الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثانى بواكير حياة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة النبوة
1- نسب محمد صلى الله عليه وسلم
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصى بن كلاب
…
الخ. وكان قصى- كما رأينا- هو حاكم مكة القوى فى زمانه وورثت عنه سلالته كثيرا من سلطته، الا أن السلطة تقسمت بينهم- شيئا فشيئا- كلما تزايد عددهم. والسؤال الأساسى المتعلق بحياة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما اذا كان اباؤه وأجداده على هذا القدر من الأهمية فى سياسة مكة كما تشير المصادر، أم أن هذه الأهمية مبالغ فيها (كما يميل لذلك بعض الكتاب الغربيين) . فالعباسيون- مؤسسو الدولة العباسية- ادعوا الانتساب الى هاشم، بينما الأمويون- مؤسسو الدولة الأموية- يدعون الانتساب الى أخيه عبد شمس. وقد تناول المؤرخون الذين عاشوا زمن الدولة العباسية تاريخ الأمويين بطريقة خالية من التعاطف، فليس مستغربا ان هم أسبغوا على هاشم وأبنائه وأحفاده أهمية كبيرة ووضعوهم موضع الصدارة بطريقة قد لا تمثل حقيقة ما لهم من أهمية وصدارة. وعلى أية حال، فان التدقيق فى المصادر يشير الى أن هذه المبالغة المشار اليها لم تكن حقيقة يمكن ادراكها. وعلى أية حال، فالروايات المتعلقة بذلك قد تم عرضها- بلا شك- بروح التعاطف مع هاشم وبنيه وأحفاده، لكن لا أساس للافتراض بوجود قدر كبير من الأكاذيب أو التزييفات الخطيرة.
ويظهر أن أبناء عبد مناف الأربعة الأساسيين قد فعلوا الكثير لتطوير تجارة مكة. فعبد شمس ذهب الى اليمن، ونوفل ذهب الى بلاد فارس، والمطلب ذهب الى الحبشة، وهاشم ذهب الى الشام.
وربما كان هذا أساسا جيدا لثرائهم، رغم أن اخرين بطبيعة الحال كان لهم أيضا أدوارهم فى هذه التجارة. وقصة أن عبد شمس قد تخلى لهاشم عن حقوق تقديم الطعام والماء للحجاج لأن هاشما كان أقل انشغالا بالرحلات التجارية، ربما كان لها أساس من الحقيقة. فربما تحقق عبد شمس أن تجارة المسافات الطويلة تنطوى على مكاسب أكثرهما تنطوى عليه التعاملات الصغيرة مع الحجاج. وأيا ما كانت الأهمية النسبية لأى منهما (التجارة مع البلدان البعيدة، والتعاملات التجارية مع الحجاج) ، فقد أضعف موت هاشم المبكر نسبيا فى غزة- سلالته والمرتبطين بها- عشيرة المطلب. وبعد موت هاشم أصبح المطلب- أخو هاشم- على رأس المجموعة كلها (عشيرتى هاشم والمطلب) لكن يبدو أنه لم يلعب دورا بارزا فى أمور مكة حتى أحضر- أى المطلب- ابن أخيه هشام وهو عبد المطلب من المدينة التى كان قد توقف فيها مع أمه.
وبعبد المطلب يبدو أن وضع العشيرة قد ازدهر مرة أخرى، فحفره لبئر زمزم الى جوار الكعبة أظهره رجلا ذا همة ومبادأة. ورغم أن زمزم أصبحت بعد ذلك هى البئر المركزية لمكة وأسهمت فى زيادة أهمية الحرم، فلا يبدو أن عمل عبد المطلب قد أظهر أنه كان زعيم مكة، رغم أنه ارتبط بحق تقديم الماء للحجاج (السقاية) ذلك الحق الذى كان قد ورثه عن أبيه من خلال عمه.
وأفضل برهان يمكن تقديمه لمعرفة مكانته فى مجتمع مكة هو ما روى عن تزويجه لبناته. فصفية (أمها من عشيرة زهرة) تزوجت الابن الأول لحرب بن أمية (زعيم عبد شمس) وبعد ذلك عوام بن خويلد (من أسد) .
وبالنسبة لبناته الاخريات، فان عاتكة (أمها من مخزوم) تزوجت أبا أمية ابن المغيرة (من مخزوم) وابنته أميمة تزوجت من جحش حليف حرب بن أمية، وأما أروى فتزوجت أولا عمير بن وهب ثم تزوجت رجلا من عشيرة
عبد الدار، وتزوجت بره فى البداية من عبد رحم (من عشيرة عامر) ، ثم من أبى الأسد بن هلال (من مخزوم) وأم حكيم تزوجت من كريز من عبد شمس. ومعنى هذا أن عبد المطلب كان قادرا على تزويج بناته من بعض أفضل أسرات مكة وأكثرها قوة ونفوذا «1» .
والقول بأن عبد المطلب، وحرب بن أمية كانا فى حالة تنافس على زعامة مكة قول مشكوك فيه مادمنا لا نجد تفاصيل عن ذلك فى المراجع، ويبدو هذا القول انعكاسا لمنافسات حدثت بعد ذلك (يعنى أن مؤرخى العصر العباسى أسقطوا الحاضر على الماضى- المترجم) ، بالاضافة الى أن علاقات الزواج بينهما تظهر انهما كانا على علاقة طيبة. والرواية المتعلقة بلقاء عبد المطلب بأبرهة أثناء حملة الفيل ربما تكون مقبولة بشكلها العام، لكن باعتبار أن عبد المطلب كان فى مفاوضته تلك ممثلا لمجموعة صغيرة لا متحدثا باسم مكة كلها. وربما كانت كثرة التفاصيل فى الروايات المختلفة بمثابة محاولات لتقديم دوافع أو مبررات لسياسة عبد المطلب، خاصة وأن حملة الفيل لم تسفر فى النهاية عن شىء، وانتهت نهاية فاجعة بانسحابها، ولا نستطيع أن نحكم ما اذا كان موقف عبد المطلب من حملة الفيل قد أثر فى نفوذه بمكة أم لا، لأنه مات بعد ذلك بوقت قصير*. على أية حال، فمعنى اتخاذه هذه السياسة من الحملة أن عشيرته أصبحت- نسبيا- فى وضع أسوأ.
وانتقلت زعامة بنى هاشم وبنى المطلب بعد ذلك لفترة وجيزة الى الزبير بن عبد المطلب، وشهدت هذه الفترة حرب الفجار (بكسر الفاء) وحلف الفضول، ولم يكن الزبير بن عبد المطلب شخصية بارزة فى هذه الأحداث. وكان حلف الفضول بمثابة تجمع للعشائر الضعيفة، وقد لعب عبد الله بن جدعان (من تيم) دورا بارزا فى تشكيل هذا الحلف مادام الاجتماع قد عقد فى بيته، وقد كان عبد الله بن جدعان من بين شخصيات مكة البارزة فى بداية حرب الفجار «2» .
(1) ابن سعد، 8، 27- 31.
* اذا كان الرسول قد ولد عام الفيل، فان وفاة عبد المطلب كانت بعد ذلك بثمانى سنوات- (المراجع) .
(2)
A.P.Cauasin de Perceval، Essai aur Phistoire des Arabes avant Islamiame، Paris، 1847- 8. 1، 300- 30 from Aghanl.
وشخصية أبى طالب أقل غموضا من شخصية الزبير بن عبد المطلب فقد أصبح أبو طالب زعيما للعشيرتين هاشم والمطلب لفترة بعد عقد حلف الفضول حتى موته قبل الهجرة بثلاث سنوات. ومع أن أبا طالب كان رجلا محترما كزعيم للعشيرة الا أن أمور عشيرته كانت- بشكل واضح- غير مزدهرة، وكان يشار اليه كراعى ابل فى الصحراء، وكانت هذه الاشارة عامرة بالازدراء «3» . ويبدو أن هذه الاشارات كانت لارضاء بنى العباسى فى الأساس، الذين كانوا يحسون بالغيرة من بنى هاشم.
ونظرا لظروف الفقر المحيط بأبى طالب، أخذ محمد صلى الله عليه وسلم ابنه عليا ليعيش معهم، ولا شك أن هذه الأوضاع راجعة فى جانب منها الى نقص كفاات أبى طالب، وفى جانب اخر لتدهور أحوال العشيرة، ذلك التدهور الذى كان قد بدأ قبل موت عبد المطلب مرتبطا باستدعائه لمقابلة أبرهة.
وكان عبد الله والد محمد صلى الله عليه وسلم أخا شقيقا لكل من الزبير وأبى طالب، وكان يعمل فى تجارة القوافل مع الشام كسائر أفراد الأسرة، ومات عن عمر صغير نسبيا فى المدينة وهو فى طريق عودته من رحلة تجارية الى غزة «4» ، وربما حدث هذا قبيل وقت قصير من ولادة محمد صلى الله عليه وسلم.
أما أم محمد صلى الله عليه وسلم فهى امنة بنت وهب من عشيرة زهرة من قبيلة قريش، وكانت أمها من عشيرة عبد الدار وكان جدها لأمها من عشيرة أسد. وعلى هذا، فقد كان محمد صلى الله عليه وسلم مرتبطا برباط القربى بعدد من الأسرات الرئيسية فى مكة.
وبشكل عام، فان الانطباع الذى نخلص به هو أن عشيرة محمد صلى الله عليه وسلم أصبحت مرة أخرى فى الصدارة عند تناول أمور مكة، لكن قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثة قرون كان نفوذها فى حالة تدهور، وأصبحت الان- قبيل البعثة- لا تعدو أن تكون عضوا بارزا بين مجموعة العشائر الضعيفة والفقيرة. ورغم أن أفرادا فى العشيرة استمروا فى العمل بالتجارة مع
(3) الأزرقى، تحقيق فستنفلد، 71، 4.
(4)
ابن سعد، 1، 1، 61.