الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنحر، الإنسان يحل التحلل الأول وإن لم ينحر، بل ويحل التحلل الثاني وإن لم ينحر أيضًا، فالإنسان إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد، وحلق أو قصر حل التحلل الأول، وحل جميع محظورات الإحرام إلا
النساء، فإذا طاف وسعى بالإضافة إلى الرمي والحلق أو التقصير حل له كل شيء حتى النساء، فهذا التحلل الأول والثاني ثابت وإن لم ينحر الإنسان، وحينئذٍ فلا إشكال في الموضوع بالنسبة للإحلال.
س57: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله: من لم يستطع ذبح الهدي بنفسه ووكل جمعية، فهل يصح فعله
؟
فأجاب بقوله: أولاً: نقول: إن الأفضل أن يذبح الهدي بنفسه أو يوكل مسلمًا ويحضر ذبحه لأجل أن يأخذ منه شيئًا يأكله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين أهدى مئة بعير، أمر من كل بعير بقطعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها (1) ، وهذه مسألة
للأسف يغفل عنها الكثيرون.
وأما ما يتعلق بالإجابة على سؤال السائل، فإن الذبح يجزئ إذا وكل إنسانًا أو جمعية معتمدة وموثوقًا بها.
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218) .
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ/محمد بن صالح العثيمين- حفظه الله تعالى-
* أرجو أن توضحوا لنا عما كثر الكلام فيه من إرسال قيمة الأضاحي إلى البلاد الإسلامية الفقيرة، ليشترى بها أضحية ويضحي بها هناك، نرجو إفتاءنا بما ترون مأجورين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب: وبالله التوفيق، ومنه نستمد الهداية والصواب:
كل! اعلم أن الأضاحي شأنها كبير، لأنها من شعائر الله تعالما، وقد قال الله تعالى:(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(1) ، وقد قرن الله تعالما النحر له بالصلاة، فقال:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)(2) وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ)(3) ، والنسك
الذبح على أحد أقوال أهل التفسير، كما قال تعالى:(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)(4) .
(1) سورة الحج، الآية:32.
(2)
سورة الكوثر، الآية:2.
(3)
سورة الأنعام، الآية:163.
(4)
سورة الحج، الآية:34.
ولهذا اختلف العلماء- رحمهم الله تعالى- في وجوبها بعد اتفاقهم على مشروعيتها، فذهب إلى وجوبها الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وهو قول الأوزاعي والليث ومذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب مالك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"والأظهر وجوبها، فإنها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار، والنسك مقرون بالصلاة، وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته". ا. هـ.
وليس المقصود من الأضحية مجرد الانتفاع من اللحم؛ بل المقصود الأعظم منها التقرب إلى الله تعالى وتعظيمه بالذبح له؛ ولهذا خصت بالنوع والسن والوصف والزمن، فلا تجزئ إلا من بهيمة
الأنعام (الإبل والبقر والغنم) ولا تجزئ إلا بما كان جذعًا من الضأن أو ثنيًا مما سواه، ولا تجزئ إلا بما كان سليمًا من العيوب المانعة من الإجزاء، ولا تجزئ إلا في وقت معين من بعد صلاة عيد الأضحى إلى آخر أيام التشريق، ولهذا فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين شاة اللحم وشاة
الأضحية، ففي صحيح البخاري عن البراء بن عازب- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم يوم النحر بعد الصلاة وقال:"من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم "، فقام أبو بردة ابن نيار فقال: يا رسول الله، والله لقد
نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تلك شاة لحم"(1)، وفي الصحيح أيضَا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم النحر ثم ذبح وقال:"من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها"(2) .
ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين شاة النسك وشاة اللحم، ولو كان المقصود اللحم لم يكن هناك فرق، ولأجزأت من كل نوع من الحيوان المأكول، وبأي سن كان، وعلى أي وصف، وفي أي وقت، ولهذا لو تصدق الرجل بألف كيلو من اللحم لم يجزئ عن الأضحية بشاة تبلغ أربعين كيلو أو نحوها.
قال ابن القيم رحمه الله: "فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (3) ، وقال: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ) (4) ، ثم قال: "ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية" ا. هـ.
فإذا تبين ذلك فإن إرسال قيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى من
(1) أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب الأكل يوم النحر، (955) .
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأضاحي، باب من ذبح قبل الصلاة أعاد (5562) .
(3)
سورة الكوثر، الآية:2.
(4)
سورة الأنعام، الآية:163.
البلاد الإسلامية ليضحي بها هناك تفوت به مصالح كثيرة منها:
1-
ظهور شعائر الله تعالى في البلاد الإسلامية، فإن الناس إذا أرسلوا قيمة ضحاياهم لبلاد أخرى خليت بلادهم من هذه الشعيرة وفات ظهورها في بلادهم، وتعميم ظهور شعائر الله تعالى في بلاد
الإسلام مقصود شرعي؛ ولهذا لما شرع الهدي للحجاج في مكة، شرع لغيرهم الأضاحي في البلاد الأخرى؛ لتظهر شعيرة الذبح في جميع البلاد الإسلامية.
2-
مباشرة المضحي ذبح أضحيته بنفسه، فإن المشروع أن يباشر المضحي ذبح أضحيته بنفسه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك (1) ، فإذا أرسلت القيمة إلى بلاد أخرى فاتت هذه السنة، وقد قال أهل العلم: إن المضحي إذا كان لا يحسن الذبح فالأفضل أن يحضر ذبحها.
3-
التعبد لله تعالى بذكر اسمه على الذبيحة، وهذا عبادة أمر الله بها في قوله:(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ)(2)، وجعله تعالى الغاية في هذه القربان حيث قال:(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)(3) ، فإذا أرسلت القيمة ليضحي في بلاد أخرى فات
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218) .
(2)
سورة الحج، الآية:36.
(3)
سورة الحج، الآية:34.
على المضحي أن يتعبد لله تعالى بذكر اسمه على أضحيته.
4-
التعبد لله تعالى بالأكل من الأضحية، فإن الآكل من الأضحية عبادة أمر الله تعالى بها في قوله:(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(1)، وقال:(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)(2) ، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب الآكل منها، فإذا أرسلت القيمة إلى بلاد أخرى ليضحي بها هناك
فات هذا التعبد ويكون المضحي آثماً على قول من يقول بوجوب الآكل، ولكن الصحيح: عدم وجوب الآكل، فلا يكون آثماً من لم يأكل، ولكن أكله أفضل.
فهذه المصالح الأربع كلها تفوت بإرسال قيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى ليضحي بها هناك.
فإن قال قائل: أليس قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث بالهدي إلى مكة فيذبح هناك والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة (3) ، وهذا يدل على جواز بعث النسيكة إلى بلد آخر.
الجواب: بلى قد كان ذلك، ولكن الهدي خاص بمكة فلابد من
(1) سورة الحج، الآية:28.
(2)
سورة الحج، الآية:36.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب فتل القلائد للبدن (1697) .
البعث به إليها، بخلاف الأضحية فإنها في كل البلاد فلا حاجة إلى نقلها لبلد آخر بل نقلها يفوت به ما سبق من المصالح.
فإن قائل قائل: أليس قد وكل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب لينحر ما بقي من هديه في حجة الوداع مع حضور النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، وهذا يدل على جواز التوكيل في ذبح النسيكة؟
فالجواب: بلى، ولكن كان ذلك في البلد الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والحاجة داعية إليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أهدى مئة بعير، ونحر منها ثلاثًا وستين، وأعطى عليّا الباقي لينحره، وكان قد أشركه في هديه، والناس في حاجة إلى تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لأمورهم، وقد أمر النبي من كل بدنة ببضعه، فجعلت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها.
فإن قال قائل: إخواننا في البلاد الإسلامية أو بعضها في حاجة لمثل هذا اللحم؟
فالجواب: أنه بالإمكان أن تدفع حاجتهم بغير ذلك بإرسال الدراهم والثياب والأطعمة والفرش ونحوها، ويحصل جمها المقصود، ولا تفوت المصالح المترتبة على ذبح الضحايا في بلاد المضحين.
(1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218) .
هذا ما يتعلق بالجواب وإنما بسطت القول فيه لكثرة السؤال عنه. والله أسأل أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما فيه رضاه ونفع عباده، إنه سميع مجيب الدعوات.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 27/12/1411هـ.
رسالة
فضيلة الشيخ/محمد بن صالح العثيمين- حفظه الله-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إذا نوى فرد الحج فهل يمكنه أن يوكل هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية أن تذبح أضحيته بالخارج أو يلزمه ذبحها في مكة، وجزاكم الله خيرًا، والسلام ورحمة الله وبركاته،
فأجاب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نقل الأضاحي إلى الخارج غلط ولو كان لهيئة الإغاثة، الأضاحي تضحي في نفس المكان في بيت الإنسان في بلده لا تنقل للخارج؛ لأن أهم شيء في الأضحية هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح كما قال تعالى:(لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)(1) ، وإذا أعطى الإنسان دراهم لتذبح في أي مكان فلا ندري من الذي يذبحها، ولا ندري هل يسمي عليها، أو لا يسمي، ولا ندري كيف يوزعها، ثم يفوتنا ذكر اسم الله عليها، ويفوتنا التعبد لله تعالى بها، والتقرب إليه بأكل منها، حتى إن بعض العلماء قال: يجب
على المضحي أن يأكل من أضحيته لأن الله تعالى قال: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)(2) ، فبدأ بالأكل قبل الإطعام، فكيف نخادع
(1) سورة الحج، الآية:37.
(2)
سورة الحج، الآية:36.
أنفسنا ونذهب بأضاحينا إلى مكان آخر، والإنسان الذي يريد الخير يضحي في بيته يشاهد أهله هذه الأضحية، ويتقرب إلى الله تعالى بها، وإذا أراد أن يتبرع لأحد من المسلمين في الخارج فلا أحد يرده إذا كان على الوجه المشروع.
وأما الهدي في حج أو عمرة فمحله مكة، ولا يجوز أن ينقل عن مكة إلا أن تتولى الحكومة ذلك، فترى من المصلحة أن يتفرق لحمه هنا وهناك، فهذا شيء آخر؛ لأن الحكومة إذا قبضته بمكة فهي نائبة عن الفقراء، أما الإنسان فلابد أن يكون هديه- هدي القران والتمتع وترك الواجب- كله في مكة.