الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصبر فيه مثل قبضٍ على الجمر، للعامل فيه مثل أجر خمسين منكم" (1) .
والشاهد هنا في قوله صلى الله عليه وسلم: " أجر خمسين منكم ".
ولا يلزم من هذا الفضل أن يكون أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، فيجب التفريق بين الفضل المطلق والفضل المقيَّد.
فالشهيد وإن تميَّز بالشهادة في سبيل الله عز وجل، لكن يكون على يد طالب العلم والعلماء من مصلحة الأمة ونشر الدعوة ما لا يكون في ديوان الشهيد.
أرأيتم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ماذا نفعه للأمة؟ ولو نظرنا إلى عدد كبير من الشهداء ما حصل للأمة نفعٌ مثلما حصل من علم ابن تيمية رحمة الله على الجميع.
س 9: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله: لماذا لا يقوم المسلمون بالجهاد ضد دول الكفر
؟
فأجاب بقوله: الجهاد فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وإن لم يقم به من يكفي تعيّن عليهم.
ولكن كل واجب لا بد فيه من شرط القدرة.
والدليل على ذلك من القرآن والسنة ومن الواقع.
(1) رواه أبو داود/كتاب الملاحم/باب الأمر والنهي برقم (3778) .
أما القرآن: فقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)(1) .
وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ)(2) .
وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(3) .
فالجهاد إذا كان فيه حرج، فالحرج مرفوع في الشريعة، فإن كان هناك قدرة على الجهاد فهو سهل بإذن الله عز وجل، وإن لم يُقدر على الجهاد فهو حرج مرفوع.
أما الدليل من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم"(4) وهذا الحديث عام في كل أمر؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "بأمر" نكرة في سياق الشرط فيكون للعموم.
أما الواقع: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل وإلى الصلاة، وبقي على هذا الأمر ثلاث عشرة سنة، ولم يؤمر بالجهاد مع شدة الإيذاء له عليه الصلاة والسلام، ولأتباعه من المؤمنين (5) .
ولم يؤمر بالقتال؛ لأنهم لا يستطيعون، ولم يوجب الله عز وجل
(1) سورة البقرة، الآية:286.
(2)
سورة التغابن، الآية:16.
(3)
سورة الحج، الآية:78.
(4)
رواه البخاري/كتاب الاعتصام/باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (6744) .
(5)
صحيح البخاري/كتاب الصلاة برقم (350) .
القتال إلا بعد أن صار للأمة الإسلامية دولة وقوة، قال الله تعالى:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ الله عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(1) .
وهكذا نقول في الواقع الآن: لعدم قدرة المسلمين على القتال ومواجهة الكفار.
والأسلحة التي ذهب عصرها عند الكفار هي التي بأيدي المسلمين، وأقوى ما عند المسلمين من سلاح لا يساوي ما عند الكفار من سلاح وليس بشيء.
ولهذا من الحمق أن يقول قائل: إنه يجب على المسلمين الآن أن يقاتلوا الكفار.
وهذا القول تأباه حكمة الله عز وجل، ويأباه شرعه. والواجب أن يقوم المسلمون بما أمر الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى:(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(2) . وأهم قوة نُعدها هو: الإيمان والتقوى؛ لأن المسلمين بالإيمان والتقوى سوف يقضون على الأهواء ومحبة الدنيا.
والصحابة- رضوان الله عليهم- حالهم بخلاف حال كثير من المسلمين اليوم، فالصحابة- رضي الله عنهم يقاتلون لإعلاء كلمة
(1) سورة الحج، الآية:39.
(2)
سورة الأنفال، الآية:60.