الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
هذه بعض أباطيل المشركين الدالة على جهلهم وكفرهم وسخافتهم فيقول تعالى:
1 -
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً، وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} أي ويعبد هؤلاء المشركون آلهة من غير الله، ليس لهم دليل نقلي ولا عقلي على عبادتها، فهو تعالى لم ينزل من السماء بجواز عبادتها حجة ولا برهانا، وهو المقصود بالدليل النقلي السمعي، والمراد من قوله:{ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً} وليس لهم دليل عقلي وهو المراد بقوله: {وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} وإذا لم يكن هناك دليل مقبول، فهو عن تقليد للآباء والأسلاف، أو عن جهل وشبهه، وكل ذلك باطل.
ونظير الآية قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ، لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ، فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ} [المؤمنون 117/ 23]. وفي الآية إشارة إلى أن الكافر قد يكون كافرا، وإن لم يعلم كونه كافرا، ودلالة على فساد التقليد القائم على الجهل.
{وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} أي ليس للكافرين الظالمي أنفسهم من ناصر ينصرهم من الله فيما يحل بهم من العقاب أو العذاب.
2 -
{وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ} أي وإذا ذكرت للمشركين آيات القرآن والحجج والدلائل الواضحات على توحيد الله، وأن لا إله إلا الله، وأن رسله الكرام حق وصدق، ظهرت على وجوههم دلالة الغيظ والغضب، وامتلأت قلوبهم حقدا ونفورا.
{يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا} أي يكادون أو يقاربون
يبطشون بالذين يحتجون عليهم بدلائل القرآن الصحيحة، ويبسطون إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء. وهذا يدل على غليان قلوبهم بالكفر، وسيطرة الجهالة والعناد والكفر عليها، حتى أصبحوا ميئوسا من علاجهم، وصاروا متمردين على الأنبياء والمؤمنين.
{قُلْ: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين مقابلة لوعيدهم: ألا أخبركم بشر من غيظكم الذي ملأ قلوبكم؟ هو النار التي وعدها الله للكافرين، فعذابها ونكالها أشد وأشق وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين في الدنيا، بل هو أعظم مما تنالون منهم فعلا، إن نلتم بزعمكم وإرادتكم، وبئس المصير، أي وبئس النار موئلا ومقاما لكم، كما قال تعالى:{إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً} [الفرقان 66/ 25].
ثم نبه الله تعالى على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها، وبيان حال هذه الأشباه والأمثال لله في زعمهم، فقال:
{يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا} أي يا أيها البشر قاطبة جعل مثل أي شبه لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به، فأنصتوا وتفهموا حال تلك المعبودات، وإذا فهم حالها يكون حال عابديها أسوأ، فهم كالأصنام وأسوأ منها، وحالها هو:
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} أي إن ما تعبدون من غير الله من الأصنام والأنداد لن يقدروا على خلق ذبابة واحدة، حتى ولو تعاون واجتمع لهذه المهمة جميع تلك المعبودات.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعا قال: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا مثل خلقي ذرة أو ذبابة أو حبة»
ورواه الشيخان بلفظ آخر: «قال الله عز وجل:
من أظلم ممّن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة».
{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} أي كما أنهم عاجزون عن خلق ذبابة واحدة، هناك ما هو أبلغ من ذلك عاجزون من مقاومته والانتصار منه، فلو سلبوا شيئا مما عليها من الطيب، لا تقدر أن تستنقذوه منه، علما بأن الذباب أضعف مخلوقات الله، لذا قال:
{ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} أي عجز الطالب وهو الإله المعبود من استنقاذ الشيء المسلوب من الذباب المطلوب، أو ضعف عابد الصنم، والصنم المعبود.
وهذا يدل على جهالتهم وغباوتهم؛ لأن العابد يتأمل عادة النفع أو دفع الضّرّ من المعبود، وعابد الصنم لا يحقق لنفسه شيئا، مما يدل على حقارة الصنم وضعفه، وغباء عابده، فكيف يصح جعله مثلا لله في العبادة. ثم قال تعالى مؤكدا عبثهم وجهلهم وعدم معرفتهم حق الله تعالى:
{ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} أي ما عرفوا قدر الله وعظمته، وما عظموه حق التعظيم، حين عبدوا معه غيره، كهذه المخلوقات الجمادات التي لا تقاوم الذباب لضعفها.
والله هو القوي القادر الذي بقدرته وقوته خلق كل شيء، العزيز الذي عز كل شيء فقهره وغلبه، فلا يغالب ولا يمانع، لعزته وعظمته وسلطانه، فهو الجدير بالعبادة والتعظيم.
ونظائر الآية كثير منها: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم 27/ 30]{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ، إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج 12/ 85 - 13]{إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات 58/ 51].
ثم انتقل بيان الله تعالى من الإلهيات إلى النبوات فقال:
{اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ} أي أن الله يختار من الملائكة رسلا لتبليغ الوحي إلى الأنبياء، ومن الناس لإبلاغ الرسالة إلى العباد،