الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعطى في الآخرة مثلما تعطون. والآية تدل على صحة القول بالحشر والمعاد، والفجار: الأشقياء {مُبارَكٌ} كثير الخير والبركات والمنافع الدنيوية والأخروية {لِيَدَّبَّرُوا} ليتدبروا أي ليتفكروا وينظروا في معاني الآيات، فيؤمنوا {وَلِيَتَذَكَّرَ} يتعظ {أُولُوا الْأَلْبابِ} أصحاب العقول، جمع لب: وهو العقل.
المناسبة:
بعد تهديد الضالين عن سبيل الله بالعذاب الشديد يوم الحساب في القيامة، أخبر تعالى بأن هذا اليوم آت لا ريب فيه، لأنه خلق الخلق لهدف معين، ثم يحاسبهم في نهاية الأمر، ثم بيّن عدم المساواة في الحساب بين المؤمنين والكفار وبين المتقين والفجار، ثم أخبر عن فضل القرآن العظيم، وأنه كثير المنافع الدينية والدنيوية.
التفسير والبيان:
{وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً} أي ما أوجدنا السماء والأرض وما بينهما من المخلوقات عبثا لا حكمة فيه، أو لهوا ولعبا، بل خلقناهما للدلالة على قدرتنا العظيمة، وليعمل فيهما بطاعتنا وعبادتنا وتوحيدنا، كما قال تعالى:
{وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات 56/ 51].
{ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ} أي إن الذين كفروا يظنون أن هذه الأشياء خلقت عبثا لغير غرض، فلا قيامة ولا حساب، فيا هلاك هؤلاء الكافرين في النار يوم المعاد والنشور، جزاء ما قدموا من الشرك والمعصية، وكفران نعم الله، وإنكار البعث، وظنهم الباطل. ونظير القسم الأول من الآية قوله تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون 115/ 23].
ونظير القسم الثاني قوله سبحانه: {وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم 2/ 14] وقوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم 37/ 19].
ثم أبان الله تعالى منهج الحساب أو عدم التسوية بين المؤمنين والكافرين، فقال:{أَمْ 1 نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ} أي بل أنجعل الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله، وعملوا بفرائضه، وأصلحوا أعمالهم، فأدّوا ما يجب للخالق والمخلوق، كالمفسدين في الأرض بالمعاصي، أم نجعل أتقياء المؤمنين كأشقياء الكافرين والمنافقين والمنهمكين في معاصي الله من المسلمين؟!! فليس ذلك إن فعلناه عدلا، ولا يتفق مع الحكمة، ومقتضى أي نظام.
أي ليس من عدل الله وحكمته التسوية بين المؤمنين والكافرين، فلا يستوي الفريقان عند الله، وإذا كان الأمر كذلك، فلا بدّ من دار أخرى يثاب فيها المطيع، ويعاقب فيها الفاجر، إذ لولا البعث والحساب والجزاء لكان الفريقان سواء.
ويؤيد هذا المبدأ العقول السليمة والفطر المستقيمة أنه لا بد من معاد وجزاء، فلا يعقل أن يكون جزاء المحسن كجزاء المسي، ولا تتقبل النفس الإنسانية أن يترك الظالم دون عقاب، وألا ينصف المظلوم أو المحزون أو المعدم من الظالم الباغي المترف، وألا يعوض عن كمده وحرمانه في الدنيا.
ونظير الآية قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟!} [القلم 34/ 68 - 36].
(1)
هذه أَمْ المنقطعة التي هي بمعنى «بل» للإضراب الانتقالي، ويراد بالهمزة الاستفهامية: الإنكار.