الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحوت وتلك الظلمات، وكما أنجيناه من الكرب والشدة، ننجي أيضا المؤمنين الصادقين إذا استغاثوا بنا، وطلبوا رحمتنا.
روى البيهقي وغيره عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوة ذي النون في بطن الحوت: {لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ، سُبْحانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ}، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط، إلا استجاب له» فهو قد بدأ بالتوحيد، ثم بالتنزيه والتسبيح والثناء، ثم بالاستغفار والإقرار على نفسه بالظلم أي الذنب.
وروى ابن أبي حاتم عن أنس يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يونس النبي عليه السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات، وهو في بطن الحوت قال:
اللهم، لا إله إلا أنت، سبحانك، إني كنت من الظالمين فأقبلت هذه الدعوة تحت العرش، فقالت الملائكة: يا رب، صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة، فقال: أما تعرفون ذاك؟ قالوا: لا، يا رب، ومن هو؟ قال: عبدي يونس، قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبّل، ودعوة مجابة، قالوا: يا رب، أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء، فتنجيه من البلاء؟ قال:
بلى، فأمر الحوت، فطرحه في العراء.
فقه الحياة أو الأحكام:
أحوال الأنبياء عجائب وغرائب ومعجزات خاصة يظهرها الله على أيديهم، لا تقاس عليها إطلاقا أحوال البشر العاديين. وقصة يونس من هذه العجائب الفريدة.
فقد ذهب يونس عليه السلام مغاضبا من أجل الله، والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي، وكانت هذه المغاضبة صغيرة في رأي القرطبي، ولم يغضب على الله، ولكن غضب لله، إذ رفع العذاب عنهم.
فلا يجوز على نبي الله أن يغاضب ربه؛ لأن ذلك صفة الجاهل كون الله مالكا للأمر والنهي، والجاهل بالله لا يكون مؤمنا، فضلا على أن يكون نبيا، وإنما خرج مغاضبا من أجل ربه، أي غضب على قومه من أجل كفرهم بربه.
لكن كان الأولى له أن يصابر وينتظر الإذن من الله تعالى في الهجرة عن قومه، لهذا قال تعالى:{وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ} [القلم 48/ 68] كأن الله تعالى أراد لمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل المنازل وأعلاها.
وقال القشيري: والأظهر أن هذه المغاضبة كانت بعد إرسال الله تعالى إياه (أي يونس) وبعد رفع العذاب عن القوم بعد ما أظلهم؛ فإنه كره رفع العذاب عنهم.
وظن يونس عليه السلام عند ذهابه أن لا يضيق الله عليه بالحبس، أو ألا يقضي عليه بالعقوبة، من القدر الذي هو القضاء والحكم، وورد القدر بمعنى التضييق كما في الآيتين المتقدمتين:{اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد 26/ 13] أي يضيق، وقوله:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق 7/ 65].
وورد بمعنى التقدير وهو الحكم، وليس القدرة والاستطاعة، كما في قوله تعالى:
{فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر 12/ 54].
ثم أدرك يونس وهو في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت أنه ظلم نفسه في الخروج من غير أن يؤذن له، أو في ترك الصبر على قومه، وليس في ذلك من الله عقوبة؛ لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، وإنما كان ذلك تمحيصا وتعليما، وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان، فتضرع إلى الله وجأر إليه بالدعاء المتقدم:{لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ، سُبْحانَكَ.} . فأكرمه الله تعالى، وحماه من أن يهضم الحوت جسده، وإنما جعله له سجنا فقط، ثم أمر الحوت بإلقائه، فطرحه على ساحل البحر.