الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الزَّبُورِ} كتاب داود. {الذِّكْرِ} أي التوراة، أو جنس الكتب المنزلة، أو اللوح المحفوظ. {أَنَّ الْأَرْضَ} أرض الجنة. {عِبادِيَ الصّالِحُونَ} أي عامة المؤمنين أو كل صالح.
{إِنَّ فِي هذا} القرآن أو ما ذكرناه من الأخبار والمواعظ والمواعيد. {لَبَلاغاً} كفاية في دخول الجنة. {لِقَوْمٍ عابِدِينَ} أي همهم العبادة دون العادة.
سبب النزول:
نزول الآية (101):
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى} : أخرج الحاكم عن ابن عباس قال:
لما نزلت: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ} قال ابن الزّبعرى: عبد الشمس والقمر والملائكة وعزير، فكل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ} ونزلت: {وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، وَقالُوا: أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً، بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف 57/ 43 - 58].
المناسبة:
بعد بيان أحوال أهل النار وأهل الجنة، واقتراب الساعة، ذكر الله تعالى حال العابدين والمعبودين من دون الله، وأنهم سيكونون وقود جهنم، باستثناء أهل السعادة أو البشرى بالثواب.
التفسير والبيان:
{إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ.} . إنكم أيها المشركون بالله من عبدة الأصنام والأوثان وما تعبدون من غير الله، وقود جهنم، أنتم جميعا داخلون فيها، كما قال تعالى:{فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ} [البقرة 24/ 2].
ويشمل ما يعبدون من دون الله الأصنام وإبليس وأعوانه؛ لأنهم بطاعتهم
لهم، واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم. ولا تشمل هذه الآية عزيرا والمسيح والملائكة؛ لأن قوله:{إِنَّكُمْ} خطاب مشافهة مع مشركي قريش، وهم كانوا يعبدون الأصنام فقط، ولأنه تعالى لم يقل:(ومن تعبدون) بل قال: {وَما تَعْبُدُونَ} وكلمة {ما} لا تتناول العقلاء، فسقط سؤال ابن الزبعرى، كما أبان الرازي
(1)
. وأما قوله تعالى: {وَالسَّماءِ وَما بَناها} [الشمس 5/ 91] وقوله:
{لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ} [الكافرون 2/ 109] فهو محمول على الشيء، ونظيره هاهنا أن يقال: إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله، لكن لفظ الشيء لا يفيد العموم، فلا يرد سؤال ابن الزبعرى.
ويتضح سبب النزول المتقدم ودخول الشياطين في المعبودين بما يأتي:
روى محمد بن إسحاق في سيرته: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، وصناديد قريش في الحطيم
(2)
، وحول الكعبة ثلاث مائة وستون صنما، فجلس إليهم، فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليهم:{إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} الآية، فأقبل عبد الله بن الزّبعرى، فرآهم يتهامسون، فقال فيم خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله، فقال عبد الله: أما والله، لو وجدته لخصمته، فدعوه، فقال ابن الزّبعرى: أأنت قلت ذلك؟ قال: نعم، قال: قد خصمتك وربّ الكعبة، أليس اليهود عبدوا عزيرا، والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك، فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى} الآية، يعني عزيرا والمسيح والملائكة عليهم السلام.
(1)
تفسير الرازي: 223/ 22
(2)
الحطيم: جدار حجر الكعبة أي حجر إسماعيل من ناحية الشمال.
وأما سبب إدخال المعبودين في النار: فهو كما أبان الزمخشري
(1)
ليزداد العابدون بهم غمّا وحسرة، وليكونوا أبغض شيء لديهم بعد أن اتخذوهم في الدنيا شفعاء لهم في الآخرة.
ثم ذكر تعالى دليل كون المعبودين غير آلهة فقال:
{لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها} أي لو كان هؤلاء الأصنام وأشباههم آلهة صحيحة تنفع وتضر كما يظن العابدون ما دخلوا النار، إذ لو كانت تنفع وتضر لأبعدت الضر عن نفسها، فهي جديرة بالهجرة والإهانة.
{وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ} أي وكل من هؤلاء الآلهة المعبودين دائمون في عذاب النار، لا مخرج لهم منها.
{لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ} أي ولهم في النار من شدة العذاب وشدة الكرب والغم أنين وتنفس شديد يخرج من أقصى الجوف، كما قال تعالى:
{لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود 106/ 10] وهم لا يسمعون فيها ما يسرهم أو ينفعهم، بل يسمعون صوت من يتولى تعذيبهم من الزبانية.
وبعد بيان أحوال أهل النار، ذكر الله تعالى أحوال السعداء من المؤمنين فقال:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ} أي إن الذين سبقت لهم من الله السعادة، وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا، فهم مبعدون عن دخول النار، وهم في الجملة: أهل السعادة أو البشرى بالثواب، أو التوفيق للطاعة، كما قال تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ} [يونس 26/ 10].
يروى أن عليا رضي الله عنه قرأ هذه الآية، ثم قال: أنا منهم، وأبو بكر،
(1)
الكشاف: 338/ 2
وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، ثم أقيمت الصلاة، فقام يجرّ رداءه، وهو يقول:{لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها} .
وأوضاع نعيمهم هي:
1 -
{لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها} أي لا يسمعون صوت النار، وحريقها في الأجساد، ولا يصيبهم شررها.
2 -
{وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ} أي وهم ماكثون أبدا فيما يشتهونه من نعيم الجنة ولذائذها. والشهوة: طلب النفس اللذة.
3 -
{لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} لا يخيفهم هول النفخة الثانية أو الأخيرة بعد قيامهم من قبورهم للحساب، كما قال تعالى:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللهُ} [النمل 87/ 27]. وقيل بغير ذلك كما تقدم في بيان المفردات. والأصح: أنه أهوال يوم القيامة والبعث.
4 -
{وَتَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ: هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} أي وتستقبلهم الملائكة تقول لهم وتبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم: هذا يومكم الذي وعدتم به في الدنيا، يوم المسرة والكرامة والمثوبة والحسنى.
وذلك التلقي والاستقبال هو كما قال تعالى:
{يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} أي لا يحزنهم الفزع الأكبر يوم نطوي السماء، أو تتلقاهم الملائكة يوم نطوي السماء يوم القيامة كما يطوى السجل، أي الصحيفة للكتابة فيه، وهذا موقف آخر فيه روع وخوف وحيرة، كما قال تعالى:{وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ} [الزمر 67/ 39].
{كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ} أي أن هذا الطي
كائن لا محالة يوم يعيد الله الخلائق بالبعث خلقا جديدا، كما بدأهم في المرة الأولى، وهو القادر على إعادتهم، وذلك وعد الله الذي لا يخلف، والله تعالى فاعله حتما، فهو واجب الوقوع، ولا بدّ من تحققه؛ لأنه قادر عليه. وقوله:
{إِنّا كُنّا فاعِلِينَ} أي قادرين على أن نفعل ذلك.
ونظير الآية: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام 94/ 6]، وقوله:{وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف 48/ 18].
ثم أخبر الله تعالى عما قضاه لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والآخرة، ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة، فقال:
{وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ.} . أي ولقد قضينا قضاء محتما في كتاب الزبور بعد التوراة أو القرآن أن وراثة الأرض في الدنيا والآخرة لا تكون إلا للعباد الصالحين وهم المؤمنون العاملون بطاعة الله تعالى.
والذّكر: التوراة، وقال ابن عباس: القرآن، وقيل: إنه أم الكتاب يعني اللوح المحفوظ، فهو اسم لجنس ما أنزل على الأنبياء من الكتب.
والأرض: إما أرض الجنة، كما قال تعالى:{وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ} [الزمر 74/ 39]. وإما أرض الدنيا، وأهلها الصالحون لعمارتها، كما قال تعالى:{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور 55/ 24]، وقال سبحانه:{قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: اِسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا، إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ، يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف 128/ 7]. وإما الأرض المقدسة يرثها الصالحون، كما قال تعالى:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها} [الأعراف 137/ 7].