الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أبان الله تعالى كما هو المعتاد في قرآنه أن وقت مجيء العذاب مجهول فقال:
{بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها، وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} أي بل إن الساعة تأتيهم فجأة، فتحيرهم وتغلبهم، فلا يجدون حيلة لردها، ولا هم يمهلون ويؤجلون لتوبة أو معذرة، لفوات الوقت. وهذا تذكير بإمهاله إياهم، وإعطائهم فرصة واسعة للتذكر والإيمان، والعدول عن الكفر والضلال، فلا يمهلون بعد طول الإمهال.
والسبب في عدم العلم بمجيء الساعة هو جعل العبد أشد حذرا، وأقرب إلى تدارك الأخطاء، فلا يتكل ولا يتوانى لحين حدوث العذاب.
ورجوع الضمير المؤنث في قوله: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً} هو إلى النار، أو إلى الوعد؛ لأنه في معنى النار، أو إلى الحين؛ لأنه في معنى الساعة (القيامة).
ثم سلا رسوله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به وتكذيبهم له، فقال:
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ.} . أي إن لك في الأنبياء عليهم السلام أسوة، فقد استهزئ برسل كثيرين من قبلك، فنزل بالساخرين المستهزئين العذاب جزاء ما فعلوا، وسينزل أيضا بمن استهزأ بك العذاب والبلاء جزاء استهزائهم، كما حدث بأسلافهم من الأمم المكذبة لرسلها، ذلك العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه، كما قال تعالى:
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
لا خلود لأحد من المخلوقات في دار الدنيا، وكل من عليها فان، وكل
نفس ذائقة الموت، فإن مات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أفهم الخالدون إن مات؟! 2 - الدنيا دار ابتلاء واختبار، والاختبار كما يكون بالشر يكون بالخير، فيختبر الناس بالشدة والرخاء، والحلال والحرام، وينظر كيف شكرهم وصبرهم، ثم يكون المرجع والمآل إلى الله تعالى للجزاء بالأعمال.
والابتلاء لا يكون إلا بعد التكليف، فتدل الآية على حصول التكليف، ولا يقتصر الابتلاء على المأمور به والمنهي عنه، وإنما يشمل ما سماه خيرا وهو نعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور، وما سماه شرا وهو المضار الدنيوية من الفقر والآلام وسائر الشدائد النازلة بالمكلفين، والعبد يتردد بين هاتين الحالتين، لكي يشكر على المنح والنعم، ويصبر في المحن.
3 -
العموم في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} من قبيل العموم المخصوص، فإنه تعالى نفس؛ لقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام:
{تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي، وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ} [المائدة 116/ 5] مع أن الموت لا يجوز عليه، وكذا الجمادات لها نفوس، وهي لا تموت. والعام المخصوص حجة، فيبقى معمولا به فيما عدا هذه الأشياء.
4 -
الكفار المستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي يعيب اتخاذ الأصنام آلهة أحق وأجدر بالاستهزاء والسخرية لكفرهم بالإله الحق الخالق المنعم المتفضل على الناس بأصناف النعم الكثيرة.
5 -
ركّب الإنسان على العجلة، فخلق عجولا، وصار طبع الإنسان العجلة، ولكن في العجلة أحيانا حماقة وطيش وجهل وغفلة، كما في حال استعجال المشركين نزول العذاب الموعود.
6 -
إن مجيء الساعة أو وقت العذاب بالنار محقق، ولكنه يأتي فجأة، فلا يبقى مجال لتوبة واعتذار.