الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للرجال وسياساتهم وليست بناء على خطب رنانة تجعل أسوأ الأسباب يبدو أحسنها، ومن ناحية أخرى كان الأثينيون يقدرون المبادىء الأخلاقية ويقبلون الرجل لأنه أمين ومستقيم، بينما كان أهل مكة يهتمون بالمهارة العملية للرجل وقدرته على أن يكون زعيما فعالا، وهذا يؤدى بنا الى موضوع القسم الثالث.
(ج) قريش والقبائل العربية
كانت النبالة والهيبة بين عرب الصحراء مسألة تتعلق بالقوة العسكرية الى درجة كبيرة، فكانت الزعامة بين القبائل لمن يستطيع حماية أتباعه، والثأر للاهانات أو الايذاء أو القتل، وقد قيل فيما بعد ان قريشا سادة العرب وان الخلافة لا تكون فى غيرهم. وفى صورته المطلقة، ربما كان هذا الاعلاء لشأن قريش قراءة لأحداث العقد السابق للهجرة فى ضوء ظروف جدت فيما بعد، ولكن حتى لو كانت هناك بعض المبالغة فى هذا التعبير، فقد كان الاعتراف بقريش سيدة قبائل غرب شبه الجزيرة العربية وغرب وسطها، أى بين القبائل ذات الصلة الوثيقة بها، حقيقة لا جدال فيها. فعلى أى أساس كانت هذه السيادة؟
لم يستطع لامانس أن يدلل على صحة نظريته عن جيش المرتزقة من العبيد السمود الا عن طريق لى الحقائق والشواهد. ويبين التذييل (أ) بعض الأسباب التى تجعل هذه النظرية على غير أساس. ومع ذلك، فان وجود عدد من العبيد السود فى قريش حقيقة لا تنكر، وكان بعضهم يستخدم فى القتال اذا لزم الأمر. كما أنه من الحقائق المعروفة أن قريشا جذبت الكثير من العرب من أبناء القبائل الاخرى الى مكة كحلفاء (مفردها حليف) ، وكان بعضهم يشارك فى التجارة والبعض الاخر من الفرسان قاطعى الطريق، وهذا النوع على الأقل كان دائما مستعدا للقتال. كما أنه من الحقائق المعروفة أن الأغنياء من تجار قريش كانوا راغبين عن القتال فى معركة بدر. بالرغم من أنهم لم يكونوا جبناء وكانوا قادرين على الظهور بمظهر مشرف، وكذلك أبلى المسلمون من قريش فى
بدر بلاء حسنا حتى لو كانت بطولات على وحمزة مبالغا فيها الى درجة كبيرة، وحتى لو كان الأنصار هم المقاتلين الأفضل من جميع النواحى.
لكل هذه الأسباب، نرى أنه من الواضح أن رياسة قريش لم تكن بسبب براعتهم فى القتال كأفراد.
كان سر مهابتهم قوتهم العسكرية التى يستطيعون أن يواجهوا بها أى خصم، ولم تكن هذه القوة قوتهم واحدهم بل كانت قوتهم مع أحلافهم، وقد تأسست هذه الأحلاف على أساس أعمالهم التجارية. فقد كانت القوافل الى اليمن والشام والبلاد الاخرى تتطلب خدمات من عدد كبير من البدو كأدلاء وحراس ورعاة للابل.. الخ. وقد يدفعون مبلغا من المال لزعيم قبيلة لضمان سلامة المرور فى منطقة نفوذه، أو للحصول على الماء أو أنواع أخرى من الزاد، وهكذا كانت قبائل البدو تشارك فى تجارة مكة، وسرعان ما عرفوا من أين تؤكل الكتف، فقد كان رخاء مكة رخاء لهم كما كانت خسارة مكة خسارة لهم، وقد زاد هذا الشعور بالتكامل مع مكة عمقا بالمصاهرة التى كانت بين زعماء مكة والقبائل المختلفة، وباشراك زعماء القبائل فى تجارات مكة ذات رؤوس الأموال المشتركة.
ومن هذا نرى أن القول بأن أهل مكة كانوا يدفعون للرجال ليقاتلوا من أجلهم صحيح الى حد ما، ولكن هؤلاء الرجال لم يكونوا بأية حال مرتزقة، فلا وجه للمقارنة بينهم وبين الحرس السويسرى أو الفرقة الأجنبية الفرنسية مثلا، فقد كانوا جميعا عربا أحرارا دخلوا فى أحلاف واتفاقيات مع قريش على أساس من الندية. وكان زعماء تلك الطائفة الغامضة التى يطلق عليها الأحابيش يعلنون اراءهم صريحة فى مواجهة أهل مكة «1» ، وعندما هاجم البراد من بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة احدى القوافل، وهى الحادثة التى أدت الى اشتعال حرب الفجار، كان لا شك يعلم أن فعله هذا يسير فى نفس الخط مع سياسة مكة وأن قريشا سوف تؤيده، ولكن ربما كان تصرفه هذا نابعا من نفسه ولم يكن تنفيذا لأوامر أهل مكة.
(1) انظر التذييل؟ أ، الفقرات: أ، د، ج (المؤلف) .