الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتراجع محمد عن ممارسة هذه الأفعال السياسية مادام يعتبر أن القيادة (السياسية) أمر كلفه الله به.
(ج) أفعال معارضى محمد
كانت المعارضة الكلامية أو القولية هى المكون الأساسى لصورة المعارضة ضد محمد كما بينها القران الكريم، لكن كانت هناك أيضا مادة كافية تبين أن المعارضين قد مارسوا الفعل كما مارسوا القول. حقيقة ليس لدينا وصف كامل لما فعلوه لكن غالب ما وصلنا اشارات لمؤامرات، وغالبا ما يتعرض القران الكريم لأفعال أعداء محمد بكلمتى:
(الكيد)«84» و (المكر)«85» وتبدو كلمة (الكيد) قد استخدمت قبل كلمة (المكر) . ويبدو أنه لا اعتراض على أن هاتين الكلمتين تشيران فى القران الكريم (فى الايات المكية) الى مؤامرات المعارضة التى أشرنا اليها فى القسم السابق من هذا الفصل، خاصة المؤامرات السياسية والاقتصادية التى بلغت ذروتها فى مقاطعة عشيرتى هشام والمطلب. وكانت استجابة القران لهذا (المقاطعة) هو حث محمد صلى الله عليه وسلم على الصبر وأن ينتظر حكم الله «86» فالله سيحبط مؤامراتهم الماكرة كما أحبط أفعال أصحاب الفيل «87» ، لقد أخبر الله محمدا صلى الله عليه وسلم فيما مضى- أن يتحمل ايذاءهم القولى له بصبر «88» ، وكان النحلى بالصبر اتجاها واضحا يتصف بالحكمة فى مكة. وقد شجعت قصص الأنبياء المسلمين على الاحتمال والصبر بتبيان كيف عاقب الله الذين لم يصدقوا أنبياءهم الذين أرسلهم الله لهم، وكيف أن الله تولى أنبياءه ومن آمنوا برسالاتهم. وربما جرى التركيز على العقاب الانى (الحالى) باعتباره منفصلا عن العقاب الأبدى (الاخروى) كرد فعل أو كاستجابة للأفعال العدوانية (الأفعال وليس الأقوال) للمعارضة. من المؤكد أن
(84) 68/ 15-، 52/ 42، 37/ 96.. الخ.
(85)
34/ 3، 13/ 52.
(86)
76/ 24، 86/ 17، 73/ 11.
(87)
السورة 105.
(88)
73/ 10، 50/ 38، 20/ 130.
الفكرة قد انبثقت بشكل طبيعى من خلال هذا السياق (أو من خلال هذه الظروف) ، فالمتامر حاقت به مؤامرته (وقع فى شرك نصبه لغيره) أو بتعبير اخر لقد ارتد الى صدره السهم الذى أطلقه على غيره، وقد فشلت المؤامرة بفضل الله، فكان التراجع الذى حاق (بالدعوة الاسلامية) مؤقتا.
وثمة مثال أكثر وضوحا للنشاط المعادى ضد الاسلام هو منع العبد من أداء الصلاة «89» . ولان كلمة العبد قد تعنى مجرد (الخادم) ، كما قد تعنى أيضا أبعادا أخرى باضافتها الى الله سبحانه (عبد الله) فقد تشير الاية التى تضمنت ذلك الى محمد صلى الله عليه وسلم نفسه، وقد تعنى كلمة عبد- على اية حال- ما يفيد الرق، لان هؤلاء الرقيق من المسلمين كانوا أقل الناس تأثيرا فى مجتمعهم الجديد، وبالتالى كانوا عرضه للمعاناة أكثر من غيرهم. وقصة أصحاب الأخدود «90» تشير تقليديا الى غواية مسيحيى نجران واضطهادهم، وان كانت هذه الحكاية صحيحة فربما كانت تعكس أوضاع الاضطهاد فى مكة، لكن الباحثين الغربيين يميلون الان الى النظر لهذه الاية باعتبارها وصفا للجحيم. ومن المؤكد أن هذه الاية فى حد ذاتها لا تقوم كدليل على طبيعة اضطهاد المسلمين فى مكة. والاية المدنية «91» التى تتحدث عن المسلمين الذين هاجروا بعد تعرضهم للفتنة، لا تعنى أكثر من تعرضهم للكيد بالاضافة للضغوط الأسرية. وعلى أية حال، فان مفتتح سورة القلم «92» يبدو وكأنه يبين نوعا من محاولات استدراج محمد صلى الله عليه وسلم للوقوع فى نوع من التسوية؛ خاصة عندما تشير الايات الى أن المشركين ودوا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم مخادعا يظهر غير ما يبطن فيفعلوا مثله (ودوا لو تدهن فيدهنون) السورة 68 (القلم) ، الاية 9.
وكان الله يشد من أزره لرفض عروض أعدائه «93» وعدم الرضوخ لتهديداتهم. وثمة ايات تشير- وفقا للتفسير التقليدى- لرفض ايات
(89) 96/ 9.
(90)
85/ 1- 7.
(91)
16/ 111.
(92)
68/ 9.
(93)
96/ 19، 76/ 24
…
الخ.
الغرانيق رغم أنه يمكن اعتبارها مشيرة لبعض المناسبات الاخرى، حتى المناسبات المدنية منها- نوضح أن عروض المشركين لتسويات أو أمور وسط، كانت تشكل تهديدا حقيقيا للدعوة:
(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا (74) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75)) السورة 17 (الاسراء)«94» .
انه لمن الصعب- وان لم يكن من المستحيل- أن نرى كيف أن رفض شخص للهداية عند سماعه للقران يمكن أن يكون دليلا صحيحا ضد أعداء محمد صلى الله عليه وسلم «95» ؛ لذا فيمكن للمرء أن يجرب أن يتخيل أن الاية قد تشير لنوع من المعارضة بين المؤمنين برسالة محمد أو بين المرتدين (الذين أسلموا ثم تركوا الاسلام، والمقصود على عهد الرسول لا بين من عرفوا- تجاوزا- بعد ذلك بالمرتدين أيام أبى بكر الصديق رضى الله عنه) . واذا كانت الايات التى تتحدث عن الذين لا يؤدون الزكاة على أنهم مكيون، فربما كانوا هم المقصودين بهذا «96» . ان استخلاصنا لحقيقة أو برهان فيما يتعلق بهذه النقطة من القران الكريم أمر مشكوك فيه الى حد ما.
وبشكل عام، فان الأدلة المستقاة من القران الكريم تميل الى تأكيد الصورة التى استقيناها من المصادر التاريخية التقليدية. فالنقد الكلامى والنزاع الجدلى كانا هما- فيما يبدو- الملمح الرئيسى للمعارضة التى شنها أتباع محمد صلى الله عليه وسلم. فالنشاط المعادى الأساسى كان يطلق عليه اسم (الكيد) و (المكر) وهى كلمات تعنى حبك المؤامرات باستخدام حدة
(94) أوردنا نص الايات التى أشار لها المؤلف بالأرقام فى المتن.
(95)
84/ 21-
(96)
36/ 47، 41/ 6 وهى ايات مدنية وفقا لما جاء فى Bell ،translation of the Quran.: