الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلاغة:
{يَنْفَعُكُمْ} {يَضُرُّكُمْ} بينهما طباق.
{كُونِي بَرْداً} مجاز مرسل، من إطلاق المصدر، وإرادة اسم الفاعل، أي باردة أو ذات برد.
المفردات اللغوية:
{مِنْ دُونِ اللهِ} أي بدله. {ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً} من رزق وغيره. ولا يضركم شيئا إذا لم تعبدوه. {أُفٍّ} هو صوت المتضجر، ومعناه: نتنا وقبحا، ويستعمل للدلالة على أن القائل متضجر، والمراد هنا أن إبراهيم تضجر على إصرارهم على الباطل البيّن. {مِنْ دُونِ اللهِ} أي غيره. {أَفَلا تَعْقِلُونَ} قبح صنعكم، وأن هذه الأصنام لا تستحق العبادة، ولا تصلح لها، وإنما يستحقها الله تعالى.
{قالُوا: حَرِّقُوهُ} أخذوا في المضارّة لما عجزوا عن المحاجة، أي حرقوا إبراهيم، فإن النار أهول ما يعاقب به. {وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} بتحريقه والانتقام لها. {إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ} أي إن كنتم ناصريها نصرا مؤزرا. والقائل منهم: رجل من أكراد فارس، اسمه (هينون) خسف به الأرض، وقيل: نمروذ. فجمعوا له الحطب الكثير، وأضرموا فيه النار، وأوثقوا إبراهيم، ورموه في منجنيق في النار.
{قُلْنا: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ} أي كوني ذات برد وسلام، أي ابردي بردا غير ضار، فلم تحرق منه غير وثاقه، وذهبت حرارتها، وبقيت إضاءتها، وسلم من الموت ببردها.
{كَيْداً} أي تحريقا ومكرا في إضراره، والكيد: المكر الخديعة. {الْأَخْسَرِينَ} في مرادهم، أي أخسر من كل خاسر، لما عاد سعيهم برهانا قاطعا على أنهم على الباطل، وإبراهيم على الحق، وموجبا لمزيد درجته، واستحقاقهم أشد العذاب.
التفسير والبيان:
هذا هو الفصل الثالث والخاتمة المدهشة من قصة إبراهيم مع قومه عبدة الأصنام، فإنه لما أقروا على أنفسهم بأن لا جدوى من عبادة آلهتهم، وألزمهم إبراهيم الحجة، اندفع كالسيل الهادر يعلن ضرورة إنها هذه العبادة الخرافية، التي تقوم على الأوهام، والتي يترفع عنها العقلاء، فقال:
{قالَ: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ} ؟ أي قال لهم إبراهيم لما اعترفوا بأن تلك الآلهة لا تنطق: أتعبدون بدلا عن الله أشياء لا تنفعكم شيئا إذا علّقتم الأمل بها، ولا تضركم شيئا إذا عاديتموها أو خفتم منها.
{أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي تبّا لكم وقبحا لآلهتكم، وهذا التأفف والتضجر لكم ولها لعبادتكم إياها غير الله تعالى.
{أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الذي لا يدين به إلا كل جاهل ظالم فاجر.
ولما تفوق إبراهيم بحجته عليهم، وظهر الحق واندحر الباطل، لم يجدوا مناصا إلا اللجوء للأذى والمضارّة:
{قالُوا: حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ} أي قال بعضهم لبعض، والمشهور أن القائل: نمروذ بن كنعان بن سنجاريب بن نمرود بن كوش بن حام بن نوح، وقيل: إنه رجل من الكرد من أعراب فارس: احرقوا إبراهيم بالنار، وانصروا آلهتكم إن كنتم ناصريها نصرا مؤزرا، فجمعوا حطبا كثيرا جدا، ورموا إبراهيم من كفة منجنيق.
{قُلْنا: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ} أي قال الله تعالى المتكفل بحفظ أنبيائه وعصمتهم من أذى الناس: يا نار كوني بردا، وسلاما على إبراهيم، أي ابردي بردا غير ضار، فكانت وسطا لا حامية ولا باردة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها. وقال أبو العالية: ولو لم يقل {بَرْداً وَسَلاماً} لكان بردها أشد عليه من حرّها. وبرودتها حدثت بنزع الله عنها طبعها من الحر والإحراق، مع بقائها على الإضاءة والإشراق والاشتعال كما كانت، والله على كل شيء قدير.