الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الزهرى، المعروف ايضا بابن شهاب، رواية اخرى للفقرتين (ى) و (ك) تبدا هكذا:«قال جابر بن عبد الله الانصارى، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحى قال: فبينما أنا امشى» ، وتتجنب هذه الرواية تغير المتحدث من الفقرة (ى) للفقرة (ك) وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:(فدثرونى) ، أى وضعوا دثارا على، وهذه الرواية لها أهميتها لأنها رواية عن جابر تجعل سورة المدثر هى أول الوحى* «13» .
من الواضح أن الفقرات من (أ) الى (ح) متصلة الاحداث فى رواية الزهرى ولكن ليس من الضرورى أن تكون كلها عن السيدة عائشة (رضى لله عنها) ، وربما كان قطع ابن اسحق لرواية عائشة بعد أول جملة فى الفقرة (ب) بسبب تفضيله لروايات أخرى لما (بكسر اللام) تبقى ولا يعنى هذا بالضرورة انقطاع الأصل عند هذه النقطة، ومع ذلك فليس هناك فائدة كبيرة فى مناقشة هذا الاسناد. وبدلا من ذلك أقترح دراسة الأدلة العقلية لهذه الفقرات، وبالذات دراسة ما يمكن أن نسميه «السمات» المختلفة للروايات.
(ب) رؤى محمد عليه الصلاة والسلام
ليس هناك أى سبب وجيه يجعلنا نتشكك فى النقطة الأساسية فى الفقرة أ، وهى أن بداية النبوة كانت «الرؤيا الصادقة» ، وهذه الرؤى تختلف تماما عن الأحلام، وقد ذكرت الرؤى أيضا فى الفقرتين (ب) و (ى)[بصرف النظر عن ظهور جبريل فى (د) و (ط) ] . ويؤكد ما ورد فى (أ) ما نعرفه من سورة النجم، ولكن يمكن أيضا معرفته من ملاحظات محمد عليه الصلاة والسلام . وقد ذكرت رؤيتان فى القران:
* عن جابر رضى الله عنه: سمعت رسول الله يحدث عن فترة الوحى، فسورة المدثر أول ما نزل بعد فترة انقطاع الوحى، أما أول ما نزل من القران فى غار حراء فكان كما ثبت فى صحيح البخارى عن السيدة عائشة أنها بداية سورة العلق:«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» الى قوله تعالى: «عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» - (المترجم) .
(13)
الطبرى 1155 وما بعدها.
(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
…
) .
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى. ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)«14» .
والتفسير المعتاد لهذه الايات عند المسلمين أن المرئى كان جبريل، ولكن هناك أسبابا تدعونا الى أن نظن أن محمدا عليه الصلاة والسلام قد فسرها فى الأصل على أنها رؤية لله ذاته، فان جبريل لم يذكر فى القران الا فى المدينة، والتعبير «عبده» فى الاية 10 لابد أنه يعنى عبد الله كما يجمع المسلمون، ولكن ذلك يجعل التركيب اللفظى غير منسجم الا اذا كان الله هو المعنى بالأفعال*.
كذلك فان الجملة التى فى نهاية الفقرة (ب) وهى قول الزهرى:
«حتى فجأه الحق وقال
…
» لها أهمية مشابهة، لأن كلمة «الحق» من أساليب الاشارة الى الله**، وكذلك يمكننا أن ننظر الى الفقرة (ج)
(14) السورة 53/ 1- 18.
* ليس هناك خلاف بين المسلمين فى أن رؤية الله عز وجل فى الدنيا مستحيلة.
** الحق من أسماء الله الحسنى. ولكن كلمة «حق» لها معان متعددة من أراد معرفتها فليرجع الى أحد قواميس اللغة العربية، مثل لسان العرب أو المعجم العربى الأساسى. ومن معانيها التى تهمنا فى هذا المقام: هو الشىء الثابت الذى لا شك فيه مثل قول الله عز وجل: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) . فقول السيدة عائشة: «حتى فجأه الحق وقال..» يعنى فجأه الأمر الحق الذى ليس فيه شك وهو الوحى من الله، كما أنه قال:(يا محمد أنت رسول الله) ولو كان الذى جاءه هو الله كما يظن لقال: (أنت رسولى) . وفى رواية البخارى عن السيدة عائشة أنها قالت: (حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء فجاءه الملك فقال
…
) فهذه الرواية لحديث السيدة عائشة، وهو نفس الحديث الذى رواه الزهرى بصيغة مختلفة وأورده المؤلف، دلالة واضحة على معنى كلمة «الحق» لأنها قالت:«فجاءه الملك» . فالحق هنا كما قال ابن حجر العسقلانى فى شرحه لصحيح البخارى هو (الأمر الحق) ، أو كما قال اخرون هو (الدين الحق) .
بنفس الطريقة، لأن النص يقول:«فجاءنى وقال» ، وكذلك فان بعض روايات جابر فى شرح سورة النجم تقول، على لسان محمد عليه الصلاة والسلام :«فنوديت فنظرت بين يدى وخلفى وعن يمينى وعن شمالى فلم أر شيئا ثم نظرت الى السماء فاذا هو على العرش..» «15» *.
ربما كان هذا هو تفسير محمد عليه الصلاة والسلام الأصلى لهذه الروايات**، الا أنها لم تكن بأية حال التفسير النهائى، لأنه يتناقض مع ما ورد فى سورة الأنعام، الاية 103:«لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ» ***، ومع ذلك، فان سورة النجم، بالرغم من أنها تحتمل هذا التفسير، الا أنه يمكن أيضا النظر اليها بطرق أخرى، فان التعبير «مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» لا تعنى رؤية الله بالطبع، ولكن يمكن فهمها على أنها تعنى أن ما راه محمد عليه الصلاة والسلام كان علامة أو رمزا لمجد الله وجلاله. كما توحى الاية 11 «ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى» والتى
(15) صحيح البخارى، وانظر أيضا A.Bell ،Mohammads Call ،in MW ،xxiv ،1934 ،pp. 13 -19.: وانظر أيضا Noldeke -Schwally ،1 ،23 Ahrens ،Mihammad ،39 f.:
* لم يقل أحد من المسلمين المتقدمين والمتأخرين أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو» مقصود به الله. فاذا كان «هو» من أسماء الله الحسنى، فانه فى نفس الوقت ضمير اشارة للغائب. وفى رواية أخرى لجابر بن عبد الله يقول فيها نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فاذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى بين السماء والأرض» وهى تدل صراحة على أن الذى راه الرسول عليه الصلاة والسلام هو جبريل وليس الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
** هذه الروايات عن بدء الوحى وظهور جبريل عليه السلام للرسول عليه الصلاة والسلام ليست رؤى منامية كما يشير اليها المؤلف وانما كانت فى اليقظة لأنها لو كانت رؤى منامية لما فزع منها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر.
*** يتحدث المؤلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لو كان يفسر القران برأيه هو، ونسى أنه قال منذ أسطر قليلة ان سورة النجم تقول:(وما ينطق عن الهوى. ان هو الا وحى يوحى) . ولم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تكلم فى القران برأيه فأصاب فقد أخطأ (رواه أبو داود والترمذى والنسائى) . وقال أيضا: من قال فى القران بغير علم فليتبوأ مقعده من النار (رواه أبو داود) . ولم يرد فى أى من التفاسير التى رجعت اليها وهو تفسير القرطبى والفخر الرازى والألوسى وابن كثير أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد فسر ايات سورة النجم على أن المرئى هو الله ثم عاد فأنكر ذلك- (المترجم) .
ربما أضيفت فيما بعد* «16» ، بتطور اخر فى هذه النظرية، بمعنى أنه بينما أدركت العينان العلامة أو الرمز، أدرك القلب الشىء المرموز.
فاذا كان محمد عليه الصلاة والسلام قد فسر الرؤية فى البداية على أنها رؤية الله مباشرة، فان هذا يتضمن أنه بالرغم من أن تفسيره لم يكن دقيقا تماما الا أنه لم يكن مخطئا فى الأساسيات**، وربما كان يحسن بنا أن نترجم الاية بحيث نقول:«لم يخطىء القلب فيما رأى الانسان» . وبهذه الطريقة يمكننا أن نتفادى أن يكون المرئى هو جبريل***، وهو أمر مخالف للتاريخ، كما يمكننا أيضا أن نتفادى التناقض مع النظرة الاسلامية فى أن محمدا لم ير الله «17» .
هذا التفسير المنهجى للرؤية ليس له أهمية كبيرة بالنسبة لحياة محمد عليه الصلاة والسلام بقدر ما له أهمية فى تطوره الدينى.
وسنتناول ذلك عند حديثنا عن «أنت رسول الله» .
(يرى كارل ارنز Karl Ahrens «18» أن التعبير «رَسُولٍ كَرِيمٍ» (التكوير، 19) هو الذى ذكر من قبل باسم «الروح» . ويدلل
Bell ،translation of Quran ،od hoc. (16)
* من المعروف أن القران نزل منجما، أى متفرقا، على مدى ثلاث وعشرين سنة هى مدة بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام. لهذا، فان الايات التى تضهما سورة واحدة قد تكون نزلت على فترات زمنية طويلة. وهناك من السور المكية ما فيه ايات مدنية والعكس. وفى سورة النجم- وهى مكية- اية نزلت فى المدينة هى قول الله عز وجل:«الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ..» الاية (الاية 32) . ولكن لم يرد فى طبعات المصاحف القديمة ولا فى التفاسير التى رجعت اليها ما يشير الى أن الاية 11 بالذات وهى قول الله عز وجل: «ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى» قد أنزلت فى وقت لاحق لنزول الايات العشر التى سبقتها، وقول المؤلف «ربما أضيفت فيما بعد» يدل على عدم التأكد من هذا الزعم الذى نقله عن ترجمة بل Bell للقران كما ذكر فى هامش كتابه- (المترجم) .
** هذا الكلام مرفوض اسلاميا جملة وتفصيلا للأسباب التى ذكرت فى التعليقات السابقة- (المترجم) .
*** المعول عليه هو النص العربى، لا الترجمة الانجليزية التى قد لا تكون دقيقة- (المترجم) .
(17)
حديث عن عائشة فى صحيح البخارى، 65 فى 53/ 1.
Muhammad ،41. (18)