المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المناسبة: الكلام مرتبط بما قبله بنحو واضح، فبعد أن أمر - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٧

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأنبياء

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌الأولى:

- ‌والثانية:

- ‌فضلها ومزيتها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌غفلة الناس عن الحساب يوم القيامة ودليل ذلك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بشرية الرسل وإنجاز الوعد لهم وجعل القرآن عظة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الإنذار بعذاب الاستئصال والتذكير بعجائب الخلق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توبيخ المشركين وإثبات الوحدانية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توبيخ آخر للمشركين على عدم تدبر آيات الكونالدالة على وجود الإله الواحد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌1 - فتق السموات عن الأرض:

- ‌3 - جعل الجبال رواسي الأرض:

- ‌4 - إيجاد الطرق مسالك بين الجبال:

- ‌ جعل السماء سقفا للأرض:

- ‌6 - خلق الليل والنهار والشمس والقمر:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موت جميع الخلائق ومجيء القيامة أو عذاب النار بغتة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (34):

- ‌نزول الآية (36):

- ‌نزول الآية (37):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حراسة الله وحفظه للإنسان وعدل الحساب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الأولى-قصة موسى عليه السلاممقارنة بين خصائص التوراة وخصائص القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌1 - خشية الله في السر:

- ‌2/ 67].2 -الخوف من يوم القيامة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الثانية-قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌1 -إنكار عبادة الأصنام والدعوة إلى توحيد الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -النقاش الحاد بين إبراهيم وقومه بعد كارثة تكسير الأصنام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌3 -الانتصار الساحق لإبراهيم-نجاته من النار

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌4 -نعم أخرى على إبراهيم وإنجاؤه مع لوط إلى الأرض المباركة

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الثالثة-قصة لوط عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الرابعة-قصة نوح عليه السلام

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الخامسة-قصة داود وسليمان عليهما السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة السادسة-قصة أيوب عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌أضواء على قصة أيوب عليه السلام:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة السابعة-قصة إسماعيل وإدريس وذي الكفلعليهم السلام

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الثامنة-قصة يونس عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة التاسعة والعاشرة-قصة زكريا ويحيى عليهما السلاممع قصة مريم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وحدة الرسالات السماوية والسنّة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الكافرين والمؤمنين في الآخرة وحال السماء فيها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نبي الرحمة المهداة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الحج

- ‌تسميتها:

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌فضلها:

- ‌الأمر بتقوى الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌نزول الآيتين (1 - 2):

- ‌نزول الآية (3):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستدلال بخلق الإنسان والنبات على البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الناسالجدال بالباطل والإيمان المضطرب وجزاء المؤمنين الصالحين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (8):

- ‌نزول الآية (11):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال اليائس من نصرة الرسول وإنزال الآيات البينات

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الفصل الإلهي بين الأمم وخضوع كل ما في الكون لعزة الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الكافرين والمؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المنع من المسجد الحرام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعيين مكان البيت الحرام والأمر بالحج إليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعظيم حرمات الله وشعائره

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التسمية عند ذبح البدن والأكل والإطعام منها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دفاع الله عن المؤمنين وأسباب مشروعية القتال

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (38):

- ‌نزول الآية (39):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاعتبار بهلاك الأمم السابقة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحديد مهمة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إحكام الوحي وصونه عن الشياطينقصة الغرانيق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وعده الكريم بالنصر والجنة للمهاجرين المقاتلين دفاعا عن النفس

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من دلائل قدرة الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌لكل أمة شريعة ومنهاج ملائمان

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أباطيل المشركين وتحديهم بخلق ذبابة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أوامر التشريع والأحكام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌ ‌المناسبة: الكلام مرتبط بما قبله بنحو واضح، فبعد أن أمر

‌المناسبة:

الكلام مرتبط بما قبله بنحو واضح، فبعد أن أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بالنداء للحج، أبان ثواب تعظيم أحكام الله وشرعه ومنها مناسك الحج، وإباحة ذبح الأنعام وأكلها إلا ما استثني تحريمه، ثم أتبعه بالنهي عن تعظيم الأوثان، والافتراء على الله، والكذب في أداء الشهادات، وهلاك من يشرك بالله، ثم أوضح كون تعظيم الشعائر من علائم التقوى ودعائمها، وأن محل نحرها هو الحرم المكي، كما أن لكل أمة أو جماعة مؤمنة ذبائح يتقربون بها إلى الله تعالى.

‌التفسير والبيان:

{ذلِكَ، وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ..} . أي ذلك هو المأمور به من الطاعات في أداء المناسك وثوابها الجزيل، ومن يعظم أحكام الله بالعلم بوجوبها والعمل بموجبها، بأن يجتنب المعاصي والمحارم، ويلتزم بالأوامر، فله على ذلك ثواب جزيل، والثواب يكون على الأمرين معا: فعل الطاعات، واجتناب المحظورات أو ترك المحرّمات.

والحرمات: جمع حرمة وهي بمعنى ما حرم الله من كل منهي عنه في الحج من الجدال والجماع والفسوق والصيد، وتعظيمها يكون باجتنابها. وقيل: الحرمات:

جميع التكاليف الشرعية في الحج وغيره، وقيل: هي مناسك الحج خاصة، وقيل: إنها حرمات خمس: المسجد الحرام (الكعبة) والبيت الحرام، والمشعر الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام. وتعظيمها باجتناب المعاصي، ومنها الاعتداءات فيها.

وضمير {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} راجع إلى التعظيم المفهوم من {يُعَظِّمْ} أي أن تعظيم هذه الأشياء سبب للمثوبة المضمونة عند الله تعالى، وعلى هذا لا يكون {خَيْرٌ} أفعل تفضيل.

ص: 206

{وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ} أي وأبيح لكم أيها الناس ذبح الأنعام وأكلها إلا ما استثني وتلي عليكم في آية المائدة وغيرها، وهو الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به.. إلخ ولم يحرم عليكم ما حرمه أهل الجاهلية من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي. فلا يراد من قوله {يُتْلى} ما ينزل في المستقبل، كما هو ظاهر الفعل المضارع، بل المراد: ما سبق نزوله، ويكون التعبير بالمضارع للتنبيه على أن ذلك المتلو ينبغي استحضاره والالتفات إليه.

والاستثناء متصل إن أريد من المستثنى: المحرم من خصوص الأنعام، وهو منقطع إن أريد به ما يشمل الدم ولحم الخنزير وغيرهما، والراجح الأول والجملة معترضة لدفع الإيهام بأن تعظيم الحرمات يقضي باجتناب الأنعام، كما قضي باجتناب الصيد في الحرم وفي أداء المناسك في الحج والعمرة.

{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} أي تجنبوا القذر من الأصنام، وسميت رجسا تقبيحا لها وتنفيرا منها، وابتعدوا عن عبادة الأوثان، فذلك رجس، والمراد من اجتنابها: اجتناب عبادتها وتعظيمها، وتأكيدا للأمر أوقع الاجتناب على ذاتها. والجملة مرتبطة بقوله:{وَمَنْ يُعَظِّمْ.} . أي إذا كان تعظيم حرمات الله فيه الخير ورضا الله تعالى، وكان من تعظيمها اجتناب ما نهى الله عنه، فاجتنبوا الأوثان، ولا تعظموها، ولا تذبحوا لها كما كان يفعل أهل الجاهلية.

{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} أي وابتعدوا عن الكذب والباطل وشهادة الزور، فذلك كله يدخل تحت عبارة {قَوْلَ الزُّورِ} والأحسن التعميم، حتى يشمل شهادة الزور،

أخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله» ثلاثا، وتلا هذه الآية.

ص: 207

وتمسكوا بهذه الأمور حنفاء لله، أي مخلصين له الدين، منحرفين عن الباطل، قصدا إلى الحق، دون إشراك بالله أحدا. والحنيف: المائل عن الديانات الباطلة إلى الدين الحق.

ثم ضرب للمشرك مثلا في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى بجملة مستأنفة مقررة لوجوب اجتناب الشرك، فقال:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ..} . أي ومن أشرك مع الله إلها آخر، وعبد غيره، فقد خسر خسرانا عظيما وهلك هلاكا مبينا، وهو في شركه شبيه بمن سقط من جو السماء، فتخاطفته الطيور، أي قطعته ومزقته في الهواء، وأخذ كل منها بقطعة منه، فتم هلاكه؛ أي هو كمن عصفت به الريح، فهوت به في مكان بعيد مهلك، لا يكون له منه خلاص ولا نجاة. والغرض من هذين التشبيهين التمثيليين تقبيح حال الشرك والتنفير منه.

ثم ذكر الله تعالى سبب تعظيم الشعائر فقال:

{ذلِكَ، وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ، فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} أي الأمر ذلك المذكور، ومن يعظم الهدايا (المواشي التي تذبح هدية للحرم) لأنها من معالم الحج، بأن يختارها جسيمة سمينة غالية الثمن، أو من يعظم أوامر الله ومناسك الحج، ومنها تعظيم الهدايا والبدن باستسمانها واستحسانها، كما قال ابن عباس، فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحذفت هذه المضافات، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها، كما ذكر في الكشاف. فقوله:{فَإِنَّها} عائد إلى حالة المعظم التي يدل عليها فعل {وَمَنْ يُعَظِّمْ} أو التعظيمة الواحدة. قال ابن العربي عن الشعائر: والصحيح أنها البدن.

روي أنه صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة، فيها جمل لأبي جهل، في أنفه برة من ذهب، أي حلقة من ذهب.

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمر قال: أهدى عمر نجيبا، فأعطي بها ثلاث مائة دينار، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

ص: 208

يا رسول الله، إني أهديت نجيبا، فأعطيت بها ثلاث مائة دينار، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنا؟ قال:«لا، أنحرها إياها» . وكان ابن عمر يسوق البدن مجلّلة بالقباطي-ثياب مصرية غالية الثمن-فيتصدق بلحومها وجلالها.

{لَكُمْ فِيها مَنافِعُ} أي لكم في البدن منافع دنيوية من لبنها وصوفها وأوبارها وأشعارها وركوبها، إلى أجل مسمى أي إلى أن تنحر، ويتصدق بلحومها، ويؤكل منها.

ويجوز ركوبها، حتى بعد أن تسمى بدنا أو هديا؛ لما

ثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قال: «اركبها» قال: إنها بدنة، قال:«اركبها ويحك» في الثانية أو الثالثة.

{ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أي ثم مكان حل نحر الهدي، وانتهاؤه عند البيت العتيق وهو الكعبة، أي الحرم جميعه، إذ الحرم كله في حكم البيت الحرام، كما قال تعالى:{هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة 95/ 5] وقال: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح 25/ 48]. وعلى هذا يكون المعطوف بثم في الآية كلاما تاما أريد به بيان المكان الذي تذبح فيه الهدايا بعد ما بين حكم تعظيمها والانتفاع بها إلى الأجل المعين.

وسبب تسميته بالبيت العتيق هو كما

أخرج البخاري في تاريخه، والترمذي والحاكم وابن جرير وغيرهم عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إنما سماه الله البيت العتيق؛ لأنه أعتقه من الجبابرة، فلم يظهر عليه جبار قط» .

ثم أخبر الله تعالى عن مشروعية ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله في جميع الملل فقال:

و {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً} أي جعلنا لأهل كل دين سلف ذبحا

ص: 209

يذبحونه تقربا إلى الله تعالى، وذلك ليس خاصا بأمة محمد صلى الله عليه وسلم وإنما هو في كل الملل. والصحيح كما قال ابن العربي أن المنسك: هو ما يرجع إلى العبادة والتقرب.

{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ} أي شرعنا لهم سنة ذبح الأنعام، لكي يذكروا اسم الله حين ذبحها، أي عند الشروع فيه، ويشكروه على نعمه التي أنعم بها عليهم.

ويؤيده ما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، فسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما.

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن زيد بن أرقم قال: قلت يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال:

«سنة أبيكم إبراهيم» قالوا: ما لنا منها؟ قال: «بكل شعرة حسنة» قال:

فالصوف؟ قال: «بكل شعرة من الصوف حسنة» .

{فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، فَلَهُ أَسْلِمُوا، وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} أي فإن معبودكم واحد، وإن تنوعت شرائع الأنبياء، ونسخ بعضها بعضا، فالجميع يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال سبحانه:{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء 25/ 21]. وقوله: {فَإِلهُكُمْ.} .

بمثابة العلة لما قبله من تخصيص اسمه الكريم بالذكر؛ لأن تفرده تعالى بالألوهية يقتضي ألا يذكر على الذبائح غير اسمه. وإنما قال: {إِلهٌ واحِدٌ} ولم يقل:

«فإلهكم واحد» لإفادة أنه تعالى واحد في ذاته وفي ألوهيته.

ومتى كان الإله واحدا فله أسلموا أي فيجب تخصيصه بالعبادة، والاستسلام له والانقياد له في جميع الأحكام. وقوله {فَلَهُ أَسْلِمُوا} مرتب بالفاء على الحكم بوحدانية الإله.

وبشر أيها النبي بالثواب الجزيل المخبتين، أي المتواضعين الخاشعين لله، من

ص: 210