الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملحق (و) المرويات عن عروة
المادة المنسوبة الى عروة بن الزبير فيما يتعلق بالحقبة المكية من حياة محمد صلى الله عليه وسلم ذات أهمية كبيرة، بخاصة شذرات خطابه لعبد الملك التى نقلها لنا الطبرى، فهى مسألة جديرة بالتمعن خاصة عند التركيز على مسألة التعويل على عروة كمصدر. وفيما يلى سنفترض أن ما هو منسوب الى عروة، قد صدر عنه فعلا. وعلى أية حال، فسنفرض أيضا أنه من الطبيعى ألا يذكر من أين حصل على مادته وأن نذكر احتمال أن يكون قد نسبها اليه شخص اخر فى زمن الحق. مثل هذا الفرض قد يكون صحيحا تماما، لكن لابد أن يكون هناك دائما عنصر غير مؤكد فيما يتعلق به.
وعروة هو ابن الزبير بن العوام أحد المسلمين الأوائل وصديق قريب لأبى بكر بن الصديق، وأم عروة هى أسماء بنت أبى بكر، لأن عائشة بنت أبى بكر رضى الله عنها كانت هى خالته. فهو أخ من أبيه وأمه لعبد الله بن الزبير الذى بويع بالخلافة مناوئا بذلك خلفاء بنى أمية.
وكان عروة من المؤيدين لأخيه عبد الله، لكن بعد موت (عبد الله) يقال انه أسرع للخليفة الأموى عبد الملك وناشده باسم أمهما أن يسلمه جسد أخيه ليدفنه وتم له ما أراد. وتالف عروة مع الحكم الأموى وعاش فى المدينة المنورة بهدوء. واختلف المؤرخون فى تاريخ وفاته اختلافا تراوح بين سنة 93 هـ و 101 هـ، لكن التاريخ الملائم هو 94.
ويقال ان عروة هو أول من جمع المواد المتناثرة عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم . والشذرات المتفرقة التى أوردها الواقدى (ap.Wellhausen)
نقلا عنه أو عن طريقه (أى عن عروة الذى نقلها بدوره عن اخرين) تؤكد أنه- أى عروة- لابد قد قام بمحاولة من هذا النوع. ومن ناحية أخرى، فان المواد المنقولة عنه فى السيرة النبوية لابن هشام هى فى غالبها مواد متصلة بالأسرات التى ارتبط بها.
وعلى هذا، فهناك مواد متصلة بجده لأمه (أبو بكر) : ص 205، 245 وما بعدها، 327، 333، 650 (فى مدح تحرير أبى بكر لعامر بن فهيرة) 731 وما بعدها، 1016، وانظر أيضا الواقدى (كتاب المغازى)167. وهناك فقرة واحدة عن أبيه (809) وبعض الفقرات الاخرى عن عشيرة أسد أو أشخاص ذوى صلة بها.
ومن بين الفئة الأخيرة لابد أن نذكر عبد الله بن مسعود الذى اخى محمد صلى الله عليه وسلم بينه وبين الزبير، والذى تنازل (أى عبد الله) فى وصيته عن ممتلكاته للزبير وعبد الله بن الزبير. وربما يمكننا أيضا أن نعتبر زيدا بن الحارثة مرتبطا بعشيرة أسد؛ لأنه كان فى وقت من الأوقات عبدا لخديجة وربما أيضا عبدا لابن عمها حكيم بن حزام*، وتزوج أيضا لفترة من عمة عروة هند بنت العوام. وأيا ما كان السبب، فان عروة كان مهتما بزيد وابنه أسامة ويذكر الطبرى نقلا عن عروة أن زيد كان أول من أسلم من الرجال (وليس جد عروة: أبو بكر الصديق) .
كل هذا يجعل عروة مرتبطا بظروف سياسية بعينها فى الدولة الاسلامية- المجموعة ذات النفوذ (المقربة) فى حياة محمد صلى الله عليه وسلم :
أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة، كما ارتبط بعد ذلك بمجموعة:
عائشة وطلحة والزبير الذى كان مناوئا فى سنة 36 هـ لكل من على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان، ثم ارتبط- أى عروة- بالمجموعة (الحزب) التى كانت مسئولة عن مناوأة بنى أمية منذ حوالى 62 هـ الى 72 هـ (وهذه المجموعات الثلاث ليست متماثلة فى مواقفها، وان كان
* حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، أبو خالد ابن أخى خديجة وليس ابن عمها، كان صديقا للنبى قبل البعثة وبعدها، أسلم يوم الفتح. أزمنة التاريخ الاسلامى للدكتور عبد السلام الترمانينى، ج 1، م 2، ص 592.
هناك نوع من الاستمرار يجمعها) . وعلى هذا، فليس هناك غرابة أن نجد بين الروايات التى وصلت عن طريقه بعض المرويات التى تجعل أمية واخرين مسئولين عن معاداة محمد صلى الله عليه وسلم وأبى بكر الصديق، فعلى سبيل المثال نجده فى احدى الروايات المنسوبة اليه يذكر أن محمدا صلى الله عليه وسلم شكا من معاملة ابن عبد مناة، وقوائم المعارضين، وغلظة أبى جهل وبروزه للقتال.
وعلى أية حال، فان الأمر ليس بهذه البساطة، فالمجموعة القديمة كانت فى طريقها للتفكك، وقد بذل عبد الملك غاية جهده لاستقطاب رجل مثل عروة، ومن هنا فنحن نعلم من ابن سعد أنه كان من بين زوجات عروة حفيدة أبى البخترى (؟!) من عشيرة أسد وهى عشيرة عروة وحفيدة الخليفة عمر (من عدى) وامرأة من بنى أمية وأخرى من مخزوم. ولسوء الحظ، فان المراجع لم تخبرنا عن تواريخ هذه الزيجات، فاذا كان زواجه من هذه الأموية قبل الحرب الأهلية فان ذلك يفسر كيفية وصوله الى عبد الملك (باتخاذه هذه الزيجة مدخلا لذلك) . وفى المواد التى بين أيدينا أيضا نلاحظ نصا فى مدح عتبة بن ربيعة من عبد شمس، لكن هذا يتعارض مع حقيقة أن عتبة وان كان من عبد شمس الا أنه ليس من أمية بن عبد شمس.
يبدو أن هذه الحقائق تشير الى أنه بينما لم يسارع عروة فى مناوأة الأمويين- وهذا أمر مؤكد- فهو كان متعاطفا لفترة طويلة مع معارضيهم، رغم أن ذلك قد تغير شيئا ما بعد عام 72 هـ.
وأكثر من هذا، فان تراث أسرته (ما مر بها من أحداث) قد أثر فى نظرته للأحداث، ولا بد أنه قد جعله معاديا للأمويين. وعلى هذا، فهناك بعض الصحة فى الظن فى أن خطابه لعبد الملك رغم أنه منسوب له بالفعل، الا أنه ليس معبرا تعبيرا صادقا عما فى نفسه. ويؤكد هذا الشك أن بعض رواة هذا الخطاب كانوا يتحركون فى نطاق عقيدة القدر التى كانت ضد الأمويين:
أبان بن يزيد اعتنق عقيدة القدر (بالمفهوم المعتزلى) وكذلك فعل عبد الوارث بن سعيد أبو عبد الصمد.
وبالنظر الى هذا، فمن غير المعقول أن نظن- على سبيل المثال- أن الخطاب الموجه الى عبد الملك يعول كثيرا على الحاجة الى الهرب من الاضطهاد كدافع للهجرة للحبشة، فهذا الاضطهاد كان فى غالبه من فعل بنى أمية والعشائر الاخرى التى كانت عدوة تقليدية لمجموعة أبى بكر والزبير وأسرتيهما. وحتى اذا كانت سياسة أبى بكر وأصحابه يمكنها فعل الكثير ازاء الهجرة للحبشة، فان تراث الأسرة والعشيرة لم يكن ليصرف الانتباه لهذه الحقيقة غير المؤكدة.