الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب ودخل الناس، فليس فيها حُجَّة.
بقي أن يقال: ماذا نقول في هؤلاء المعينينَ الذين أقدموا على هذا الفعل؟ نقول: هؤلاء متأوُّلون أو مُقتَدون بهؤلاء الذين أَفتَوْهم بغير علم ولا يلحقهم العقاب الذي أشرنا إليه؛ لأنهم كما قلتُ لكم
متأوِّلون أو مهتدون بهذه الفتوى، والإثم في الفتوى المخالفة للشريعة على مَن أفتى.
س 43: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله: استحلَّ بعضُ الناس جواز قتل النفس، أو ما يسمونه بالعمليات الانتحارية بحديث ذكره مسلم في "صحيحه " في قصة الغلام (1) ، فهل استدلالهم هذا
صحيح
؟
فأجاب بقوله: هذا صحيحٌ في موضعه، يعني إذا وُجِدَ أنَّ قتل هذا الإنسان نفسه يحصل به إيمان أُمة من الناس، فلا بأس؛ لأن هذا الغلام لما قال للملك: خذ سهمًا من كِنانتي ثم قل: باسم رب هذا
الغلام، فإنك سوف تصيب، ففعل الملك، ماذا صار مقام الناس؟ آمنوا كلهم، هذا لا بأس.
(1) انظر صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام، برقم (3005) .
لكن الانتحاريين اليوم لا يحصل من هذا شيء، بل ضد هذا، إذا قُدِّر أنه انتحر، أول من يقتل نفسه ثم قد يقتل واحدًا أو اثنين وقد لا يَقتُل، لكن ماذا يكون انتقام العدو؟ كم يقتل؟ يقتل الضِّعف، أو
أكثر، ولا يحصل لا إيمان ولا كفٌّ عن القتل، هذا هو الرد عليهم نقول: إذا وجد حالة مثل هذه الحالة، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصَّها علينا لنسمعها كأنها أساطير الأولين، وإنما قصَّها علينا لنعتبر، فإذا وجد مثل هذه الحالة فلا بأس.
وبعضهم يستدل بقصَّة البراء ابن مالك- رضي الله عنه في غزوة اليمامة، حيث حاصروا حديقة مُسيِلمة والباب مغلق وعجزوا، فقال البراء: أَلقُوني من وراء السور وأفتح لكم، فألقوه
وفتح. (1) هذا ليس فيه دليل، لأنَّ موته غير مؤكد، ولهذا لم يقتل وفتح لهم الباب، لكن المنتحر الذي يربط نفسه بالرصاص والقنابل هل ينجو أم لا ينجو؟ قطعًا لا ينجو، ولولا حُسنُ نيتهم لقلنا: إنهم في النار، يُعذَّبون بما قتلوا به أنفسهم.
(1) رواه البيهقي في سننه الكبرى (9/44) .
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم....... حفظه الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأعمال الانتحارية التي يقوم بها بعض الناس، ليقتل منْ يقتل من العدو. ويكون هو أول من يموت بها، يعتبر القائم بها قاتلاً لنفسه معذباً في النار بما قتل به نفسه. ولقد نهى الله عباده أن يقتلوا
أنفسهم فقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)(1) وعدّ العلماء قتل النفس من كبائر الذنوب، لشدة الوعيد فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جنهم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً"(2) . ولم يستثن الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم من هذا أحدا.
وأما ما ورد عن بعض الصحابة: من خرق صفوف الكفار أو
(1) سورة النساء الآية: 29.
(2)
رواه مسلم/كتاب الإيمان/باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه برقم (109) .
الدخول في حصنهم، فالقتل فيه غير مؤكد لاحتمال السلامة، ولذلك سلموا كما في قصة البراء بن مالك في وقعة اليمامة حين ألقوه في حصن مسليمة، ففتح الباب للمسلمين فدخلوا (1) .
لكن هؤلاء الانتحاريون في زمننا، يفعلون ذلك اجتهاداً منهم، وجهلاً بحكم الشرع، فيرجى أن يعفو الله عنهم؛ لأن لهم نوعاً من العذر، وإن كان قد حصل منهم تفريط حيث لم يسألوا العلماء
المحققين عن حكم هذا العمل قبل أن يقدموا عليه؛ لأن هذا عمل خطير فيه قتل الفاعل لنفسه، وربما يقتل من لا يحل قتله من النساء والصبيان، وربما يترتب على فعله أن يجازى هو وقومه بأعظم ضرراً
مما فعل.
وإني أنصح كل عامل ألا يقدم على أمر خطير كهذا حتى يسأل أهل العلم الذين هم أهله الذين يحكّمون الشرع والحكمة دون العاطفة المجردة.
وأسأل الله الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى.
حرر في 7/5/1416 هـ
(1) رواه البيهقي في سننه الكبرى (9/44) .