الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{كَبِيرُهُمْ هذا} مبتدأ وخبر.
البلاغة:
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ} استعارة، شبه رجوعهم عن الحق إلى الباطل بانقلاب الشخص حتى يصبح أسفله أعلاه بطريق الاستعارة.
المفردات اللغوية:
{قالُوا} أي بعد رجوعهم من مجتمعهم في يوم العيد، ورؤيتهم ما فعل. {قالُوا} الثانية:
أي بعضهم لبعض. {يَذْكُرُهُمْ} أي يعيبهم ويسبهم. {عَلى أَعْيُنِ النّاسِ} أي معاينا ظاهرا بمرأى منهم، بحيث تتمكن صورته في أعينهم تمكن الراكب على المركوب. {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} عليه بفعله أو قوله، أو يحضرون عقوبتنا له.
{قالُوا} بعد إتيانه {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا} حين أحضروه. {قالَ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا} أسند الفعل إليه تجوّزا وتعريضا لهم بأن الصنم المعلوم عجزه عن الفعل لا يكون إلها، وإنما هو متسبب لما حصل، والقصد تبكيتهم وإلزامهم الحجة وحملهم على ترك الوثنية، أو للاستهزاء بهم، ولهذا قال:{فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ} أي اسألوا هذه الأصنام عن الفاعل الذي كسرها إن كانوا يقدرون على النطق.
وما روي في الصحيحين وعند أحمد عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» تسمية للمعاريض كذبا، لما شابهت صورتها صورته. وجملة {فَسْئَلُوهُمْ..} . فيه تقديم جواب الشرط.
{فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ} أي راجعوا عقولهم، وفكروا وتدبروا {فَقالُوا} لأنفسهم {إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظّالِمُونَ} بعبادتكم من لا ينطق. {ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ} انقلبوا إلى المجادلة بعد ما استقاموا، وعادوا إلى جهلهم، وردوا إلى كفرهم، وقالوا لإبراهيم: والله {لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} أي فكيف تأمرنا بسؤالهم. وقوله: {ثُمَّ نُكِسُوا.} . شبّه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء مستعليا على أعلاه.
التفسير والبيان:
هذا هو الفصل الثاني من قصة إبراهيم، الذي يصور مرحلة الغليان والغيظ والحقد عند عبدة الأصنام بعد تكسيرها وتحطيمها، وهي كارثة بالنسبة إليهم تتطلب معرفة الفاعل للثأر منه، وحكاية ذلك:
{قالُوا: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا} ؟ أي قال عبدة الأوثان قوم إبراهيم، النمروذ وأتباعه، على سبيل الوعيد والتوبيخ، حين رجعوا وشاهدوا تحطيم آلهتهم: من الذي كسر هذه الآلهة؟ وتعبيرهم بالآلهة تشنيع وتهويل، ومبالغة في التعنيف.
{إِنَّهُ لَمِنَ الظّالِمِينَ} أي إن هذا الفاعل في صنيعه هذا لمن الذين ظلموا أنفسهم وعرّض نفسه للإهانة والعقاب، إما لجرأته على الآلهة، وإما لإفراطه في كسرها وتماديه في الاستهانة بها.
{قالُوا: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ: إِبْراهِيمُ} قال بعضهم الذي سمع قوله المتقدم: {وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ} : سمعنا شابا يعيبهم ويتوعدهم يسمى إبراهيم، فهو الذي فعل بهم هذا. قال ابن عباس: ما بعث الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية:{قالُوا: سَمِعْنا فَتًى.} ..
وظاهر الآية يدل على أن القائلين جماعة لا واحد، فقد كان يناقشهم ويقول:{ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ} فغلب على أذهانهم أنه الفاعل.
{قالُوا: فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} أي قال نمروذ وأشراف قومه: إذن فأتوا به على مرأى ومسمع من الناس في الملأ الأكبر، بحضرة الناس كلهم، حتى يروه ويشهدوا عليه، فلا يأخذوه بغير بينة، أو حتى يبصروا ما يصنع به فيكون عبرة. وكان هذا هو مقصود إبراهيم عليه السلام أن يبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم، وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام التي لا تمنع عن نفسها ضرا ولا تنصر أحدا.
{قالُوا: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ} ؟ أي فلما أتوا به-وهذا كلام محذوف مفهوم-قالوا له: أأنت الذي كسرت هذه الأصنام؟ فأجابهم:
{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا} أي بل الذي فعل هذا هو الصنم الأكبر، الذي لم يكسره.
وقد نسب الفعل إلى هذا الصنم الأكبر، لما رأى شدة تعظيمهم له، باعتباره المتسبب أو الباعث على الفعل، أي الاستهانة والتحطيم، والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى المتسبب فيه. أو أنه أقرّ بفعله بأسلوب تعريضي لإلزامهم الحجة وتبكيتهم، كما يقول الصانع الحاذق الشهير أو الخطاط المشهور لمن يسأله عن هذه الصنعة الرائعة أو الخط الجميل: بل أنت صنعت ذلك أو بل أنت كتبت ذلك، والقصد بهذا الجواب تقرير السائل على سؤاله مع الاستهزاء به، لا نفيه عن صاحبه وإثباته للسائل.
{فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ} أي فاسألوا هذه الأصنام عمن كسرها إن كانوا آلهة ينطقون.
وفي ذلك الجواب لفت أنظارهم وتنبيه أذهانهم إلى عقم عبادة الأصنام، فيبادروا من تلقاء أنفسهم للاعتراف بعدم جدواها وأنها أحجار صماء لا تنطق، وجمادات لا تتكلم، فكيف تستحق العبادة؟! وقد أثر الجواب في أفكار هم بدليل قوله الآتي:{فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ} أي فرجع قوم إبراهيم حينئذ على أنفسهم بالملامة، ونسبوا إلى أنفسهم التقصير في عدم الاحتراز وعدم حراسة آلهتهم، ما داموا لا ينطقون، وقالوا:
{فَقالُوا: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظّالِمُونَ} أي قال بعضهم لبعض: إنكم أنتم الظالمون في ترككم لها مهملة لا حافظ عندها. أو أنتم الظالمون أنفسكم بعبادة ما لا ينطق.
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ، لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} أي ثم أطرقوا في الأرض للتأمل والتفكير، أو عادوا إلى المجادلة بالباطل لإبراهيم وانقلبوا عن حال الاستقامة، واحتجوا على إبراهيم حينما أدركتهم الحيرة بقولهم: إنك تعلم ونحن