الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أي الله يقضي بين المؤمنين منكم والكافرين يوم القيامة فيما اختلفتم فيه من أمر العقيدة والدين، بالجزاء الحاسم المتردد بين الجنة والنار، والثواب والعقاب، الأول لمن قبل، والثاني لمن رفض، فتعرفون حينئذ الحق من الباطل، والمحق من المبطل.
والخلاصة: إن الآيات آمرة باستمرار الدعوة إلى شرع الله ودينه، وعدم التمييز بين الناس، دون مبالاة بجدل المرائين وعرقلة المتخلفين، فإن الداعي على حق أبلج، كما قال تعالى:{فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، وَقُلْ: آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ، اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ، لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ، لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ، اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى 15/ 42].
ثم أخبر الله تعالى عن كمال علمه بخلقه وعلمه بالكائنات كلها قبل خلقها وبما يستحقه كل من المسيء والمحسن، فقال:
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ، إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} أي لقد علمت أيها الرسول-والخطاب وإن كان معه، فالمراد سائر الناس-أن علم الله محيط بما في السموات وما في الأرض، فلا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما، وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ. وكتابة كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، وعلمه الشامل، وفصله بين عباده يوم القيامة يسير سهل عليه.
فقه الحياة أو الأحكام:
يفهم من الآيات ما يلي:
1 -
لكل أمة من الأمم المتقدمة شريعة خاصة بها، صالحة لزمانها، أي أنه
كانت الشرائع في كل عصر، ومن الخطأ البيّن التمسك بما كان للأولين من شريعة التوراة والإنجيل؛ لأن القرآن نسخ ما قبله من الشرائع.
2 -
إن خاصم الناس بالباطل، كمخاصمة مشركي مكة محمدا صلى الله عليه وسلم، فليقل المؤمن:{اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ} من الكفر والتكذيب، وهذا أمر من الله تعالى لنبيه بالإعراض عن مماراة قومه، صيانة له عن الاشتغال بتعنتهم، ولا جواب لصاحب العناد، فإنهم إن أبوا إلا المجادلة بعد الاجتهاد بتسوية النزاع، فليدفعوا بأن الله أعلم بأعمالكم وبقبحها، وبما تستحقون عليها من الجزاء، فهو مجازيكم به.
وهذا وعيد وإنذار، ولكن برفق ولين.
3 -
الله تعالى هو الذي يحكم بين النبي صلى الله عليه وسلم وقومه، وبين المؤمنين والكافرين فيما يختلفون فيه من أمر الدين، فيعرف حينئذ الحق من الباطل.
قال القرطبي: في هذه الآية أدب حسن علّمه الله عباده في الرد على من جادل تعنتا ومراء ألا يجاب ولا يناظر، ويدفع بهذا القول الذي علمه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.
4 -
على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من بعده الدعوة إلى دين الله الحق، فإن هذا الدين طريق واضح مستقيم مؤد إلى المقصود، وعلى كل داعية إلى الله وتوحيده وعبادته ألا يعبأ بالعثرات، وألا يهتم بمراء المجادلين، ومحاولاتهم الوقوف في وجه الدعوة.
5 -
الله عليم بأحوال الناس وبما هم مختلفون فيه، وإن كل ما يجري في العالم هو مكتوب عند الله في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ، وإن العلم الشامل بما في السماء والأرض، والفصل بين المختلفين يسير جدا على الله تعالى.
ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء»