الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كاتِبُونَ} أي وإنا لسعيه مثبتون في صحيفة عمله، لا نضيع شيئا منه بوجه ما، ونأمر الحفظة بكتبه، فنجازيه عليه.
{وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ} أي ممتنع على أهلها، غير متصور منهم. {أَهْلَكْناها} أي حكمنا بإهلاكها أو قدرنا هلاكها، أو وجدناها هالكة. {أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} {لا}: زائدة، أي ممنوع عليهم رجوعهم إلى التوبة أو إلى الدنيا.
{حَتّى} غاية لامتناع رجوعهم، أي يستمر عدم الرجوع إلى قيام الساعة وظهور أماراتها وهو فتح سد يأجوج ومأجوج. {إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} أي إذا فتح سدهما، وذلك قرب يوم القيامة، وهما اسمان أعجميان لقبيلتين. {وَهُمْ} يعني يأجوج ومأجوج، أو الناس كلهم.
{مِنْ كُلِّ حَدَبٍ} مرتفع من الأرض. {يَنْسِلُونَ} يسرعون أو يخرجون مسرعين، مأخوذ من نسلان الذئب، أي إسراعه.
{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} أي قرب يوم القيامة. {فَإِذا هِيَ} أي القصة، وإذا:
للمفاجاة، كقوله:{إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم 36/ 30] وهي جواب الشرط السابق وهو {حَتّى إِذا..} .. {شاخِصَةٌ} مرتفعة أجفانها لا تكاد تنظر، من شدة الهول. {يا وَيْلَنا} أي يقولون: يا هلاكنا، ويا: للتنبيه. {قَدْ كُنّا} في الدنيا {فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا} اليوم، لم نعلم أنه حق {بَلْ كُنّا ظالِمِينَ} أنفسنا بتكذيبنا الرسل، وإخلال النظر.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن أن دين الإنسانية دين واحد، فيقول:
{إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً..} . أي إن ملة التوحيد أو ملة الإسلام هي ملة واحدة وشريعة واحدة، متفق عليها بين جميع الأنبياء والشرائع، وهي التي يجب أن تكونوا عليها، فكونوا عليها أمة واحدة غير مختلفة فيما بين الأنبياء، وأنا الله الذي لا إله غيري فاعبدوني وحدي، ولا تشركوا معي شيئا آخر، من ملك أو بشر أو حجر أو شجر أو صنم.
وقال في آية أخرى: {وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً، وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون 52/ 23]. و
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد:
«نحن معاشر الأنبياء أولاد علاّت
(1)
ديننا واحد» يعني أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له، بشرائع متنوعة لرسله، كما قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} [المائدة 48/ 5] فليس الاختلاف في أصول العقيدة والأخلاق والفضيلة والعبادة، وإنما الاختلاف في الفروع والجزئيات والأشكال بحسب الاختلاف في الأزمنة والعصور.
{وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي إن الأمم اختلفت على رسلها، بين مصدق لهم ومكذب، وفرقوا أمر دينهم بينهم فرقا شتى، وهذا بطريق الالتفات إلى الغيبة للتقبيح، والأصل: وتقطعتم، كأنه ينقل عنهم ما أفسدوه إلى آخرين، ويقبّح عندهم فعلهم، ويقول لهم: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء.
والمعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا، كما تتوزع الجماعة الشيء ويقسمونه، فيصير لهذا نصيب، ولهذا نصيب، تمثيلا لاختلافهم فيه، وصيرورتهم فرقا وأحزابا شتى. وهذا التفرق في أمر الدين الواحد معيب شنيع، ولهذا قال تعالى متوعدا على فعلهم:
{كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ} أي كل فرقة منهم سيرجعون إلينا يوم القيامة، فنجازي كل واحد بحسب عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وطريق الجزاء ومنهاجه هو:
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ، وَإِنّا لَهُ كاتِبُونَ} من: للتبعيض لا للجنس إذ لا قدرة للمكلف أن يأتي بجميع الطاعات كلها، فرضها ونفلها، والمعنى: ومن يعمل عملا صالحا موافقا لمنهاج الله تعالى، وهو بقلبه ولسانه مصدق بربه ورسله، أو من يعمل شيئا من الطاعات وهو موحد مسلم، فلا تضييع لسعيه، ولا بطلان لثواب عمله، ولا جحود لعمله،
(1)
أولاد العلاّت: أولاد الرجل من نسوة شتى.
أي لا يضيع جزاؤه ولا يغطى، بل يشكر أي يثاب عليه، ونوفيه الجزاء الأوفى، ولا يظلم مثقال ذرة، وإنا له مثبتون حافظون جميع عمله في صحيفته، لنجازي عليه، فلا يضيع عليه منه شيء، مهما صغر، كما قال في آيات أخرى منها:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف 30/ 18] ومنها: {وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ، وَسَعى لَها سَعْيَها، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الإسراء 19/ 17].
والآية دليل على أن أساس القبول والنجاة الجمع بين أن يكون الشخص مؤمنا، وبين أن يعمل الصالحات، والإيمان: يشمل العلم والتصديق بالله ورسوله، والعمل الصالح هو فعل الواجبات وترك المحظورات. والكفران:
مثل في حرمان الثواب، والشكر مثل في إعطائه، والمراد من الآية {فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ} المراد نفي للجنس، وفيه ترغيب العباد في التمسك بطاعة الله تعالى.
{وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} أي وممتنع على أهل قرية حكمنا بإهلاكها رجوعهم إلى التوبة أو الحياة الدنيا قبل يوم القيامة. وتكون {لا} زائدة للتأكيد، وهو كقوله تعالى:{فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس 50/ 36]. وقوله: {حَرامٌ} مستعار لمنع الوجود بحال، مثل قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ} [الأعراف 50/ 7] أي منعهما.
{حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} أي يستمر عدم رجوع القوم المهلكين إلى قيام الساعة وظهور أماراتها وهو فتح سد يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان أو الناس جميعا، وإتيان الناس مسرعين من كل مرتفع من الأرض. ويكون المقصود من الآية الردّ على المشركين الذين ينكرون البعث والجزاء.