المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ج) أسباب الهجرة الى الحبشة - محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة

[ويليام مونتغمري وات]

فهرس الكتاب

- ‌المستشرق (مونتجمري وات)

- ‌الألف كتاب الثانى نافذة على الثقافة العالمية

- ‌الفهرس

- ‌مقدمة الترجمة العربية

- ‌القران الكريم

- ‌الحديث

- ‌كتب السيرة والمغازى

- ‌كتب التاريخ العام

- ‌علم نفس النبوة

- ‌قضية عثمان بن مظعون (رضى الله عنه) وقضايا أخرى شبيهة

- ‌الأمن والمال والدولة والرسالة

- ‌«كل التاريخ تاريخ حديث»

- ‌تمهيد

- ‌1- وجهة نظر

- ‌2- ملاحظة عن المصادر

- ‌الفصل الأول الخلفية العربية

- ‌1- الأسس الاقتصادية

- ‌2- السياسة المكية

- ‌(أ) المجموعات السياسية فى قريش

- ‌الأدلة الرئيسية التى تؤكد افتراض هذا التقسيم للعشائر هى:

- ‌(ب) ادارة الأمور فى مكة

- ‌(ج) قريش والقبائل العربية

- ‌(د) سياسة مكة الخارجية

- ‌3- الخلفية الاجتماعية والأخلاقية

- ‌(أ) التضامن القبلى والفردية

- ‌(ب) المثل العليا الأخلاقية

- ‌4- الخلفية الدينية والفكرية

- ‌(أ) تدهور الديانة القديمة

- ‌(ب) «الانسانية القبلية»

- ‌(ج) ظهور الاتجاه نحو التوحيد

- ‌الفصل الثانى بواكير حياة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة النبوة

- ‌1- نسب محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌2- مولد محمد صلى الله عليه وسلم ، وسنواته الأولى

- ‌3- زواج محمد عليه الصلاة والسلام من خديجه

- ‌4- الدعوة للنبوة

- ‌(أ) رواية الزهرى

- ‌(ب) رؤى محمد عليه الصلاة والسلام

- ‌(ج) الاختلاء فى حراء، التحنث

- ‌(د) «أنت رسول الله»

- ‌(هـ) «اقرأ»

- ‌(و) سورة المدثر، الفترة

- ‌(ز) خوف محمد ويأسه

- ‌(ح) خديجة وورقة بن نوفل يشدان من أزر محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌خاتمة

- ‌5- أشكال وعى محمد صلى الله عليه وسلم بنبوته

- ‌6- التتابع الزمنى لوقائع الحقبة المكية

- ‌الفصل الثالث الرسالة الأصلية (جوهر الرسالة)

- ‌1- فى تاريخ نزول القران (الكريم)

- ‌2- المحتوى القرانى لأول ما نزل من القران (الكريم)

- ‌(أ) خلق الله للانسان ولطفه به

- ‌(ب) الكل راجع الى الله ليوفيه حسابه

- ‌(ج) استجابة الانسان- شكر وعبادة

- ‌(د) استجابة الانسان لله سبحانه- السماحة والكرم والتطهر

- ‌(هـ) مهمة محمد

- ‌3- العلاقة الوثيقة بين الرسالة والأحوال المعاصرة

- ‌(أ) الجانب الاجتماعى

- ‌(ب) الجانب الأخلاقى

- ‌(ج) الجانب العقلى

- ‌(د) الجوانب الدينية

- ‌4- مزيد من التأمل

- ‌(أ) الظروف الاقتصادية والدين

- ‌(ب) أصالة القران الكريم

- ‌الفصل الرابع أول من أسلم

- ‌1- الروايات المتداولة عن المسلمين الأوائل

- ‌2- استعراض للمسلمين السابقين

- ‌هاشم

- ‌المطلب

- ‌تيم

- ‌زهرة

- ‌عدى

- ‌الحارث بن فهر

- ‌ عامر

- ‌أسد

- ‌نوفل

- ‌ عبد شمس

- ‌ مخزوم

- ‌سهم

- ‌جمح

- ‌عبد الدار

- ‌[طبقات المسلمين الأوائل]

- ‌1- الأبناء الأصغر سنا فى الأسر ذوات الحيثية

- ‌2- رجال- غالبهم شباب- من أسرات أخرى

- ‌3- رجال ليس لهم ارتباطات عشائرية قوية

- ‌3- اللجوء الى الاسلام

- ‌الفصل الخامس تزايد المعارضة

- ‌1- بداية المعارضة، الايات الشيطانية

- ‌(أ) خطاب عروة

- ‌(ب) قصة الايات الشيطانية

- ‌(ج) الايات الشيطانية (ايات الغرانيق) ، الدوافع والتفسير

- ‌2- أمور الحبشة

- ‌(أ) الرواية التقليدية عن الهجرة الى الحبشة

- ‌(ب) شرح قائمتى المهاجرين الى الحبشة

- ‌(ج) أسباب الهجرة الى الحبشة

- ‌3- مناورات المعارضة

- ‌(أ) اضطهاد المسلمين

- ‌(ب) الضغط على بنى هاشم

- ‌(ج) عروض التسوية على محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌4- شهادة القران (الكريم)

- ‌(أ) النقد الكلامى لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(ب) النقد الكلامى لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(ج) أفعال معارضى محمد

- ‌5- قادة المعارضة ودوافعهم

- ‌الفصل السادس افاق ممتدة

- ‌1- تدهور فى أوضاع محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌2- زيارة النبى للطائف

- ‌3- الاقتراب من القبائل البدوية

- ‌4- المفاوضات مع المدينة

- ‌(أ) توطئة

- ‌(ب) بيعتا العقبة، الأولى والثانية

- ‌5- هجرة النبى صلى الله عليه وسلم الى المدينة

- ‌6- حصاد الحقبة المكية

- ‌الملحق (أ) الأحابيش

- ‌الملحق (ب) التوحيد عند العرب والتأثيرات اليهودية المسيحية

- ‌الملحق (ج) الحنفاء

- ‌الملحق (د) مبحث حول (تزكى)

- ‌الملحق (ه

- ‌الملحق (و) المرويات عن عروة

- ‌الملحق (ز) قوائم مختلفة

- ‌الملحق (ح) عودة المهاجرين

الفصل: ‌(ج) أسباب الهجرة الى الحبشة

على المفاهيم الكاملة وراء التصنيف (أو التقسيم) الذى اختاره عمر ابن الخطاب لنظام الأعطيات الذى أخذ به. فليس هناك ذكر للهجرة فنتج عن ذلك أن هؤلاء الذين عادوا من الحبشة

وفق غزوة خيبر، هؤلاء فقط هم الذين صنفوا بعد البدريين (الذين شهدوا غزوة بدر مع الرسول) بطبقتين.

(ج) أسباب الهجرة الى الحبشة

ما ذكرناه انفا- بفرض صحته- لا يزيد كثيرا من فهمنا للأمور المتعلقة بالحبشة، فهى ليست بالبساطة التى يظنها المسلمون

الله صلى الله عليه وسلم قال قلت لا ولكن قد خلص الى من علمه ما خلص الى العذراء فى سترها قال فتشهد عثمان فقال ان الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وامنت بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم وهاجرت الهجرتين الأوليين كما قلت وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته والله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ثم استخلف الله أبا بكر فو الله ما عصيته ولا غششته ثم استخلف عمر فو الله ما عصيته ولا غششته. ثم استخلفت أفليس لى عليكم مثل الذى كان لهم على قال بلى قال فما هذه الأحاديث التى تبلغنى عنكم؟ فأما ما ذكرت من شأن الوليد بن عقبة فسنأخذ فيه ان شاء الله بالحق قال فجلد الوليد أربعين جلدة وأمر عليا أن يجلده وكان هو يجلده وقال يونس وابن أخى الزهيرى عن الزهيرى أفليس لى عليكم من الحق مثل الذى كان لهم. حدثنى محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن هشام قال حدثنى أبى عن عائشة رضى الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبى صلى الله عليه وسلم فقال ان أولئك اذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تيك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة. حدثنا الحميدى حدثنا سفيان حدثنا اسحاق بن سعيد السعيدى عن أبيه عن أم خالد بنت خالد قالت: قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية فكسانى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الأعلام بيده ويقول سناه سناه قال الحميدى يعنى حسن حسن. حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله رضى الله عنه قال كنا نسلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشى سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله انا كنا نسلم عليك فترد علينا قال ان فى الصلاة شغلا فقلت لابراهيم كيف تصنع أنت قال أرد فى نفسى. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا يزيد بن عبد الله عن أبى بردة عن أبى موسر رضى الله عنه بلغنا مخرج النبى صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا الى النجاشى بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبى طالب فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا نبى الله حين افتتح خيبر فقال النبى صلى الله عليه وسلم لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان.

ص: 238

التقليديون. سيغدو هذا واضحا عند محاولتنا الاجابة عن هذا السؤال:

لماذا هاجر هذا العدد الكبير من المسلمين الى الحبشة؟

ان الاجابة الأولى الممكنة هى أنهم هاجروا لتحاشى القسوة والاضطهاد اللذين واجهوهما فى مكة. وهذا واضح فى خطاب عروة ورواية ابن اسحق، ورغم أن محمدا صلى الله عليه وسلم فى هاتين الروايتين هو الذى اتخذ المبادأة فان المرء يكاد يفترض أن هؤلاء المسلمين الأوائل قد هاجروا فى الأساس لخوفهم من المعاناة، ولدعم هذه الاجابة يمكن أن نذكر أن ما ذكره ابن اسحق عن أوائل المسلمين الذين لم يهاجروا الى الحبشة كانوا- خلا حالتين- ينتمون انتماء فعليا- أو كحلفاء- الى عشائر: هاشم والمطلب وزهرة وتيم وعدى، وتلك كانت هى عشائر حلف الفضول (مع استبدال أسد بعدى) وكان من الظاهر أنهم هم الذين كونوا المعارضة للمجموعة المحيطة بمخزوم وعبد شمس التى فيها القوة المالية «27» . فالمعارضة التى قادها ضد محمد صلى الله عليه وسلم المنتمون لمجموعات مخزوم وعبد شمس واضطهادهم لأتباعه- أى أتباع محمد صلى الله عليه وسلم تمثلت فى ضغوط عليهم لنزعهم من بين عشائرهم، بل وحتى من بين أسرهم.

وعلى أية حال، ففى المجموعة المنافسة والتى تمثلها زهرة وتيم وغيرهما من المفترض أنه لم يكن هناك الشغف نفسه فى ايذاء أتباع محمد مادام يهاجم الطبقة المالية العليا التى يكرهونها بدورهم، ومن هنا لم تكن هناك الضرورة نفسها عند أفراد هذه العشائر من المسلمين فى الهجرة الى الحبشة. وبالنسبة للاستثناءين الانف اشارتنا لهما*، فان الأرقم (المخزومى) رغم أنه كان ما يزال شابا الا أن وضعه كان قويا- ربما كان زعيما لفرع فى عشيرة- لأنه كان قادرا على تقديم بيته للمسلمين ليجتمعوا فيه ونفهم من هذا أنه لم يكن يتعرض للاضطهاد كالاخرين.

وأما الاستثناء الثانى فهو أبو أحمد بن جحش (حليف عبد شمس) وكان شاعرا أعمى، وبالتالى فقد كان له وضعه الخاص، ومع هذا فان ابن

(27) انظر الفصل الأول، الفقرة 2/ 1.

* من المسلمين الذين لم يهاجروا للحبشة- (المترجم) .

ص: 239

سعد يذكر أنه ذهب للحبشة، وان كان ابن اسحق لم يذكره ضمن من هاجروا اليها.

ويبدو أن هناك شيئا ما فى هذه الحجة وفى الاجابة عن السؤال المطروح فى صدر هذه الفقرة. فهناك أيضا اعتراضات على ما ذكرناه.

فاذا كانت هجرة المسلمين للحبشة لمجرد الخلاص من الاضطهاد فلم ظل بعضهم هناك حتى سنة 7 هـ، بينما كان يمكنهم أن يعودوا امنين ليلحقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فى المدينة؟ ليس لدينا ما يشير الى أن محمدا صلى الله عليه وسلم طلب منهم البقاء فى الحبشة بعد هجرته للمدينة- حتى يهيىء لهم ما يكفيهم فى المدينة. وحتى اذا كان الرسول قد فعل ذلك- أى طلب منهم البقاء فى الحبشة- لكان من المؤكد أن تذكر لنا الروايات ذلك. ان أية اجابة عن هذا السؤال المضاد تعنى أن هؤلاء المهاجرين كان لديهم بعض الأسباب للهجرة غير التخلص من الاضطهاد فى مكة. وربما كانت هذه الأسباب الاخرى هى الأهم.

والسبب المحتمل الثانى للهجرة هو الذى قدمه لنا الباحثون الغربيون. مع ملاحظة أن الروايات الأولى عن مبادرة* محمد صلى الله عليه وسلم يمكن للمرء أن يستدل منها على أنه كان مهتما كثيرا بأن يخفف عن أتباعه الصعوبات المادية التى كانوا يواجهونها، بقدر اهتمامه بابعادهم عن خطر الردة والعودة الى الشرك مرة أخرى، فاذا بقى هؤلاء الأتباع فى مكة عرضة لضغوط أسرهم فقد يرتدون وينكرون عقيدتهم الجديدة (الاسلام) . وحتى هذا السبب الثانى غير مقنع بما فيه الكفاية. تماما كالسبب الأول. فالى أى شىء يقودنا؟ ما الأساس الذى عليه بنى هؤلاء العائدون توقعهم بعودة امنة الى مكة؟ وفى الوقت نفسه، فان بعضهم كانوا من المسلمين الصامدين المتمسكين باسلامهم. وربما لم يكن من الممكن اغواؤهم وردهم عن دينهم. ألم يكن من الأفضل أن يظلوا فى مكة مع أقرانهم؟ ألم يكن هذا أدعى لشد أزر المسلمين الاخرين ورفع معنوياتهم؟!

* أى أنه صلى الله عليه وسلم هو الذى طلب من أصحابه الهجرة للحبشة- (المترجم) .

ص: 240

والسبب المحتمل الثالث ان هؤلاء المهاجرين الى الحبشة قد ذهبوا اليها لينخرطوا فى سلك التحارة. والان فلأن بعضهم قد قضى فى الحبشة ربما حوالى اثنى عشر شهرا، فلا بد أنهم دبروا لأنفسهم مصدرا للعيش، ولا بد أن يكون ذلك كما يكاد يكون مؤكدا عن طريق التجارة.

وقد حدثنا عروة عن الحبشة كاحدى مجالات تجارة أهل مكة. وحتى هذا السبب فى حد ذاته غير كاف لتبرير هجرة المسلمين الى الحبشة وحث محمد صلى الله عليه وسلم بعض صحبه عليها، اذا لم نفترض أنهم كانوا فى حالة يأس كامل فقدوا فيه كل الأمل فى الاصلاح الدينى (الدعوة للاسلام) فى مكة. لكن حتى اذا كان هذا هو اتجاه المهاجرين الى الحبشة، فانه لم يكن اتجاه محمد صلى الله عليه وسلم*. ومن هنا وجب علينا أن نبحث عن مزيد من الأسباب.

رابعا، أيمكن أن يكون ذلك (الهجرة الى الحبشة) جزا من بعض خطط محمد صلى الله عليه وسلم الماهرة؟ أكان يأمل فى تلقى مساعدة عسكريه من الأحباش كما من المحتمل أن يكون جده قد فعل من حيث طلبه دعم أبرهة العسكرى؟ (ليس فى كتب السيرة ما يفيد طلب جده لهذا الدعم المترجم) .

فربما لم يكن الأحباش كارهين لغزو جنوب شبه الجزيرة العربية لاستعادة ملكهم الضائع هناك، كما أن الامبراطور البيزنطى قد يكون وافق على هجوم تكتيكى على جناح الجيش الفارسى خاصة وأن الفرس كانوا قد استولوا على القدس قبل ذلك بعام أو عامين. أو هل كان محمد صلى الله عليه وسلم يأمل أن يجعل من الحبشة قاعدة لمهاجمة تجارة أهل مكة كما فعل بعد ذلك بالنسبة للمدينة بعد أن هاجر اليها؟ أو هل حاول محمد صلى الله عليه وسلم أن يطور طريقا بديلا للتجارة من الجنوب الى الدولة البيزنطية بعيدا عن مطال الدبلوماسية الملكية، وبالتالى يكسر احتكار رأسماليى مكة لهذه التجارة؟ لقد أفترضنا فى صفحات سابقة «28» أن سياسة مكة كانت

* المعنى أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن فى حالة يأس كامل من الدعوة للاسلام فى مكة- (المترجم) .

(28)

الفصل الأول، الفقرة 2/ ب.

ص: 241

سياسة حيادية؛one of neutrality لكن الحبشة بلا شك كانت غير موافقة على استعداد رأسماليى مكة للتجارة مع الفرس، وكانت الحبشة مستعدة لعمل كل ما فى وسعها لاضعاف مكة اقتصاديا. والرواية التى مؤداها أن المكيين قد أرسلوا رجلين كمبعوثين للنجاشى رواية مقبولة، وربما دعمت وجهة النظر التى مؤداها أن الهجرة للحبشة كانت ذات أبعاد اقتصادية وسياسية. لكن طبيعة هذه البعثة ونتائجها تبقى مجالا للتخمين. ربما كانت ناجحة من ناحية منع النجاشى عن تقديم مساعدة فعالة للمسلمين؛ باخباره بضعف موقفهم فى مكة حتى لو فشلت هذه البعثة فى تحقيق هدفها الأساسى- وفقا للرواية التقليدية- فى اعادة المهاجرين الى بلادهم. وعلى أية حال، فان هذا السبب الرابع رغم أنه جذاب فى بعض جوانبه الا أنه لا يفسر لنا كيف أن بعض المسلمين ظلوا بافين هذه المدة الطويلة فى الحبشة.

انه من الصعب أن نقاوم النتيجة التى ترتبط بالسبب الخامس ارتباطا وثيقا، ونعنى بها أنه كان هناك انقسام حاد فى الرأى بين الجماعة الاسلامية الناشئة. فبعد أن قدم لنا ابن اسحق قائمته التى نضم المهاجرين، أضاف ابن هشام ملحوظة مهمة مؤداها أن القائد لهذه المجموعة كان هو عثمان بن مظعون. وابن سعد «29» يذكر لنا أنه حتى أثناء الجاهلية كان ابن مظعون يتحاشى شرب الخمر وكيف أنه فى مرحلة لاحقة حاول أن يدخل فى الاسلام بعدا تقشفيا أو أمورا متعلقة بالزهد ascetic لم يوافق عليها محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قدم عثمان بن مظعون فى البداية مع عدد من الأصحاب كلهم من الرجال المهمين وكان هو- بلا شك- على رأسهم.

وعلى هذا، فانه يكاد يكون مؤكدا أن ينظر اليه كقائد جماعة بين المسلمين كانت- أى هذه الجماعة- منافسة لجماعة أخرى يتزعمها أبو بكر.

وملاحظة عمر التى ذكرها ابن سعد مؤداها أنه حتى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر الصديق رضى الله عنه، لم يفكر فى عثمان بن مظعون الا قليلا

(29) ج 3، 286- 291.

ص: 242

لأنه مات فى فراشة*- تعد شاهدا على التنافس بين عثمان بن مظعون من ناحية وجماعة أبى بكر وعمر بن الخطاب من ناحية أخرى**.

وهناك اشارات أخرى أيضا عن خلافات بين المسلمين. فخالد بن سعيد (من عبد شمس) كان واحدا من أوائل المسلمين يقال انه أول من هاجر للحبشة «30» لكنه لم يعد حتى غزوة خيبر، وبعد موت محمد صلى الله عليه وسلم يبدو أنه أظهر بعض العداء لأبى بكر رضى الله عنه، ربما أشارت هذه الرواية لوجود حزب أو جماعة ضد أبى بكر. ومن الحالات الطريفة أيضا حالة الحجاج بن الحارث بن قيس (من سهم) الذى ربما اختلط اسمه باسم الحارث بن الحارث بن قيس. لقد اخذ كاسير فى غزوة بدر وكان فى الجانب المعادى للرسول فى هذه الغزوة «31» . لكن يبدو أنه هو أيضا كان من بين المسلمين الذين هاجروا للحبشة «32» . وقد شككت بعض المصادر الاسلامية فى هذه الرواية الاخيرة المتعلقة بالحجاج بن الحارث؛ لكن هذا التشكيك مفهوم ولا يعد سببا لرفض أنه كان من بين المهاجرين الى الحبشة. واذا كان احد المهاجرين يحمل مثل هذا؟؟؟

فلم لا يكون الاخرون مثله؟ وهناك عدد لم تورد المصادر تاريخ وصولهم للمدينة «33» . وأخيرا هناك نعيم بن عبد الله النحام (من عدى) يبدو أنه كان أحد زعماء قبيلته عدى، وكان هو وأبو بكر من بين أشهر أوائل المسلمين الذين لم يذهبوا للحبشة. لكن يبدو أن الفتور قد ساد علاقته بالمجموعة الرئيسية التى كانت هى مجموعة أبى بكر فى الأساس، وعلى الأقل فهو لم يذهب للمدينة حتى سنة 6 هـ. وربما كان الى حد ما حاضرا فى ذهن عروة عندما قال ان بعضهم قد تعرض للفتنة. وعلى كل حال، فان عروة ليس شاهدا محايدا لأن أباه الزبير بن العوام كان قد تبع عثمان بن مظعون، وربما لم يكن دقيقا فى ذكره للدوافع والتواريخ التقريبية.

* أى لم يقتل فى معركة- (المترجم) .

** راجع مقدمة المترجم.

(30)

ابن سعد، 4، 1، 67- 72.

(31)

ابن هشام، 4، 5، ابن حجر، الاصابة، 1، 1608.

(32)

ابن سعد، 4، 1، 144.

(33)

انظر الملحق (ح) .

ص: 243

نخلص من هذا أن السبب الخامس (الأخير) نظرا لانطباقه على ظروف كل المهاجرين، فهو الأقرب الى أن يكون بعيدا عن كونه مجرد افتراض، وعلى أية حال، فنحن لسنا فى حاجة الى القول بأن الخلافات فى الرأى والتى أدت للهجرة للحبشة لم تكن قد وصلت الى درجة حادة، كما أن ما ذكرناه لا يعنى ان الأسباب الاخرى لم تكن قائمة بالمرة. وربما كان ما حدث كان شيئا قريبا مما ذكرناه الى حد ما.

لقد كان المهاجرون الى الحبشة كما هو واضح رجالا ذوى عقائد دينية صحيحة. وفى بعض الحالات كانت هذه العقائد الدينية الصحيحة لدى البعض راسخة حتى قبل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كما هو فى حالة عثمان بن مظعون وعبيد الله بن جحش (الذى تحول للمسيحية فى الحبشة) .

فمثل هؤلاء قد يكونون غير ميالين لقبول سياسة أبى بكر الخليفة المتوقع للرسول صلى الله عليه وسلم. ما هذه السياسة التى لم يكونوا راضين عنها؟ اننا لا نستطيع الا التخمين، وربما جاز لنا أن نصر على أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما نجح كنبى وقائد (النص: زعيم دينى وسياسى) الا لأن دعوته كانت ذات أبعاد سياسية واجتماعية معلنة (أى أعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم . وأولئك الذين بقوا فى مكة كانوا ممن ينتمون الى عشائر كانت مستعدة لقبول قيادة محمد صلى الله عليه وسلم (ربما كانت عدى استثناء من ذلك) ؛ بالنظر الى حلف الفضول القديم الذى اشتركت فيه هذه العشائر جميعا. ومهما كانت سياسة أبى بكر، فان محمدا صلى الله عليه وسلم كان بلا شك سيوافق عليها.

والقول بأن محمدا هو الذى اتخذ المبادأة* ربما كان محاولة لاخفاء الدوافع الأساسية بين الذين تخلوا عنه فى مكة، لكنه ليس من الضرورى أن نفسر البيانات المتاحة لنا ata بهذه الطريقة. انه لما يتفق مع شخصية محمد صلى الله عليه وسلم أن يعى بسرعة امكان حدوث شقاق أو خلاف فيتخذ بسرعة خطوات ليسد الثغرات ويتحاشى النتائج السيئة، لذا بادر باقتراح الهجرة الى الحبشة لتعزيز خطة تتفق مع مصالح الاسلام الذى لازلنا غير واعين بطبيعته الدقيقة، فالاسلام فى هدفه الظاهرى لم يحقق

* أى هو الذى وجه أتباعه للهجرة الى الحبشة- (المترجم) .

ص: 244