الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظلمها وهو الكفر والمعصية، فاغتروا بذلك التأخير، ثم أخذتها بأن أنزلت العذاب بها، أي بأهلها، فتأخير العذاب من باب الإمهال، لا الإهمال، كما
جاء في الحديث الصحيح: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه، لم يفلته» .
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
إن نجاح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في رسالته متوقف أولا على الصبر على أذى قومه، لذا علمه ربه دروس الصبر، فكانت هذه الآيات تسلية له وتعزية، فقد كان قبله أنبياء كذّبوا، ذكر الله سبعة منهم، فصبروا إلى أن أهلك الله المكذبين، فما عليه إلا أن يقتدي بهم ويصبر.
2 -
من حكمته تعالى وحلمه أنه كان يؤخر العقوبة عن أولئك الكفار المكذبين رسلهم، الملحدين الجاحدين ربهم، ثم يعاقبهم، فتكون عقوبتهم عبرة للمعتبر، مدعاة للنظر والتأمل: كيف كان تغييره ما كانوا فيه من النعم بالعذاب والهلاك.
وكذلك يفعل بالمكذبين من قريش؛ إذ ما جرى على النظير يجري على نظيره عقلا وعادة وعدلا.
3 -
تدل هذه الآية {فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ} على أنه سبحانه يفعل بقوم النبي صلى الله عليه وسلم كل ما فعل بالأقوام الآخرين الغابرين إلا عذاب الاستئصال، فإنه لا يفعله بقوم محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد مكّنهم من قتل أعدائهم وثبّتهم.
قال الحسن البصري: السبب في تأخر عذاب الاستئصال عن هذه الأمة أن ذلك العذاب مشروط بأمرين:
أحدهما-أن عند الله حدا من الكفر من بلغه عذّبه، ومن لم يبلغه لم يعذبه.
والثاني-أن الله لا يعذب قوما حتى يعلم أن أحدا منهم لا يؤمن. فأما إذا حصل الشرطان: وهو أن يبلغوا ذلك الحد من الكفر، ويعلم الله أن أحدا منهم لا يؤمن، فحينئذ يأمر الأنبياء، فيدعون على أممهم، فيستجيب الله دعاءهم، فيعذبهم بعذاب الاستئصال، وهو المراد من قوله:{حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} أي من إجابة القوم، وقوله لنوح:{أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ} . وإذا عذبهم فإنه ينجي المؤمنين؛ لقوله: {فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا} أي بالعذاب، نجينا هودا
(1)
.
4 -
كثير من أهل القرى أهلكهم الله، حال استمرارهم على الظلم وهو الكفر، فتصبح بيوتهم خاوية على عروشها، أي ساقطة أو خالية من أهلها، كما تصبح آبارهم معطلة عن وارديها وسقاتها، وقصورهم المرفوعة البنيان خربة أو خالية من سكانها، فتحل الوحشة محل الأنس، والإقفار بعد العمران.
وفي ذلك موعظة وعبرة وتذكرة، وتحذير من مغبّة المعصية، وسوء عاقبة المخالفة لأوامر الله تعالى ونواهيه.
5 -
قوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} حثّ واضح على الاعتبار بآثار الأمم البائدة التي أهلكها الله بكفرها وظلمها، فإذا اعتبر الناس بذلك كانوا منتفعين بحق بحواسهم وإدراكاتهم وعقولهم، وإن لم يعتبروا كانوا معطلين لتلك الطاقات والنعم، فاستحقوا العقاب.
ومن كان في الدنيا أعمى بقلبه عن الإسلام، فهو في الآخرة في النار.
(1)
تفسير الرازي: 43/ 23