الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الخوفُ من غدرِه فهو وارد ومحتمل، ولكن هل وقع ذلك من أحد وعرفتم كثرة الغدر ممن فعلوا ذلك؟ قد يكون هذا الرجل مسلمًا مجُبَرًا على أن يخرج في صُفوف العدو، وهو لا يريد الخروج، وقد يكون كافرًا أو مرتدًا لكن هداه الله- عز وجل حينما رأى أنه قد أُدرِك، فالمهمُّ أننا إذا خفنا غدره، فإننا نأسره أسرًا لا يتمكن به من الغدر، ونبقيه على الحياة حتى يتبين لنا الأمر.
س 32: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله: والدي يحتاجني في عمله وأهلي كذلك، وأخي الأكبر في مدينة أخرى يطلبُ العلم، وأنا أريد أن أذهب إلى الجهاد، ولم يرضَ أحدٌ من الوالدين، فهل
يَحِقُّ لي الذهاب مع العلم أن أخي يقدر أن يقوم مقامي بترك درا سته
؟
فأجاب بقوله: لا يحلُّ لك أن تذهب إلى الجهاد وأهلك محتاجون إليك ومانعوك من السفر إلى الجهاد، بل حتى وإن لم يحتاجوا إليك، فإذا لم يَأذّنُوا لك فإنه لا يحل لك أن تذهب إلى الجهاد؛ لأنَّ برَّ
الوالدين أفضلُ من الجهاد في سبيل الله، كما ثبت ذلك في "الصحيحين " من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أحبُّ إلى الله؟ " قال: " الصَّلاةُ
على وقتها". قلت: "ثمَّ أيٌّ؟ ". قال: "برُّ الوالدينِ ". قلت: "ثمَّ أيٌّ؟ ".
قال: "الجهادُ في سبيل الله "(1) فقدَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم برَّ الوالدين على الجهاد في سبيل الله.
وأمَّا أخوك، فإن خروجه لطلب العلم فيه خير كثير، وخروج عظيم، وطلبُ العلم كالجهاد في سبيل الله، لأنَّ الله تعالى جعله عَدِيلاً له في قوله:(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(2) . فجعل الله التفقه في الدين معادِلاً للجهاد في سبيل الله، وغزو المسلمين ليس بالسلاح فقط، وإنما هو بالسلاح والفكر والخُلُق، والغزو بالفكر لا يُقاوَم إلا بالعلم، والأخلاق أيضًا لا تُقاوَم إلا بالعلم والاستقامة، وربما يكون غزو الأعداء من سنين غزوًا فكريًا، أعظم فتكًا بهم من السلاح المادي؛ لأن النوع الأول من الغزو غزو يدخل بدون استئذان، ويَحتلُّ بدون قتال، فهو أنكى وأعظم من الجهاد المسلَّح بالسلاح المادي، والمسلمون يجب عليهم
(1) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، برقم (527) ، وفي كتاب الجهاد، باب فضل الجهاد والسير، برقم (2782) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، برقم (85) .
(2)
سورة التوبة، الآية:122.