المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} مفاتيح نعم ربك {الْعَزِيزِ} الغالب {الْوَهّابِ} من - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢٣

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تتمة قصة أصحاب القرية-تعذيب مكذبي الرسل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة القدرة الإلهية على البعث وغيره

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موقف الكفار من تقوى الله وآيات الله والشفقة على خلق الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار الكفار يوم البعث وبيان أنه حق لا شك فيه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المحسنين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المجرمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات وجود الله ووحدانيته وبيان خواص الرسالة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الصافات

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌فضل هذه السّورة:

- ‌إعلان وحدانية الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تزيين السماء بالكواكب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات المعاد-الحشر والنشر والقيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مسئولية المشركين في الآخرة وأسبابها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الكافرين وجزاء المؤمنين المخلصين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الظالمين وأنواع العذاب في جهنم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة نوح عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌1 -تحطيم الأصنام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -قصة الذبيح

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌من الذبيح

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى وهارون عليهما السلام

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة لوط عليه السلام

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة يونس عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تفنيد عقائد المشركين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (158):

- ‌نزول الآية (165):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نصر جند الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة ص

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌مناقشة المشركين في عقائدهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنذار الكفار بحال الأمم المكذبة قبلهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة داود عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الموضوع الأول-صفات داود عليه السلام

- ‌الموضوع الثاني-القضاء في خصومة

- ‌الموضوع الثالث-الاستخلاف في الأرض

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات البعث والثواب والعقاب وبيان فضل القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الواقعة الأولى:

- ‌الواقعة الثانية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أيوب عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرأي الأول:

- ‌الرأي الثاني:

- ‌قصة إبراهيم وذريته عليهم السلام-إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذي الكفل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عقاب الطاغين الأشقياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أدلة صدق النبي ص

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة آدم عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الداعي وحال الدعوة ومعجزة القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الزّمر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌فضلها:

- ‌مصدر القرآن والأمر بالعبادة الخالصة لله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من أدلة التوحيد وكمال القدرة وكمال الاستغناء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الدليل الأول وأقسامه من العالم العلوي:

- ‌الدليل الثاني وأقسامه من العالم السفلي:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تناقض الكفار واستقامة المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نصائح للمؤمنين في العبادة ووعدهم ووعيد عبدة الأصنام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌‌‌نزول الآية (17- 18):

- ‌نزول الآية (17

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الهداية للإسلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عربية القرآن وضرب الأمثال فيه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: {خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} مفاتيح نعم ربك {الْعَزِيزِ} الغالب {الْوَهّابِ} من

{خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} مفاتيح نعم ربك {الْعَزِيزِ} الغالب {الْوَهّابِ} من النبوة وغيرها، حتى يعطوها لمن شاؤوا {فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ} أي فليصعدوا في المعارج والوسائل التي توصلهم إلى السماء والاستيلاء على العرش، حتى يحكموا بما يريدون {جُنْدٌ ما} جند حقير من الكفار {هُنالِكَ} إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول، وتكذيب النبي {مَهْزُومٌ، مِنَ الْأَحْزابِ} صفتان ل {جُنْدٌ} فهم مغلوبون، متحزبون على الأنبياء قبلك، فقهروا وهلكوا، فكذلك نهلك هؤلاء.

‌سبب النزول:

نزول الآية (5):

{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ.} .:

أخرج أحمد والترمذي والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: مرض أبو طالب، فجاءته قريش، وجاءه النبي ص، فشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ قال: أريد منهم كلمة، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم العجم الجزية كلمة واحدة، قال:

وما هي؟ قال: لا إله إلا الله، فقالوا: إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب، فنزل فيهم {ص وَالْقُرْآنِ.}. إلى قوله:{بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ} .

‌التفسير والبيان:

{ص، وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} ص أحد حروف الهجاء العربية، افتتح بها هذه السورة كغيرها من السور للتحدي والتنبيه على إعجاز القرآن، وتنبيه المخاطب للإصغاء إلى الكلام الآتي بعده. وأقسم بالقرآن ذي البيان الشامل لكل ما يحتاج إليه العباد في المعاش والمعاد من الدين الجامع للعقائد الثابتة الصحيحة، والشرائع الناظمة للحياة الإنسانية، والوعد والوعيد، وهو أيضا ذو الشرف والشهرة والرفعة، أقسم به إنه لكلام معجز منزل من الله، وإن محمدا لصادق فيما يدعيه من النبوة، والرسالة من رب العالمين إلى البشرية جمعاء، وهو أيضا تذكير كقوله تعالى:

{لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء 10/ 21] أي تذكيركم.

ص: 166

وسبب كفر المشركين هو:

{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ} أي إن هذا القرآن ذكرى لمن يتذكر، وعبرة لمن يعتبر، وإنما لم ينتفع به الكافرون، لأنهم في استكبار عنه، وترفع عن اتباع الحق، ومخالفة لله ولرسوله ص ومعاندة ومكابرة وحرص على المخالفة.

ثم خوّفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم، فقال:

{كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ، فَنادَوْا، وَلاتَ حِينَ مَناصٍ} أي قد أهلكنا قبلهم كثيرا من الأمم الخالية بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من السماء، فاستغاثوا وجأروا إلى الله تعالى حين جاءهم العذاب، فلم يجدهم شيئا، لأن الوقت ليس وقت خلاص وفرار من العذاب، كما قال تعالى:

{فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ، لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ، لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ} [الأنبياء 12/ 21 - 13] و {يَرْكُضُونَ} يهربون.

وقال سبحانه: {حَتّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ} [المؤمنون 64/ 23].

{وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، وَقالَ الْكافِرُونَ: هذا ساحِرٌ كَذّابٌ} أي تعجب المشركون من بعثة محمد ص بشيرا ونذيرا، وبشرا رسولا من أنفسهم، وقال الكافرون لما رأوا معجزاته الباهرة: هذا ساحر خدّاع كذاب فيما يدعيه من النبوة، وينسبه إلى الله من الوحي.

ونظير هذه الآية قوله تعالى: {أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قالَ الْكافِرُونَ: إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ} [يونس 2/ 10].

وفي الآية دلالة على أن المشركين ذوي العزة والشقاق كذبوا الرسول ص من غير حجة وبرهان، وحسدا من عند أنفسهم، وطمعا في أن يكون الرسول ص

ص: 167

أحد الزعماء والرؤساء، ولم يجدوا تهمة أرخص من اتهامه بالسحر والكذب، وذلك دليل الإفلاس.

ثم أورد الله تعالى لهم شبهات ثلاثا في وصف النبي بالكذب: الأولى تتعلق بالألوهية أو التوحيد، والثانية بالنبوة، والثالثة بالمعاد، وهنا ذكر شبهتين، والثالثة ستأتي في آية {وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ} .

1 -

توحيد الإله: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ} أصيّر الآلهة إلها واحدا، وقصر الألوهية على الله سبحانه، إن هذا لشيء بالغ النهاية في العجب. وإنما تعجبوا لأنه كان لكل قبيلة إله، وكانوا يقولون: إنما نعبدهم ليقربونا زلفى إلى الله، والله يملكهم، فأي ضير في هذا؟ وادعوا العجب ممن رفض الآلهة المتعددة، وقالوا: إن آباءهم على كثرتهم ورجاحة عقولهم لا يعقل أن يكونوا جاهلين مبطلين، ويكون «محمد ص» وحده محقّا صادقا. وهذا مجرد تقليد أعمى وإرث منقول دون دليل عقلي ولا نقلي.

وسبب نزول هذه الآيات الكريمات كما تقدم:

ما رواه الترمذي وغيره بلفظ آخر عن ابن عباس، قال: «مرض أبو طالب، فجاءت قريش إليه، وجاء النبي ص، وعند رأس أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه، قال:

وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ فقال: يا عم، إنما أريد منهم كلمة تذلّ لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها الجزية العجم، فقال:

وما هي؟ قال: لا إله إلا الله، قال: فقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً} ؟ فنزل فيهم القرآن {ص، وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ} حتى بلغ {إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ}

(1)

.

ورواه بلفظ آخر ابن أبي حاتم وابن جرير عن السدّي.

(1)

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 168

وفي رواية: لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه شقّ على قريش إسلامه، فاجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا: اقض بيننا وبين ابن أخيك. فأرسل أبو طالب إلى النبي ص فقال: يا ابن أخي، هؤلاء قومك يسألونك السواء

(1)

، فلا تمل كل الميل على قومك. قال:«وماذا يسألونني؟» قالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال النبي ص:«أتعطونني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم» فقال أبو جهل: لله أبوك! لنعطينكها وعشر أمثالها. فقال النبي ص: «قولوا: لا إله إلا الله» فنفروا من ذلك وقاموا، فقالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً} ؟ فكيف يسع الخلق كلّهم إله واحد؟ فأنزل الله فيهم هذه الآيات، إلى قوله:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} .

{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ} أي وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب قائلين: امضوا على ما كنتم فيه، واثبتوا على عبادة آلهتكم، واصبروا على ذلك، إن هذا التحول عن الآلهة لأمر عظيم يريده محمد ص، ليعلو علينا، ونكون له أتباعا، فيتحكم فينا بما يريد.

2 -

عدم وجود التوحيد في النصرانية: {ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ، إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ} ما سمعنا بهذه الدعوة إلى توحيد الإله في الملة الآخرة وهي النصرانية، وما هذا إلا افتراء وكذب لا حقيقة له، وليس له مستند من وحي ودين سماوي، ولا من عقل صحيح فيما يزعمون، فوجب أن يكون باطلا.

3 -

تخصيص النبوة في محمد: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟} استفهام إنكار، أي كيف ينزل القرآن على محمد دوننا، ونحن الرؤساء والأشراف؟ فهذا أمر مستبعد، كما حكي عنهم في آية أخرى:{لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف 31/ 43] فرد الله عليهم قائلا:

(1)

أي العدل.

ص: 169

{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} [الزخرف 32/ 43].

وسبب استبعادهم هذا، الناشئ عن جهلهم وقلة عقلهم: الشك في أمر القرآن وحسد النبوة:

{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي، بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ} أي بل الحقيقة أنهم في شك من القرآن أو الوحي، بل إنما شكوا وتركوا النظر والاستدلال، لأنهم لم يذوقوا عذابي، فإذا ذاقوه صدقوا بالقرآن، وزال عنهم الشك والحسد.

و {لَمّا} بمعنى «لم» وما: زائدة، مثل:{عَمّا قَلِيلٍ} [المؤمنون 40/ 23] و {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ} [النساء 155/ 4 أو المائدة 13/ 5].

ثم رد الله تعالى عليهم استبعادهم نبوة محمد ص وجعلها في صناديدهم قائلا:

{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهّابِ} أي بل أهم يملكون مفاتيح نعم ربك القوي الغالب، المانح الواهب الكثير المواهب، حتى يعطوا نعمة النبوة لمن يشاءون؟ كما في آية أخرى:{قُلْ: لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ، وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً} [الإسراء 100/ 17].

ثم أنكر الله تعالى ما هو أشد، فقال:

{أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ} أي بل أهم يملكون السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات والعوالم، فإن فرض أنهم يملكون، فليصعدوا في المعارج التي توصلهم إلى السماء، حتى يحكموا بما يريدون من عطاء ومنع، ويدبروا أمر العالم بما يشتهون.

ثم أجمل الله تعالى وصفهم بالقلة والحقارة فقال:

{جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ} أي ما هم إلا جند مغلوبون

ص: 170