الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} أي مثل ذلك الفعل نفعل بالمشركين غير هؤلاء، أي نعذبهم، سواء التابع منهم والمتبوع.
{إِنَّهُمْ كانُوا.} . أي إن هؤلاء. {يَسْتَكْبِرُونَ} عن كلمة التوحيد أو على من يدعوهم إليها. {لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ} يعنون محمدا ص. {بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} رد من الله تعالى عليهم، فإن هذا النبي ص جاء بالقرآن المشتمل على الوعد والوعيد، وإثبات الآخرة. والمعنى: إن ما جاء به من التوحيد حق ثبت بالبرهان، وتوافق عليه المرسلون.
المناسبة:
بعد إثبات وجود الله وعلمه وقدرته ووحدانيته، وإثبات القيامة، ذكر تعالى أحوال الكفار في الآخرة حيث يساقون إلى نار جهنم، دون أن يجدوا لهم نصيرا وعونا يخلصهم من العذاب، ثم يتلاومون فيما بينهم، ويتخاصم الأتباع والمتبوعون، ولكنهم جميعا متساوون في العذاب، بسبب إعراضهم استكبارا عن كلمة التوحيد في الدنيا، وافترائهم على الرسول ص بأنه {لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ} مع أنه جاء بالحق الثابت الذي لا محيد عنه وهو التوحيد الذي دعا إليه المرسلون جميعا.
التفسير والبيان:
{اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ، مِنْ دُونِ اللهِ} يأمر الله الملائكة بجمع أصناف ثلاثة في موقف الحساب: وهم الظالمون المشركون، وأزواجهم أمثالهم وأشباههم، ومعبودوهم الذين كانوا يعبدونهم من غير الله، من الأوثان والأصنام معا، زيادة لهم في الحسرة والتخجيل على شركهم ومعصيتهم.
والظلم هنا: الشرك، لقوله تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان 13/ 31].
فهذا خطاب من الله للملائكة، أو خطاب الملائكة بعضهم لبعض، أي اجمعوا الظالمين ونساءهم الكافرات وأنواعهم وضرباءهم.
يحشر المشركون وأشباههم في الشرك ومتابعوهم في الكفر ومشايعوهم في تكذيب الرسل وقرناؤهم من الشياطين، يحشر كل كافر مع شيطانه. كذلك يحشر أصحاب المعاصي مع بعضهم، فيجمع أهل الزنى معا، وأهل الربا معا، وأصحاب الخمر معا.. وهكذا.
{فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ} أي أرشدوا وعرّفوا هؤلاء المحشورين طريق جهنم، زيادة في ازدرائهم والتهكم بهم.
{وَقِفُوهُمْ، إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} أي احبسوهم في الموقف للحساب والسؤال عن عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم التي صدرت منهم في الدنيا.
وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي عن ابن مسعود: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم» .
{ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ} أي يقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ: ما بالكم لا ينصر بعضكم بعضا، كما كنتم في الدنيا؟ وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر: نحن جميع منتصر، فقيل لهم يوم القيامة: ما لكم غير متناصرين؟.
{بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} أي بل إنهم اليوم منقادون لأمر الله، لا يخالفونه، ولا يحيدون عنه، لعجزهم عن الحيلة، فلا ينازعون في شيء أبدا.
وفي هذا الموقف في ساحات القيامة، يتلاومون فيما بينهم، ويتخاصم الأتباع والرؤساء، فقال تعالى:
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} أي أقدم الأتباع والرؤساء من هؤلاء الكفار، يسأل بعضهم بعضا سؤال توبيخ وتقريع ومخاصمة، في موقف القيامة، كما يتخاصمون في دركات النار، كما في آية:{فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا نَصِيباً مِنَ النّارِ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنّا كُلٌّ فِيها، إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ} [إبراهيم 48/ 40 - 47].
{قالُوا: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ} أي قال الأتباع للرؤساء: إنكم كنتم تأتوننا من جهة الخير، فتصدوننا عنه. وقيل: إن اليمين مجاز مستعار من القوة والقهر، أي كنتم تأتوننا من ناحية القهر والقوة وبحكم السيطرة والرياسة لكم علينا في الدنيا، حتى تحملونا على الضلال، وتقسرونا عليه. وقيل: تأتوننا من جهة الدّين، فتهونون علينا أمره وتنفروننا عنه، كما هو الشأن اليوم في كثير من الرؤساء والرفاق.
وكلمة {قالُوا} جواب عن سؤال مقدر، فهو استئناف بياني.
فأجاب الرؤساء بجوابين:
1 -
{قالُوا: بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي بل إنكم أنتم أبيتم الإيمان، وأعرضتم عنه، مع تمكنكم منه، مختارين الكفر، فقلوبكم هي القابلة للكفر والعصيان، وكنتم من الأصل على الكفر. وكلمة {قالُوا} أي المخاطبون وهم قادة الكفر أو الجن.
2 -
{وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ، بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ} أي لم يكن لنا عليكم من حجة وتسلط نسلبكم به اختياركم وتمكنكم، بل كان فيكم طغيان وتجاوز الحد في الكفر، ومجاوزة للحق الذي جاءتكم به الأنبياء، وكنتم مختارين الطغيان، فلهذا استجبتم لنا وتركتم الدين الحق، وما كان منا إلا الدعوة، وكانت منكم الإجابة اختيارا لا جبرا.
{فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنّا لَذائِقُونَ} أي وجب علينا وعليكم حكم ربنا، ولزمنا قول ربنا، وهو قوله:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} فلنذوقن ما وعدنا به، ونحن ذائقو العذاب لا محالة يوم القيامة. قال أبو حيان:
والظاهر أن قوله: {إِنّا لَذائِقُونَ} إخبار منهم أنهم ذائقون العذاب جميعهم الرؤساء والأتباع.
{فَأَغْوَيْناكُمْ إِنّا كُنّا غاوِينَ} أي إنا أضللناكم، ودعوناكم إلى الضلالة، وإلى ما نحن فيه من الغواية، فاستجبتم لنا.
ثم بعد هذا النقاش والجدل بين الأتباع والرؤساء، وصف الله تعالى العذاب الذي يحل بالفريقين، فقال:
{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ} أي إن التابعين والمتبوعين أو الأتباع والقادة مشتركون حينئذ جميعا في العذاب لا محالة، كما اشتركوا في الضلال والكفر، والجميع في النار، كل بحسبه.
واشتراكهم في العذاب عدل ككل المجرمين الكافرين، لذا قال تعالى:
{إِنّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} أي مثل ذلك الجزاء نفعل بالمشركين، ويجازى كل عامل بما قدم.
وسبب العذاب هو ما قاله تعالى:
{إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، يَسْتَكْبِرُونَ} أي إنهم كانوا إذا دعوا إلى كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله، استكبروا عن القبول، وأعرضوا عن قولها كما يقولها المؤمنون.
{وَيَقُولُونَ: أَإِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ} أي أنحن نترك عبادة آلهتنا وآلهة آبائنا لقول شاعر مجنون، يسرح في الخيال، ويخلط في الأقوال، يعنون رسول الله ص. وبهذا أنكروا في الكلام الأول الوحدانية، وفي الثاني أنكروا الرسالة.
فرد الله عليهم تكذيبا لهم بقوله:
{بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} أي إن النبي ص جاء بالحق في جميع ما شرعه الله له، وأوله التوحيد، وصدّق في ذلك الأنبياء المرسلين فيما جاؤوا به