الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر في "الفتح " على هذه الترجمة ما رواه أحمد وغيره عن عمر رضي الله عنه أنه خطب فقال: تقولوا في مغازيكم فلان شهيد ومات فلان شهيدًا ولعلَّه قد يكون قد أوقرَ راحلته، ألا لا تقولون ذلكم، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات في سبيل الله أو قتل
فهو شهيد". (1) قال الحافظ: وهو حديث حسن.
وعلى هذا فلا ينبغي أن نُقلِّلَ من شأن طلب العلم، ولا من شأن الجهاد، ولا نُبرئ كل من كان في ساحتيهما مما قد يكن فيه من نقص، والعاقِلُ المنصِف يرى وينظر إلى الأشياء بعيني البصيرة في أحوال
الناس من جهة واقعهم، ومن جهة تطبيقه على الشريعة، وأن لا يحكم بعين العاطفة فقط؛ لأنَّ ذلك يخشى من الزَلل، ووفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س 82: سئل فضيلة الشيخ- رحمة الله-: هل تُكفِّرُ الشهادة في سبيل الله الذنوب
؟
فأجاب بقوله: الشهادة تُكفّر الذنوب إلاّ الدَّيْن، فإذا كان على الإنسان دين فإن الشهادة لا تكفره؛ لأنَّ دين الآدمي لابدَّ من وفائه،
(1) رواه سعيد ابن منصور في سننه، كتاب النكاح، باب ما جاء في الصداق، برقم (595) .
ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يكثر المال عنده ويفتح الله عليه؛ كان إذا قدم إليه الميت سأل: "أعليه دين "؟ فإن قالوا: لا، تقدَّمَ وصلَّى عليه، وإن قالوا: نعم، وليس عنده وفاء، لم يصلِّ عليه، وقال:"صلُّوا على صاحِبكم"(1) .
وهذا يدلُّ على أهمية الدَين وعِظَمِه، والناس الآن مع الأسف لا يهتمون به، تجد الإنسان يَستدين في أشياء تعتبر من كماليات الحياة لا من ضرورياتها، ولا من حاجياتها، بل من المكملات فيستدينُ، وربَّما يحل الدين ويستدين مرة أخرى، وهكذا حتى تتراكم عليه الديون وهو لا يبالي بذلك، كأنه لم يسمع قصة المرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني وهبت نفسي لك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يَحلُّ له أن يتزوج بالهبة خالصة له دون المؤمنين، ولكنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرغب فيها، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فَزوِّجنِيها، فطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم الصداق قال: ما عِندي إلا إزاري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن أعطيتَها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئاً"
فالتَمَسَ فلم يجد شيئا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"التمس ولو خاتمًا من حديد" فالتَمَسَ فلم يجد شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل معك شيءٌ
(1) انظر البخاري، كتاب الكفالة، باب من تكفل عن ميت ديناً فليس له أن يرجع، برقم (2295) ، ومسلم، كتاب الفرائض، باب من ترك مالاً فلورثته، برقم (1619) .
من القرآن؟ " قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " زَوَّجتكها بما معك من القرآن ". (1) ولم يقل: اذهب فاستقرض أو تَديَّن. وهذا يدلُّ على أنه لا ينبغي لنا أن نتهاون في مسألة الدين، فالشَّهيد إذا قُتِل في سبيل الله كفَّرت شهادته جميع ذنوبه إلا الدَين.
(1) انظر البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراءة عن ظهر قلب، برقم (5030) ، ومسلم، كتاب النكاح، باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها، برقم (1424) .
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى إخواني في الجزائر الذين مازالوا يحملون السلاح في الجبال والرمال وفقهم الله لما فيه الخير والصلاح.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
فإنَّ الواجب عليَّ أن أُبدى النصيحة لكم؛ لأنَّ ذلك من الدِّين، كما جاء في الحديث الصحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن "الدين النصيحة لله ولكتَابه وَلرسُولِه ولأئمَّة المسلمين وعَامَّتِهم ". (1)
فنصيحتي لكم أن تُلقوا السلاح وتحملوا السلام، وتُجيبوا ما دعت إليه الحكومة من المصالحة والسلام، ثم يجرى بين الجميع التفاهم وتَحكِيم الكتاب والسنة، وهذا سيكون فيه خيرٌ كثير
والخلاص من الفِتَنِ والقتال.
وهذا- أعنى- وضع السلاح وحمل السلام، واجبٌ على الجميع.
فالله الله أيَّها الأخوة بالمبادرة إلى المصالحَة والتفاهُم وأسال الله لنا ولكم التوفيق، وأن يجعلنا من دعاة الخير وأنصار الحق، إنه جوادٌ كريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى
(1) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، برقم (55) .
آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. كتبه الفقير إلى الله تعالى محمد بن صالح العثيمين في مكة المكرمة يوم الأربعاء السادس عشر من ذي الحجة عام 1420 هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم:.... أمير الجماعة
المسلحة في منطقة الجزائر حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن الله تعالى قال: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) . (1) وقال- عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . (2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كُونوا عباد الله إخوانًا"(3) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: "المسلم أخو المسلم "(4) .
ولقد مَنَّ الله تعالى على كثير من إخواننا في الجزائر، فألقوا السلاح وأطفئوا الفتنة، وحصل لهم وللشعب الجزائري خيرٌ كثير، وإنَّا
(1) سورة الأنفال، الآية:1.
(2)
سورة آل عمران، الآية:103.
(3)
رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، برقم (6065) .
ومسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم التحاسد والتباغض، برقم (2559) .
(4)
رواه البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم، برقم (2442) . ومسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، برقم (2580) .
لنرجو الله- عز وجل أن تكونوا- أيها الأمير- مثلهم عن قريب، والأمور التي فيها اختلافٌ بينكم يمكن حلها بالطُرُقِ السلمية والتفاهم، وسيتمُّ ذلك إن شاء الله مع نية الإصلاح وسلوك الطريق الموصل إلى ذلك، قال الله تعالى في الحَكَمين في شِقَاق الزوجين (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) . (1) آمل منكم أيُّها الأمير أن تُبادِروا بالإصلاح ووضح السلاح، وفقكم الله للخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/محمد الصالح العثيمين يوم الجمعة 14 ربيع الأول سنة
1421 هـ عنيزة/الجامع الكبير.
(1) سورة النساء، الآية:35.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نَبيِّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
إلى فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فهذا ما يَسَّر الله- عز وجل لنا نَقلِه مما سَجَّلنا من المكالمة الهاتفية، نرجو جزاكم الله خير الجزاء مراجعته وتعديل ما يحتاج إلى تعديل، ومن ثم إرساله لنا لنشره على الإخوة هنا (1) ، لعل الله جلَّ
وعلا أن ينفع بذلك عباده الصالحين.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
* السؤال الأول: فإنه لما كَثُرَ الجَدَلُ بين المسلمين بسبب الأزمة الأخيرة التي أصيب بها المسلمون، واستفسار كثير منهم بما يتعلق بفتوى بعض العلماء بجواز دخول القوات الأجنبية إلى الأراضي
السعودية، ومن باب الحرص على إظهار الحق، وكشف الشبه
(1) في أمريكا وقد عرضت على الشيخ- رحمه الله في كتاب واحد مشتمل على عدد من الأسئلة.
واللَّبس فقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين عن طريق الهاتف بالسؤال التالي-: كثيرٌ من المسلمين يسألون عن شرعية الفتوى المتعلقة بالتواجد الأجنبي في الأراضي الإسلامية في الجزيرة
العربية؟ وعن اعتماد العلماء بفتواهم هذه؟
فأجاب بقوله: اعتماد العلماء بفتواهم هذه، على القاعدة المعروفة المشهورة لأهل العلم، والتي دلَّ عليها كتاب الله سبحانه وتعالى، وهو اتقاء أشد الضررين بأخفهما، فإن العلماء لما رَأوا ما حصل
للكويت، قالوا: إن هذا الذي حصل للكويت يخشى أن يحصل مثله على السعودية، فالضرر الحاصل به أعظم من الضرر الحاصل بالاستعانة بالكفار، ثم إن هناك تأكيدات نسأل الله أن تحقق، وهى
أن هؤلاء الكفار سيرحلون عن البلاد بمجرد ما يزول الخطر، فمن ثم قالوا: إننا ندفع أشدَّ الضررين بأخفهما، وليس هذا من باب الاستعانة التي تكلَّم عليها أهل العلم، بحيث يستعين الجيش المكوَّن
من عدد كثير برجل أو رجلين من الكفار؛ لأن الاستعانة- أعنى ما تكَّلم عليه أهل العلم-، قد لا تصل إلى الحد الذي وصلت إليه الحال فيما استند إليه العلماء بفتواهم.
أما أن هذه الفتوى حصل بها فتنة، وكل تكلم، فهذه هي سُنَّة الفِتَن أن كل واحد يتكلَّم، وأن الناس يكون عندهم هوى يَعصِفُ
بالعقول، فينظرون إلى جهة بعين ويعمون عن الجهة الأخرى، فينظرون إلى الواقع بعين أعور، لا يرى إلا من جانب واحد.
وإلا فإن الواجب أن العاقل ينظر إلى الحدث من جميع جوانبه، ولا شك أن كل مؤمن بالله ورسوله، لا يحب أن يرى كافرًا في الجزيرة العربية ولو كان كنَّاسًا في البلدية، فكيف يرضى أن يكون
هذه الجيوش العظيمة بأسلحتها وعتَادها في الجزيرة العربية! ولكن كما يقول الأول:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركبًا فما حيلة المضطر إلا ركوبها فالعلماء رأوا ما أسلفت من أن وجود هؤلاء من باب اتقاء أشَدِّ الضررين بأخفهما.
والله سبحانه وتعالى قال في كتابه (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)(1) .
فنهى سبحانه عن سَبَّ آلهة المشركين، خوفًا من أن يحصل منهم سب لله- عز وجل، مع أن سَبَّ آلهة المشركين لا شك أنه قربى ومأمور به، لكن لما كان يفضي إلى شر عظيم، كان السكوتُ عنه
أولى، وكذلك في الحديث الذي رواه البخاري، قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على
(1) سورة الأنعام، الآية:108.
قواعد إبراهيم وجعلت لها بابين، بابًا يدخل منه الناس وبابًا يخرجون منه " (1) ، لكنه ترك هذا مع ما فيه من المصلحة، من أجل أن القوم حديثو عهد بكفر.
على كل حال نسأل الله أن يجلو هذه الغُمَّه، وأن يبعد الكفار عنَّا وعن بلادنا، وأن يرزقنا القوة الذاتية بإيماننا بالله وامتثالنا لأمره، وأن يجعل في شبابنا خيرًا.
* السؤال الثاني: يا شيخ أحسن الله إليكم-: هناك ضَرَران، الأول غزو العراق للسعودية، وحصول ما حصل في الكويت، ولَعَلَّ كثيرًا من المسلمين أدركوا ما حلَّ بكثير من النشاطات الإسلامية من جمود بعد هذا الغزو، وأن الكويت رغم ما فيه، إلا أننا لا ننسى مكانة الدعاة وأهل الخير فيها، ومناصرتهم لقضايا الإسلام والمسلمين في كل مكان، وحُرِّية قول الحق فيها، ولكن كل هذا توقف بسبب الغزو، ومثل ذلك كان سيحدث للسعودية، بل وأكثر من ذلك ما هو واقع الآن للعراق ومن قبل، والمُشَاهِدُ لواقع الدُّعاة والمسلمين في العراق يُدرك هذا، لكن يا شيخ- أحسن الله
إليكم- كثير من المسلمين يردِّدُ أن هذا ظن، ولم يكن سيقع، أقصد
(1) رواه البخاري، كتاب العلم، باب من ترك بعض الاختيار، برقم (126) ، ومسلم، كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها، برقم (1333)(402) .
غزو العراق للسعودية، فكيف نعالج ذلك الظن بالاستعانة بالمشركين، وخصوصًا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنا لا نستعين بمشرك (1) ؟
الجواب: كما أسلفت أن ذلك ليس من باب الاستعانة بالمشركين التي ذكرها العلماء، ولو أن هجوم العراق على السعودية كان ممتنعًا بالأدلِّة والبراهين المعقولة، لكان وجود الكفار على هذا حرامًا ولا
يجوز، ولكن لما كان الأمر- أي هجوم العراق على السعودية- يكاد يكون محققًا، والقول بأنه ظنٌّ غير صحيح والواقع يكذِّبه؛ لأنه ما الذي يمنعهم من هذا وقد فعلوه في الكويت من قبل.
فالحاصل أنَّ غالب الظنِّ أنَّهم كانوا ينوون الهجوم، وعلى ذلك كان اعتماد العلماء بفتواهم بجواز السماح للقوات بالدخول، وهذا من باب دفع أشد الضررين بأخفهما كما قلت لك، أما لو تيقنَّا أنه
ليس يهاجم السعودية فلا شكَّ أن دخولهم على هذا الوجه حرام، ولا يجوز أن يمكنوا من أرضنا لما في ذلك من الخطر على بلادنا وعلى ديننا، ولكن كما قلت لك إن العلماء نظروا بحسب ما بلغهم أن الأمر يغلب على الظنِّ أنه سيكون الهجوم.
(1) رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كراهية الاستعانة في الغزو بكافر، برقم (1817) .
* السؤال الثالث: لكن يا شيخ، كما ذكرت لك أن هناك من العلماء من يرى أن هجوم العراق ظن ولهذا لا تجوز الفتوى بالسماح، وأذكر أننا قمنا بالاتصال بالعلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، فهو
يرى أن الهجوم لازال محل ظن ولم يكن واقعًا، فهل ترى أن عمدة هؤلاء العلماء في فتواهم بعدم السماح للقوات الأجنبية المشركة بالتواجد في السعودية هو أن هجوم العراق كان ظناً ولم يكن واقعًا؟
الجواب: أنا سمعت أشرطة للشيخ ناصر، وهو يقول: إنه لو حصل الهجوم فعلاً على السعودية عندها نقول: لا بأس بالاستعانة، ولكن الواقع أن ذلك غير متصور؛ لأنه إذا حصل الهجوم صعبت
جدًّا المقاومة والإخراج وعندها ستكون المصيبة أكبر والفتنه أعظم.
* السؤال الرابع: ألا يمكن أن نقول أن المسألة- وإن كانت ظناً-، فالواجب على المسلمين أن لا يدعوه للظن، وأن يحتاطوا للأمر وخصوصًا أن المسألة عظيمة كهذه والفتنة عظيمة بعد الوقوع؟
الجواب: هذا القول ممكن، بل هو الحزم؛ لأن دفع الشر قبل وقوعه أهْوَنُ من رفعه. فما ظنك لو استولى العراق على المملكة فماذا يحصل من الفتنة؟ أعظم من فتن هؤلاء.
* السؤال الخامس: ما رأيكم فيمن يرى فتنة العراق أقل ضررًا من الأمريكان؟
الجواب: من رأى ذلك، فهل رآه عن تصور وتعقل أم لمجرد هوى؟ ثم كيف يقول بهذه الرؤية مع أن الواقع يكذبها؛ لأن الأمريكان لا يمكن أن يتمركزوا هنا لأسباب داخلية وخارجية، فإن السعوديين لا يمكن أن يبقوهم إذا انتهت الأزمة، ولكن لو استولت الحكومة العراقية لا أحد يقول لها: اخرجي؛ لأنها مثلاً دولة عربية من جنس العرب، وما أكثر القوميين وأصحاب الجهل في بلادنا
الإسلامية!! لذلك لا أحد يقاومها.
وعلى أية حال. وإن اختلفت الأنظار، وادعى مدعٍ أن وجود هؤلاء أشدُّ ضررًا من الحكومة العراقية فلننظر للواقع، إن الإنسان يجب عليه أن يتقي الله- عز وجل وأن لا يتكلم إلا بكلمة يعلم أن لها جوابًا عند الله صحيحًا، فالواجبُ على المسلم أن ينظر إلى الأحداث من جميع الجوانب، فإذا أنكر وجود القوات الأجنبية في الجزيرة العربية فلينكر ما حصل على أهل الكويت من الظلم
والعدوان، وإخراجهم من ديارهم وأموالهم، وقتل من قتل منهم، وهلاك من هرب منهم من أطفال وكبار، أما التركيز على جانب أحد الأمرين دون الأخر، فهذا خطأ، وليس هذا من العدل، يقول
الله- عز وجل في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)(1) .
(1) سورة النساء، الآية:135.
ويقول في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)(1) .
نحن نبغض كل كافر، ولكن لا يمنعنا هذا البغض من أن نقول العدل، فالإخوة الذين يبغضون الكفار هم مُصيبون في هذا، لكن يجب مع كراهتهم لهم أن يقولوا العدل، فلا يقفون على جانب،
ويجعلوه المشكلة كلها وينسون الأصل والسبب، فنصيحتي للإخوة إذا طالبوا بإخراج القوات الأجنبية من بلاد السلمين، أن يطالبوا بِرَدِّ الحقوق إلى أهلها بالنسبة للكويتيين، ويطالبوا أيضًا دولة الكويت بالرجوع إلى تحكيم الكتاب والسنة، ويُبيّنوا لها أن ما أصابها فهو بسبب الذنوب والمعاصي وتعدي الحدود، وأن هذا مصير كل من لم يحكم شرع الله في بلاده.
والله عز وجل يقول: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ)(2) ويقول جل وعلا: في سورة آل عمران: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
(1) سورة المائدة، الآية:8.
(2)
سورة الزخرف، الآية:76.
قَدِيرٌ) (1) .
والسعوديون يقولون: إنه بمجرد انتهاء الأزمة سوف يرحل الكفار عن البلاد. نسأل الله تعالى أق يحقق ذلك.
* السؤال السادس: يا شيخ أحسن الله إليكم، هنا في الصحافة الأمريكية تأكيدات بِنيَّة الهجوم على العراق لردعه وإخراجه من الكويت، فما رأيكم في هذا؟
فأجاب بقوله: أنا أرى أن هذا عظيم، عظيم جدًّا؛ لأن القضاء على قوة العراق والتي ليست ملكًا لصدام، فيه خسارة عظيمة من جهات متعددة، فالمسألة خطيرة جدًّا، لكن الواجب على العراق أن
يتقى الله- عز وجل، وأن يَدفَعَ الشر والأذى بِرَدِّ الحقوق إلى أهلها، ولا شكَّ أن الكويتيين الآن لن ينظروا إلى الأمر كما كانوا ينظرون إليه من قبل.
* السؤال السابع: هل لكم يا شيخ أن تقدموا للإخوة المسلمين نصيحة، لَعلَّ الله ينفعهم بها؟
فأجاب بقوله: أنا أودُّ من الإخوة المسلمين أن لا يركزوا على مسألة القوات هنا فحسب، بل يركزوا عليها وعلى الظلم الذي وقع بأهل الكويت، ويجب أيضًا أن يبِّينُوا أنه يجب على الحكومات
(1) سورة آل عمران، الآية:165.
الإسلامية ومن بينها حكومة الكويت والعراق وجميع البلاد الإسلامية أن يرجعوا حقيقةً إلى كتاب الله- عز وجل وأن يُحكِّموا الشريعة في عباد الله، وأن يسعوا لتحقيق الخلافة الراشدة التي يتم
من خلالها توحيد البلاد الإسلامية على شريعة الله، وليس على غيرها من الشعارات البائدة والأحزاب البائسة. والله المستعان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد أعطاني الأخ (.....................) كتابًا موجهًا منه بتاريخ 27/1/1411 هـ إلى من يراه من علماء المسلمين يقول فيه:
أنه اطلع على ما وقَّعَ عليه العلماء الأفاضل منهم: الشيخ محمد بن عثيمين وابن باز وصالح الفوزان- حفظهم الله- وأن ما فعله إمام المسلمين من الاستعانة بالنصارى لحماية المسلمين وديارهم، وهذا قد علمناه منهم وتَعليمهم لنا أن الصُّلح مع الكفار والمشركين والنصارى
وغيرهم، شيءٌ يختلف عن الاستعانة بهم لحماية المسلمين وديارهم، وطلب تفصيلاً للأدلَّة التي استند عليها العلماء للاستعانة بالنصارى، وكيفية الجمع بينها وبين الآيات المحكمة في كتاب الله العظيم، منها قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ)(1) .
ومنها قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا)(2) . وهاتان الآيتان مدنيتان.
(1) سورة الممتحنة، الآية:1.
(2)
سورة آل عمران، الآية:118.
والجواب: أن ههنا ثلاث حقائق يجب مَعرفَتُهَا:
الحقيقة الأولى: اتخاذ الكفار أولياء يتولاهم المسلم ويعينهم ويناصرهم، وهذه لا شكٌ في تحريمها، وأنهما من كبائر الذنوب، لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) (1) .
ثم إن كانت الموالاة للكفار على المسلمين الذين هم مسلمون حقيقة، فهي رِدَّةٌ عن الإسلام، فيكون المُوَالي بها كافراً مرتدًّا؛ لأنه موالٍ للكافرين ظاهرًا وباطنًا محاربٌ لشريعة الله تعالى.
مثال ذلك: أن يحصل حرب بين أمة كافرة وأمة مسلمة، فيذهب مع الأمة الكافرة يعينها على الأمة المسلمة.
وإن كانت الموالاة لكفار على كفار فهذه حرام بلا شك لمناصرة الكفار وموالاتهم ظاهراً، وفى كونها ردة عن الإسلام نظر؛ لأنه ربما يناصر هؤلاء على هؤلاء لكون أولئك أهون شرًا على المسلمين؛ وأقل خطراً على دينهم لا لمحبته لظهورهم وانتصارهم على الإطلاق. وقد قال الله تعالى:(الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ
(1) سورة المائدة، الآيتان: 51- 52.
وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ) (1) .
مثال ذلك: أن يقتتل طائفتان من الكفار فيناصر أحداهما على الأخرى، وليس من موالاة الكفار أن يناصرونا على عدو لنا؛ لأننا لم نتخذهم أولياء بل هم الذين والوا ونصروا ولكن هذه من الحقيقة
الثانية.
الحقيقة الثانية: الاستعانة بالكفار على عدو لنا نقاتله قتال طلب، وهذه في الأصل حرام؛ لأن الكفار أعداء المسلمين كما هم أعداء الله تعالى، فلا يُؤمَنُ شرهم ولا يُطْمَأَنُّ إلى ظاهرهم، ولما رواه مسلم عن عائشة- رضي الله عنها قالت: " خَرَجَ النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان
بِحرَّةِ الوَبَرَةِ أدركه رجل، قد كان يذكر منه جرأة ونجدةٌ، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جِئتُ لأَتَّبِعكَ وأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " تُؤمنُ بِالله ورسُوله؟ " قال: لا، قال:" فارجعْ، فلن أستعين بمشرك ". قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل، قال له كما قال أول مرة.
قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك ". قالت: ثم رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة: "تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: نعم، فقال له
(1) سورة الروم، الآيات: 1-5.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فانطَلِق "(1) ، فهذا الرجل رَدَّهُ النبي صلى الله عليه وسلم مرتين حين بقي على الشرك، وقَبِلَهُ في الثالثة حين قال: إنه يؤمن بالله واليوم الآخر.
ولكن إذا دعت الضرورة إلى الاستعانة به أي: (بالكافر) ، وكان مأمونًا فلا بأس بذلك، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة- رضي الله عنها قالت:" واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بنى الديل هاديًا خِرِّيتا وهو على دين كفار قريش، فأمناهُ فدفعا إليه راحلتيهما، وواعدَاهُ غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ "(2) ، واسم الرجل هذا عَبد الله بن أُرَيْقط، والخِرِّيت الماهرُ في الدلالة.
ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان به على أن يدله الطريق لينجو من أعدائه قريش مع خطورة الموقف؛ لأن قريشاً كانت تطلبه وقد جعلت مئتي بعير لمن أتى به وأبا بكر.
واستدل ابن القيم- رحمه الله بما جاء في قصة صلح الحديبية في شأن بُدَيل بن وَرْقاءَ الخُزاعيّ، (3) فقال في سِياقِ ما يستفاد من قصة الحديبية من الفوائد الفقهية (3/301) ، (ط مؤسسة الرسالة التي
(1) رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كراهية الاستعانة في الغزو بكافر برقم (1817) .
(2)
رواه البخاري، كتاب الإجازة، باب استئجار المشركين عند الضرورة، بر قم (2263) .
(3)
انظر صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، برقم (2732) .
عليها تعليق الأرناؤوط) . ومنها أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزةٌ عند الحاجة، لأن عينه الخُزاعي كان كافرًا إذ ذاك، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخبارهم، ا. هـ.
وقد نصّ على ذلك أهل العلم في: " المُغني "؛ لابن قُدامة، (8/414)، (ط دار المنار) : ولا يُستَعان بمشرك، وبهذا قال ابن المنذر والجوزجاني وجماعة من أهل العلم، وعن أحمد ما يدل على جواز
الاستعانة به، وكلام الخِرَقي يدل عليه أيضًا عند الحاجة، وهو مذهب الشافعي، لحديث الزهري الذي ذكرناه وخبر صفوان ابن أُميَّة: [خبر الزهري "أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأّسهَم لهم"(1) . رواه سعيد في سننه. وروي: "أنَّ صفوان بن أُميَّة
خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو على شركه فأسهم له وأعطاه من سهم المؤلفة"] (2) .
هكذا ذكرهما المؤلف، قال: ويشترط أن يكون من يستعينُ به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم تجز الاستعانة به، ا. هـ.
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، كتاب الجهاد، باب من غزا بالمشركين وأسهم لهم، (395، 12) .
(2)
رواه البيهقي في سننه، كتاب الصدقات، باب من يعطى من المؤلفة قلوبهم من سهم المصالح، جاء أن يسلم، (7.18) .
وفى " المهذَّب "؛ للشِّيرَازي (18/68) ، (ط المكتبة العالمية) .
"ولا نستعين بالكفار من غير حاجة، ثم استدلَّ له بحديث عائشة- رضي الله عنها ثم قال: فإن احتاج أن يستعين بهم فإن لم يكن من يستعين به حسن الرأي في المسلمين لم نستعن به؛ لأنَّ ما
يُخاف من الضرر بحضورهم أكثر مما يرجى من المنفعة، وإن كان حسن الرأي في المسلمين جاز أن يستعين بهم؛ لأن صفوانُ بن أُمَّية شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم في شركه حرب هوازن، ثم قال: وإن احتاج إلى أن يستأجرهم جاز؛ لأنه لا يقع الجهاد له، وذكر في الشرح أنَّه إذ دَعَت إلى ذلك حاجة، كأن يكون في المسلمين قلَّة، ومن يستعين بهم من الكفار يعلم منه حسن نيته في المسلمين، جاز له أن يستعين به.
ثم استدل لذلك بما رواه ابن عبد البر في "الاستيعاب "، وابن سعد في "الطبقات "، ومالك في "الموطأ" عن ابن شهاب وابن إسحاق، عن أبي جعفر محمد بن على في قصة صفوان ورجوعه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح وشهوده حنينا، والطائف وهو كافر. وفى (ص 166) من الجزء المذكور، وإن حضر مشركٌ مع المسلمين في القتال بغير إذن الإمام، لم يُسهم له ولم يرضخ له؛ لأن ضرره أعظم من ضرر المخذل والمرجف بالمسلمين، وإن حضر بإذن الإمام رضخ له ولم يسهم له، وهو قول العلماء كافة إلا الأوزاعي فإنه قال:"يسهم له ". أ. هـ.
الحقيقة الثالثة: الاستعانة بهم في الدفاع عن البلد إذا اضطر المسلمون إليهم، وهذا أولى بالجواز من الأول، بل قد يكون مطلوبًا على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب حسب خطر المهاجم
ولهذا قال أهل العلم: "إن الجهاد في هذه الحال فرض عين يجب حتى على النساء والشيوخ والصبيان القادرين ". وقد قال الله تعالى (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)(1) فأمر بقتل من قاتلنا في المسجد الحرام مع أن القتال عنده حرام، لكن الدفاع له شأن آخر.
ولكن متى قلنا بجواز الاستعانة بهم في حال الضرورة، فإن الواجب أن تَتَقَدَّر بقدرِها، وأن يرحلوا عن البلد من حين الاستغناء عنهم؛ لأن بقاءهم في الجيش، جيش السلمين، يؤدي يقينا أو ظنًا
غالبًا إلى فساد كبير، لاسيَّما مع كثرتهم وشعورهم، أو إعطائهم الشعور بأنهم المنقِذُون الحامون وأنهم أبطالُ المعركة، فإن هذا يؤدي إلى عُلوِّهم واستكبارهم واستعبادهم الجيش الإسلامي ومن وراءه، مع أن الواجب على الجيش الإسلامي أن يكون قويًّا بدينه، لا يلحقه
وهن ولا ضعف ولا ذل إلا لله تعالى وحده، قال الله تعالى:(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(2) وقال الله تعالى: (فَلَا
(1) سورة البقرة، الآية:191.
(2)
سورة آل عمران، الآية:139.
تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (1) .
وعلى الجيش الإسلامي أن يُعدَّ العُدَّةَ المعنوية الروحية والعدة الحسية المادية؛ لأن الله تعالى بيَّن أن فقدان العُدَّة المعنوية الروحية سبب للخِذلان والهزيمة، حيث كانت الهزيمة في أُحد حين وقعت
المعصية من الرماة، وكانت الهزيمة في حُنين حين أساء بعضهم الاعتماد على الله واعتمدوا على كثرتهم، وقالوا: لن نغلب اليوم عن قلة (2) . فهذا هو الإعداد الروحي المعنوي.
أما الحسي المادي فقد قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)(3) . والقوة: الرمي.
أسأل الله تعالى أن يحمي دينه من أعدائه، وأن يُهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه الفقير إلى الله تعالى محمد الصالح العثيمين في 12/2/1411 هـ.
(1) سورة محمد، الآية:35.
(2)
رواه أبو عوانة في مسنده، كتاب الجهاد، بيان محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين يوم حنين، برقم (6754) .
(3)
سورة الأنفال، الآية:60.
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة حول التفجير الواقع بمدينة الرياض
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإننا في مساء أمس الأول، الاثنين العشرين من شهر جمادى الآخرة من عام 1416 هـ، سمعنا نبأ العدوان الآثم، الواقع هذا اليوم، ممن لا يخافون الله، ولا يرحمون عباد الله، حيث وضعوا
متفجرات، في أحد شوارع الرياض، مما أدى إلى قتل النفوس بغير حق، وجرح الأبرياء العزل، وإتلاف بعض الأموال، وهدم بعض البيوت، ولاشك أن هذا عدوان آثم، لا يقره دين ولا عقل، ولا عرف.
أما الدين: فإنه مناف لا جاءت به النصوص القرآنية والنبوية، من تحريم قتل النفس بغير حق، وإتلاف الأموال ظلماً وعدواناً قال الله تبارك تعالى:(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)(1)، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
(1) سورة الأعراف الآية: 33.
آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) (1)، وقال تعالى:(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)(2) .
أما السنة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعلن في حجة الوداع في أكبر مجمع يجتمع فيه بالمسلمين فقال: "إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم اشهد"(3) وقال صلى الله عليه وسلم: "أكبر الكبائر الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس "(4) وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"(ْ) والأحاديث في هذا كثيرة.
أما العقل: فمخالفة هذه الجريمة له أمر معلوم، فما الذي أباح لهذا المعتدي الآثم، أن يعتدي على قوم آمنين، بهذا العدوان الشامل، الذي راح بسببه أنفس، ما بين قتيل، وجريح، وتهدم فيه بناء،
(1) سورة الفرقان الآية: 68- 69.
(2)
سورة الإسراء الآية: 33.
(3)
رواه البخاري/كتاب العلم/باب يبلغ الشاهد الغائب برقم (105) .
(4)
رواه البخاري/كتاب الشهادات برقم (2510) .
(5)
رواه البخاري/كتاب الديات برقم (6469) .
وضاعت فيه أموال، بأي كتاب، أم بأية سنة، أم بأي عقل، يحل له ذلك؟.
وأما مخالفة ذلك للعرف: فإن جميع المواطنين، ينكرون ذلك غاية الإنكار، ولا يقرونه، ولاسيما بهذا البلد الآمن، الذي هو محط أنظار الناس في التزامه، ومحافظته، والله يعلم أننا لا نعلم في العالم بلادًا
أقوى تمسكا منه في العقيدة السليمة، وإقامة شعائر الدين، وشرائعه، ولكن الأمر حصل بمقتضى حكمة الله، وسنته في خلقه ابتلاءاً وامتحاناً قال تبارك وتعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)(1) وأننا واثقون بالله وعونه وتوفيقه، أن يرد كيد المجرمين في نحورهم، وأن يفسد عليهم أمرهم، وأن يجعلهم نكالاً لما بين أيديهم وما خلفهم، قال سبحانه
وتعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ولله عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (2) ، كما أننا واثقون بأن الله لن يصلح أعمالهم هذه؛ لأنها من الفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد، ولا يصلح عمل المفسدين، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَاصْبِرْ إِنَّ
(1) سورة الفرقان الآية: 31.
(2)
سورة الحج الآية: 40.
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (1) .
أسال الله تعالى أن يقطع دابر المفسدين، ويجعل كيدهم في نحورهم، وتدميرهم في تدبيرهم، إنه ولى ذلك والقادر عليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(1) سورة هود الآية: 49.