الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلّغتم أممكم؟ فيقولون: نعم بلغناهم، فينكرون، فيؤتى بهذه الأمة، فيشهدون أنهم قد بلغوا، فتقول الأمم لهم: من أين عرفتم؟ فيقولون: عرفنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق.
ومقابلة لهذه النعمة العظيمة على الأمة ووجوب شكرها، طلب الله منها دوام عبادته والاعتصام به، فقال:
{فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ} أي فقابلوا هذه النعمة الجليلة بالقيام بشكرها، فأدّوا حقّ الله عليكم بطاعته فيما افترض وأوجب، وترك ما حرم، ومن أهم ذلك إقامة الصلاة أي أداؤها تامة الأركان والشروط بخشوع كامل وخضوع تام لله، فهي صلة بينكم وبين ربكم، وإيتاء الزكاة التي هي طهرة للنفس والمال، وإحسان واجب إلى خلق الله المستحقين، وهي دليل التعاون والتضامن والإخاء، واستعينوا بالله والجؤوا إليه في جميع أموركم. والاعتصام بالله: هو الثقة به، والالتجاء إليه، والاستعانة بقوته العظمى على دفع كل مكروه، وهو ناصركم على من يعاديكم. والمولى: هو الحافظ والناصر والمالك والخالق.
{فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} أي نعم المولى المتولي أموركم، ونعم الناصر، العظيم النصرة، الكامل المعونة، هو أي الله تعالى. وهو المخصوص بالمدح.
فقه الحياة أو الأحكام:
ظاهر هذه الآيات التي ختمت بها سورة الحج أنها جمعت أنواع التكاليف الدينية والاعتقادية والاجتماعية، وأحاطت بفروع الشريعة، وعنيت بأمر الصلاة لأنها عماد الدين، ولم تكتف بطلبها في عموم العبادات.
ودلت على ما يأتي:
1 -
وجوب أربعة أمور: هي الصلاة المشتملة على أهم أركانها وهو الركوع والسجود، وعبادة الله دون غيره، وفعل الركوع والسجود وسائر الطاعات على وجه العبادة، وفعل الخير كصلة الرحم ومكارم الأخلاق. وقد اختلف العلماء في قوله:{وَاسْجُدُوا} أهو سجود الصلاة أم سجود التلاوة؟ فقال الشافعية والحنابلة: هذه سجدة تلاوة؛ لأنه يمكن حمل اللفظ على حقيقته مع عدم صارف يصرفه إلى معنى آخر، ومعنى السجود: وضع الجبهة على الأرض، ولما
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «فضّلت سورة الحج بسجدتين، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما» .
وأخرج أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصّل، وفي الحج سجدتان.
وذهب الحنفية والمالكية إلى أن هذه الآية ليست آية سجدة؛ لأن اقتران السجود بالركوع دليل على أن المراد به سجود الصلاة، كما في قوله تعالى:
{وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ} [آل عمران 43/ 3]. ولما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه عدّ السجدات التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدّ في الحج سجدة واحدة. وأما حديثا عقبة وعمرو فضعيفان.
ويكون المراد بالآية على هذا الرأي الصلاة المفروضة، وخص الركوع والسجود تشريفا للصلاة، وهو ما سرت عليه في التفسير والاستنباط.
2 -
وجوب عبادة الرب تعالى، أي امتثال أوامره.
3 -
الندب إلى فعل الخير فيما عدا الواجبات التي صح وجوبها شرعا.
4 -
وجوب الجهاد بأنواعه الثلاثة: جهاد الهوى والنفس وجهاد الشيطان ومطاردة وساوسه، وجهاد أهل الظلم والبدع، وهي كلها فرض عين على كل فرد
مسلم.
روى الترمذي وابن حبان عن فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«المجاهد: من جاهد نفسه لله عز وجل» .
وروى أحمد وابن ماجه والطبراني والبيهقي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» وقد ذكرت
حديث: «من رأى منكم منكرا
…
».
وجهاد الكفار والمنافقين بالحجة والبيان، وبالسيف والسنان واجب أيضا، وهو فرض كفاية على جماعة المسلمين، يجزي فيه قيام بعضهم إذا تحقق المقصود، وطرد العدو، وتم دفعه عن بقية المسلمين وأموالهم وأعراضهم وبلادهم، فإن لم يتحقق ذلك كان فرض عين على كل واحد من القادرين على القتال. وهذا حينما كان الاعتماد على العنصر البشري في الحروب أمرا ضروريا وأساسيا، أما اليوم حيث تطورت وسائل القتال، فلا يصح حشد المسلمين في جبهة واحدة مثلا لحصادهم بقنبلة واحدة أو بغيرها من الوسائل الحربية الفتاكة الحديثة، وإنما ينظر الحاكم فيما يحقق المصلحة، وتقتضيه الحاجة، بعد الأخذ بوسائل الإعداد الحديثة المكافئة لما هو موجود عند الأعداء.
5 -
علة التكليف بالتكاليف السابقة ثلاثة أمور:
أ-الاجتباء أي الاصطفاء والاختيار للدفاع عن الدين والتزام أمره، وهذا تأكيد للأمر بالمجاهدة، أي وجب عليكم أن تجاهدوا؛ لأن الله اختاركم له.
وزيادة في التأكيد والترغيب رفع الله الحرج، أي الضيق والعسر عن الناس في المطالب الشرعية، وهذا عام في كثير من الأحكام، وهو مما خص الله به هذه الأمة. قال قتادة: أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم يعطها إلا نبي: كان يقال للنبي:
اذهب فلا حرج عليك، وقيل لهذه الأمة:{وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . والنبي شهيد على أمته، وقيل لهذه الأمة:{لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ} [البقرة 143/ 2]. ويقال للنبي: سل تعطه، وقيل لهذه الأمة:
{اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر 60/ 40].
فرفع الحرج من الأسس التي قام عليها التشريع الإسلامي، قال العلماء:
رفع الحرج إنما هو لمن استقام على منهاج الشرع، واما السلابة والسّرّاق وأصحاب الحدود، فعليهم الحرج، وهم جاعلوه على أنفسهم بمفارقتهم الدين.
ب-كون ملتنا كملة أبينا إبراهيم عليه السلام، وهو أبو العرب قاطبة.
ج -تسمية الله لنا بالمسلمين في الكتب المتقدمة وفي القرآن.
6 -
تقبل شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على الأمة بتبليغه إياهم أحكام شرع الله، وقبول شهادته علة لعدالة الحكم وهو التسمية بالمسلمين، وكذلك قبول شهادة أمته على الأمم الأخرى ان رسلهم قد بلغتهم علة في تسميتها مسلمة كذلك، وقبول الشهادتين تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته.
7 -
إن قبول شهادة الأمة المسلمة على الأمم الأخرى نعمة عظمي تستوجب الشكر بأداء الفرائض واجتناب النواهي المحظورات، ومن أهم ذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاعتصام بالله، أي الثقة به، والاستعانة بقوته الجبارة على دفع السوء؛ لأنه مالكنا وخالقنا، وحافظنا وحامينا، وناصرنا على أعدائنا.
آمنت بالله انتهى الجزء السابع عشر