الأضحية في الوقت الذي حدده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو من بعد صلاة العيد إلى آخر يوم من أيام التشريق.
فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل الصلاة فإنه لا أضحية له، حتى وإن كان جاهلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، فقام رجل يقال له أبو بردة بن نيار، قال: إني نسكت قبل أن أصلي فقال: "شاتك شاة لحم"(1) وقال: "من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له" وقال: "فليذبح مكانها أخرى"وكذلك من ضحى بعد انقضاء أيام التشريق فإنه لا أضحية له، وذلك لأنه ضحى خارج الوقت.
ثم إن السنة ألا يغالي في الأضاحي بكثرة العدد، لأن هذا من الإسراف، فالرجل يضحي عنه وعن أهل بيته بأضحية كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك، ولكن قد تأتي الزوجة فتقول:
أريد أن أضحي. وتأتي البنت فتقول: أريد أن أضحي، وتأتي الأخت فتقول: أريد أن أضحي، فيجتمع في البيت ضحايا متعددة، وهذا العمل مخالفٌ لها كان عليه السلف الصالح، فإن أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يضحّ إلا بواحدة عنه وعن أهل
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأضاحي، باب من ذبح قبل الصلاة أعاد برقم (5562) .
بيته (1) ، ومعلوم أن له صلى الله عليه وسلم تسع نساء يعني تسعة بيوت، ومع ذلك لم يضح إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، وضحى بأخرى عن أمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وكان الصحابة يضحون بالشاة الواحدة عنهم وعن أهل بيتهم، فما عليه عمل كثير من الناس اليوم فهو إسراف، ونقول لهؤلاء الذين يضحون بهذه الضحايا نقول: إذا كان عندكم فضل مال
فهناك أناس محتاجون إليه بالأرض من المسلمين كالبوسنة والهرسك، وكذلك في أفريقيا مدن كثيرة، وكذلك أيضًا في الجمهوريات الروسية التي تحررت من قبضة الشيوعية فيهم حاجة كبيرة.
ومما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه ما شاع وذاع من هيئة الإغاثة بطلب الفلوس من الناس يضحي بها في أماكن أخرى، فإن هذا خلاف السنة، فالسنة أن الإنسان يضحي في بيته عنه وعن أهل بيته،
ويأكلون ويتمتعون، ويشكرون الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، ونقل الأضحية إلى أماكن أخرى يفوت به مصالح كثيرة منها:
*خفاء ظهور الشعيرة، فإنه إذا ضحيت في مكان أخرى خفيت الشعيرة في البلد، وربما مع طول الزمن لا يكون في البلد
(1) أخرجه الإمام أحمد (6/391) .
أضاحي إطلاقًا، فكلها تصرف إلى الخارج، لاسيما إذا قيل للناس أنها في الخارج أرخص منها هنا، وأنك إذا ضحيت هنا بأضحية واحدة تستطيع أن تضحي بثلاث ضحايا في البلد الأخرى، ولا شك أن خفاء الشعائر ضرر.
*ومن المصالح التي تفوت: أن الإنسان إذا ضحى في بلاد أخرى فإنه يفوته ذكر اسم الله عليها، وذكر اسم الله عليه من أفضل الأعمال، كما قال الله تعالى:(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(1) .
يهغ ومنها: أن يفوته أن يأكل منها، والأكل منها مؤكد، قدَّمه الله تعالى على الصدقة فقال سبحانه وتعالى:(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(2) ولهذا لما أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة أمر أن يؤخذ من كل مائة بدنة قطعة، فجعلت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها، وشرب
من مرقها (3) ؟ تحقيقًا لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا) صلى الله عليه وسلم من المصالح التي تفوت بالتضحية خارج البلد: أن الإنسان
(1) سورة الحج، الآية:36.
(2)
سورة الحج، الآية:28.
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218) .
لا يطمئن كيف وزعت؟ وهل وزعت على وجه مشروع أو على وجه غير مشروع؟ وإذا كانت عنده اطمأن ووزعها بنفسه، أو بوكيله الذي يشاهده.
*ومنها أيضًا: إذا ضحيت في بلاد أخرى فلا يدري متى تذبح، قد تذبح قبل الوقت جهلاً من المضحي أو بعده، ثم إنه هو مرتبط بها لأنه لا يأخذ من شعره ولا من بدنه ولا من أظفاره شيئًا
حتى يضحي، ولا يدري متى تذبح هذه الأضحية، فيبقى معلقًا طول أيام العيد لا يأخذ من شعره، ولا من ظفره شيئًا؛ لأنه لا يدري هل ذبحت الأضحية أو لا، ولاسيما إذا كان في بلاد شرقية فإنهم
يتأخرون عنا في الغالب يومًا أو ربما يتأخرون يومين، فيبقى معلقًا من العيد إلى أيام التشريق الثلاثة إلى اليوم الرابع الزائد أو الخامس.
*ومن المصالح التي تفوت: التعيين فإنه أمر مهم، فإن الأضاحي هناك إذا جمعوا ألف رأس ثم أرادوا أن يذبحوها، لا يقولون: هذه عن فلان؛ لأن هذا يصعب عليهم فلا يعينها وهذا أمر خطير؛ لأنه قد يقال: بعدم الإجزاء في هذه الصورة إذا لم يعين من هي له، وليست الأضاحي طعام يجمع ويوزع، وكل ينال أجر صدقته، ولا دراهم أيضًا تجمع وتوزع، وكل له أجر صدقته، هذه قربات يتقرب بها الإنسان إلى الله بذبح أضحية معينة له، وهذا قطعًا
لا يتسنى فيما إذا ضحى في بلد آخر.
ومن المحاذير التي تحصل: أنه إذا اجتمع مثلاً في المكان آلاف الضحايا فهل بإمكانهم أن يذبحوها في وقت الأضحية، قد لا يستطيعون، كما جرى هذا في المسالخ التي في منى، فإنهم في سنة من السنين عجزوا أن يقوموا بذبح الهدايا كلها في أيام التشريق، وحينئذٍ لا تذبح الأضحية إلا بعد فوات الوقت.
والحاصل: أن كل شيء يخل به في المشروع فإنه يترتب عليه محاذير، إذن المشروع أن تذبح الأضحية في البلد، والأفضل أن يذبحها الإنسان في بيته، ويشاهدها أهله وأولاده ويستبقي في قلوبهم
محبة هذه الشعيرة، وليعلم أنه ليس المقصود من الأضحية الفائدة المادية يعني الآكل أو الدراهم لقوله تعالى:(لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)(1) ، والدليل لذلك أن هذه
الأضحية جعل الله لها حرمات قبلها، واعتنى الشرع بها فإذا دخلت العشر من ذي الحجة والإنسان يريد أن يضحي حرم عليه أن يأخذ شيئًا من بشره، أو نجلده، أو ظفره.
ولهذا لو سألنا من أراد أن يتصدق يوم العيد بألف ريال هل يحرم عليه إذا دخل العشر أن يأخذ من شعره وبشرته وأظفاره شيئًا.
(1) سورة الحج، الآية:37.
والجواب: لا يحرم عليه أخذ شيء من بشرته أو ظفره.
إذن الأضحية عبادة مستقلة لها كيانها، ولها أهميتها، وليس المقصود منها لحمًا يأكله الفقير أو ما أشبه ذلك.
وإنني بهذه المناسبة أود من إخواننا المسلمين ألا ينساقوا أمام العواطف، بل يجب عليهم أن يتحروا ما كان موافقًا للشرع، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم البصيرة في دينه، وأن يعيننا على العمل به
إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل في الأضحية وأحكامها
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإننا في يوم الخميس وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة عام عشرين وأربع مئة وألف نتكلم فيه عن ما يناسب هذا الوقت وهو الأضحية.
فالأضحية هي: التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي أيام النحر، وهي أربعة: يوم العيد، وثلاثة أيام من بعده.
وهي: سنة مؤكدة، حتى إن بعض العلماء قال بوجوبها، وأن من تركها مع القدرة عليها فهو آثم، وهي من شعائر الدين التي شرعها الله عز وجل لعباده في الأقطار التي ليس فيها هدي، وذلك
أن المسلمين يتقربون إلى الله تعالى في هذه الأيام بالهدي إن كانوا حجاجًا وبالأضاحي إن لم يكونوا حجاجًا، فمن حكمة الله عز وجل أن تكون الأرض معمورة بالتقرب إلى الله بالذبح، إما هدايا وهذا
بالنسبة للحجاج، صياما ضحايا وهذا بالنسبة لغير الحجاج، فهي سنة مؤكدة، ولأنها قربة صار لابد فيها من شروط، إذ لو كان المراد مجرد
اللحم لجازت بكل شيء، حتى بالدجاج، والظباء، والأرانب والصغار والكبار، لكن المراد التقرب إلى الله تعالى بالذبح الذي قرنه الله بالصلاة في قوله تعالى:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقوله تعالى:(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ)(1) وبذلك نعرف قصور من ظنوا أن المراد بالأضحية الانتفاع بلحمها، فإن هذا ظن قاصر صادر عن جهل.
فالمراد بالأضاحي هو: التقرب إلى الله تعالى بالذبح قال الله تعالى: (لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)(2) وإنما نبهت على هذا لأن بعض إخواننا العطوفين الرؤوفين صار يرسل الدراهم إلى البلاد الفقيرة الإسلامية ليضحي بها هناك، وهذا من جهله وقصوره أيضًا؛ لأن الأضحية يقصد بها التقرب إلى الله بالذبح، وإذا ذبحتها فأهدها من شئت في بلادك أو خارج بلادك
أما قبل الذبح فلا تذبح إلا في بلدك، والأفضل في بيتك ليشاهد ذلك الأهل وتُعرف هذه الشعيرة العظيمة.
أما إرسال الدراهم ليضحي بها هناك ففيه تفويت المصالح وفيها تعرض للمخاطر.
(1) سورة الأنعام، الآية:162.
(2)
سورة الحج، الآية:37.
أما المصالح التي تفوت فهي ظهور هذه الشعيرة العظيمة، لأنه ربما مع طول السنين تُنسى هذه الشعيرة وتكون دراهم تبعث إلى البلاد الإسلامية وكفى، وتبقى البلاد الإسلامية خالية من هذه
الشعيرة العظيمة.
ويفوت بها أيضًا: أن الإنسان مأمور أن يذبح بيده، ويذكر اسم الله عليها وهذا يفوت، قال العلماء: وإذا كان لا يحسن الذبح فليوكل وليشهد الذبح، ويسمي الذابح.
ويفوت من المصالح أيضًا: أن الإنسان لا يأكل منها، وقد أمر الله بالأكل منها وقدمه على إطعام الفقير، فقال:(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(1)، وقد قال كثير من العلماء: إن الأكل من الأضحية واجب، لأن الله أمر به وقدمه على إطعام الفقير، فكما أن إطعام الفقير واجب من الأضحية فالأكل منها واجب، وهذا قول له حظ من النظر.
أمما مما يخشى من المخاطر: فهو أن هذه الدراهم قد تقع بيد أناس لا يعرفون الشروط فيضحون بالصغير والكبير.
ومنها: أنه وربما تكثر الضحايا في المنطقة فلا توجد المواشي قد تكون مثلاً الدراهم التي أرسلت ليضحوا بها تبلغ خمسة آلاف أو
(1) سورة الحج، الآية:28.
ستة آلاف، والقرية ليست فيها ستة آلاف أو خمسة آلاف من المواشي فتبقى متعطلة.
ومن المخاطر أنه قد يكون المنفذون للذبح قليلين والضحايا كثيرة فيعجزون عن التضحية في أيام الأضاحي فتخرج الأيام وهم لم يضحوا، فالمخاطر كثيرة.
لذلك نقول لإخواننا المسلمين عمومًا: إياكم أن ترسلوا الدراهم ليضحوا بها في أي بلاد كانت، ضحوا في بلادكم وكلوا وأرسلوا إن شئتم، ثم إخواننا هناك ماذا تغني عنهم قطعة لحم
يأكلونها يومًا أو يومين، ألا يكون الأفضل أن ترسل لهم الدراهم يشتر ون بها القمح والثياب والفراش وغيرها، أو يرسل إليهم أطعمة، أو خيامًا، أو تحفر لهم الآبار هذا هو الذي ينبغي، أما أن
يفسد هذا النسك العظيم ونخرجه من بلادنا إلى البلاد الأخرى فليس ذلك من المستحب، بل ينبغي التحذير عنه والحذر منه، ولما كانت الأضحية عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى فإنه لابد فيها من شروط:
الشرط الأول: أن تكون بهيمة الأنعام.
وهي: الإبل والبقر والغنم أي الضان والماعز.
فلو ضحى بغيرها ولو كان أكثر منها قيمةٍ لم تقبل، لقول النبي
- صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملَا ليس عليه أمرنا فهو رد"(1) .
الشرط الثاني: أن تبلغ السن المعتبر شرعًا وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر، فما دون ذلك لا يضحي به، ولو ضحى به لم يقبل، ودليل ذلك قول
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة أي: (ثنية) إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " والجذع من الضأن ما له ستة أشهر.
الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، وأصلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين
عرجها، والعجفاء التي لا مخ فيها" (2) هذه أصول العيوب التي تمنع من الإجزاء، وما عدا ذلك من العيوب إن كان مثل هذه العيوب أو أولى منها فإنها لا تجزئ التضحية بها، وإن كانت دون ذلك أجزأت لكن كلما كانت الضحية أكمل فهي أفضل، وعليه لو ضحى بمكسورة القرن كله، أو أكثره فالأضحية مجزئة، أو بمقطوعة الأذن فأضحية مجزئة، أو بعوراء لا تبصر بعينها لكن عورها ليس بيِّناَ أي
(1) أخرجه مسلم، كتاب الأقضية، باب رد محدثات الأمور برقم (1718) .
(2)
أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الأضاحي برقم (1) .
من رآه لا يظن أنها عوراء، أو بعرجاء لكن ليس عرجها بيِّنًا، أو بهزيلة قليلة اللحم والشحم لكن فيها مخ أجزأت؛ لأنها ليست من العيوب المنصوص عليها.
الشرط الرابع: أن تكون في الوقت الذي يضحي به، فإن ضحى قبل دخول الوقت فهي شاة لحم، وإن ضحى بعد الوقت فهي شاة لحم، إلا لعذر كالنسيان وضياع البهيمة ولم يجدها إلا بعد فوات أيام النحر فإنه يضحي بعد فوات الأيام ولا بأس، والأيام التي يضحي فيها: يوم عيد الأضحى من بعد الصلاة، واليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، فالأيام الأربعة، كلها أيام للذبح
ليلها ونهارها سواء، وإن كان النهار أفضل؛ لأنه أتم للأضحية والتوزيع.
واسمع إلى حديث أبي بردة بن نيار رضي الله عنه حين ذبح أضحيته قبل الصلاة فلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له " قال أبو بردة: يا رسول الله إني ذبحت قبل الصلاة، قال له:"شاتك شاة لحم"(1) يعني: ليست شاة أضحية ونسك، شاتك
شاة لحم فلا تجزئك مع أنه جاهل ومجتهد، وأحب أن يكون أول ما يؤكل في البيت أضحيته، ومع ذلك لم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أوقع
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأضاحي، باب من ذبح قبل الصلاة برقم (5562) .
العبادة قبل وقتها، كما لو صلى الظهر قبل الوقت ظانًّا أن الشمس قد زالت، فتبين أنها لم تزل، فإن صلاته باطلة لا تجزئه عن الظهر، بل تكون نفلاً، ويعيد صلاة الظهر بعد دخول الوقت، فلو ضحى في اليوم الرابع عشر فإنها لا تجزى لأنها في غير الوقت، بل تكون شاة لحم إلا إذا كان لعذر: كإنسان نسي أن يضحي بشاة وجعلها أضحية، لكن نسي ثم ذكر بعد تمام أيام التشريق فليذبحها وتكون أضحية، أو إنسان في بادية ولم يعلم عن دخول الشهر، وظن أن اليوم الرابع عشر هو الثالث عشر، ثم ذبح فلا بأس تجزئه؛ لأنه جاهل، أو إنسان عين شاة أضحية فهربت، ولم يعثر عليها إلا في اليوم الرابع عشر، فليذبحها ولا حرج، أو سرقت ثم لم يجدها إلا في اليوم الرابع فليذبحها ولا حرفي، لأنه معذور، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى اَله وسلم في الصلاة:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك"(1) .
ولكن كيف يكون أكل الأضحية نقول كما قال الله عز وجل: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(2) ، ولم يحدد الله
(1) أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها (597) ، ومسلم، كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة (684) .
(2)
سورة الحج، الآية:28.
شيئًا من هذا فإن أكلت النصف وأطعمت النصف للفقير فلا بأس، أو تأكل الثلث وتطعم الثلث صدقة، والثلث الآخر هدية فلا بأس، المهم أن تعطي الفقير منها، والباقي أنت حر تصرفه كما شئت، إلا أنك لا تبيع شيئًا منها؛ لأنك أخرجتها لله، وما أخرج لله لا يمكن أن يعتاض الإنسان عنه شيئًا من الدنيا.
واعلم أنه إذا دخل عشر ذي الحجة وأنت تريد الأضحية فقد نهاك النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ شيئًا من شعرك، أو ظفرك، أو بشرتك (1) .
وبعض الناس يكون في أقدامه ولاسيما في أعقابه شقوق فيبدأ بقشرها فنقول له لا تفعل، أما لو انسلخ شيء من الجلد وآذاك فلا بأس أن تقص ما يؤذيك؛ لأن هذا لحاجة.
وهذا الحكم أعني النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة خاص بمن يضحي فقط، أما من يضحي عنه فلا بأس أن يأخذ، وعلى هذا فإذا أراد الإنسان أن يضحي عنه وعن أهل بيته فالحكم يتعلق به نفسه هو، أما أهل البيت فلا حرج أن يأخذوا من ذلك شيئًا، خلافًا لمن قال من العلماء أن من يضحي عنه كمن يضحي أي يتجنب الأخذ من هذه الأشياء، فإن هذا القول ضعيف، لأن الحديث صريح "أراد أحدكم أن يضحي" ولم يقل: أو يضحي عنه،
(1) أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي برقم (1977) .
ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عنه وعن أهل بيته ولم ينهاهم عن ذلك. أخي المسلم: أنت مقبل على العشر الأول من شهر ذي الحجة، وهذه العشر حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على الأعمال الصالحة، حتى قال عليه الصلاة والسلام:"ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"(1) .
أي أنه قتل وسلب الكفار ماله.
فعليك أخي المسلم بكثرة الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر من قراءة القرآن والذكر والصدقة والصيام.
وأظنكم ترون ما أرى من غفلة الناس عن فضل هذه الأيام، حتى إنك ترى الناس تمر بهم هذه الأيام، ولا يحدثون شيئًا، بينما الناس في عشر رمضان يكثرون من الأعمال الصالحة، فالمساجد فيها
القارئ، وفيها الداعي، ويتهجدون بالليل، لكن الناس في غفلة عن عشر ذي الحجة.
فعلى طلبة العلم أن يبينوا فضلها للعامة، فالعامة يحبون الخير، ولكن قد غفل طلبة العلم عن تنبيههم، فتجدهم لا يختلف عملهم فيها عن عملهم فيما قبلها، فيُحثُ الناس على الأعمال الصالحة،
(1) أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل أيام التشريق (969) .
ولاسيما التكبير في هذه العشر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أو الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، يجهر بها الرجال في المساجد والأسواق والبيوت، وتُسرُ بها النساء.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا جميعًا اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، ويجنبا وإياكم منكرات الأخلاق، والأعمال والأقوال إنه على كل شيء قدير.
فصل في أحكام الأضحية
قال فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإننا نلتقي وإياكم في هذه الليلة ليلة الثلاثاء المتممة لشهر ذي القعدة عام 1459هـ وهذا اللقاء سيكون موضوعه الأضحية وما يتعلق بها، وربما نشير إلى شيء من فضائل عشر ذي الحجة فنقول: إن هذه الأيام العشر عشر ذي الحجة من أفضل الأيام عند الله عز وجل، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر". وفي رواية: "أفضل عند الله من هذه الأيام العشر. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"(1) . وعلى هذا ينبغي لنا أن ننتهز هذه الفرصة العظيمة وهذا البلد الحرام لنعمل فيه العمل الصالح لكونه أحب إلى الله عز وجل من أي عمل في أي يوم آخر، حتى إن العمل في هذه الأيام أيام عشر ذي الحجة الأولى أفضل وأحب إلى الله من العشر الأواخر من رمضان، وهذا شيء غفل عنه الناس وأهملوه، حتى إن
(1) أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل أيام التشريق برقم (969) .
عشر ذي الحجة تمر بالناس وكأنها أيام عادية ليس لها فضل وليس للعمل فيها مزية.
فلنكثر فيها من كل عمل صالح يقربنا إلى الله عز وجل، من الصلاة، والذكر، والصدقة، والصوم، وكذلك الإحسان إلى الخلق بالجاه والبدن وكل ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
ولكن هناك أعمال صالحة خصصت في أيام معينة كالاعتكاف مثلاً، فلا يشرع أن تخص هذه الأيام العشر بالاعتكاف، وأن تعتكف فيها كما يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان، إنما كان
الرسول صلى الله عليه وسلم يعتكف فيها تحريًا لليلة القدر، ولهذا اعتكف العشر الأولى، ثم الأوسط، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر.
ويكون الذكر في عشر ذي الحجة على حسب ما جاء عن السلف من قولهم: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أو يكون التكبير ثلاثًا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله
إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، يجهر بذلك الرجال في المساجد والأسواق والبيوت والمكاتب وغيرها، وتجهر المرأة بقدر ما تسمع من إلى جانبها، من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق، فتكون الأيام ثلاثة عشر يوماً، عشرة أيام آخرها العيد، وثلاثة
أيام وهي أيام التشريق.
أما موضوع الأضحية: فإن الأضحية من نعمة الله سبحانه وتعالى، ومن رحمته، ومن حكمته أن شرع لأهل الحل الذين لم يقدر الله لهم أن يحجوا، شرع لهم ما يشاركون به إخوانهم في الحج،
فشرع لهم الأضاحي، وشرع لهم في العشر الأول من ذي الحجة ألا يأخذوا شيئًا هن شعورهم، وأظفارهم، وأبشارهم يعني جلودهم، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم هن حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره، أو بشره، أو ظفره شيئًا حتى يضحي"(1) . خطاب يوجه إلى المضحي وليس المضحى عنه، وعلى هذا فالعائلة الذين يضحي عنهم صاحب البيت لا يحرم عليهم أخذ شيء من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب من يضحي، فدل هذا أن الحكم خاص بالمضحي.
أما قول بعض أهل العلم أن الحكم عامٌ لمن يضحي ومن يضحي عنه، فهذا لا دليل عليه.
والأضحية هي: هن أفضل العبادات ولذلك قرنها الله تعالى في كتابه بالصلاة فقال: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) وقال: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي
(1) أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي برقم (1977) .
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ) (1) وقد اتفق العلماء على مشروعيتها، ولكن اختلفوا هل هي واجبة يأثم الإنسان بتركها، أو سنة مؤكدة يكره له تركها ولا يأثم عليه.
والجواب: هما روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله، ومذهب أبي حنيفة رحمه الله وأحمد في إحدى الروايتين عنه أن الأضحية واجبة، ومن كان قادرَا ولم يضح فهو آثم عاص لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وذهب مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله في إحدى الروايتين عنه إلى أنها سنة مؤكدة، لكن أصحاب الإمام أحمد- رحمه الله صرحوا بأنه يكره للقادر أن يدع الأضحية، وقد مال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله إلى القول بالوجوب، وقال: إن الظاهر وجوب الأضحية؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة.
ولهذا كان ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها حتى إنك لو ملأت جلدها بالدراهم وتصدقت بهذه الدراهم لكان ذبحها أفضل من ذلك، وليس الحكمة من الأضحية حصول اللحم وأكل
اللحم، ولكن الحكمة التقرب إلى الله تعالى بذبحها، قال تعالى:(لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)(2) فظن بعض
(1) سورة الأنعام، الآية 162.
(2)
سورة الحج، الآية:37.
الناس أنه المقصود من ذلك الآكل، والانتفاع باللحم، وهذا فهم قاصر، فالأهم أن تتعبد لله عز وجل بذبحها.
ولهذا كان من الخطأ أن يصرف الإنسان دراهم الأضاحي إلى الجهاد في أفغانستان ويدع الأضحية في بلده؛ لأن هذا يعني ترك شعيرة من شعائر الإسلام. وهؤلاء الأفغانيون وغيرهم من المجاهدين في سبيل الله يمكن أن يرسل لهم الإنسان دراهم ويجعل هذه الشعيرة في بيته وفي بلده لتقام شعائر الله عز وجل في أرض الله عمومًا.
والأضحية مشروعة للأحياء وليس للأموات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عنه وعن أهل بيته (1) ، والصحابة رضي الله عنهم كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن أحد من أمواته، فقد مات له أقارب من أعز الناس عليه، استشهد عمه حمزة رضي الله عنه في أحد، وماتت زوجته خديجة رضي
الله عنها، وماتت بناته وأولاده رضي الله عنهم، ما عدا فاطمة رضي الله عنها، ولم يضح عن واحد منهم أبدًا، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم ضحى عن أمواته، فلم يكن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ولا من هدي الصحابة إفراد
(1) أخرجه الإمام أحمد (6/391) ،
الميت بالأضحية ومن وجد شيئًا من هذا فليخبرنا به.
ولهذا نقول: الأصل في مشروعية الأضحية أن تكون عن الأحياء لا عن الأموات.
وقد اختلف العلماء هل تشرع عن الميت أم لا تشرع:
والجواب: قال بعض العلماء: أنها ليست بمشروعة، وقال آخرون: بل هي كالصدقة فقاسوها قياسًا على الصدقة لأنه لم يجدوا لها أصلاً في السنة، ولا شك أن الصدقة جاءت السنة بجوازها، فقد
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها وإنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال:"أنعم"(1) ، واستأذنه أبو لبابة رضي الله عنه أن يتصدق بمخرافه أي بنخله لأمه وقد ماتت فأذن له. أما أن أحدًا من الصحابة ضحى عن أمه أو
استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحي عن أمه فهذا لم يرد.
والأضحية عن الميت تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أضحية أوصى بها الميت، فهنا نعمل بها ونضحي للميت لوصيته، وهذه الأضحية لا إشكال فيها؛ لأنها تنفيذ أمر أوصى به الميت.
القسم الثاني: أن يضحي عن الميت تبعًا، مثل أن يضحي
(1) أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب ما يستحب لمن توفي فجأة برقم (2670) .
الإنسان عنه وعن أهل بيته وينوي كل أقاربه الأحياء منهم والأموات وهذا أيضًا جائز ويمكن أن يقال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم هذا عن محمد واس محمد"(1) يشمل الحي والميت منه ولكن الميت هنا دخل تبعًا والشيء الذي يتبع ليس كالشيء الذي يستقل.
القسم الثالث: أن يضحي للميت استقلالاً بدون وصية، فهذا هو ما ذكرته بأنه لا دليل عليه لا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم أنهم ضحوا لأحد من الأموات استقلالاً بدون وصية.
وإذا قلت: إن الأضحية للأحياء وليس للأموات إلا تبعًا فهل مطلوب من أهل الميت أن يضحي كل واحد منهم عن نفسه؟ الجواب: لا، السنة أن يضحي رب البيت عنه وعن أهله، لا كل واحد في البيت يضحي ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته، وقال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه:(كان الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته)(2) ولو كان يشرع لكل واحد من أهل البيت أن يضحي لكان
(1) أخرجه الإمام أحمد (6/391) .
(2)
أخرجه الترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزى عن أهل البيت (1505) .
ذلك ثابتًا في السنة، ومعلوم أن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام لم تكن واحدة منهن تضحي طوال صحبة النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل لعل ذلك لفقرهن.
فالجواب: إن هذا احتمال وراد لكنه غير متيقن، لكنه جاء في الآثار بأن من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من كانت غنية، وها هي أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها جاءت إليها فقيرة عليها دين كتابة أمة اشترت نفسها من أسيادها بتسع أواق من الفضة، والأوقية
أربعون درهم، فتكون تسع أواق ثلاث مئة وستين درهماَ، فجاءت تستعين أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها تقول: أعينيني قالت عائشة لها: (إن أحب أهلك أن أعدها لهم، ويكون ولاؤك لي
فعلت) (1) يعني أن أنقدها لهم نقدَا، وهذا يدل على أنه كان عندها مال، أتدرون كم تحصل من الغنم بثلاث مئة وستين درهماً. الشاة الواحدة تساوي والله أعلم عشرة دراهم.
والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مسالة الزكاة: أنه يعطي معها شاتين أو عشرين درهماً، وهذا يدل على أن الشاة في ذلك الوقت تساوي عشرة دراهم.
إذن الحصول على الأضحية في ذلك الوقت متيسر، ومع ذلك
(1) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، إذا اشترط في البيع شروط لا تحل (2168) .
لم يكن كل واحد من أهل البيت يذبح أضحية.
وفئة منا الآن أيسر الله عليها فصار بعض أصحاب البيوت كل فرد بأضحية مستقلة، ولعلهم يظنون أن الأضحية تشبه زكاة الفطر مطلوبة من كل واحد، وليس كذلك.
فالأضحية يذبحها قيّم البيت عن جميع أهل بيته وهذه هي السنة.
ثم إن الأضحية كما أشرت إليه آنفاً، المقصود منها: التقرب إلى الله بالذبح، بدليل أن الإنسان لو اشترى لحم عشر من الإبل وضحى بشاة واحدة فالأضحية بشاة واحدة أفضل، مع أن ذبح عشر من الإبل وتوزيعها على الفقراء أنفع لهم، لكن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح وعلى هذا نقول: إذا كانت الأضحية عبادة مشروعة فإن هذه العبادة يجب أن يتمشى فيها الإنسان على ما تقتضيه الشريعة، والشريعة، جاءت بشروط معينة للأضاحي وهي:
الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام.
الشرط الثاني: أن تبلغ السن المعتبرة شرعًا.
الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة.
الشرط الرابع: أن تكون في الوقت المحدد لها شرعًا.
هذه هي الأضاحي التي جاء ذكرها في القرآن والسنة وأجمع
المسلمون على مشروعيتها، ولا ينبغي للإنسان أن يدعها.
فإذا قال قائل: هل يجزئ أن يشترك جماعة في أضحية واحدة؟
والجواب: إن كانت من الإبل أو البقر فنعم يشترك فيها سبعه، والسُّبع يقوم مقام الواحدة من الغنم، وعلى هذا فإنه يجوز أن يضحي بالسبع من الإبل أو البقر عنه وعن أهل بيته، لأن الشرك جاء على سبع، والسبع قائم مقام الشاة، لكن ظن بعض الناس أنه لا يجوز أن يجعل الإنسان السبع عنه وعن أهل بيته، فهذا ليس له أصل لا من السنة ولا من كلام أهل العلم، وإنما يجزئ السبع عما تجزئ عنه الشاة، فكما أن الإنسان يجوز أن يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ولو كانوا مئة، يجوز أن يضحي بالسُّبع عنه وعن أهل بيته ولو كانوا مئة.
فإذا قال قائل: هل يجوز أن تجمع وصايا في وصية واحدة إذا كانت لا تكفي؟.
فالجواب: لا يجوز، لأن كل واحد من الموصين يريد أضحية مستقلة، هذا من جهة؛ ولأن الشرع لم يأت باشتراك أكثر من واحد في الواحدة من الضأن، أو الماعز، وإنما جاء الاشتراك في الإبل
والبقر، ولو جوزنا أن نجمع سبع وصايا لحكمنا أن الشاة الواحدة تجزئ عن سبعة، وهذا خلاف ما جاء في الشرع.
قد يقول قائل: أليس المراد الصدقة ولو أنك تصدقت بعشرة دراهم عن عشرة رجال لكانت جائزة؟
والجواب: نقول: لا، المقصود بالأضحية التقرب إلى الله عز وجل بالذبح، وإذا كان كذلك فلا بد من أن يكون جارَيا على ما تقتضيه الشريعة.
فإذا قال قائل: لو كانت الوصية لواحد لكنها نقصت عن العدد الذي عينه مثل أن يوصي شخص بثلثه ويجعل فيه عدة ضحايا فأضحية لوالديه، وأضحية لأجداده، وأضحية لزوجته، فنقص الريع
عن هذه الأضاحي، هل يجوز أن نجمعها في واحدة؟
الجواب: نعم يجوز؛ لأن الموصي واحد، ونحن نعلم علم اليقين أنه لو كان حيًّا لأجاز ذلك، والاشتراك في الثواب ليس كالاشتراك في الملك، بمعنى أنه يجوز أن أشرك في الثواب من شئت
حتى في الشاة الواحدة، فيجوز أن أقول هذه عني وعن أهل بيتي ولو كانوا عشرة، ويجوز أن أقول هذه عني وعن جميع المسلمين وهي شاة واحدة، فالثواب لا حصر له، لكن الملك لا يشترك اثنان فأكثر في أضحية واحدة، إلا فيما ورد الشرع فيه بالتعدد كالإبل والبقر.
ولعلنا نتمم ذلك بالكلام على العقيقة وهي: التي تذبح للمولود، وقد ثبتت في السنة، ومن العلماء من قال بوجوبها، وأن من
لم يعق عن ولده فهو آثم ولا شك أن العقيقة سنة مؤكدة، عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة واحدة، تذبح في اليوم السابع، لأن أيام الدهر تمر على هذا المولود فلما مرت عليه الأيام كلها صار أنسب ما يكون فيه التكرار، فإذا ولد المولود في يوم فإن العقيقة تكون في اليوم الذي قبله. إذا ولد يوم السبت فالعقيقة يوم الجمعة. وإذا ولد يوم الجمعة فالعقيقة يوم الخميس، المهم أن تكون العقيقة في اليوم الذي قبل يوم ولادته.
والعقيقة تؤكل، ويُطعم منها الجيران والفقراء، ويدعى إليها أيضَا، فهي جامعة نجين الدعوة إليها، والإطعام منها، والصدقة.
وأما الأضاحي فإنه يؤكل منها ويهدى ويتصدق.
والعقيقة إذا لم تكن في اليوم السابع فمتى تكون؟
والجواب: قال العلماء: تكون في اليوم الرابع عشر، وإذا فات تكون في اليوم الحادي والعشرين، وإذا فاتت لأسابيع فتذبحها في أي يوم، ولكن ينبغي للإنسان أن يحرص على أن تكون في اليوم السابع.
أما تسمية المولود: فإذا لم يكن الاسم قد أُعدّ فيؤجل إلى اليوم السابع، ليكون في اليوم الذي تكون فيه العقيقة، وإذا كان قد أُعدّ قبل فيسمى حين ولادته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.