الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشام (أو على الأقل لم تكن مشاركتهم فى هذه التجارة بقدر كبير) لكن ربما لم يشاركوا بقدر كبير مع عبد شمس ومخزوم، وربما لأسباب تجارية فان عشيرة هاشم والمطلب كانت على استعداد للتصرف بغير ود ازاء هاتين العشيرتين الثريتين (عبد شمس ومخزوم) رغم أنه ربما كان هناك ما يشير الى أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد اقترب منهما؛ اذ ان ابنته زينب تزوجت رجلا من عبد شمس (ابن خالتها) .
2- مولد محمد صلى الله عليه وسلم ، وسنواته الأولى
ولد محمد صلى الله عليه وسلم فى عام الفيل- عام حملة أبرهة غير الناجحة على مكة، وكان ذلك فى حوالى سنة 570 م تقريبا. وكان ميلاده بعد وفاة أبيه، فكفله جده لأبيه عبد المطلب. وكان من عادة الطبقات العليا فى مكة أن تدفع بأبنائها الى حاضنات من القبائل البدوية حتى ينمو الطفل فى جو الصحراء النقى فيغدو قوى البنية. وهذا ما حدث مع محمد صلى الله عليه وسلم طوال عامين أو أكثر، فقد رعته حليمة السعدية، وهى امرأة من بنى سعد ابن بكر من قبيلة هوازن.
وتوالت الصعاب على الطفل اليتيم فماتت أمه وهو فى السادسة من عمره وبعد ذلك بعامين مات جده، فكلفه عمه أبو طالب الذى اصطحبه معه فى تجارته الى الشام، ونشبت حرب الفجار (بكسر الفاء) ومحمد بين الخامسة عشرة والعشرين من عمره، ويقال انه قام بدور صغير فى هذه الحرب الى جانب أعمامه. وربما كان حاضرا أيضا عند تشكيل حلف الفضول، وفى وقت لاحق (بعد البعثة النبوية) صرح محمد صلى الله عليه وسلم أن هذا الحلف كان شيئا طيبا، وكان هدف الحلف هو اقرار مبادىء العدالة ضد الممارسات الظالمة لبعض القبائل القوية والغنية، وهو هدف قريب جدا من بعض جوانب تعاليم القران (الكريم) .
تلك هى الحقائق الأساسية عن محمد صلى الله عليه وسلم قبل زواجه، وذلك من وجهة نظر المؤرخين الذين يركزون على الحقائق الموضوعية (الدنيوية) ،
ومع ذلك فثمة جدال حول بعض هذه النقاط. وعلى أية حال، فهناك أيضا حكايات كثيرة تصوره على أنه كان شخصية ذات أبعاد غيبية theological character فى هذه المرحلة المبكرة من عمره. وهناك طائفة من المؤرخين الذين لا يؤمنون بالغيبيات يكادون يجزمون بعدم صحة هذه الروايات، لأنها تشير الى أمور من المنطقى أن نتوقع الاشارة اليها بعد أن أصبح نبيا، وهو ما لا نجد اشارة اليه. لكن المؤكد أن هذه الروايات تعبر عن شىء بالنسبة للمسلمين المؤمنين. وبالتالى فهى حقيقية بالنسبة لهم ومناسبة لاطالة حياة نبيهم، وربما كانت أيضا تعبيرا عما كان يمكن أن يراه كل ذى عينين ان كان حاضرا وقت حدوثها. وسيكون كافيا أن نقدم أشهر هذه الروايات بنص كلمات ابن اسحق:
«كانت حليمة بنت أبى ذؤيب من بنى سعد، مرضعة رسول صلى الله عليه وسلم تروى كيف كانت تبحث عن الرضعاء هى وزوجها وصبى لها صغير.
خرجت من أرضها مع بعض نساء من بنى سعد بن بكر طلبا للرضعاء، قالت: كانت سنة شهباء* لم تترك شيئا، فخرجت على أتان** لى سمراء مصفرة*** ومعنا شارف**** والله ما تبض بقطرة***** وما ننام ليلنا ذلك أجمع من صبينا ذاك يبكى من الجوع، ما نجد فى ثديى ما يغنيه ولا فى شارفنا ما يغذيه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك فلقد أذمت بالركب****** حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا، فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة الا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنأباه، اذا قيل انه يتيم تركناه وقلنا ماذا عسى أن تصنع الينا أمه، انما نرجو المعروف من أبى الولد، فأما أمه وجده فماذا عسى أن يصنعا الينا، فلم نكن نرغب فيه. فو الله ما بقى من صواحبى امرأة الا أخذت رضيعا غيره، فلما لم نجد غيره وأجمعنا الانطلاق قلت لزوجى:
والله انى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ليس معى رضيع، لأنطلقن الى
* جدباء ليس فيها مطر.
** أنثى ال؟؟ ار.
*** فى رواية ابن اسحق قمراء يعنى بيضاء بياضا فيه كرة.
**** ناقة مسنة هرمة.
***** ليس فيها قطرة لبن.
****** أتت بما يذم عليه من تخلف وتمهل- (المترجم) .
ذلك اليتيم فلاخذنه، فقال: لا عليك أن تفعلى، فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة. فذهبت فأخذته، فو الله ما أخذته الا أنى لم أجد غيره، فما هو الا أن أخذته فجئت به رحلى فأقبل عليه ثدياى بما شاء من لبن فشرب حتى روى وشرب أخوه (تقصد ابنها) حتى روى، فأخذ كل منهما كفايته ثم ناما ولم نكن ننام من بكاء صبينا، وقام صاحبى الى شارفنا تلك فاذا انها لحافل فحلب منها ما شرب وشربت حتى روينا، فبتنا بخير ليلة فقال صاحبى حين أصبحنا: يا حليمة، والله انى لأراك أخذت نسمة مباركة فأجبته: والله انى لأرجو ذلك. ثم خرجنا راجعين الى بلادنا وركبت أتانى حاملة الصبى، فو الله لقطعت أتانى بنا الركب حتى ما يتعلق بها حمار، حتى ان صواحبى ليقلن: ويلك يا بنت أبى ذؤيب، انتظرينا، أهذه أتانك التى خرجت عليها معنا؟ فأقول: نعم والله انها لهى، فقلن:
والله ان لها لشأنا. حتى قدمنا أرض بنى سعد وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فان كانت غنمى لتسرح ثم تروح شباعا لبنا (بضم اللام وسكون الباء) فنحلب ما شئنا وما حوالينا أو حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن، وان أغنامهم لتروح جياعا حتى انهم ليقولون لرعاتهم: ويحكم انظروا حيث تسرح غنم بنت أبى ذؤيب فاسرحوا معهم، فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن، وتروح أغنامى شباعا لبنا تحلب ما شئنا، فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين من العمر وفطمته، فكان يشب شبابا لا تشبه الغلمان، فو الله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا*، فقدمنا به على أمه ونحن أضن شىء به مما رأينا فيه من البركة، فلما رأته أمه قلت لها دعينا نرجع بابننا هذه السنة الاخرى فاننا نخشى عليه وباء مكة، فو الله ما زلنا بها حتى قالت نعم فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة، فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة فى بهم** لنا جاء أخوه ذلك يشتد، فقال: ذاك أخى القرشى جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه وهم يبحثون عن شىء بداخله، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائما منتقعا لونه، فاعتنقته واعتنقه أبوه وقلنا له: ما شأنك يا بنى، قال: جاءنى رجلان عليهما ثياب بيض، أضجعانى وشقا بطنى ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه
* أى شديدا قويا- (المترجم) .
** جمع بهمة وهى أولاد الضأن والمعز والبقر، ولعل المراد هنا صغار الغنم.
ثم رداه كما كان، فرجعنا به معنا. فقال أبوه: يا حليمة، لقد خشيت أن يكون ابنى قد أصيب فانطلقى بنا نرده الى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف منه، فاحتملنا فقدمنا به على أمه، فقالت ما رد كما به يا ظئر*؟
فقد كنتما عليه حريصين، قلت: ان الله قد أدى عنا وقضينا الذى علينا وقلنا نخشى الاتلاف والأحداث، نرده الى أهله، فقالت: ما ذاك بكما فاصدقانى شأنكما، فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت: أخشيتما عليه الشيطان؟ كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل، والله انه لكائن لابنى هذا شأن، ألا أخبر كما خبره؟ قلنا بلى. قال حملت به فما حملت** حملا قط أخف منه، فأريت فى النوم حين حملت به كأنه خرج منى نور أضاءت له قصور بصرى فى الشام، ثم وقع معتمدا على يديه رافعا رأسه الى السماء، فاتركاه عنكما، وصاحبتكما السلامة الى بلادكما***.
وقال ابن اسحق: حدثنى ثور بن يزيد عن أحد العلماء لا أظنه أحدا غير خالد بن معدان الخلاعى أن بعضا من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام قالوا له: أخبرنا عن نفسك قال نعم، أنا دعوة أبى ابراهيم وبشرى عيسى عليهما السلام «5» ، ورأت أمى حين حملت بى أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام واسترضعت فى بنى سعد بن بكر، فبينما أنا فى بهم لنا خلف خيامنا أتانى رجلان عليهما ثياب بيض معهما طست من ذهب مملوءة ثلجا، فأضجعانى فشقا بطنى ثم استخرجا قلبى
* أى يا مرضع.
** أى فما حملت امرأة حملا قط أخف منه، فحذفت كلمة امرأة جريا على عادة العرب فى فصاحتهم حيث يحذفون الكلمة المفهومة ضمنا فانه من المعروف والثابت فى جميع كتب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له اخوة لا أشقاء ولا من الأم، وأن كلا من أبيه وأمه كان بكرا حين تزوجا، وعلى هذا لا يمكن أن تكون التاء هنا للمتكلم وانما للغائب- (المترجم) .
*** رواية ابن اسحق كما ذكرها ابن كثير فى البداية والنهاية مع اثبات الزيادات التى رواها المؤلف ولم ترد فى رواية ابن كثير. وهناك اختلافات بسيطة بين رواية ابن كثير ورواية المؤرخين الاسلاميين الاخرين- (المترجم) .
(5)
انظر سورة البقرة، 129 وما بعدها.
فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها، ثم غسلا قلبى وبطنى بذلك الثلج حتى اذا أنقياه رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزننى بعشرة فوزنتهم*، ثم قال: زنه بمئة من أمته، فوزننى بمائة فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزننى بألف فوزنتهم، فقال:
دعه عنك، فلو وزنته بأمته لوزنهم «6» **.
قال ابن اسحق: ثم ان أبا طالب خرج فى ركب تاجرا الى الشام.
فلما تهيأ للرحيل وأجمع المسير صب*** به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون، فرق له أبو طالب وقال: والله لاخرجن به معى ولا أفارقه ولا يفارقنى أبدا، أو كما قال، فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام**** وبها راهب يقال له بحيرى فى صومعة له، وكان اليه علم أهل النصرانية، ولم يزل فى تلك الصومعة منذ قط راهبا*****، اليه يصير علمهم عن كتاب فيها، فيما يزعمون، يتوارثونه كابرا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرى، وكانوا كثيرا ما يمرون به فلا يكلمهم ولا يعرض لهم، حتى كان ذلك العام، فلما نزلوا قريبا من صومعته، صنع لهم طعاما كثيرا، وذلك، فيما يزعمون، عن شىء راه وهو فى صومعته، يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الركب حين أقبل وغمامة تظلله من بين القوم، ثم أقبلوا فنزلوا فى ظل شجرة قريبا منه، فنظر الى الغمامة حين أظلت الشجرة، وانهصرت****** أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته وقد أمر بطعام فصنع، ثم أرسل اليهم فقال: انى صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروا كلكم، كبيركم وصغيركم وعبدكم وحركم، فقال له رجل منهم: والله يا بحيرى ان لك لشأنا اليوم، ما كنت
* أى كان وزنى اثقل منهم- (المترجم) .
** قال ابن كثير: وهذا اسناد جيد قوى- (المترجم) .
(6)
ابن هشام، 103- 106.
***) أى تعلق به وأظهر الشوق- (المترجم) .
**** وهى غير البصرة التى فى العراق- (المترجم) .
***** أى منذ زمن بعيد- (المترجم) .
****** أى اندفعت ومالت- (المترجم) .
تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيرا، فما شأنك اليوم؟ قال له بحيرى:
صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف وقد أحببت أن اكرمكم واصنع لكم طعاما فتأكلون منه كلكم، فاجتمعوا اليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداته سنه فى رحال القوم تحت الشجرة، فلما راهم بحيرى لم ير الصفة التى يعرف ويجدها عنده (فى كتابه)، فقال: يا معشر قريش.
لا يتحلفن احد منكم عن طعامى، قالوا: يا بحيرى، ما تخلف أحد ينبغى له أن يأتيك الا غلام وهو أحدتنا سنا فتخلف فى رحالنا، قال: لا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم. فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى ان كان للؤم منا أن يتخلف محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا، ثم قام اليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم. فلما راه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا، وينظر الى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته، حتى اذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام اليه بحيرى وقال له: يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى الا اخبرتنى عما أسألك عنه، وانما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسألنى باللات والعزى شيئا فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما، فقال له بحيرى: فبالله الا ما أخبرتنى عما أسألك عنه، فقال له: سلنى عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله فى نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته (فى كتابه)، ثم نظر الى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التى عنده (فى كتابه) . قال ابن هشام: كان مثل طبعة المحجم*. قال ابن اسحق: فلما فرغ أقبل على عمه أبى طالب فقال له: ما هذا الغلام منك، قال: ابنى، قال: ما هو بابنك، وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال:
فانه ابن أخى، قال فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال صدقت، ارجع بابن أخيك الى بلده واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليمسنه منهم شر فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع
* كأس الحجام- (المترجم) .