الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرقًا بينه وبين لباس الكفار في شكل التفصيل مثلاً، ولهذا صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء واليهود يصومونه، ولكنه أمر أن يُجعل فارق بين صيام اليهود وصيام المسلمين بأن يصام يوم قبله أو يوم بعده، وأما ما يتعلق بالآلات المنفصلة عن الإنسان فمعلوم أنَّه إذا فعله أهل العلم
بها ولو كانوا كفارًا لا يعتبر محرمًا ولا مكروهًا.
س 81: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله: إذا قُتل الإنسان في المعركة، فهل يوصف بأنَّه شهيد
؟
فأجاب بقوله: أَوَدُّ أن أنبِّه إلى أنَّنَا في عصر أصبح وصف (الشهيد) رخيصًا عند الكثير من الناس، حتى كانوا يصفون به من ليس أهلاً للشهادة، وهذا أمرٌ محرم، فلا يجوز أن يشهد لشخص بشهادة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يشهدَ لشخص معين بأنَّه شهيد، كما جاء في الصحيح: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، فارتج الجبل بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أثبُت أُحد، فإنما عليك نبيٌّ وصدِّيقٌ وشَهيدان "(1) فمن شهِدَ له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالشَّهادة
(1) رواه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً، برقم (3675) .
بعينه، شهدنا له بأنه شهيد، تصديقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإتباعًا له في ذلك.
القسم الثاني: أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم بالشَّهادة على وجه العموم، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبى هريرة- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما تَعدُّون الشهيد فيكم! " قالوا: يا رسول الله من قُتل في سبيل الله فهو شهيدٌ. قال: "إن شهداء أمتي إذن لقليلٌ" قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: "من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مَات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيدٌ". (1)
وهذا القسم لا يجوز أن نُطبِّقه على شخص بعينه، وإنَّما نقول: من اتصف بكذا وكذا فهو شهيد، ولا نخص بذلك رجلاً بعينه؛ لأنَّ الشهادة بالوصف غير الشهادة بالعين.
وقد ترجم البخاري- رحمه الله لهذه المسألة في "صحيحه ": فقال: باب (لا يقال فلان شهيد)، واستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الله أَعلمُ بمن يُجاهِدُ في سبيله ". (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم بمن يُكْلَمُ
(1) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء، برقم (1915) .
(2)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، برقم (2787) .
في سبيله " (1) أي بمن يُجرح، وساق تحت هذا العنوان الحديث الطويل عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتَتَلوا، فلما مَال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذَّة ولا فاذَّة إلا أتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَمَا إنَّه من أهل النار" فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذُبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: "وما ذاك؟ " قال الرجل الذي ذكرت آنفًا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، وذكر ما حصل، (2) ثمَّ ساق البخاري حديثاً آخر وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الرجل لَيعمل عمل أهل الجنَّة فيما يبدو للناس وهو من
(1) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل من يجرح في سبيل الله، برقم (2803) ، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، برقم (1876) .
(2)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب لا يقال فلان شهيد، برقم (2898) . ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الإنسان نفسه، برقم (112) .
أهل النَّار" (1) .
وهذا الاستدلال الذي استدل به البخاري- رحمه الله على الترجمة استدلال واضح؛ لأنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: " الله أعلم بمن يجاهد في سبيله، الله أعلم بمن يكلم في سبيله" يدل على أنَّ الظاهر قد يخالف الباطن، والأحكام الأخروية تجرى على الباطن لا على الظاهر، وقصَّة الرجل التي ساقها البخاري- رحمه الله لهذا العنوان ظاهرة جداً، فنحن لا نحكم بالأحكام الأُخروية على الناس بظاهر حالهم، وإنما نأتي بالنصوص على عمومها، والله أعلمُ هل تنطبق على هذا الرجل الذي ظَاهِره لنا أنه مُتَّصفٌ بهذا الوصف الذي علق عليه الحكم.
وقد ذكر صاحب "فتح الباري " أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه خطب فقال: "إنَّكم تقولون في مغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدًا، ولعله قد أوقَر راحلته- أي أثقلها- من الغلول ألا لا
تقولوا ذلك، ولكن قولوا: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن مَاتَ في سبيلِ الله أو قُتِلَ فهُو شَهيد"(2) قال في "الفتح ": وهو حديث حسن، وعلى
(1) هو جزء من حديث سهل بن سعد الساعدي السابق.
(2)
رواه سعيد بن منصور في سننه، كتاب النكاح، باب ما جاء في الصداق، برقم (595) ، ورواه أحمد 383.1 (285) ، والنسائي، كتاب النكاح، باب القسط في الأصدقة، برقم (3349) ، ولفظه عندهما: "من مات أو قتل في سبيل الله فهو في الجنة
هذا فنحن نَشهدُ بالشهادة على صفة ما جاء في النص، إن كان في شخص معين شهدنا بها للشخص المعين الذي عيَّنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وإن كان على سبيل العموم شهدنا بها على سبيل العموم ولا نُطبِّقها على شخص بعينه؛ لأنَّ الأحكام الأُخرَوية تتعلق بالباطن لا بالظاهر.
نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا إنه سميع مجيب.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى المكرم:.... حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
سؤالكم: عن حُكم قول فلان شهيد؟
والجواب على ذلك: إنَّ الشَّهادَةَ لأحد بأنَّه شهيدٌ تكون على وجهين:
أحدهما: أن تقيَّد بوصف، مثل أن يقال: كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد، ونحو ذلك فهذا جائز كما جاءت به النصوص؛ لأنَّك تشهد بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعنى بقولنا [جائز] ، أنه غير ممنوعٌ، وإن
كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن تقيَّد الشَّهادَةُ بشخص مُعيَّن، مثل أن تقول لشخص بعينه إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، أو اتفقت الأمَّة على الشهادة له بذلك، وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذا بقوله: باب (لا يقال فلان شهيد) ، قال في الفتح [90/6] أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، وكأنَّه أشار إلى حديث عمر أنهُ خطب فقال: " تقولون في مَغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدًا ولعلَّه قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم، ولكن قولوا كما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيدً". (1) وهو
حديث حسن، أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبى العجفاء عن عمر. أ. هـ كلامه.
ولأنَّ الشَّهادة بالشيء لا تكونُ إلا عن علم به، وشرط كون الإنسان شهيدًا، أن يقاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا، وهى نِيَّة باطنة لا سبيل إلى العلم بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم مشيرًا إلى ذلك:"مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله "(2) وقال: "والذي نفسي بيده لا يُكْلمُ أحدٌ في سبيلِ الله- والله أعلمُ بمَن يُكْلمُ في سبيلهِ- إلا جاءَ يَومَ القيامةِ واللَّونُ لونُ الدَّمِ والرِّيحُ ريِحُ المسك ". (3)
رواهما البخاري من حديث أبى هريرة، ولكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك، ولا نشهد له به ولا نسيء به الظن.
والرَّجاء مرتبة بين المرتبتين، ولكننا نُعامله في الدنيا بأحكام الشهداء،
(1) رواه سعيد ابن منصور في سننه، كتاب النكاح، باب ما جاء في الصداق، برقم (595) .
(2)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، برقم (2787) .
(3)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله عز وجل، برقم
(2803)
. ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، برقم
(1876)
.
فإذا كان مقتولاً في الجهاد في سبيل الله دُفِنَ بدمه في ثيابه من غير صلاة عليه، وإن كان من الشهداء الآخرين فإنه يُغسَّل ويكفَّن ويصلى عليه، ولأننَّا لو شهدنا لأحد بعينه أنَّه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة، وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة، فإنهم لا يشهدون بالجنة، إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالوصف أو بالشخص، وذهب آخرون منهم إلى جواز الشهادة بذلك لمن اتفقت الأمَّة على الثناء عليه، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى-.
وبهذا يتبين أنه لا يجوز أن نشهد لشخص بعينه أنَّهُ شهيدٌ، إلَاّ بنص أو اتفاق، لكن من كان ظاهره الصلاح، فإننا نرجو له ذلك كما سبق، وهذا كاف في مَنقبَته، وعمله عند خالقه سبحانه وتعالى،
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم:.... حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وصلتني رسالتكم المؤرخة 8/10/1409 هـ والبالغة (16 ص) وقرأت جميعها وفهمت حرصَك على الجهاد في سبيل الله، وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإيَّاكَ من المجاهدين في سبيله على بصيرة، المتبعين في ذلك ما كان أرضى لله وأنفع لعباد الله.
وما ذكرت من حال طلبة العلم اليوم، فلا شكَّ أنَّ هذا موجودٌ في كثير منهم، لكن لا يشمل الجميع، ففي كثير منهم الخير، وتولي القيادة العلمية والقضائية وغير ذلك من شؤون المسلمين، والسير بها على الوجه المطلوب بِحَسَب المُستَطاع، وقد أنتجوا ما حصل به سرور المتَّقين في هذه المجالات.
وما ذكرت من حال المجاهدين اليوم، فلا شكَّ أن هذا موجود في كثير منهم لكنه لا يشمل الجميع، فالمجاهدون على درجات، منهم من يريد الدنيا، ومنهم من يريد الآخرة، كما قال الله تعالى عن أشرف جيش جُنِّدَ على وجه الأرض، بقيادة خاتم النبيين وإمام المرسلين وقدوة المتقين محمد صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا
تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين) (1) فإذا كان هذا موجودًا في عصر الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك في هذا الوقت. وفى "صحيح البخاري " عن أبى هريرة- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثلُ المجاهد في سبيل الله- واللهُ أعلم بمن
يجاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم " (2) ، وفيه أيضًا "والذي نَفسي بيده لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدَّم والريح ريح المسك ". (3) فتأمل احتراز النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "والله أعلم بمن يجاهد أو بمن يُكْلَم في سبيله " لِتعلم به أنَّ المجاهدين يختلفون وهو واضح، ولستُ أريد بذلك فئةٌ معينه أو طائفة معينة، بل هذا عام للجهاد في وقتنا وقبله وبعده إلى يوم القيامة،
وقد بوب البخاري- رحمه الله على هذا الاحتراز قوله باب: "لا يقال فلان شهيد"،
(1) سورة آل عمران، الآية:152.
(2)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله، برقم (2803) .
ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، برقم (1876) .
(3)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله، برقم (2803) .
ومسلم في كتاب، الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، برقم (1876) .