الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملحق (د) مبحث حول (تزكى)
ترجمة لفظ تزكى، وغيرها من مشتقات الأصل [ز ك ا](بصرف النظر عن زكاة) . كما ورد فى القران (الكريم) يثير بعض الصعوبات.
فأحد الباحثين جعل لها مقابلا انجليزيا purify oneseir أى تطهير النفس، لكنه أضاف بين قوسين فى الحواشى موضحا أن تطهير النفس يكون [بتقديم الصدقات. «1» [almsgiving وهناك باحث اخر جعل لها مقابلا بسيطا هو، «2» be charitable أى أحسن أو تصدق. واذا نحينا لفظ (زكاة) ، فان الجذر (زكا) ومشتقاته ورد فى القران (الكريم) حوالى 26 مرة، ومن المفيد أن نتناول ما هو مهم من هذه الأمثلة (المقصود الايات القرانية التى ورد فيها الجذر ومشتقاته) .
انها تقع فى أربع مجموعات:
المجموعة الأولى: نجد فيها المعنى واضحا، فهى كلها أمثلة للجذر الثانى زكى (بتشديد الكاف) المستخدم بمعنى «التبرئة من الاثم Justify «أو، count just تماما بنفس معنى الكلمة الانجليزية فى الأناجيل. ففى مثل هذه الحالات نجد أن الفكرة التى يدور حولها السياق هى ألا يزكى أحد نفسه، وانما الله هو الذى يزكى من يشاء. وكل الاشارات هنا مرتبطة بالايمان بالاخرويات، وكلها تشير الى اليهود فيما عدا الاية الأخيرة (سنورد الايات فى السطور التالية) . لقد ارتبط
Bell ،translation of Quran. (1)
J.Obermann -in the Arabic heritage ،1946 ،p. 108. (2)
استخدام الكلمة بهذا المعنى بتوجيه انتقادات لليهود، على النحو نفسه الذى وجهت الأناجيل (العهد الجديد) النقد لليهود:
«إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ال عمران/ الاية 77.
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا» 4 (النساء) / الاية 49.
وفى المجموعة الثانية يبين السياق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسله الله (ليزكى) الناس بمعنى يطهر، Purify وتعود الايات التى تستخدم الكلمة بهذا المعنى الى بواكير منتصف الحقبة المدنية (سنورد الايات فيما يلى) فالاية الأولى فى سياق خطاب لليهود، والايات الاخرى تشير الى محمد صلى الله عليه وسلم . ومادام الرسول لا يمكنه أن يطهر الناس (يزكيهم Purify (بالمعنى نفسه الذى نقصده عندما نتحدث عن أن الله (سبحانه) هو الذى (يطهر) أو (يزكى) ، ومن هنا فاستخدامنا للفعل Justify لا بد أن يعنى (تزكية) الله سبحانه كنتيجة لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى النحو نفسه يجب أن يكون استخدامنا للكلمة الانجليزية.Purify
وعلى أية حال، فربما كان من الممكن أن يمتد معنى الكلمة ليصبح «التوجيه
* أرقام الايات كما أوردها المؤلف مختلفة ولعله خطأ مطبعى- (المترجمان) .
نحو التزكية أو الهداية. «to dired to Justification of Purification
ومن ناحية أخرى فانها قد تعنى (دفع زكاة) وهذا مناسب اذا لم تكن كلمة (الزكاة) قد أخذت معناها الاصطلاحى وان احتفظت بشىء من الارتباط «بوسائل التطهر أو التزكى» . وعلى هذا، فحيثما تستخدم كلمة (يزكى) مرتبطة بالرسول، ربما كان معناها (أن يتطهر بفرض الزكاة) :
«رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» البقرة/ الاية 129.
«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» السورة 62 (الجمعة) / الاية 2.
أما استخدام أهل مكة (وربما فى المرحلة المدنية المبكرة أيضا) لكلمة (تزكى) وكلمة (التزكى) التى تمثل المجموعة الثالثة، فمختلف اختلافا يسيرا، ولنبدأ بذكر الايات:
«جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى» السورة 20 (طه) الاية 76.
«وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ، وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ» السورة 35 (فاطر) الاية 18.
«فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى» السورة 79 (النازعات) / الاية 18.
«وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى» السورة 80 (عبس) الاية/ 3.
«وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى» السورة 80 (عبس) الاية/ 7.
«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى» السورة 87 (الأعلى) الاية/ 14.
«الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى» السورة 92 (الليل) الاية/ 18.
ففى الايتين 3 و 7 من سورة عبس (المذكورة أعلاه) ، يبدو أن هدف الدعوة الاسلامية هو الوصول بالانسان الى رحلة التزكى التى تبدو- فى الغالب- مساوية للتحول للاسلام. وفى اية سورة طه (الواردة انفا) وعد بجنات عدن لمن تزكى، وشىء من هذا المعنى فى معظم الايات الاخرى (التى أوردناها انفا) . وعلى هذا، فان التزكى يبدو دليلا على الامتياز الخلقى الذى هو جزء من الأهداف السامية للحياة.
وهذا متفق مع ما كتبه الباحثون الغربيون عن الاستخدام المتماثل للكلمات الشبيهة فى العبرية والارامية والسريانية «3» . فالجذر العربى (ز ك ا) يعنى فى المعنى الأساسى نما أو ازدهر، لكن استخدامه قد تأثر بهذه اللغات الاخرى (المترجمان: ليس من الضرورى ذلك. فالزكاة مثلا مع أنها مال يدفعه المزكى، الا أن المفهوم دينيا أنها تزيد فى حسنات المزكى، فما نقص مال من صدقة..) .
ففى هذه اللغات تعنى الكلمة المقابلة- على نحو خاص- الطهارة الأخلاقية. وغرابة هذه الفكرة بالنسبة للعرب- رغم أنها قد لا تكون وصلتهم عن طريق القران الكريم- قد تساعدنا فى تفسير استخدامهم لمصطلح مثل تزكى لوصف هذه الفكرة. انها منفصلة عن الطهارة كنسك
Jeffery ،Vocabulary ،S.V. (3)
أو طقس (انظر: طهر فى سورة المدثر: «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ» الاية/ 4) التى كانت معروفة- بلا شك- فى الديانة القديمة (السابقة على الاسلام) .
وعلى هذا، فان معنى (تزكى) ربما كان أفضل- ليعبر عن (الصلاح - (righteousness ومن (الطهارة؛ (Purity وبذلك ارتبط بالفعل (زكى) الوارد فى الايات التى أوردناها فى المجموعة الأولى. وأية صعوبة فى افتراض أن الناس كانوا «صالحين» بالفعل يمكن أن نتجنبها باعتبار الكلمة تعنى «القصد الى الصلاح أو العمل ليكونوا صالحين aim at reightness واتخاذه مبدا» ؛ ولكن التمييز الكامن هنا ربما لم يكن موجودا بالنسبة للعرب.
وربما أضفنا لهذه المجموعة مثالين اخرين من الجذر الثانى، هما:
«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها» السورة 91 (الشمس) / الاية 9.
وربما يكون معنى يتزكى فى السورة 92 (الليل) / الاية 18 (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) هو المعنى نفسه فى الايات السابقة لكن لاحتمال انها فى مرحلة مدنية متأخرة [المترجمان: سورة الليل مكية وليست مدنية] * ولأنها تتعرض للمال، فربما كان المعنى الأقرب هو: الذى يقدم ماله ليطهر نفسه بالزكاة. وربما كانت تشير الى الزكاة كمصطلح فقهى لكن هذا لا ينفى معنى التطهر. فليس هناك اية مكية تشير الى رباط بين (تزكى) والمال، بل العكس، فهناك اشارة خاصة تبدو أحيانا فى غير سياقها كما فى حالة فرعون:
* ما بين القوسين توضيح من المترجمين.
«اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) » السورة 79 (النازعات) . وفى سورة عبس رغم الاشارة الى رجل (أو رجال) ثرى، فقد ورد ذكر الرجل الأعمى كاحتمال أن يتزكى (يزكى) .
وهناك أيضا مجموعة رابعة (من الايات) يسود فيها الاستخدام العربى الأصلى للجذر، نوردها كما يلى:
السورة 18 (الكهف) / الاية 19.
«فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ، قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً» السورة 18 (الكهف) / الاية 74.
«قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا»
السورة 19 (مريم) / الاية 19.
«فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ» السورة 24 (النور) / الاية 28.
«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ» السورة 24 (النور) / الاية 30.
وهذا لا يضيف عناصر جديدة لمشكلتنا ولا يحتاج الى مناقشة.
أما كلمة زكاة فتتردد فى القران (الكريم) بمعناها الفنى (الفقهى) وعادة ما يقترن ذكرها بذكر الصلاة، لكن هذا لا يمنع من استخدامها فى بعض الحالات فى غير معناها الاصطلاحى (الفقهى) كمعنى التميز الخلقى أو الصلاح، أى بالمعنى الوارد فى المجموعة الأولى من الايات التى أوردناها انفا، وأفضل أمثلة على ذلك تتضح من الايات التالية:
«فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً» السورة 18 (الكهف) / الاية 81.
«وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ» السورة 23 (المؤمنون) / الاية 4*.
وربما كانت الايات الواردة فى سورة مريم (13، 31، 55) أمثلة أخرى على هذا الاستخدام، لكن لارتباطها بالأنبياء فقد يكون معناها مما يندرج تحت المعنى الوارد فى المجموعة الثالثة التى أوردناها انفا، وهذه الايات هى:
«وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا» مريم/ 13.
«وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا» مريم/ 31.
«وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا» مريم/ 55.
وأخيرا، فان الاية 103 فى السورة رقم 9 (التوبة) تبدو مرتبطة بالمعنى الأخلاقى للفعل زكى مرتبطا بالطهارة كطقس (طهر) .
«خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم أن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم» فقد أمر الله محمدا أن يجمع من الناس صدقة لتطهيرهم وتنقيتهم (من الاثام) . ويميل بعض المفسرين الى معنى «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم، ثم انك بدفعهم الصدقة ستزكيهم» ، وفى تفسير اخر أن التزكية والتطهير فكرتان متصلتان مترابطتان. وقد يكون
* ليس هناك ما يمنع أن يكون لفظ الزكاة فى هذه الاية الكريمة بمعناه الفقهى أى أداء الزكاة المعروفة- (المترجمان) .
المفسرون غير مصيبين فيما يتعلق بسبب نزول هذه الاية، لكنهم بلا شك على حق فيما ذهبوا اليه من أن الفكرة كانت مهضمومة ومستوعبة فى الأفكار العربية السائدة. فلا بد أن هؤلاء الناس قد فعلوا شيئا جعلهم يعتقدون أنهم فى حاجة الى تطهير وتزكية، فهم أنفسهم الذين يريدون التطهر والتزكية.
هذا التدقيق يوضح لنا أنه فى الحقبة المكية- المجموعة الثالثة- ارتبط الفعلى (زكى) باستخدام دينى يشير الى الصلاح والتقوى.
وقد أورد الطبرى «4» تفسيرا لابن زيد جعل التزكى والاسلام شيئا واحدا. والاشارة للتزكى قد تكون مقرونة بالطهارة الخلقية (المعنوية) لكن ليس هناك ما يشير الى ارتباطها بالطهارة الطقسية (كالوضوء مثلا) ، ولم يكن التزكى فى هذه المرحلة المكية مرتبطا بدفع الصدقات. وفى المرحلة المدنية كما هو واضح من ايات المجموعة الثانية، ارتبط التزكى بدفع مال بقصد التطهر (التخلص من الذنوب) ، كما ارتبط الى حد ما بأمور طقسية. فما سبب تغير المعنى؟ ما الذى ربط الزكاة بأداء مال؟
ربما كانت هذه الكلمة مشتقة من الارامية حيث الزكاة تعنى التطهر وليس أداء مال. أم أن تغير المعنى كان بفعل اليهود المستقرين فى شبه الجزيرة العربية، أم أن هذا كان بفعل محمد نفسه (المترجمان: المؤلف هنا يسوق فروضا بعضها غير معقول، منها أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الذى غير المعنى، وهذا محال لأن القران الكريم منزل من عند الله، بل ان المؤلف يؤكد هذه الحقيقة فى أكثر من موضع فى كتابه هذا وكتبه الاخرى التى ترجمنا بعضها فى هذه السلسلة، بل ويذكر أن هناك اتجاها بين بعض المذاهب المسيحية بالاقرار بأن النص القرانى وحى من الله سبحانه. المسألة اذن لا تعدو مجرد فرض ينقضه المؤلف بعد ذلك. أما تشابه بعض الألفاظ العربية مع لغات سامية أخرى فليس غريبا؛ لأن العربية من بين مجموعة اللغات السامية، فهذا المشترك مشترك سامى) .
أما سبب هذا التغيير أو التحول فى معنى الكلمة فمسألة صعب فهمها أيضا «5» ، فما الصلة بين (الصلاح والتقوى) و (الطهارة الطقسية) و (دفع المال كصدقات) ؟
(4) تفسير الطبرى.
(5)
انظر Jeffery ،Vocabulary ،s ،v.:
ورغم ان (تزكى) لم يكن لها ارتباط فى معناها الأساسى بدفع الصدقات، الا أن «فضيلة» الكرم كانت سائدة فى ايات القران الكريم فى أوائل ما نزل من القران، وكانت هذه الفضيلة تتضمن- بطبيعة الحال- دفع الصدقات، لكن الباحث سنوك هرجرونك C.Snock Hurgronic «6» ناقش مسألة أن دفع الصدقات فى الشرق لم تكن (وحتى الان) لسبب اجتماعى أو نفعى ولكن لأنها أم الفضائل أو الفضيلة الرئيسية، وربما كان سنوك مثاليا فى قوله ان الصدقات (أو الزكوات) مقصودة لذاتها فى الشرق. وفكرة التضحية بشىء نفيس فكرة عميقه فى الفكر السامى الذى شهد حتى التضحية بالابن البكر- وهذا بلا شك للاعتقاد فى أن مثل هذا العمل يرضى الاله، وليعبر المضحى عن سعادته ببقية ممتلكاته. وبالنسبة لبشر هذا تفكيرهم، فانه قد وقر فيهم- حتى العظام- أنه من الطبيعى مراعاة الصدقات (الزكوات) التى تعنى التنازل عن جزء من ممتلكاتهم أو أموالهم، كنوع من أنواع التضحية لاسترضاء الاله. «7» Propitiatory sacrifice
وربما لم يكن شىء من هذه الفكرة موجودا فى الايات التى نزلت فى فترة مبكرة مشتملة على كلمة تزكى ولا حتى بمفهوم الكرم، لكن ايات القران الكريم التى نزلت فى فترة متأخرة تحمل شواهد على انبعاث الأفكار القديمة عن الكلمة، وهذا مرتبط بالتأكيد بتطور تطبيق شعيرة الزكاة فى الفترة الأخيرة من نزول القران، وتؤكد الشواهد من الأحاديث النبوية ذلك.
ففى سورة البقرة (الاية 271) ، نفهم أن الصدقات التى يتم دفعها خفية تكفر السيئات- أى تمحوها- وفقا للتفسيرات المتداولة. وفى السورة نفسها حديث عن الصدقات كفديه يستعاض بها للتكفير عن تقصير، كعدم حلق الشعر فى وقته أثناء شعيرة الحج، ويرى لين Lane أن الفدية
(6)
The Nouvelle Biographie de Mohammad، in Revue de lhistoire des religion.xxx 167 f Verspreide Geschriften، 1، 353 f.
وانظر أيضا: المراجع التى أوردها.
M.Gaudefroy -Demombynes ;Muslim Institutions ،105. (7)
تقدم ليحفظ المرء نفسه من الشر (اتقاء الشر) الذى ربما يلحق به نتيجة تقصير فى أداء المناسك أو الشعائر الدينية، أو بسبب حنثه فى يمينه.
ومرة أخرى، فان الزكاة الشرعية وفقا لهذه النظرية الأخيرة تفسر أن ما كان يدفع من الزكاة كان دائما جزا من ممتلكات المزكى وليس ما يقابلها من مال «8» . وهناك مرويات كثيرة عن التبرع بالمال أو دفع الصدقات تبين أن الشخص الذى لا يجد من يقبل صدقته هو شخص بائس سيىء الطالع»
، وأكثر من هذا فما دفع الشخص صدقة أو هبة لا يجب أن يسترده «10» .
(8) الغزالى، احياء، مج 5، الفصل 2.
(9)
البخارى، ونورد هنا الأحاديث الدالة على ذلك:(-) حدثنا معبد بن خالد قال سمعت حارثة بن وهب قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «تصدقوا فانه يأتى عليكم زمان يمشى الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها يقول الرجل لو جئت بها بالأمس لقبلتها فأما اليوم فلا حاجة لى بها» . حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذى يعرضه عليه لا أرب لى» . حدثنا عبد الله بن محمد أبو عاصم النبيل أخبرنا سعدان بن بشر حدثنا أبو مجاهد حدثنا محل بن خليفة الطائى قال سمعت عدى ابن حاتم رضى الله عنه يقول: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والاخر يشكو قطع السبيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما قطع السبيل فانه لا يأتى عليك الا قليل حتى تخرج العير الى مكة بغير خفير وأما العيلة فان الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ثم ليقفن أحدكم بين يدى الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ألم أوتك مالا فليقولن بلى ثم ليقولن ألم أرسل اليك رسولا فليقولن بلى فينظر عن يمينه فلا يرى الا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى الا النار فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة فان لم يجد فبكلمة طيبة» . حدثنا محمد ابن العلاء حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبى بردة عن أبى موسى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحدا يأخذها منه ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة تلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء.
(10)
البخارى. وفيما يلى الأحاديث الدالة على ذلك:
والجدير بالملاحظة أن الغزالى عندما أعد قائمة بالممتلكات التى تجب فيها الزكاة، وضع على رأس القائمة: الماشية ثم المحاصيل، ثم النقود والبضائع والمعادن. ونقول ان ما ذكر أولا (الماشية والمحاصيل) ، هو ما كان يستوجب التضحية Sacrifices وفقا لما ورد فى التوراة*.
واذا كان صحيحا أن نذهب الى أنه فى المرحلة المكية كانت (تزكى) تعنى القصد الى الصلاح أو التقوى أو الطهارة المعنوية، فان اختفاء هذا المعنى بعد ذلك قد يكون راجعا الى حقيقة أن هذه الطريقة فى التعبير عن فكرة جديدة بالنسبة للعرب أصبحت تتناقض مع المفاهيم الأقدم للطهارة الطقسية؟؟؟؟؟؟. لقد ربط القران الكريم المثالية الأخلاقية بالأوامر الالهية وبالتالى بالحكم الالهى، لكن اعادة تأكيد ملحوظة أن الطهارة الطقسية (بمعناها الطقسى) قد تفسد هذا الرباط. ومن هنا، فان (تزكى) قد مالت الى الانزواء قبل الحنيفية والاسلام**.
حدثنا مسلم بن ابراهيم حدثنا هشام وشعبة قالا حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال النبى صلى الله عليه وسلم: «العائد فى هبته كالعائد فى قيئه» .
حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم «ليس لنا مثل السوء الذى يعود فى هبته كالكلب يرجع فى قيئه» . حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول حملت على فرس فى سبيل الله فأضاعه الذى كان عنده فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تشتره وان أعطاكه بدرهم» - (المترجمان) .
* هذا مجرد صدفة ولا يعنى أى شىء، فالبخارى فى صحيحه مثلا لم يبدأ بالماشية وانما كان تناوله كالاتى: باب وجوب الزكاة، باب الورق،، باب الابل، باب الغنم
…
أى أنه بدأ بالورق- (المترجمان) .
** المعنى غير واضح. النص:
Hence ،Tazakka tended to fade out before hanifiyah and Islam. انظر، ص 76 من النص الانجليزى.