الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخبت وهو المطمئن المنخفض من الأرض. وسر تحول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم هو إظهار عظمة الألوهية وقهرها في مقام الأمر والنهي للعباد، فلما انتهى أمر التكليف، وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لتبليغه الناس وعد الله للعاملين المخلصين.
وأوصافهم أربعة هي ما يأتي:
1 -
الخوف والخشوع عند ذكر الله: {الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي إذا ذكر الله خافت منه قلوبهم.
2 -
الصبر على المصائب: {وَالصّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ} أي الذين يصبرون على الآلام والمشقات في طاعة الله تعالى.
3 -
إقامة الصلاة: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} أي الذين يؤدون الصلاة في أوقاتها تامة الأركان والشرائط، مع الخشوع لله تعالى.
4 -
الإنفاق مما رزقهم الله: {وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} أي وينفقون من بعض ما آتاهم الله من طيب الرزق، على أهليهم وأقاربهم وفقرائهم ومحاويجهم، ويحسنون إلى الخلق، مع محافظتهم على حدود الله تعالى.
وهذه بخلاف صفات المنافقين، فإنهم بالعكس من هذا كله.
ونظير الآية قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال 2/ 8] وقوله تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر 23/ 39].
فقه الحياة أو الأحكام:
أفادت الآيات الأحكام التالية:
1 -
إن تعظيم حرمات الله أي أفعال الحج وغيرها من امتثال الأوامر
واجتناب النواهي خير عند الله من التهاون بشيء منها، وسبب للمثوبة والتكريم عند الله تعالى، فإن للأوامر حرمة المبادرة إلى الامتثال، وللنواهي حرمة الانكفاف والانزجار.
2 -
إباحة الأكل من لحوم الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، إلا المذكور في القرآن من المحرّمات، وهي الميتة والموقوذة وأخواتها.
3 -
يجب اجتناب عبادة الأصنام والأوثان، فإنها رجس أي شيء قذر، وهي نجسة نجاسة حكمية. والوثن: التمثال من خشب أو حديد أو ذهب أو فضة ونحوها، وكانت العرب تنصبها وتعبدها. والنصارى تنصب الصليب وتعبده وتعظمه، فهو كالتمثال أيضا.
4 -
ويجب أيضا اجتناب قول الزور، والزور: الباطل والكذب، وهو يشمل خلط أهل الجاهلية في تلبيتهم وقولهم فيها: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، ويشمل أيضا قولهم في البحائر والسوائب: إنها حرام، وإن تحريمها من الله، وكذلك يشمل شهادة الزور الباطلة.
ففي الآية وعيد على شهادة الزور، ولكن ليس في الآية ما يدل على تعزير شاهد الزور؛ لأنها اقتصرت على تحريم شهادة الزور. وإنما يعزر من قبيل المصلحة والسياسة الشرعية، التي للحاكم أن يسير على نهجها لحفظ الحقوق العامة، وردع أهل الفساد. وهذا رأي المالكية وأبي يوسف ومحمد،
جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور وقول الزور» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا، فجلس، فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت.
5 -
يلزم الإخلاص في العبادة لله، والاستقامة على أمره، فقوله:
{حُنَفاءَ لِلّهِ} معناه مستقيمين أو مسلمين مائلين إلى الحق، تاركين الدين الباطل.
6 -
المشرك هالك حتما، خاسر الآخرة، فهو يوم القيامة بمنزلة من لا يملك لنفسه نفعا، ولا يدفع عن نفسه ضرا ولا عذابا، فهو بمنزلة من خرّ من السماء، فهو لا يقدر أن يدفع شيئا عن نفسه، ونهايته الهلاك إما بأن تقطعه الطيور بمخالبها، أو تعصف به الريح، وتسقطه في مكان قفر بعيد لا نجاة له فيه.
7 -
إن تعظيم شعائر الله (وهي الأنعام التي تساق هديا للكعبة، كما روي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، أو هي جميع مناسك الحج، والصحيح أنها البدن كما قال ابن العربي) من علائم التقوى ودعائمها. وتعظيمها يكون باختيارها سمينة حسنة غالية الأثمان. والتقوى: هي الخشية التي تبعث على اتباع الأوامر واجتناب النواهي. والإخلاص والتقوى والخشية غاية ما يتمنى المرء أن يدركه في هذه الدنيا، ليصل به إلى سعادة الآخرة.
وفي الآية حث على التقوى، وبعث للهمم على الاهتمام بأمرها.
8 -
يجوز الانتفاع بالبدن بالركوب والحلب وأخذ الصوف وغيرها، إلى وقت الذبح، فقد فسر الشافعية الأجل المسمى في الآية بوقت نحر الهدي.
وقالوا: إنما يجوز الانتفاع للحاجة، ولو لم يكن هناك اضطرار. ولا يجوز لغير حاجة، والأولى أن يتصدق بمنافعها، ولكن لا يضمن شيئا من منافع الهدي إلا إذا أدى الركوب إلى الإنقاص البين لقيمتها، ودليلهم
حديث أنس المتقدم المتفق عليه بين أحمد والشيخين: «اركبها ولو كانت بدنة»
وحديث جابر فيما رواه أبو داود: «اركبوا الهدي المعروف حتى تجدوا ظهرا» .
وفسر الحنفية الأجل المسمى في الآية بوقت تعيينها وتسميتها هديا. ولا يجوز الانتفاع بها بعد السوق إلا في حالة الاضطرار، ودليلهم
ما رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن جابر أنه سئل عن ركوب الهدي، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا» فالجواز خاص بحالة الضرورة، فهو مقيد والمقيد يقضي على المطلق في حديث
أنس، فإن لم تكن ضرورة وجب ضمان ما ينتفع به؛ لأنه ضار حقا للفقراء، فعليه أن يعوضهم مقدار قيمته.
والمشهور من مذهب المالكية أنه يكره الانتفاع بالبدن بركوبها ووبرها، ولو كان لبنها فاضلا عن حاجة أولادها. وهذا قريب من مذهب الحنفية.
وذهب بعض العلماء إلى وجوب ركوب البدنة،
لقوله صلى الله عليه وسلم: «اركبها» .
وقد أخذ أحمد وإسحاق وأهل الظاهر بظاهر هذا الحديث. وهذا يغاير فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يركب هديه ولم يركبه غيره.
9 -
إن شعائر الحج كلها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي ينتهي إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق. وأما ذبح البدن والهدي فلا يصح إلا في الحرم؛ لأنه تعالى جعل محلها إلى البيت العتيق، قال عطاء: ينتهي إلى مكة.
10 -
الإخبار بجعل نسك الذبح لكل الأمم فيه تحريك النفوس إلى المسارعة إلى هذا البر، والاهتمام بهذه القربة، وفيه إشعار بأن أهل الجاهلية الذين كانوا يذبحون لأصنامهم، ويخلطون في التسمية على ذبائحهم، إنما كانوا يفعلون ذلك من عند أنفسهم، واتباعا لمحض شهواتهم وأهوائهم، فإن شرائع الله كلها قد اتفقت على أن التقرب إنما يكون لله وحده، وباسمه وحده؛ إذ ليس للناس إلا إله واحد.
11 -
الإله الواحد هو الرازق والمشرع والمكلّف بالتكاليف الدينية، فتجب إطاعته، والانقياد لحكمه، وأن يكون الذبح له، وأن يذكر اسمه عند الذبح، وأن يخلص الذبح له لا لغيره أو مع غيره؛ لأنه رازق ذلك. وظاهر الآية:
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً} وجوب ذكر اسم الله على الذبيحة، ووجوب اعتقاد أن الله واحد، ووجوب الإسلام بمعنى الإخلاص لله في العمل.