الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغالبا ما يركز أعداء الاسلام على أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان مصابا بالصرع، epilepsy وبالتالى فان رسالته الدينية غير صحيحة. والحقيقة، أن الأعراض المصاحبة للوحى عند محمد صلى الله عليه وسلم ليست هى أعراض الصرع، فالصرع يؤدى الى انهيار القوة البدنية والعقلية، بينما كان محمد صلى الله عليه وسلم فى كامل قواه العقلية والبدنية، وفى كامل ملكاته. لكن بفرض أن هذا الزعم صحيح، فان البراهين عليه زائفة تماما وقائمة على مجرد الجهل والتخبط، فمثل هذه الظواهر المصاحبة للوحى لا تصلح برهانا نعتمد عليه فى رفض الوحى أو قبوله.
وسيكون أمرا شائقا أن نعرف ما اذا كان محمد صلى الله عليه وسلم لديه أية طريقة لحث الوحى على النزول عليه «50» . اننا لسنا متأكدين مما اذا كان وضع نفسه فى دثار* يحقق هذا الغرض والأكثر معقولية أن الوحى ينزل على غير توقع. وأخيرا- على أية حال- فمن الممكن أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم قد طور بعض التقنيات (الأساليب) للاستماع الى الوحى**، ربما من خلال قراءته القران الكريم قراءة هادئة بالليل. خاصة عندما كان يشك فى اكتمال الوحى. وقد تكون هذه طريقة لاكتشاف الايات الضائعة. ولا بد أن التفاصيل المتعلقة بهذا الأمر ستظل محل تخمين، ويبدو مؤكدا أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان لديه أسلوب أو اخر لتصحيح (أو تنقيح) النص القرانى باكتشاف الصيغة الصحيحة لما أوحى اليه ناقصا أو غير صحيح. ومرة أخرى، فان كان هذا صحيحا، فان محمدا صلى الله عليه وسلم كان فى بعض الأحيان يستحث الوحى على النزول..
6- التتابع الزمنى لوقائع الحقبة المكية
لا أحد التفت الى التواريخ الدقيقة التى تجرى فيها الأحداث التى بدت وقتها بسيطة ولحظية، لكن فى وقت لاحق عندما أصبح الناس
(50)
Ahrens Muhammad، 37، J.C.Archer، Mystical Elements in Mohammad، New Haven، 1924، pp.72، 76، c.
* طبعا لا، وانما باللجوء الى الله والابتهال اليه، كما حدث بالنسبة للايات التى نزلت مبرئة السيدة عائشة (فى حديث الافك) - (المترجم) .
** لا يعدو معنى العبارة الا أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد يلجأ للدعاء والتوسل الى الله طلبا لنزول الوحى لحل مشكلة واجهته أو اجابة سؤال استعصى عليه- (المترجم) .
مهتمين بالتواريخ تضاربت الأقوال وبذل الباحثون المسلمون جهودا مضنية للوصول الى صيغة تاريخية مترابطة. وعلى أية حال، لقد بذلوا جهودا فيما يتعلق بالعناصر الرئيسية، بينما قدموا لنا تواريخ مختلفة وغير مؤكدة بالنسبة لأحداث ووقائع أخرى. ومسألة التواريخ ليست حيوية لفهم حياة محمد صلى الله عليه وسلم، ويمكن الحصول على القليل (من حيث الترتيب الزمنى للأحداث) بمحاولة التمعن فى روايات الكتاب المسلمين المعتمدين فى الموضوع، سواء بالتعمن فى مضامين الروايات أو ظواهرها.
يقول كيتانى Caetani الذى بحث هذا الموضوع بعناية لأن مبحثه يأخذ شكل حوليات- ان الكتاب المسلمين متفقون فى أربع نقاط «51» :
1-
ظل محمد صلى الله عليه وسلم يدعو لرسالته سرا- طوال ثلاث سنين- صحابته المقربين، ولم يبدأ الدعوة العلنية الا عند نهاية هذه الفترة.
2-
الهجرة الى الحبشة فى العام الخامس، أى بعد عامين من الجهر بالدعوة.
3-
بدأت المقاطعة التى واجهها بنو هاشم، بعد الهجرة الى الحبشة واستمرت عامين أو ثلاثة.
4-
مات أبو طالب وخديجة بعد نهاية المقاطعة، وقبل الهجرة بثلاث سنين (الهجرة فى 622 للميلاد) .
وقد ناقش كيتانى ما هو أكثر من هذا، فذكر أننا لو حسبنا المدة الزمنية بين الهجرة والمقاطعة، وبين المقاطعة وموت أبى طالب لوجدنا أنها تصل- على الأقل- الى اثنى عشر عاما. وعلى هذا، فقد أنشأ كيتانى قائمة التواريخ التالية، رغم أنه كان ميالا للظن أن الأحداث ربما وقعت قبل هذه التواريخ:
Ann ،i ،p 219. (51)
610 نزول الوحى.
613 بداية الدعوة الجهرية.
614 دخول دار الأرقم.
615 الهجرة الى الحبشة.
616 بداية مقاطعة بنى هاشم.
619 نهاية المقاطعة، موت خديجة، موت أبى طالب، ذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم الى الطائف.
620 أول مسلمى المدينة.
621 بيعة العقبة الأولى.
622 بيعة العقبة الثانية، الهجرة.
وهذه التواريخ تعد دليلا كافيا لمعظم أغراض بحثنا. وترجع أهميتها الأساسية الى أنها تجعلنا نتحقق من أن انتشار الاسلام فى مكة طوال فترة ما قبل الهجرة كان عملية بطيئة، الا أن قلة المصادر وشحها يعطينا احساسا كاذبا بأن الأمور تجرى سراعا.