الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
هذه قصة يونس عليه السلام، تبين مدى فضل الله وإنعامه عليه، كما أنعم على الأنبياء المتقدمين الذين ذكر قصصهم، وأجاب دعاءهم بعد الكرب والشدة، ومقاساة الأهوال، والصبر على العناء.
التفسير والبيان:
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً} أي واذكر أيها الرسول قصة يونس بن متى عليه السلام حين بعثه الله إلى أهل قرية نينوى (من أرض الموصل) وكان اسم ملكها «حزقيا» فدعاهم إلى الله تعالى وإلى توحيده وطاعته، فأبوا عليه، وتمادوا على كفرهم، فخرج من بينهم مغاضبا لهم، وأوعدهم بالعذاب بعد ثلاث.
فلما تحققوا منه ذلك، وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، وفرقوا بين الأمهات وأولادها، ثم تضرعوا إلى الله عز وجل، ورغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وسخالها، فرفع الله عنهم العذاب، كما قال تعالى:{فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ، فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ، لَمّا آمَنُوا، كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ} [يونس 98/ 10].
وأما يونس عليه السلام: فإنه ذهب، فركب مع قوم في سفينة، فاضطربت بهم وخافوا أن يغرقوا، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم في البحر، للتخفيف، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها، فوقعت القرعة عليه أيضا فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضا، كما قال تعالى:
{فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات 141/ 37] أي وقعت عليه القرعة.
فقام يونس عليه السلام، وتجرد من ثيابه، ثم ألقى نفسه في البحر،
فأرسل الله سبحانه إليه من البحر حوتا يشق البحار، فالتقمه
(1)
.
وقوله: {ذَا النُّونِ} أي الحوت، صحت الإضافة إليه بهذه النسبة.
وقوله: {مُغاضِباً} أي غضبان من قومه، لتكذيبهم إياه، وكراهيته خلف ما أوعدهم به من العذاب بعد ثلاث، لكنه لم يأتهم، لتوبتهم التي لم يعلم بها، لا كراهية لحكم الله، أو مغاضبا ربه، وإلا كان مرتكبا كبيرة لا تليق بالشخص العادي فضلا عن النبي، فهو مغاضب من أجل ربه، بدليل وصف نفسه أنه من الظالمين، وهذا رأي أكثر المفسرين.
{أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي نضيق عليه في بطن الحوت، ونقضي عليه بالعقوبة، من القدر والتقدير أي القضاء والحكم، كما في قوله تعالى:{فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر 12/ 54] أي قدّر، وكان خروجه يشبه حالة الآبق.
{فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ} أي فدعا ربه في أعماق الظلمات المتكاثفة أو من تحت الظلمات الثلاث: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل: تنزيها لك يا رب، أنت الإله وحدك لا شريك لك، تفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد، لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء.
{إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} نفسي بالخروج دون أمر أو إذن منك، وهذا خلاف الأولى للأنبياء، بدليل قوله تعالى:{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ، وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم 48/ 68].
{فَاسْتَجَبْنا لَهُ} أي فأجبنا له دعاءه الذي أظهر به الندم والتوبة.
{وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ، وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي وأخرجناه من بطن
(1)
تفسير ابن كثير: 191/ 3