الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
نزول الآية (27):
{وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ} : أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كانوا لا يركبون، فأنزل الله:{يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ} فأمرهم بالزاد، ورخص لهم في الركوب والمتجر.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى موقف المشركين من الصد عن المسجد الحرام، أراد تعالى بيان مكانة البيت الحرام وتوبيخ أولئك المشركين على فعلهم، فإن أباهم إبراهيم عليه السلام هو الذي بناه، وأمر بتطهيره للطائفين والمصلين، وأن يدعو الناس إلى الحج، للحصول على المنافع الدينية والدنيوية.
التفسير والبيان:
{وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ.} . أي واذكر يا محمد للناس وقت أن جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة، أي مرجعا يرجع إليه للعبادة، وأرشده إليه وأذن له في بنائه. والمراد بذكر الوقت ذكر ما وقع فيه من حادث عظيم، ليتذكر المشركون، ويقلعوا عن عبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد الديان.
وفي هذا تقريع وتوبيخ لمن أشرك بالله في بقعة أسست من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له.
وفيه دليل على أن إبراهيم عليه السلام هو أول من بنى البيت العتيق، وأنه لم يبن قبله بعد رفعه وطمس معالمه في أثناء طوفان نوح عليه السلام، كما
ثبت في الصحيحين عن أبي ذرّ قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال:
«المسجد الحرام» قلت: ثم أي؟ قال: «بيت المقدس» قلت: كم بينهما؟
قال: «أربعون سنة» . وقد قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً} الآيتين [آل عمران 96/ 3 - 97] وقال تعالى: {وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة 125/ 2].
{أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ.} . أي وقلنا له: ابنه على اسمي وحدي، ولا تشرك بي شيئا من خلقي في العبادة، وطهّر بيتي من الشرك والأوثان والأصنام والأقذار أن تطرح حوله، واجعله خالصا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له، فالطائف به يخص العبادة بالله تعالى، لا يفعل ببقعة من الأرض سواها، والقائم في الصلاة أو الدعاء لله، والراكع الساجد لله تعالى فيها.
وقد قرن الطواف بالصلاة؛ لأنهما لا يشرعان إلا مختصين بالبيت، فالطواف عنده، والصلاة إليه، فالقائمون: هم المصلون، وذكر تعالى من أركان الصلاة أعظمها وهو القيام والركوع والسجود.
{وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ.} . أي ناد في الناس بالحج، داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، يأتوك راجلين ماشين، وراكبين على كل بعير ضامر مهزول، من كل طريق بعيد. والأذان والتأذين: الاعلام برفع الصوت على نحو ما يكون للصلاة. والمراد هنا: النداء في الناس بأن الله قد كتب عليهم الحج ودعاهم إلى أدائه.
روي أنه لما أمر إبراهيم عليه السلام بالأذان للحج قال: يا ربّ، وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ الإبلاغ، فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح: يا أيها الناس، إن الله قد أمركم بحج هذا البيت، ليثيبكم به الجنة، ويجيركم من عذاب النار، فحجّوا، فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء، لبّيك اللهم لبّيك
(1)
. وهذا معجزة خارقة للعادة، فهو سبحانه قادر على إيصال صوت إبراهيم إلى من يشاء في أنحاء الأرض والسماء.
(1)
تفسير القرطبي: 38/ 12، وسيأتي تخريج الرواية.
وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم حيث قال في دعائه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم 37/ 14]. فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحنّ إلى رؤية الكعبة والطواف، والناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار.
وقد يستدل بقوله: {رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ} على أن الحج ماشيا لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبا؛ لأنه قدّمهم في الذّكر، فدل على الاهتمام بهم، وقوة هممهم، وشدة عزمهم. قال ابن عباس: ما آسى على شيء فاتني، إلا أني وددت أني كنت حججت ماشيا؛ لأن الله يقول:{يَأْتُوكَ رِجالاً}
(1)
.
والذي عليه أكثر العلماء أن الحج راكبا أفضل، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حجّ راكبا، مع كمال قوته صلى الله عليه وسلم.
وإنما قال: {يَأْتُوكَ} مع أن الإتيان للبيت الحرام، إشارة إلى أنه الداعي والقدوة لهم بعد، وفيه تشريف إبراهيم.
ثم أبان تعالى سبب النداء إلى الحج وحكمته فقال:
{لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ، وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ.} . أي أدعهم إلى الحج ليحضروا منافع لهم دينية بأن يحظوا برضوان الله، ودنيوية بما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات، وما يكون في ذلك الاجتماع العظيم من التعارف. وهذا دليل على جواز الاتجار في الحج.
وليذكروا اسم الله أي حمده وشكره والثناء عليه بالتكبير والتسبيح، على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، وذلك في أيام معلومات هي أيام النحر الثلاثة أو الأربعة وهو قول الصاحبين ومالك، وقيل: عشر ذي
(1)
رواه ابن سعد وابن أبي شيبة والبيهقي وجماعة عنه.
الحجة وهو رأي أبي حنيفة والشافعي. وإذا كان ذكر اسم الله بمعنى الحمد والشكر فتكون {عَلى} للتعليل، ورأى الزمخشري أن ذكر اسم الله كناية عن الذبح والنحر؛ لأن أهل الإسلام لا ينفكّون عن ذكر اسمه إذا ذبحوا أو نحروا، وتكون {عَلى} للاستعلاء. وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرّب به إلى الله أن يذكر اسمه. واختير هذا الأسلوب ليشير إلى أن ذكر الله وحده دون شرك هو المقصود الأعظم وتوسيط الرزق للحث على الشكر والتقرب بتلك القربة والتهوين عليهم في الإنفاق.
ثم أمر الله تعالى بالأكل من تلك الذبائح أمر إباحة فقال:
{فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ} أي فاذكروا اسم الله على الذبائح، وكلوا من لحومها، وأطعموا البائس الذي أصابه بؤس أي شدة، الفقير المحتاج.
والأمر بالأكل من الذبائح كما ذكر؛ لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من نسائكهم. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون ندبا، لما فيه من مساواة الفقراء ومواساتهم وإظهار التواضع، ومن هنا استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث.
وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه، أمر من كل بدنة ببضعة (قطعة من اللحم) فتطبخ، فأكل من لحمها، وحسا من مرقها.
ومذهب الشافعي أن الأكل مستحب، والإطعام واجب، فإن أطعمها جميعها جاز وأجزأ. وقوله:{فَكُلُوا} التفات إليهم بالخطاب ليؤكد لهم إباحة الأكل من تلك الذبائح.
ثم أمر تعالى بالنظافة وإيفاء النذر والطواف، فقال:
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ، وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} هذه أوامر بواجبات ثلاثة على سبيل الإيجاب، أي ليزيلوا الأوساخ من على أجسادهم بقص الأظفار وحلق الأشعار ونحوه من الأغسال، وليوفوا نذورهم التي نذروها