الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدثت أثناء حرب الفجار ربما كانت علامات على ضعف العقيدة «1» .
وفى الأزمة التى مرت بأهل مكة فى غزوة أحد أخذ أبو سفيان الالهتين اللات والعزى معه الى المعركة ضد المسلمين، وهذا يذكرنا ببنى اسرائيل عندما كانوا يأخذون التابوت معهم فى معاركهم، ويوحى بأن بقايا المعتقدات الوثنية فى شبه الجزيرة العربية قد انحطت الى مستوى السحر.
وبهذا المعنى يبدو أن الكثير من الطقوس القديمة قد بقيت، ولكن يمكن اعتبارها مجرد خرافة وليست دينا.
(ب)«الانسانية القبلية»
فى مقابل الدين القديم هناك ما يمكن أن نسميه «الانسانية القبلية» ، وقد كانت هذه الانسانية القبلية هى الدين المؤثر عند العرب فى زمان محمد عليه الصلاة والسلام ، بالرغم من أنها كانت أيضا فى تدهور. وهذا هو الدين الذى نجده فى أشعار الجاهلية. فبالنسبة للشعراء، كان ما يجعل للحياة معنى هو الانتماء الى قبيلة تستطيع أن تتفاخر بالأعمال الفذة التى تتطلب الشجاعة والكرم والمشاركة فيها بنفسه، فمن وجهة النظر هذه، فان تحقيق التفوق الانسانى بالعمل هو هدف فى حد ذاته، وفى الوقت نفسه غالبا ما كان يساهم فى بقاء القبيلة، وهو الهدف الاخر العظيم من أهداف الحياة. هذه هى «الانسانية القبلية» بمعنى أن أهميتها تأتى أساسا من القيم الانسانية أو من القوة أو من سلوك الرجال. ولكنها تختلف عن معظم الفلسفات الانسانية الحديثة، فى أنها تعتبر القبيلة وليس الفرد محل هذه القيم.
وسنرى (فى الفصل الثالث) أنه بينما لم يهاجم القران فى آياته الأولى الوثنية القديمة، فقد قاوم هذه الفلسفة الانسانية فى مظهرها الدينى، ومن ذلك يجب تمييز المفهوم الأخلاقى للانسانية، أو المثل الأعلى الأخلاقى الذى احترمه القران بصفة عامة.
(1) كلمة الفجار مشتقة من الفجر وهو منتهى الاجرام، وقد أطلق العرب هذه التسمية على هذه الحرب لما حدث فيها من انتهاكات للمقدسات ومنها الأشهر الحرم.
بينما كان الايمان بالشرف وامتياز القبيلة هو محور الحياة البدوية، فقد كانت هناك خلفية فكرية لهذا الاعتقاد تستحق الملاحظة. فايمان العرب بالقضاء والقدر مشهور، ولكن يبدو أنه ايمان محدود، فانهم لا يعتقدون أن جميع أعمال الانسان مقدورة عليه وانما فقط بعض أمور حياته. ولقد ذكرت فى موضع اخر أننا نجد فى بعض الأحاديث المعترف بها أفكارا جاهلية فى ثوب اسلامى، وبصفة خاصة الأمور التى كانت تنسب الى الدهر أو القدر أصبحت تنسب الى الله بشكل مباشر أو غير مباشر.
فاذا كان الأمر كذلك، فان الأمور الأربعة التى تنحصر داخلها الحياة الانسانية فى حدود ضيقة بالقضاء والقدر هى: الرزق والأجل وجنس الطفل وسعادته أو شقاؤه، ولم يكن ذلك دينا، فان القدر لم يكن معبودا، بل كان نوعا من العلم لأنه كان أساسا اقرارا بحقائق، ففى ظروف المعيشة فى الصحراء، تكون الأمور التى ذكرناها وراء قدرة عقل الانسان وحكمته، فالرزق غير مستقر الى درجة كبيرة، فربما تمتعت قبيلة بمطر غزير ومرعى خصيب، بينما تحرم قبيلة مجاورة من كليهما، والأمل فى الحياة قليل، اذ غالبا ما يأتى الموت فجأة وعلى غير توقع نتيجة صدام يحدث بالصدفة، وحتى فى أيامنا، فاننا لا نستطيع بكل ما أوتينا من علم أن نتنبأ بجنس الجنين فضلا عن أن نتحكم فيه. «وكذلك فان التقلبات الحادة فى الثروة أمر معتاد فى الصحراء، حتى ان خبرة العمل عند البدوى ليس فيها شىء غير متوقع» *.
وهكذا كان تحقيق المثل الأعلى للمروءة، بالصورة التى كان عليها، فى اطار ثابت، فمن المحتمل أن جريان دم نبيل فى عروق أحدهم كان
* كتب المؤلف هذا الكلام قبل عام 1953 وهو عام اصدار أول طبعة من هذا الكتاب، ولكن بعد ابتكار أجهزة الموجات فوق الصوتية فقد أمكن معرفة جنس الجنين بدرجة لا بأس بها من الدقة وذلك بعد أن يكون جنس الجنين قد ظهر بالفعل، أما علم الله فيعلم جنس الجنين قبل أن يخلق فى الأشهر الأولى للحمل- (المترجم) .