الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشىء يشبه ما يفعله الاثاريون هذه الأيام، ومع هذا فقد كان ضعيف الذاكرة ولم يحفظ القران قط فيما يقول الخطيب البغدادى. وساءت علاقته فى بغداد بالحنابلة.
كتب التاريخ العام
وكما رجع (وات) لمصادر أصيلة من فئة كتب السير والمغازى، رجع أيضا لأهم كتب التاريخ العام، ونعنى به تاريخ الطبرى المعروف باسم (تاريخ الأمم والملوك) وقد ولد الطبرى فى سنة 224 هـ وتوفى سنة 310 هـ.
ومرة أخرى نذكر بطريقة أخرى ما أوردناه انفا من أن قراءة كتب التراث فن، اذ لا بد أن يكون القارئ على وعى كامل بأنه ليس كل ما ورد بها صحيحا، لذلك لابد من نقد النص أو تقويم المرجع. وحالة الطبرى وضح دليل يؤكد قولنا هذا، فالرجل يقول فى مقدمة كتابه وكأنه يتبرأ من كثير مما ورد فيه انه لا دخل له، وانه كتب كل ما سمع سواء أكان صحيحا أم باطلا، مقبولا للعقل أم مرفوضا منه، فما هو الا مسجل لكل ما سمع، ونفضل هنا نقل عباراته كما هى:
«وليعلم الناظر فى كتابنا هذا أن اعتمادى فى كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أنى راسمه فيه، انما هو على ما رويت من الأخبار التى أنا ذاكرها فيه، والاثار التى أنا مسندها الى رواتها فيه، دون ما أدرك بحجج العقول، واستنبط بفكر النفوس، الا اليسير القليل منه، اذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين، وما هو كائن من أنباء الحادثين، غير واصل الى من لم يشاهداهم ولم يدرك زمانهم، الا باخبار المخبرين، ونقل الناقلين، دون الاستخراج بالعقول، والاستنباط بفكر النفوس. فما يكن فى كتابى هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها فى الصحة، ولا معنى
فى الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت فى ذلك من قبلنا، وانما أتى من قبل ناقليه الينا، وأنا انما أدينا ذلك على نحو ما أدى الينا» «1» .
وعند ما هذب ابن هشام سيرة ابن اسحق ذكر لنا أنه حذف من ابن اسحق بعضا مما يغضب الناس، بل بعضا مما لا يطيقه الناس.
اذن لقد وضع ابن هشام فى اعتباره (الناس) بالاضافة الى الحقيقة التاريخية وراح يوازن، وراح يحاول أن يكون محايدا قدر الامكان.
وتلك كلماته:
«
…
وتارك بعض ما ذكره ابن اسحاق فى هذا الكتاب، مما ليس لرسول الله- صلى الله عليه وسلم فيه ذكر، ولا نزل فيه من القران شىء، وليس سببا لشىء من هذا الكتاب، ولا تفسيرا له، ولا شاهدا عليه، لما ذكرت من الاختصار، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائى بروايته. ومستقص- ان شاء الله تعالى- ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به» «2» .
فبعض ما يورده المستشرقون مما لا يعجب القارئ المسلم هو فى الواقع منقول من المصادر الاسلامية دون اخضاعها للنقد وتقويم النص.
وما الى ذلك مما انتهى اليه منهج البحث التاريخى الحديث. فاخضاع كتب التراث للتقويم ليس بالضرورة تجريحا لها وانما هو محاولة لفهمها.
نقول هذا لأن ما أورده وات Watt عن حكاية الغرانيق أو الايات الشيطانية التى قيل ان الشيطان قذفها فى صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم واردة بنصها وتفاصيلها فى كتاب الطبرى، وهى حكاية مرفوضة عقلا. رغم أن وات أورد بعض الايات القرانية وحاول تفسيرها بما يفيد اثبات حكاية
(1) الطبرى، طبعة دار الكتب العلمية، ج 1، ص 13.
(2)
ابن هشام، مكتبة الايمان، ج 1، ص 10.
الغرانيق هذه. فما يوجه من نقد لمونتجمرى وات فى هذه الحال، انما هو فى الواقع نقد للطبرى.
على أية حال، كما كان وات أصيلا فى اختيار مصادره قرانا كريما وأحاديث شريفة وسيرا كان أيضا أصيلا فى اختياره للطبرى. لماذا؟
ليس من السهل الاجابة عن هذا السؤال دون استعراض تطور كتب التاريخ الاسلامى العام فى المكتبة التراثية العربية، لبيان أهمية الطبرى وأسبقيته.
لقد بدأ المؤرخون المسلمون فى كتابة التاريخ العام منذ منتصف القرن الثالث للهجرة/ التاسع للميلاد. وضمنوا كتبهم تاريخ البشرية عامة بقدر ما كان بين أيديهم من معلومات، لكن المؤرخ من هؤلاء كان يبدأ بالتركيز على تاريخ الاسلام والمسلمين منذ بداية الدعوة، مهملا ما سواه على عكس ما كان يفعل عندما كان يؤرخ لفترة ما قبل الاسلام.
وكتب التاريخ العام على نوعين: أولهما ما يسلسل الحوادث حسب تعاقب السنين ويسمى عادة بكتب الحوليات. وثانيهما يعرض السلالات الحاكمة أو تاريخ الملوك والدول، وقد جمع بعضهم بين ذكر الحوادث وذكر التراجم أو الوفيات.
وأول أهم مؤلفى التاريخ العام هو أبو حنيفة الدينورى المتوفى 282 هـ، ولم يصلنا من كتبه الا كتاب (الأخبار الطوال) ثم ابن قتيبة الدينورى المتوفى 276 هـ، وله كتاب (عيون الأخبار) وكتاب (المعارف) وهذا الأخير ليس فى مجال التاريخ. ثم نصل الى الطبرى (224- 310 هـ) أول مؤلف حول بمعنى الكلمة، أو على الأقل هو أول مؤرخ حولى يتوافر لدينا كتابه. ولد بمدينة امد عاصمة طبرستان وهى تقع على السواحل الشرقية لبحر قزوين أو بحر الخزر. درس الثقافة الدينية المعتادة قرانا وحديثا وفقها ونبغ فيها كما درس علوم اللغة، وارتحل لطلب العلم، وأقام فى بغداد مدة طويلة، وزار مصر، ثم عاد فاستقر