الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتباع لمحمد عليه الصلاة والسلام عادوا من الغزوات التى حدثت بعد وفاته خارج شبه الجزيرة العربية الى حياة الصحراء التى عشقوها.
والانطباع العام الذى نشعر به هو أن البدو لم يعودوا الى أسوأ ما كانوا عليه من قبل، بل بالعكس صاروا أفضل مما كانوا نظرا للمنافع التى حصلوا عليها نتيجة للرخاء المتزايد فى مكة. ثم بعد ذلك، مع الهجرة من شبه الجزيرة العربية فى فترة الفتوح، لا شك أن الضغط على موارد الطعام قد قل عن ذى قبل.
وكانت هناك صناعات محلية صغيرة فى الحجاز، وكان أغلبها لخدمة احتياجات البدو وسكان المدن، وان كنا قد سمعنا عن منتجات جلدية كانت تصدر من الطائف، ولكن من حيث منظور حياة محمد عليه الصلاة والسلام ليس لها الأهمية التى تجعلنا ندرسها كعامل مستقل.
2- السياسة المكية
كان هناك صراع دائم من أجل السلطة داخل هذا المجتمع التجارى فى مكة. وكانت المجموعات السياسية المشتركة فى هذا الصراع مرتبطة بدورها بعلاقات مع القبائل العربية التى تمر بها قوافل مكة، وكذلك مع القوى العظمى التى كانت هذه القوافل تنقل البضائع الى أسواقها.
بعض هذه الأمور معقد الى درجة كبيرة، ولكن نظرا لأن محمدا عليه الصلاة والسلام كان منذ البداية رجل دولة الى حد كبير، فمن الضرورى دراسة النقط الأساسية على الأقل.
(أ) المجموعات السياسية فى قريش
تعطى المصادر العربية الكثير من المعلومات عن الأسر والحزازات القبلية والتحالفات داخل قريش.
وقد بالغ بعض النقاد الغربيين فى التأكيد على الجانب الاسطورى لهذه القصص، وركزوا بشكل مبالغ فيه على مناقشة ما اذا كانت الشخصيات المذكورة فى هذه المصادر أفرادا حقيقيين أم مجرد تجسيد للقبائل. وربما كانت هناك حقائق تاريخية أكثر مما ذكر فى هذا النقد المتطرف، ولكننا لا نعتزم أن نلمس هذا الموضوع الصعب هنا اذ انه يحول انتباهنا عن الحقيقة الهامة، وهى أن هذه القصص تبين لنا كيف كانت قريش تدرك العلاقات بين الأسر والعشائر فى زمان محمد عليه الصلاة والسلام ، وربما تكون بعض جوانب الموضوع قد حدث فيها تعديل نتيجة للأحداث التى وقعت فيما بعد، مثل العداء بين العباسيين والأمويين الذى ربما يكون قد أثر على ما روى عن العلاقات بين بنى هاشم وبنى أمية. ولكننا نستطيع أن نثق فى الصورة بصفة عامة.
وقدسية مكة قديمة جدا، فبعد أن حكمتها قبيلة جرهم لفترة طويلة، انتقل أمرها الى قبيلة خزاعة التى ارتبط بها بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة، واحتفظت الأسر القديمة ببعض الامتيازات التى ربما كان لها سمة مقدسة مثل الاجازة، Ijazah التى ظلت فى يد بنى صوفه، Sufah ثم انتقلت السلطة من خزاعة وحلفائها الى قصى الذى استمد قوته فى جانب منها من حلفاء من بنى كنانة وقضاعة، وفى جانب اخر من توحيده لجماعات قريش المختلفة التى كانت حتى ذلك الوقت متفرقة وغير مؤثرة. وربما كان قصى المؤسس لمكة بعد أن كانت مجرد مخيم حول الحرم*.
كذلك ربما كان قصى هو الذى ميز بين قريش البطاح (أولئك الذين يعيشون حول الكعبة مباشرة) وقريش الظواهر (وهم الذين يعيشون فى الضواحى) ، ولا شك أن هذا التمييز موجود، ومن الطبيعى أن يفترض أنه يعود الى الرجل الذى خصص الأحياء فى بداية بناء مكة.
وتنتمى سلالة قصى بأكملها وكذلك سلالة جده العظيم كعب الى قريش
* ابن هشام ج 1، ص 78.
البطاح. وبين الجدول فى الصفحه 7* التفاصيل طبقا لقائمتين للمسعودى.
وقد كانت هناك تقسيمات أكثر تفصيلا لقريش البطاح، ففى البداية خلف عبد الدار قصيا فى زعامته، ولكن مع الزمن تحدت عائلة ابن عبد مناف ممثله فى ابنه عبد شمس عائله عبد الدار بزعامة أحد أحفاده. وهكذا انقسمت مكة الى معسكرين متعاديين، وانضم الى عبد مناف بنو أسد وبنو زهرة وتيم والحارث بن فهر، بينما انحاز الى بنى عبد الدار قبائل مخزوم وسهم وجمح وعدى. بينما ذكرت الروايات ان بنى عامر بن لؤى ومحارب وهما من قريش الظواهر اعتزلا الفريقين. وعرف بنو عبد مناف وأحلافهم بالمطيبين، وعرف بنو عبد الدار ومن معهم بالأحلاف.
ويلاحظ أن التحالفات لم تتبع تماما الخطوط العائلية، فقد انقسمت عائلة قصى الى فريقين، عبد الدار فى مواجهة عبد العزى (أسد) وعبد مناف.
كما كان باقى مرة فى مواجهة مخزوم. (وهذه حجة ضد القول بأن الصلات الأسرية هلى المبرر للأحداث التى حدثت فيما بعد) وكاد الخلاف يؤدى الى قتال، ولكن أمكن التوصل الى حل وسط احتفظ بمقتضاء بنو عبد الدار ببعض الامتيازات الاسمية الى درجة كبيرة، بينما أعطى بنو عبد مناف أسباب السلطة، وقد تحقق الطرفان من حجم المكاسب التى سيحصلون عليها اذا اتفقا، وحجم الخسائر التى ستصيبهم اذا اختلفا.
قد يعتبر حلف الفضول تطويرا لحلف المطيبين وليس حلفا ضد الظلم كما ينظر اليه كيتانى، Caetani ويقول المسعودى انه- أى حلف الفضول- كان نتيجة محاولة لمساعدة يمنى على استرداد دين له عند العاص بن وائل من بنى سهم، وكان المشاركون فى الحلف عشائر هاشم والمطلب وأسد وزهرة وتيم وربما الحارث بن فهر**، أى المطيبين بدون بنى عبد شمس وبنى نوفل. ثم نشب الخلاف بين نوفل
* من النص الانجليزى، ص 56 من هذه الترجمة.
** ابن هشام، 85- 87.
وعبد المطلب بن هاشم وساند بنو المطلب عبد المطلب بن هاشم، وهكذا نمت قوة بنى عبد شمس ونوفل الى الدرجة التى جعلتهم فى غنى عن حلفائهم (المطيبين) ، فى حين رحب بنو هاشم والمطلب، الذين كانت قوتهم فى اضمحلال، بوجود حلفاء لهم.
وتؤكد الرواية التى رواها ابن اسحق عن دعوة بنى هاشم والمطلب بعد ذلك الى حلف الفضول هذا التفسير. وفى خلافة معاوية، قام نزاع بين والى المدينة الوليد وهو ابن اخى معاوية وبين الحسين بن على حول بعض أملاكه، وأنهى الوليد هذا الخلاف لصالحه، واعترض الحسين وقال انه يلجأ الى حلف الفضول، فتلقى عروضا بالمساعدة من عبد الله بن الزبير (أسد) والمسور (زهرة) وعبد الرحمن بن عثمان (تيم) ، ولم يستطع الوليد مواجهة هذا التهديد باحياء حلف قديم، حيث كان الرجال الذين ذكرناهم من بنى هاشم وأسد وزهرة وتيم على الترتيب، فلم يكن أمامه الا أن يتراجع. وفى زمن لاحق، دل حوار دار بين الخليفة عبد الملك (من بنى أمية أو عبد شمس) ورجل من بنى نوفل على أن هاتين العشيرتين كانتا قد خرجتا من الحلف منذ زمن بعيد، هذا ان كانتا قد دخلتا فيه أصلا.
وفى زمان بعثة محمد عليه الصلاة والسلام ، كان من الواضح أنه قد حدثت تغيرات فى الاتجاهات السياسية، ولكن من الصعب أن نقول- على الأقل فى المراحل التالية- الى اى مدى كانت هذه التغيرات بعيدة عن تأثير الاسلام والى أى مدى كانت من نتائجه. والموقف الذى أراه يتلخص فيما يلى:
المجموعة أهى حلف الفضول القديم بدون بنى أسد وباضافة بنى عدى، وقد يكون لهذا التغير علاقة ما بدخول عمر بن الخطاب فى الاسلام، ولكن الاحتمال الأقرب أن يكون نتيجة للتحالف بين عبد شمس والمجموعة ج، وذلك للعداء المرير الذى نشب بين بنى عدى وبنى عبد شمس، وبالطبع كانت هناك عوامل اقتصادية. وكان انضمام المجموعة ب للمجموعة ج لعدة أسباب، فمن الواضح أن العلاقات بين