الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع أول من أسلم
1- الروايات المتداولة عن المسلمين الأوائل
لأن النبالة (الشرف) فى الاسلام تقوم- نظريا- على خدمة قضية المجتمع الاسلامى، فان المسلمين فى عصور لاحقة نظروا باحترام وتصديق لمعظم دعاوى أجدادهم بخدمة قضية هذا المجتمع (أو الجماعة) ، لذا فالروايات المتداولة عن أوائل المسلمين يجب النظر اليها بتدقيق، واذا وجدنا قولا عن واحد من هؤلاء منسوبا الى أحد سلالته أو المعجبين به مؤداه أنه كان من بين المسلمين الاثنى عشر الأوائل، فلا بد أن نستنتج ونحن مطمئنون أنه كان فى الخامسة والثلاثين من عمره.
هناك اتفاق عام على أن خديجة كانت هى أول من امن بزوجها (محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، لكن هناك خلافات حادة بشأن أول من أسلم من الرجال. وقد أورد الطبرى «1» مقتطفات كثيرة من المصادر، وترك القارىء يقرر بنفسه مختارا بين ثلاثة مسلمين: على، وأبى بكر، وزيد ابن حارثة. وبالفعل، فان القول بأن عليا هو أول من أسلم قول صحيح، لكنه وفقا لما يراه الكتاب الغربيون، مسألة لا معنى لها لأن عليا كان فى التاسعة أو العاشرة من عمره حين أسلم، كما كان من أسرة النبى صلى الله عليه وسلم، والقول بأن أبا بكر هو أول من أسلم قد يكون أيضا صحيحا، وان اختلف معنى اسلامه عن اسلام على رضى الله عنه اختلافا كبيرا لأن أبا بكر- على
Ann ،1159 -1168. (1)
الأقل وقت الهجرة الى الحبشة- كان هو أهم مسلم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد تكون الروايات الأولى قد أرجعت فترة اسلامه الى مدة أقدم.
والحقيقة المطلقة تشير الى أنه ربما كان زيد بن حارثة هو أول رجل أسلم، لأنه كان عتيق محمد صلى الله عليه وسلم ولارتباطه بالنبى ارتباطا شديدا، لكن وضعيته المتواضعة تجعل اسلامه ليس بأهمية اسلام أبى بكر «2» .
تشير الروايات «3» الى أن مجموعة مهمة دخلت الاسلام بفضل جهود أبى بكر. والرجال الخمسة بالاضافة لعلى بن أبى طالب كانوا صحابة من الطبقة الأولى عند موت عمر بن الخطاب، وقد رشحهم لتولى الخلافة بعده (أن يختاروا من بينهم خليفة له كما هو معروف- المترجم)، ومن المستبعد أن هؤلاء الخمسة كانوا قد أتوا للرسول مجتمعين قبل موت عمر رضى الله عنه بعشرين عاما فى مرحلة مبكرة جدا من تاريخ الاسلام. وهؤلاء الخمسة هم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، وطلحة بن عبيد الله.
وبالنسبة لعبد الرحمن بن عوف يقال انه أسلم فى الوقت نفسه الذى أسلمت فيه مجموعة كان على رأسها عثمان بن مظعون «4» ، وقد أورد الطبرى مزيدا من الروايات عن ابن سعد تشير الى أربعة رجال اخرين يقال انهم رابع أو خامس من أسلم، وهم: خالد بن سعيد، وأبو ذر، وعمرو بن عبسه) Abasah لعله عنبسه/ المترجم) والزبير.
ورغم وجود أساس للشك فى الروايات المتعلقة بأوائل المسلمين الا أن قائمة المسلمين الأوائل التى أوردها ابن اسحق «5» ، قد تكون مقبولة الى حد كبير. والجدير بالملاحظة، أن هذه القائمة تضم أسماء أناس لم يحققوا شهرة فى أزمنة لاحقة، وان احتلوا الصدارة مع بداية ظهور الاسلام. ومن هؤلاء: خالد بن سعيد بن العاص الذى كان أبوه تاجرا
(2) انظر الملحق (و Noldeke ،ZDMG ،52 ،18 -21.، (
(3)
الطبرى، نفسه، 1168، ابن هشام، 162.
(4)
ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3، ج 1، 268 وما بعدها.
(5)
ابن هشام، 162- 165، وقد رقمها Caetani ir ،Annal ،I ،236 f.:
كبيرا فى مكة فى ذلك الوقت، وسعيد بن زيد بن عمرو الذى كان ابوه يبحث عن الدين الصحيح قبل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ونعيم النحام الذى ربما كان أحد زعماء عشيرة عدى لكنه لم يهاجر للمدينة حتى السنة السادسة للهجرة. وعلى قدر علمى، فان كل اولئك الدين وصفهم ابن سعد بانهم دخلوا الاسلام قبل أن يدخل محمد صلى الله عليه وسلم بيت الارقم موجودون فى هذه القائمة، وهناك أيضا واحد أو اثنان يصف ابن سعد- عادة- الواحد منهم بأنه (قديم الاسلام) . ولأن ابن اسحق لم يذكر دار الأرقم، فربما يكون قد رجع لمصادر مختلفة عن تلك التى رجع اليها ابن سعد، وعلى هذا فقائمته تضم ما اتفقت عليه روايتان.
وسيكون من المفيد عند استعراضنا لحياة المسلمين الأوائل أن ننقل هذه الفقرات المنسوبة للزهرى «6» ، والتى تفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا
(6) ابن سعد 1، 133. النص بلغة ابن سعد، ص 136 فى طبعة دار الفكر: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الاسلام سرا وجهرا، فاستجاب لله من شاء من أحداث الرجال وضعفاء الناس حتى كثر من امن به، وكفار قريش غير منكرين لما يقول، فكان اذا مر عليهم فى مجالسهم يشيرون اليه ان غلام بنى عبد المطلب ليكلم من السماء، فكان ذلك حتى عاب الله الهتهم التى يعبدونها دونه، وذكر هلاك ابائهم الذين ماتوا على الكفر، فشنفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وعادوه. أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنى ابراهيم بن اسماعيل بن أبى حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما أنزلت: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (1) ؛ صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال: «يا معشر قريش!» فقالت قريش: محمد على الصفا يهتف، فأقبلوا واجتمعوا فقالوا: ما لك يا محمد؟ قال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقوننى؟» قالوا: نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قط، قال:«فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد يا بنى عبد المطلب يا بنى عبد مناف يا بنى زهرة» ، حتى عدد الأفخاذ من قريش، «ان الله أمرنى أن أنذر عشيرتى الأقربين وانى لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا الا أن تقولوا لا اله الا الله» ، قال: يقول أبو لهب: تبا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)(2) السورة كلها. أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنى ابن موهب عن يعقوب بن عتبة قال: لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام ومن معه وفشا أمره بمكة ودعا بعضهم بعضا، فكان أبو بكر يدعوا ناحية سرا، وكان سعيد بن زيد مثل ذلك، وكان عثمان مثل ذلك، وكان عمر يدعو علانية، وحمزة بن عبد المطلب، وأبو عبيدة بن الجراح، فغضبت قريش من ذلك، وظهر منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الحسد والبغى، وأشخص به منهم رجال فبادوه وتستر اخرون.
للاسلام سرا وجهرا وهناك من استجاب لله ممن أراد الله هداهم من الشباب وضعاف الناس لكى يكون من أمن بالله كثيرين، وان كفار قريش لم ينتقدوا ما قاله الرسول، وعندما مر بهم وهم جلوس فى مجموعات أشاروا اليه قائلين:(هذا هو انفتى من عشيرة عبد المطلب الذى يقول ان الخبر يأتيه من السماء) واستمر ذلك حتى انزل الله قرانا يتعرض للاوثان التى يعبدونها من دون الله ويتعرض لمصير ابائهم الذين ماتوا على الكفر.
ومن هنا (مند حدث ذلك) بدأوا يكرهون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعادونه.
وأحد أهداف استعراضنا لاوائل المسلمين أن نحاول اكتشاف المعنى الدقيق لعبارة (احداث الرجال) و (ضعفاء الناس) التى وردت بالنص، وبالتالى فسنركز على عمر هؤلاء المسلمين الأوائل ووضعياتهم الاجتماعية. وسنتعرض لهم كطبقتين منفصلتين. وقد ذكر ابن سعد عدة أشخاص كانوا من بين (المستضعفين) وهذا يعنى أن هؤلاء يشكلون طبقة صغيرة محددة «7» ، ومن ناحية اخرى فان بعض الشباب (أحداث
(7) ابن هشام، 260، وانظر أيضا القران الكريم، السورة 28 (القصص)، الاية 5:(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) . النص كما ورد فى ابن هشام فى الطبعة التى بين أيدينا (طبعة مكتبة الايمان؛ ص 28) : «.. قال ابن اسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جلس فى المسجد، فجلس اليه المستضعفون من أصحابه: خباب، وعمار، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية ابن محرث وصهيب، وأشباههم من المسلمين، هزئت بهم قريش، وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق! لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء اليه، وما خصهم الله به دوننا فأنزل الله تعالى فيهم: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء فتطردهم فتكون من الظالمين
…
» . لكنها ليست الاشارة الوحيدة فهناك اشارات أخرى منها: «.. ذكر عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة: قال ابن اسحاق: ثم انهم عدوا على من أسلم، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء مكة اذا اشتد الحر، من استضعفوا منهم يفتنونهم عن دينهم، فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذى يصيبه، ومنهم من يصلب لهم، ويعصمه الله منهم.