الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرية من القرى الذين بعث إليهم الرسل آية على يدي نبيهم، فآمنوا بها، بل كذبوا، فأهلكناهم بذلك، أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك؟ والمعنى: أنهم أشد عتوا من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات، ووعدوا أنهم يؤمنون عند مجيئها، فلما جاءتهم نكثوا العهد، وخالفوا، فأهلكهم الله، فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أشد نكثا، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ، حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ} [يونس 96/ 10 - 97].
والخلاصة: أن عدم تلبية اقتراحاتهم هو في صالحهم، إذ لو أجابهم تعالى لما طلبوا، ثم بقوا على كفرهم وعنادهم، لنزل بهم عذاب الاستئصال، إلا أن حكمة الله اقتضت تأخير العذاب عنهم إلى الآخرة.
وأما سؤالهم فهو سؤال تعنت، والله يعلم أنهم لا يؤمنون.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
إن قيام الساعة أمر محتم لا ريب فيه، وهو قريب الحصول، وأما مرور القرون السالفة من عهد البعثة إلى يومنا هذا وإلى ما شاءالله من أزمان، فلا يدل على طول المدة؛ لأن هذه القرون قصيرة جدا في عمر الدهر والتاريخ، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى.
2 -
الناس مع الأسف وبالرغم من قرب القيامة في غفلة وإعراض، أما الغفلة: فهي السهو عن الحساب وعن التفكر في العاقبة المحتومة، مع أن عقولهم تقتضي أنه لا بد من جزاء المحسن والمسيء.
وأما الإعراض: فهو الإمعان في البعد عن القرآن وترك آياته وعدم الإيمان بالله، بالرغم من الانتباه من الغفلة والجهالة.
3 -
لقد عطل كفار قريش مفاتيح الهداية والانتفاع بنور القرآن، وهزؤوا وسخروا من آيات الله التي تأخذ بيدهم إلى السعادة الدنيوية والأخروية.
4 -
احتج المعتزلة على حدوث القرآن بقوله تعالى: {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ.} . فقالوا: القرآن ذكر، والذكر محدث، فالقرآن محدث.
وأجابهم أهل السنة بأن المقصود بالإحداث: هو ما يسمع من حروف القرآن وأصواته، فهذا حادث لا شك. أما القرآن الذي هو كلام الله تعالى فهو قديم بقدم الله سبحانه وصفاته الحسنى.
5 -
طعن كفار قريش في نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأمرين:
أحدهما-أنه بشر مثلهم.
والثاني-أن الذي أتى به سحر.
وكلا الطعنين مردود؛ لأن النبوة تثبت بالمعجزات والدلائل، لا بالصور، فكونه بشرا لا يمنع نبوته، ولو بعث إليهم الملك لما علم كونه نبيا لمجرد صورته، بل الأولى أن يكون المبعوث إلى البشر بشرا؛ لأن الإنسان يأنس بأمثاله، وهو أقرب إلى قبول الشيء من أشباهه.
ثم إن ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن وغيره لا تمويه فيه ولا تلبيس، وليس فيه شيء من ظواهر السحر، فقد تحداهم صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة، فلو قدروا على المعارضة لأتوا بما يشبه القرآن، فلما لم يأتوا بمثله، دل ذلك على كونه معجزة في نفسه.
6 -
الحق أن قلوب الكفار ساهية معرضة عن ذكر الله، متشاغلة عن التأمل
والتفهم لمعاني القرآن، وقد تناجوا فيما بينهم بالتكذيب، وتشاوروا، فما صدر عن مشاوراتهم أعجب من موقفهم، فوصفوا محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، وبأن ما أتى به سحر، وقالوا: فكيف تجيئون إليه وتتبعونه، وأنتم تشاهدون أنه إنسان مثلكم؟! 7 - أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما تناجوا به، وأعلمهم بأن الله لا يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض، فسواء أسروا القول أم جهروا به، فإن الله به عليم.
8 -
صور القرآن الكريم اضطراب كفار قريش وترددهم وحيرتهم في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفي وصف القرآن بأشد أنواع الاستهجان، فقالوا: إنه ساحر وما أتى به سحر، ثم قالوا: إن ما أتى به أخلاط كالأحلام المختلطة، رآها في المنام، ثم قالوا: إنه افتراء، ثم قالوا: إنه شاعر، فهم متحيرون لا يستقرون على شيء، قالوا مرة: سحر ومرة أضغاث أحلام، ومرة افتراء، ومرة شاعر.
ثم عدلوا عن ذلك إلى المطالبة بالآيات على صدق نبوته كالآيات التي ظهرت على يد موسى كالعصا واليد، ومثل ناقة صالح، ومثل إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بوساطة عيسى، وإنما كان سؤالهم تعنتا، فقد أعطاهم الله ما فيه الكفاية.
9 -
اقتضت حكمة الله ورحمته تأخير العذاب عن الكفار المنكرين للبعث ولبعثة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لو أجابهم تعالى إلى مطلبهم، لعجل لهم عذاب الاستئصال، كما فعل بأهل القرى المتقدمين مثل قوم صالح وقوم فرعون، فإنهم ما آمنوا بالآيات، فاستؤصلوا، فلو رأى هؤلاء ما اقترحوا لما آمنوا؛ لما سبق من القضاء في علم الله بأنهم لا يؤمنون أيضا؛ وإنما تأخر عقابهم لعلمه تعالى بأن في أصلابهم من يؤمن.