الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكما يقول أ. ج. توينبى A.J.Toynbee فى دراسته الممتعة عن البداوة: هى دورة العنف، فالبداوة تلاحق الحياة الزراعية، لأن تربية الضأن والجمال.. الخ لا يمكن تعلمها الا هناك.
والان، عندما جعلت دورة الجفاف المتكررة- فى بدايتها التالية- الحياة أكثر صعوبة فى الواحات، ومن باب أولى فى البادية، عاد اباء الحضارة البدوية الى السهوب بجسارة لينتزعوا منها ليس مجرد زاد اضافى، وانما أسباب العيش كلها، وذلك فى ظروف مناخية تجعل كلا من الصياد والزارع يريان فى السهوب الحياة مستحيلة.
فى كل ما ذكرناه هناك عملية انتقاء، ففى البداية كان هناك عدد من الأفراد جربوا اسلوب حياة البادية، ويمكننا أن نفترض أنهم كانوا مميزين بصفات مثل حب المغامرة والحرية، ثم أدى الصراع الضارى من أجل البقاء الى عملية انتقاء ليس على أساس الصفات البدنية فحسب بل أيضا على أساس الصفات الأخلاقية، اذ يتطلب النجاح فى حياة الصحراء درجة عالية من التكافل وهذا مرتبط بدوره بدرجة عالية من احترام الشخصية وتقدير القيامة الانسانية. ففى أتون الصحراء، يحترق خبث الاتجاهات والأفعال الدنيا تاركا ذهب الاخلاق العالية ودستور العلاقات الانسانية الراقية وتقاليدها والمستوى العالى من التفوق الانسانى خالصا نقيا. وان من مباحث هذا الكتاب بيان أن عظمة الاسلام تعود الى درجة كبيرة الى انصهار هذا العنصر* مع بعض مفاهيم التوحيد فى اليهودية والمسيحية.
4- الخلفية الدينية والفكرية
(أ) تدهور الديانة القديمة
أفضل دراسة بالانجليزية عن الديانة القديمة فى شبه الجزيرة العربية نجدها فى المقالة التى كتبها نولدكه Noldeke بعنوان
* يقصد المثل العليا الأخلاقية- (المترجم) .
«العرب (القدماء) » فى دائرة معارف الدين والأخلاق، The Encyclopaedia of Religion and Ethics أما الدراسة المقننة فتتمثل فى كتاب ج. فلهوزن J.Wellhausen وعنوانه Reste Arabischen Heidentums والمبنى أساسا على كتاب الأصنام لابن الكلبى وأضاف لامانس H.Lammens بعض الاضافات والتنقيحات فى مقاله
Lex Culte des Petyles et les procession riligieuses chez les Arabes Preislamites (Arabie، 101- 79)
. أما نظريات ديتلف نيلسن Dietlef Nielsen المنحرفة فهى- عادة- مرفوضة. وتسجل هذه الدراسات ما هو معروف عن عدد كبير من الالهة والربات والطقوس المتبعة فى عبادتهم. ونظرا لأن هذه المعلومات متفرقة، وبصرف النظر عن أنها مخطوطات، فانها تأتى من مصادر اسلامية، مما يجعل فيها مجالا واسعا للتخمين. ولن نتناول هذه الموضوعات هنا بأية درجة من التفصيل، حيث انه من المجمع عليه أن الديانة الوثنية القديمة لم تكن مؤثرة نسبيا فى زمان محمد عليه الصلاة والسلام .
كانت هذه الديانة نتيجة تطور استغرق وقتا طويلا. ومن الأشياء المشهورة التى عبدت من البداية الأحجار والأشجار. وفى بعض الأحيان لم تكن هذه الأشياء تعتبر الهة، بل كانت ينظر اليها على أنها مساكن الالهة أو منازلهم، ثم بعد ذلك نسبوا لها خصائص معنوية، ربما كان ذلك بتأثير أجنبى، وكان هناك اعتقاد بأن لهم صلة بأجسام سماوية*.
ويبدو أن اعتقاد البدو فى هذه الالهة لم يكن على درجة كبيرة من الجدية، ربما لأنها كانت فى الأصل الهة لمجتمعات زراعية، ولكن مع المعارضة التى واجهها محمد عليه الصلاة والسلام فى مكة، يمكننا أن نتصور أن بعض الجماعات الصغيرة فيها- ربما أولئك المهتمون بطقوس دينية معينة- كانوا على درجة أعلى من التدين، ومن ناحية أخرى استمرت بعض الممارسات مثل الحج الى الأماكن المقدسة فى مكة وحولها. مما أدام احترام الحرم أو المنطقة المقدسة التى فيها مكة، ولكن الانتهاكات التى
* الكواكب والنجوم- (المترجم) .